ورقات 12
“مبدعون غادرونا في صمت
وهم في الذاكرة يقيمون ”
الدكتور صلاح الدين بوجاه :
عرفته في بداية ثمانينات القرن الماضي عن طريق الكاتب فرج الحوار وفي أول لقاء معه أهداني نسخة من كتابه ” مدونة الإعترافات والأسرار ” التي كتبت حولها مقالة ونشرتها في مرحلة أولى في الملحق الثقافي لجريدة الحرية .وفي مرحلة ثانية في الجزء الأول من كتابي قراءات في الأدب التونسي الحد يث . وكان لنا لقاء آخر وهوعميد لكلية الآداب في القيروان. و كنت أطلعته على قراءتي لكتابه ” سهل الغرباء” التي نشرتها بجريدة الحرية ثم في الجزء الثاني من كتابي “قراءات في الأدب التونسي الحديث”. وكم كان حزني عليه كبير حين بلغني خبر وفاته ذات اربعاء من شهر فيفري سنة 2021 .
والدكتورصلاح الدين بوجاه هو وجه من الوجوه الثقافية التي شغلت الساحة الأدبية في تونس وفي بلدان المشرق العربي خلال العشرين سنة الماضية. وهو من مواليد مدينة السبيخة بالقيروان سنة 1956 . وقد تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بمسقط رأسه بالقيروان, وتابع دراسته الجامعية بكلية الآداب بتونس,أين حصل على الإجازة في اللغة والآداب العربية سنة 1974,ثمّ على شهادة الكفاءة سنة1975. كما حصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي عن بحثه : “في الألفة والاختلاف بين الرواية العربية والرواية المكتوبة بالفرنسية في تونس” . وكان عميدًا لكلية الآداب في القيروان, وشغل عضوية ” اتحاد الكتاب التونسيين”,وكذلك تولى الرئاسة لعدة سنوات , وكان عضوا في اتحاد الكتاب العرب, والجمعية المغربية الفرنسية للاداب, وكان أيضاً ضمن هيئة تحرير “مجلة الحياة الثقافية” . كما قدّم العديد من البرامج الإذاعية والتلفزية. وانتخب نائبا بمجلس النواب التونسي لأربع دورات متتالية .
والدكتور صلاح الدين بوجاه نظم الشعر وكتب القصة القصيرة والرواية والمسرحية والنقد الأدبي, وله العديد من البحوث والدراسات . وقد نال “الجائزة الوطنية للآداب” سنة 2003 .
له العديد من المؤلفات الأدبية المتنوعة بين الرواية والقصة القصيرة والترجمة والنقد:
منها في الرواية :
* ” مدونة الاعترافات والأسرار ” سنة 1984 .
* ” التاج والخنجر والجسد” سنة 1991 .
* ” النخاس” سنة 1995 .
* “السيرك” سنة 1997, .
* “سبع صبايا” سنة 2005 .
* “لون الروح” سنة 2008 .
وله في القصة القصيرة :
* “سهل الغرباء” سنة 2001 .
* “لاشيء يحدث الآن” سنة 2002 .
وله في الدراسات :
* “مقالة في الرواية” بيروت سنة 1992 .
* “الرواية العربية بين الرمز والأسطورة” بيروت سنة 1994 .
* “في الألفة والاختلاف بين الرواية العربية والرواية المكتوبة بالفرنسية في تونس” سنة 2005 .
* “الاسطورة في الرواية الواقعية” .
* “الجوهر والعرض في الرواية الواقعية” .
وله في الترجمة :
* “أم كثوم” سنة 1999 .
* “العولمة والتنوع الثقافي” سنة 2006 .
توفي الدكتور صلاح الدين بوجاه بعد تعرضه لجلطة دماغية يوم الأربعاء 17 فيفري (شباط) 2021. وقد كان من المقرر أن تقام تظاهرة تكريمية له في 26 و27 فيفري من نفس العام , كان سينظّمها “منتدى الفكر التنويري التونسي” حول تجربته الإبداعية ,ولكن المنية كانت أسبق من التكريم .
رحم الله الدكتور صلاح الدين بوجاه وأسكنه فراديس الجنان .
