——————————————
🌿قلت في قصيدتي(قل للموت مهلا)
وأنا أنتظر قيامَــةً عاشقةً
تأتي كالمسيح من ظهر الغيب..
قل للموت مــهــلا
ولا تواعدْ حلما غير حلمي
ولا ترتِّبٌ حياتك على ضوء الغياب
ولا تكن سببا في نقص الحب على الأرض
ولا تعلقني بأهداب السراب….
وفي هذه القصيدة
الموت هو الذي قال للعاشق (مهلا)
—————————-
الشعر حقل ابداع كان وما زال سبيلا مذهلا للتعبير عن دواخل النفس واستجلاء أسرارها الدفينة والضاربة في الاعماق حيث يصوغها الشاعر وفق ما تتيحه اللغة التي تبدو عند الشاعر حمد حاجي قادرة على احتضان المعاني الشاعرية الملتهبة
فيأخذنا الى عالم لا محدود من التخييل والوهم فنعيش التمرد وخلقا لعوامل من الوهم
الذي يتسرب الينا بكل هدوء
ونرى كمَّ احاسيس القصيدة واقعا معيشا
ونمشي في مواكب الحزن نواسي الشاعر في مصابه الجلل
(وفي الطريق إليك)
ومع الشاعر نصغي لحديث القوى الطبيعية
وهي تخاطب الشاعر وتشاطره الاحزان والوجع
فنسمع الارض تهمس محتارة الى متى سيظل
هذا العاشق يتجرع الكآبة والكمد اللذين سببهما له موت(الحبيبة)
وقالت لي الارض
لما مشيتُ
إِلامَ الكآبة والكَمَدُ؟
وتساؤل الارض مشروع لان من على وجهها وهو حي يرزق عليه ان يحيا ويكون سعيدا لتنتقل السعادة الى الارض التي يكفيها وجهها الحزين
الذي تقابل به من هم في جوفها وقد غيبهم الموت
وحتى الريح حز في نفسها هذا العاشق الذي عصف به حزن الفراق الابدي فبات نحيلا
والريح في الشعر العربي لها حقول دلالية من أهمّ هذه الدلالات لمفردة الريح في النصوص الشعرية (العذاب، والدمار، والخراب، والعقم، والجدب، وأحياناً الرحمة والخير)
وهنا لها دلالة العطف والتعاطف
والريح في الشعر العربي
تمثل وسيلة الاتصال (الروحي) بين المحبّين والعشاق إذا تعذّرت وسائل الاتصال (المادي)
وهي هنا تعبر عن حرارة الأشواق وتوقد المشاعر
والشاعر هدبة بن الخشرم يقول
ألا ليتَ الرياحَ مسخراتٌ بحاجتِنا تباكرُ أو تؤوبُ
وفي أتون نار الفقد ترّق النار لحاله لما رات من آلام ووجع الفراق الذي اذاب كبده
وقالت لي النار
لما رأت سقمي
كيف نيرانك الكبد
هذا عاشق يقطع الطريق الفاصلة بين سكنه والمقبرة ويبدو انها طريق قصيرة ومع ذلك طالت عليه وتمددت اكثر فاكثر بمفعول ضعفه البدني من شدة الحزن وباعتبار نفسيته التي قهرها الموت باختطاف حبيبته او قد يكون الخوف من الوقوف على حقيقة موت المحبوبة التي ضمها القبر وهي الذي ما صدق انها رحلت عن الدنيا
مشيت طويلا مشيت بعيدا
لِتُسْلِمَني ذي الدروبُ لتلك الدروبْ
كأنّ المدى أمدُ…
فالعاشق المفارق يعاني السهر والسهاد والارق والوجع
وقد تنتابه نوبات حنين فيذهب الى المقبرة ليلا لاطفاء حريق الاشتياق
(وجئت /لشاهدة القبر/والكل قد رقدوا)
هو يزور المقبرة وبالتحديد ضريح الحبيبة
ليشكو لوعة فراقها ويبثها معاناته وكيف ان بحر احزانه كل لحظة بعيدة عنها يرتفع منسوبه ويغرقه في الهموم
حبيبان وعالمان مختلفان كل منهما يقيم على حدود الثاني وبينهما برزخ ولا أحد منهما يستطيع لقاء الثاني
لا الحياة تكرمت وتركت الحبيبة على قيدها
ولا الموت تواضع وأخذ الحبيب عند ها
حيث الخلود ليكونا معا فلا فراق ولا بين ولا أحزان
ولا شجن
فزيارة المقبرة والجلوس على التراب بالنسبة للحبيب هو امتداد لروحه وهو عناق لروح الحبيبة النائمة تحت تلك التربة…..
هذا القصيد الحزين ذكرني بالنص الحزين الذي كتبه ديستويفسكي بعد وفاة زوجته الذي من اروع ما تضمن هذه العبارة(فاننا لم ننقطع عن تغذية ذلك الحب بل ان حبنا يزداد كلما ازدادت مصائبنا)
وقد يكون وجود الموت هو الذي يجعل للحياة معنى وللحب معنى بل أروع معنى
نص حزين يقرأ بخشوع كما تُقرأ الفاتحة في موكب الجنازة
دمت مبدعا دكتور حمد الشاعر
فائزه بنمسعود
Discussion about this post