من صور الأمل ..
د.علي أحمد جديد
مرسومان رئاسيان جديدان مكرمة من سيد الوطن ، يعززان مواجهة انتفاضات الأسعار الإعجازية وبشكل يومي .. وهذا مايستدعي التساؤل عن حال المواطن غير الموظف والذي لاراتب له ، حتى يصل الحديث عن الدعم الذي تقدمه الدولة السورية للمواطنين والذي نعلم تماماً أنه ليس وليد الساعة ، ولا حتى خلال سنوات الأزمة ، بل إنه يمتد لسنوات مضت ضمن إطار آليات متعددة وبمسميات مختلفة
(ترشيد الدعم ، وإيصاله لمستحقيه ، تحديد الفئات الأكثر حاجة للدعم ، تصحيح الآلية التي يتم فيها توزيع فيها الدعم..) ، وغير ذلك من عناوين تضمنتها سياسات الحكومات المتعاقبة والتي لم تكن جادة معظم الأحيان في التنفيذ على أرض الواقع ، لأسباب مختلفة ولكنها ذات نتيجة واحدة ، منها القرار السياسي ، ومنها عدم وضوح الرؤى بما يضمن آلية تصحيح حقيقية لتقديم الدعم ، يتم من خلالها الوصول الى صيغة قانونية واقتصادية واجتماعية تحقق الغاية والهدف من توجيه الدعم إلى مستحقيه الفعليين دون غيرهم في ظل ظروف معيشية صعبة وقاهرة وساحقة يعيشها المواطن ، لأن أدوات افتعالها متعددة أقلها تأثيراً الحرب الكونية، والتخريب والتدمير الممنهج لقوة العمل والإنتاج السورية من قبل الإرهاب وأهله ، وأخطرها تفشي “الفساد” الذي أنهك معظم مكونات المجتمع السوري بكافة أطيافه .
وبالتالي لابد من التساؤل حول ما يحدث لكتلة الدعم التي قال عنها أحد اعضاء مجلس الشعب :
” إن كتلة الدعم المخصصة في الميزانية العامة التي قدمتها الحكومة هي 725 ألف مليار ليرة سورية لايصل منها للمواطن سوى اليسير واليسير جداً لأن الفساد مؤطر ومنظم في تجفيف قنوات إيصال الدعم لاصحابه ” .
وذلك ما حمَّل المواطن السوري أعباء كثيرة على كاهله ولعقود طويلة من الزمن أصعبها في السنوات الثلاث الأخيرة ، وهو ما أوصلنا اليوم إلى حالة الأكثر سوءاً على الدولة وعلى المواطن ، وباتت هذه الحالة عبئاً ثقيلاً يرخي بظلاله على أدق تفاصيل معيشة المواطن اليومية من جهة ، وعلى مقدرات الخزانة من جهة أخرى ، الأمر الذي يُوجِدُ حالات التخبط في القرارات الحكومية ، وخاصة خلال الفترة الأخيرة التي شهدت فيها الأسواق المحلية انفلاتاً واضحاً في الأسعار ، وعدم استقرار أسعار الصرف ، ومضاربين يتجاوزون كل القوانين الوضعية والأخلاقية وحتى الإنسانية دون مساءلة ولاحساب ، وبغطاء من متنفذين يستغلون ظروف الحرب والحصار الاقتصادي ، والأخطر ما يقوم به الاحتلالان الأمريكي والتركي وعصاباتهما المسلحة في سرقة الموارد الطبيعية للدولة السورية من القمح والنفط والغاز .. وغيره .