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
“مدونة الإعترافات والأسرارفي ضبط ما أثرعن أبي عمران من أخبار”
للكاتب والروائي صلاح الدين بوجاه,(شطحة لغوية شاذة ) …
قراءة بقلم الشاعر عمر دغرير :
إنالأثار الأدبية المتوفرة لدينا من زمن طويل تشكل نسقا نموذجيا فيما بينها . وهذا النسق الموجود متكامل ومتلائم إذا وضعناه في إطاره الزماني والمكاني الصحيح . ومن الخطإ إعادة تشكيل التراث إذا لم يكن لدينا المبرر الموضوعي والواعي لذلك . والكاتب المبدع لا بدّ أن يغير النسق القائم في التراث ولو تغييرا طفيفا حتى يصبح نتاجه قديما جديدا يتشكل برؤى عصرية ويتضمن مشاكل حياتية وهواجس جمة تعترض الفرد أوالمجموعة .
ولأبدأ من عنوان رواية الكاتب صلاح الدين بوجاه “مدونة الإعترافات والأسرار في ضبط ما أثر عن أبي عمران من أخبار ” :
لقد تعمد الكاتب إستعمال كلمة مدونة إشارة منه الى أن روايته تشتمل على تدوين حقائق تاريخية وأحداث واقعية عاشها ويعيشها المجتمع العربي مستسلما للقضاء والقدر, ومنتظرا مصيره الحتمي دون أن يسعى الى إيجاد الحلول الملائمة لمشاكله وطموحاته .
وحسب فهمي المتواضع لهذه الرواية يبدو أن الكاتب كان مشغولا بقضيتين كبيرتين .قضية الدين, وقضية الحرية والعدل الإجتماعي . وسوف أعود لأوضح هذه المسألة في فرصة قادمة حتى لا أنعت بالقصور في الفهم وفي بعد النظر .
لقد جاءت الرواية في شكل غير مألوف. فهي تنقسم الى جزئين : متن وحاشية .أطنب الكاتب في نقشهما بلغة تكاد تكون عسيرة لعمقها ,وتوغلها في باطن المعاني . ولعله تعمد البحث عن الكلمات في قواميس اللغة العربية حتى يتمكن من إنتقاء أصعبها فهما وأعسرها نطقا .
قلت جاءت هذه الرواية مجازفة من الكاتب في وقت طغت فيه لغة الصحف والمجلات والكتب التجارية الخالية من الصدق في التعبير والجدية والبحث العميق الشامل في لغتنا العربية التي خلدتها كتب التراث المتبقية لدينا . وهي حقا أثار لمبدعين خلدهم التاريخ لصدق تعبيرهم عن مجتمعهم وعن مواجهتهم لأوضاعهم و واقعهم . غير أن الكاتب قد يكون أخطأ في إختياره هذا . فجاءت روايته في شكل فولكلوري بحيث نجد الراوي وكأنه مؤدب يطلب منذ البداية من تلاميذه التحلق والإلتفاف حوله في أعداد كبيرة حتى يستفيدوا من قرآنه الحكيم :
” ألا إكتنفوني .. حولي تحلقوا وكونوا كثيرين .. و ليكونن وصلا لا فصلا يثنيه عن مطلق الكلام ألا إلتفوا وأحسنوا الإنصات…” .
ثم يتوغل بهم في أعمق الكلم فيعبر بهم ريف عمان وجريد مصر وأحساء قابس وكل مدن الشرق والغرب مذكرا إياهم في كل مرة بأن كل ما يقوله في تراتيله صدق لا لبس فيه . وكلما نضب ينبوع لفظه بالنظر نبهوه وبالهتاف أيقظوا سكونه .
وقد ذكر في آياته شخصية رمزية غير واضحة المعالم بالرغم من كونها الفاعل المحوري في هذه الرواية فأبو عمران سعيد, وهو البطل الرئيسي يقوم بكل الأدوار . حيث نشهده يهتز عبر بعض التصرفات اللامسؤولة في الإدارات . ويقبل بنهم على فتح قوارير الخمر, ومعاشرة أجمل الفتيات, مغيرا على متع حاضرهن والآتي . وهو أيضا ذلك الطفل الصغيرالمتتبع لدهشة الأخت والأم والمدينة بأكملها .
