قصة قصيرة
رحيل خريفي
المقطع الأول
كانوا توّاً يهبطون من العربة. فتتابعوا : الإبن يجرجر طفليه بصمت . و تحفز فيه وجل. ووالدته: في دأبها تثاقل، و إرهاف سمع شديد ، متوجس. والكنة: تتأبط حاجياتهم.
اجتازوا فناء الحوش. فبدت بوابة الغرفة منفرجة قليلا. دلفوا تباعا ، ليباغتوا بالمريض وحيدا. جسده في سكينة .
أسجي على قفاه .فلاحت أجواء المجتمعين.. يكلكل عليها الصمت. وقبل أن تأخذ الزوجة الكبيرة، وقتا تخلد فيه للراحة، من سفر مضن.
بدا الابن يراقب حالة والده بطول بال: لكونه قد أهمل على نحو قاس.
حضرت زوجة الأب الصغيرة بخطى متباطئة. و حيّت الجميع ببرود.. مراقبة على مهل.. ما تفعله ضرّتها ، فاتجهت الى غرفتها بصمت.
كان من اللازم أن يتجدد الهواء، حتى يتسرب العفن خارجا و يكون الهواء رائقا. لكن .. هناك ما ينبغي عمله . منها: تغيير الشراشف. و بالذات شرشف الوسادة، الذي بدا داكنا . كذلك الغطاء و خلع ملابسه بكاملها، و غسلها جيدا و تهيئة إناء كبير من الماء الدافئ لاستحمامه .هذه أمور.. لا بد للزوجة الكبيرة أن تنجزها دون إبطاء.
كان الراقد بالكاد يجهد نفسه ، لملاحظة ما يجري. متطلعا لولده بذاكرة خائنة. إذ لم تساعده على معرفة الكل. في حين جلس الولد الى جانبه، متحسسا عصب يده الضامرة. و الأوردة الذاوية.
فعل ذلك قائلا.. بصوت واطئ، كأنه يتحاشى.. أن يؤلمه بكلامه:
ــ كيف حالك …؟
قال الأب مكابرا
– العافية بيد الرب.
قال الابن :
– هو المعافي.. هل تعرفت علينا؟
اكتفى الأب ببسط يده … مظهرا جهله.
قال الابن:
_ هذا أنا ولدك. وهذه أمي و زوجتي.
بكت الأم ، فقال الابن :
_ ستغيّر أمي وزوجتي كل هذه الأشياء.
أجهد الأب نفسه ليقول:
_ ألحّت زوجة أبيك.. لكن.. لا أقدر .
قال الابن:
_ حسنا يا أبي ..هي طيبة . لكن.. لا وقت لديها.
ظل الأب ينتكس ، فيغط بغفوة طويلة.
أشارت الزوجة الكبيرة الى الكنة، لتسرع بغلي الماء، و إبدال ملابسه.
قالت الزوجة الصغيرة للكنة:
_ أرأيتِ ؟ إنها توحي بحرصها أكثر مني. لماذا لا تأخذه معها؟
قالت الكنة التي تحظى بعلاقة طيبة مع الضرتين:
_ ولكن حالته متردية، وملابسه بحالة سيئة.
قالت الزوجة الصغيرة:
_ إذا كان الابن حريصا ، فليصطحبه معه. فأنا امرأة وحيدة ، ولا أدبّر أمري.
قالت الكنّة:
_ دعِ الهذر و اعطني أشياءه.
هتفت الزوجة الكبيرة بكنّتها مظهرة امتعاضها :
_ أين سرحت أيتها الثولاء؟
جمعت زوجة الابن أشياءه. هيّأت القدر. ووضعته على الموقد. و طفقت تسرع الى المريض.
قالت العمّة:
_ أسرعي و اطلبي من الثولاء الثانية، قليلا من الحليب و الرز، و هيّئي حساءً. قال المريض بصوت مُجهدّ:
_ لم.. تكن ثولاء.. لم تقصر.
قال الابن بصوت رقيق:
_ يا أبي .. هي لم تقصر. ولكن عليك أن تضع شيئا في أمعائك.
قالت الزوجة الصغيرة للكنه التي أخبرتها و كأنها امتعضت من الخبر:
_ و يأكل؟!
وبّختها الكنّة:
_ أو…..ه ما اقساك ! كنت أتصورك ستفرحين .
بعد أن هيّأت الكنة الحساء، أسرعت بالماء الدافئ.
قال المريض بكلمات واهنة متقطعة للكبيرة:
ـ ما الذي.. تفعلينه .. أيتها المرأة؟
قالت:
ــ لا عليك ــ أيها المُسعد ــ ساعدني فقط على خلع ملابسك.
قال:
ــ هي.. أيضا .. ألحّت .. لا أستطيع.
قالت :
ــ حسنا .. اتكئ عليّ .
أومأت أن يغادروا . خرج الولد و الكنة والأطفال.
أغلقت الكنة مصراعي النافذة، ومن ثم الباب. وشرعت الكبيرة تخلع ملابسه . وتدفعها من خلف الباب.
أول ما لاح لها : ذلك الجرح ، الغائر خلف كشحه. كان أثرا لخنجر أخيها : بسبب هيامه ، استمات لكي يفوز بها .
موسى غافل
Discussion about this post