أما “الفساد” فهو الأمر الأخطر الذي يوقع الخزينة العامة للدولة في حالة عجز مستمرة ، فتسعى الحكومة لضمان استمرارها اإلى زيادة موارد الضرائب والرسوم وبعض الموارد من الإنتاج الذي لايتم دعمه فعلياً إلا بالشعارات ، وذلك لا يؤمّن الكتلة المطلوبة لتوفير الإنفاق الحكومي الجاري والاستثماري بالصورة التي تسمح باستمرار استكمال حلقات الدعم التي تقدمها الدولة إلى معظم المواد الأساسية في الحد الأدنى لحياة المواطن ، خاصة ما يتعلق منها برغيف الخبز أوبالمحروقات والكهرباء أوالتعليم أوالصحة ، وغير ذلك من مكونات الدعم التي تستهدفها الدولة في تخفيف الأعباء عن المواطن ، كما كان الوضع في السابق ، ولكن مانلمسه فعلاً هو “الفشل” في ترشيد تقديم الدعم لمستحقيه الفعليين ، وتحسين مستوى المعيشة ، أوزيادة الدخل ، بدليل أن الزيادة الأخيرة للرواتب والأجور لم تحقق أي غاية أو هدف بسبب لهيب الارتفاعات السعرية التي لم تتوقف حتى تاريخه ، والتي لم يقبضها الموظف بعد ، وأصبحت نسبة الزيادة على الأسعار مقارنة بحجم الزيادة تتجاوز أكثر من الألف بالمائة ، وهذا مؤشر خطير يحتاج للمعالجة بضبط جشع التجار أولاً ، وبزيادة قوة الإنتاج والدخل بأكثر من النسبة المذكورة ، وهذا شبه مستحيل في هذه الظروف التي يعاني منها المواطنون .
وهنا نسأل إذا لم تكن الزيادة الأخيرة التي اقترحتها اللجان المشتركة التي بين الحكومة السورية وبين اعضاء مجلس الشعب والتي منحتها للموظفين هي من وفورات الدعم ، فمن أين جاءت إذاً ؟!..
هل جاءت من وفورات رفع أسعار المحروقات ، أم من وفورات رفع سعر الدقيق التمويني ، أم من وفورات رفع أسعار المواد الغذائية المخزونة في مستودعات” السورية للتجارة ” بنسبة تزيد عن 40% التي تتدخل فيها “كالسكر والرز” والتي لا يستلم منها المواطن إلا مرة واحدة في العام كله !!.. أم هي من وفورات بعض الخدمات التي تقدمها الدولة ضمن إطار مكون الدعم ؟!.
وإذا كانت الزيادة الأخيرة من هذه الوفورات ، فإنما هي زيادة وهمية ليس لها أي ارتدادات إيجابية ، بل زادت الأمور سوءاً ، وأغرقت مستوى المعيشة بانحدار شديد نحو الهاوية . وبالمعنى الاقتصادي لمكون الدعم والأرقام التي تحدثت عن كتلة الوفورات والتي حققتها الحكومة من خلال رفع أسعار المشتقات النفطية والتي هي بالأساس مدعومة والتي بلغت قيمتها أكثر من 15 تريليون ليرة سورية ، مقابل 4 تريليونات من نصيب الزيادة ، وذلك حسب تصريح وزير المالية ، وبالتالي فإنه وبمجرد المقارنة يتضح الفرق ، وندرك جميعاً أن مسلسل الدعم يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وكل القرارات والإجراءات تتجه نحو إلغاء الدعم بأساليب وتصريحات أشبه ماتكون بإبر التخدير للتعمية على سرقة الموارد ولصوص المال العام والفاسدين وغيرهم .
وما من مواطن إلا ويعترف بتفشي الفساد ظاهرياً وعلنياً دون رادع ولا ضمير حتى باتت الرشوة والسرقة والاختلاس حقاً من حقوق الموظف والعامل !!.. ولكن ما ذنب المواطن الذي بات يتحمل كل شيء لوحده !!..
وثمة إجراء واحد وجريء ينقذ الجميع ألا وهو ، محاسبة أثرياء الحرب ، والفاسدين وتجار الأزمة ، والذي سيعيد مسلسل الدعم إلى قوته الحقيقية ويستفيد منها الشعب بأكمله ، وليس فئة منتفعة دون أخرى ..
فهل سيفعلها السيد الرئيس لإنقاذ ما تبقى من صور العطاءات التي هو مطبوع عليها كما عرفناه ونعرفه دائماً ..
وحدها الأيام القادمة ستعطي الإجابة على إعادة إحياء الأمل لنعمل على إعادة إعمار الوطن بكل مافيه من البشر والحجر والشجر ..
وهو الذي قال قوله الخالد ابداً :
( الأمل بالعمل )
Discussion about this post