هذا البطل بعد أن يسمع عنه الشيء الكثير في الحاشية على لسان الراوي يشدنا بنفسه في المتن ويقص علينا أغرب أحلامه التي غالبا ما تكون خيالية إذ ينطلق حيث يخب به فر سه الأبلق ,وقد شق لنفسه في السحاب سبيلا . ويجول بناظريه بين المغربين والمشرقين , فيكشف حقيقة الأوضاع في الوطن العربي . ومن أحلامه لقاؤه مع شيخ ذي صلع وبياض كما ورد في النص فيتحدث اليه بلغة حادة :
” يا أهل الجهل والمسغبة , ما أصبت منكم في رحلاتي أحدا الا ألفيت نهم الحقد يأكل سواد مضغة صدره شراسة وحنينا الى ما ليس له به شأن .أو لسنا الحافظين لرزق العباد القيمين على الرحمان؟ إلام سعيكم نحو المعالي, وقد قيض لكم الإنسحاق الإلتصاقي بمنخفض الأودية والوهاد” .
قد تكون هذه رسالة موجهة الى كل الضمائر النابضة في هذه الرقعة من الأرض لتتبع ما جاء فيها من بينات ولتضع حدا للنهم والسفاهة والأباطيل والظلم والطغيان ؟ و بذلك يعم الأمن وتدخل الطمأنينة قلوب البشر, وينعم الناس بالحرية والعدالة والإستقرار .
والكاتب في شطحته اللغوية هذه ,والتي يصعب فهمها, إكتفى بسرد الأحداث وتقديم الدعوات والإدعاءات متجاهلا كل الجهل وجوده وسط الحلبة وكأن الأمر لا يعنيه في شيء .وهو بلسان الراوي يتعرض الى طيور الشرق والغارقين في السكر والعربدة في أحضان الروميات في بلد الضجيج والدعارة معتمدا قولة الشاعر العربي :
“حوراء إن نظرت إليك سقتك بالعينين خمرا
وكأن تحت لسانها هاروت ينفث فيه سحرا ” .
لم يعب الكاتب في إستعماله الرمزية ,وربما لم ينجح في تقديم بعض الأحداث التاريخية بكل أمانة . فهو يذكر بأن صدر الإسلام قد بيع للصاحب والذمة . وأن عهود المسلمين مع ربهم قد نفقت أسواقها وبيعت في مزاد علني لم يحدد منطلق إفتتاحه . وكذلك لا جدوى لكلمة تلغى عبر ذرى الأيام . ويختم تراتيله ودعواته على لسان أبي عمران سعيد :
” ثم رأيتني يخب بي الأبلق …علنا ندرك للإنسان أملا في وجود أجدى وعذوبة أعدل” .
وهذا تأكيد من الكاتب بأنه يئس من مواجهة وإرشاد مستمعيه لأن حياتهم الدنيا حسب قوله إغتصبها ساداتهم القومة على أمرهم دون أن يدركوا أو حتى يحركوا ساكنا . وظل الخل يطحن خله ولا قوت لليأس الذي لبسهم غير عذوبة الرؤيا . وحتى الأحلام أصبحت تجترهم وتجتر ذاتها كدفتي رحى تتطاحنان ودا وألفة وأنسا .
وماذا بعد ذلك ؟ فالوضع العربي باق على ماهو عليه . بل وصل الى مرتبة سفلى من الرداءة والتدهور والإحباط .والكاتب بهذه التجربة القديمة الجديدة في الكتابة الروائية لا أظنه توصل الى تبليغ رسالته إلى القارئ لأن اللغة المستعملة ليست في متناول حتى الأقلية من المثقفين نظرا لتوغلها المفرط في الضبابية وكأني به يعمد إلى تعجيزنا وإغراقنا في متاهات المفردات الصعبة حتى نقول بأن هذا الكاتب مبدع وفنان. ولعله نسي أن الإفراط في إستعمال اللغة الأكاديمية والتركيز على الشكل التراثي دون إدخال بعض الإضافات أو حتى دون التمكن والإدراك بالمبرر الموضوعي والواعي لإستعمال هذا الشكل لا يدفع بصاحبه نحو الشهرة والخلود .
وعموما تعتبر هذه الرواية محدودة الآفاق .ولست مع الكاتب حين قال بأنها تفتح السبل أمام الروائيين العرب المؤمنين بالتجريب باعتباره دربا نحو إمكان بناء ما اندك ورتق وترهل . لأنني مؤمن بأن ما اندك ورتق وترهل لا بد من تغييره بجديد .وكذلك لا بد للماضي أن يتغير بواسطة الحاضر كما أن الحاضر لا بد أن يوجهه الماضي .
ولعل تشبث الكاتب بهذا الشكل دون سواه يؤكد بأنه متعصب للقديم ونرجسي أكثر من اللازم حتى أننا نجده يقدم الرواية بنفسه ذاكرا أنها تصورالواقع العربي الأعجف الداخلي والخارجي قديمه وحديثه إثارة لقضايا عدة قد شغلت وتشغل هواجس أمة بأكملها .
وهي حسب قوله إرتسام سبل شطحة جدلية متميزة قد سلف أن أخذت بتلابيب حضارة برمتها . بالإضفة الى إعتبارها رواية النصوص العربية الروائية ولم يترك الفرصة للقارئ حتى يأتي على كل أبعادها وخفاياها ,ويعبر عن رأيه بكل حرية . ثم كذلك محافظته على كتاباها بخط اليد واستعماله للحاشية والمتن كل هذه الدلالات تؤكد بأن الكاتب متشبث بالقديم الى حد بعيد فهو لم يدخل أي تغيير يذكر على ما جاء في كتب التراث الأمر الذي يجعلنا نعتقد بأننا لو حذفنا إسم الكاتب لتذكرنا أننا بصدد قراءة نوادر الجاحظ أو البعض من مدونة ألف ليلة و ليلة .
ولا أظن أن الكاتب إعتقد في لحظة ما أنه وصل الى مرتبة هؤلاء العمالقة في الأدب القديم وليعلم أن ما كتبه لا يتعدى شطحة لغوية شاذة وكما يقال : ” الشاذ يحفظ ولا يقاس عليه ”
وأختم لأقول : لكل مقام مقال ومن المفروض مخاطبة الناس بما يفهمون إذا كنا نؤمن بأن القول وجود أو لا يكون ….
رحم الله الدكتور صلاح الدين بوجاه ورزق أهله الصبر والسلوان .
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
غرابة الأفكار في ” سهل الغرباء”
قراءة في قصص صلاح الدين بوجاه بقلم الشاعر عمر دغرير :
إن المتتبع للساحة الثقافية وللإصدارات الجديدة خاصة منها المجموعات القصصية يلاحظ أن المواضيع التي تتعرض اليها القصص مصدرها واحد ولا تختلف عن بعضها . غير أن الإختلاف إن وجد فقد نلاحظه في الأسلوب والتعمق ,وكذلك في البناء المحكم لمكونات القصة القصيرة . ولا يختلف اثنان في أن هذا المصدر هو الأسطورة أو التراث الذي يحوي ذاكرة غنية بالعادات والتقاليد التي لا يمكن للفكر أن ينساها أو حتى يتناساها .
والكاتب صلاح الدين بوجاه واحد من الذين توغلوا في الذاكرة الشعبية , وسحرتهم كتب التراث فأخذ منها نصيبا كان كافيا لإثراء الساحة الأدبية بأكثر من أربعة روايات أذكر منها : مدونة الإعترافات والأسرار سنة 85 ,والتاج والخنجر والجسد سنة 92 ,والنخاس سنة 95 ,و راضية والسيرك سنة 97 . وهي في الحقيقة روايات متفاوتة الأهمية حتى وان اختلفت في الأسلوب فإنها تنبع من نفس العين ,وتقدم الإضافة للأدب التونسي والعربي كذلك. وقد تعامل هذا الروائي بالأساس مع العديد من دور النشر العربية ( تونس ومصر ولبنان ) .ولقي الصدى الطيب. وهذه دار سيراس للنشر التونسية أصدرت له العديد من الكتب اضافة الى مجموعة قصصية اختار لها عنوانا لا يخلو من الرمزية “سهل الغرباء “, وهي مجموعة قصص تجمع بين الغرابة والواقعية في آن. تجمع بين الحياة والموت ,وبين الجنس والشيخوخة, وبين العلم والجهل . مجموعة قصص قصيرة صاغها صاحبها بأسلوب بسيط ومشوق ,وهو أسلوب يختلف عن الأساليب التي انتهجها في رواياته السابقة .
لقد احتوت المجموعة على أكثر من عشرة قصص تتوحد تقريبا في الأسلوب مع بعض الإختلاف في الزمن والأحداث .
” عربة الموتى” هو عنوان القصة الأولى :
قاسم عجوز واسع الحيلة تجاربه كثيرة اعتاد نقل الموتى على عربته المجرورة بالبغلة رفيقة دربه من الأرياف والمناطق النائية .وقد تعود على مقاومة الخوف والصقيع بالخمرة . فهو يجوب السلهول الواسعة حول المدينة ليحمل لها الأموات وتكون نهايته ذات ليل طويل بعد أن وصل بعد معاناة الى جامع الغرباء في مقبرة المدينة .
ونترك قاسم لنلتقي مع ناجي في قصة ” مطاردة” :
رجل ألف الحياة فوق السطوح ,وبين أقبية زاوية سيدي عمر عبادة ,ومقام سيدي عبيد الغرياني, وهناك يطارد صفية وآمنة امرأتان كانتا وسطا بين الطهر ومنبثق الشهوة ,وتكون المغالمرة .
وفي “بيت الغرباء” :
ساسي وهو عامل باحدى قاعات السينما اعتاد أن يتفقد المقاعد اثر خروج المتفرجين بعد انتهاء العرض وينظف القاعة. وفي أحد الأيام عثر أثناء التنظيف على شيء دسه في جيبه خفية عن الأعين المتربصة. وأمام مدير القاعة أعلن أنه عثر على شيء هو وديعة عنده سوف يعيدها الى أصحابها حين يطلبونها . وعمل الخيال في تأويل هذه الوديعة وكثر اللغط فقيل أنها حلي وجواهر, وقيل أنها أحجار كريمة أوأموال كثيرة . و يبقى السر عند العامل ساسي الذي هدد بالطرد وحرمانه من مورد رزقه الوحيد .وفي نهاية الأمر يكشف ساسي عن الحقيقة الغريبة . بحيث كانت الوديعة الثمينة سراويل داخلية ورافعة نهد .
وتستمر غرابة المواضيع في كامل القصص . فهذه مغامرة رسام مع عارضة اشهارية في مركب سياحي الى جزيرة قوريا. وذاك مهرج دفعته الظروف الى التهريج ,وفي عمله يستعيد ذكريات طفولته الأليمة ويكشف عن حياته القاسية مع زوجة أبيه بعد أن فقد أمه.
لقد حرص الكاتب على ابراز بعض الجزئيات والتفاصيل التي لا نهتم بها أوربما نعتبرها عابرة وشاذة بحيث نجد في قصة ” المشتى فوق الجبل ” : ألفة المدلكة صاحبة الحكايات الغارقة في الفجور والجنس والحزن والمعاناة تستحضر ماضيها وتمارس الجنس مع حرفاء المشتى . ونتعرف على عائشة الخادمة في قصة “دا دمه ” هذه المرأة الغريبة التي تتفنن في خلق ألوان العقاب لتسلطه على الأطفال في غياب أم مجهول خروجها المتكرر من بيتها بعد أن تلف الحائك الأبيض حول سنواتها الأربعين . كما نقف على بشاعة الطرق التي يستعملها الشيخ الناوي في قصة “طارد الأرواح ” لمطاردة الأرواح الشريرة التي يزعم أنها تملكت بالصبية جميلة . تلك الفتاة الحسناء النابغة التي حرمها والدها من مواصلة تعليمها بالخارج .
وينتهي بنا المطاف الى قصة “زرنيخ” ذلك الجرو الذي نجا من الموت بأعجوبة ,وأفلت من فأس راجح العجوز الذي يقتل بشراهة كل الجراء التي يمسك بها الأطفال في الضيعة .هذا العجوز يستغل لهو الأطفال ويطارد صبية من بينهم تدعى فاطمة ,ويحاول التحرش بها .
وتنتهي القصص, وتنتهي رحلتنا مع المغامرات والأحداث الغريبة التي استمد الكاتب البعض منها من الذاكرة الشعبية ,والبعض الآخر, نسجه من الحياة اليومية المتقلبة ,وهو بذلك يؤكد على ضرورة ربط الماضي بالحاضر والحاضر بالمستقبل حتى يحصل التفاعل وتحدث الإضافة في العمل الإبداعي . وعلى هذا الأساس نلاحظ أن الكاتب صلاح الدين بوجاه في هذه القصص جمع بين التداوي بالطرق القديمة والشعوذة والتداوي عن طريق التمسيد في المصحات الحديثة .وكذلك جمع بين ممارسة الجنس فوق السطوح في الأحياء القديمة ,و في قاعات السينما .وكذلك جمع بين الشيخوخة والعجز وما يمكن أن يحدث لكبار السن من انعكاسات سلبية قد تحول حياتهم الى جحيم .
وفي الختام لا بد أن أشير الى أن ” سهل الغرباء” مجموعة قصص ممتعة في قراءتها تتميز بأسلوبها البسيط و بحواراتها القصيرة والمعبرة اضافة الى قصرها واختزالها للصدق والمعاناة في آن …
لروح الكاتب صلاح الدين بوجاه السكينة والسلام .
Discussion about this post