ورقات 14
“مبدعون غادرونا في صمت
وهم في الذاكرة يقيمون ”
الكاتب والناقد عبد المجيد يوسف : 10 أيام على رحيلك يا صديقي .
عرفته في الصالون الثقافي مع الشاعرة راضية الشهايبي مباشرة بعد الثورة ثم واكب رفقة زوجته الشاعرة سهام صفر كل أنشطة خيمة الإبداع التي أشرف عليها بمركز الإصطياف والتخيم بسوسة . وبعد أن تعطل نشاط الخيمة لعدم توفر مكان مناسب يحويها خاصة بعد فشل التجربة مع دار الثقافة علي الدوعاجي بحمام سوسة ,فكرنا في تأسيس صالون جديد : عبد المجيد يوسف وعمر دغرير و أحمد بن ابراهيم , وكنا ثلاثتنا اخترنا له اسم صالون حسن نصر لقضايا السرد وكنا عقدنا أول جلسة في بيت الأستاذ عبد المجيد يوسف في مدينة حمام سوسة وذلك يوم الخميس 4 جويلية 2019 وكان موضوع اللقاء ,الكاتب حسن نصر ( المسيرة والأعمال ) وقد حضرها جمع غفير من المبدعين والأساتذة . وتم الإتفاق على أن تكون اللقاءات مرة في الشهر ويحدد موضوع اللقاء القادم في نهاية اللقاء الذي سبقه . كما تمت جلسة ثانية في نفس المكان .وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان وتوقف نشاط الصالون لأن مالكة البيت رفضت أن تتم اللقاءات في بيتها الأمر الذي دفع الأستاذ عبد المجيد يوسف إلى البحث عن منزل آخر .ومع الأسف بقينا لمدة طويلة نلتقي في المقاهي إلى أن تفرق الجميع وتوقف نشاط هذا الصالون وقلت لقاءاتنا إلى أن فاجأني خبر وفاته ليلة يوم السبت 26 أوت 2023 .
والأستاذ عبد المجيد يوسف هوكاتب تونسيّ ومترجم وروائي من مواليد 26 جويلية (تموز) 1954 بمدينة طبربة . وقد حفظ من القرآنَ أكثرَه (55 حزبا) وهو في الثّامنة من العمر .وتحصل على الأستاذية في الآداب العربية وعلى الديبلوم العالي للغة والدراسات الإيطالية من جامعة تونس الأولى ثم على ديبلوم الدراسات المعمقة من جامعة سوسة. كتب الشعر والقصة والرواية واهتم بنقد السرد والترجمة والبحوث اللسانية. وله تجربة واسعة في مجال الترجمة بين اللغة العربية والفرنسية، حيث قام بنقل مجموعة من البحوث إلى العربية متعلقة بقضية الإسلام والديمقراطية، كما صدرت ترجمته لرواية “موت اليهودي التائه” للكاتب الدنماركي “بار لاجاركفيست” فضلا عن أعمال أخرى له صدرت عن اتحاد الكتاب التونسيين.
من مؤلفاته :
في مجال القصة والرواية:
* رواية Les nichons de ma mére صادرة عن منشورات مومنت سنة
* زوايا معتمة (ليبيا ومصر/ دار قباء) سنة 2008 .
* فصول من سيرة مراد الكاتب (قصص) /دار البراق تونس سنة 2012 .
* رواية Epopée féline / دار البراق للنشر سنة 2010 .
* وحيدا أقطع هذا الدغل (قصص) /الثقافية للنشر تونس سنة 2015 .
* رواية ” اللواجيست” دار الوطن العربي بالمنستير سنة 2022
*رواية “المعصرة” دار الفردوس للنشر و التوزيع سنة 2023
وله رواية تحت الطبع بعنوان “بكالوريا”.
وله في مجال الشعر :
* فقدت نجمتي / إصدار خاص سنة 2010
* سحب آسنة / دار البراق سنة 2012
وفي مجال الدراسة :
* أهداب النخل : دراسات في روايات البشير خريف/ دار سيبويه تونس سنة 2007
* أحلام الطين : مناقشة المسعدي للفلسفة الوضعية في حدث أبو هريرة/ دار البراق سنة 2010
* تلوينات على وشاح طائر: دراسات تناصّية/ دار رسلان للطباعة والنشر سنة 2015
* مباحث في اللغة العربية وآدابها/ دار المنتدى سنة 2016
وفي مجال الترجمة :
* وبعد : مجموعة شعرية للشاعر الإيطالي جوزبي نابوليتانو (عن الإيطالية) / دار البراق سنة 2010
* يقين ظاهري: مجموعة شعرية لنفس الشاعر نابولي(عن الإيطالية) / دار la stanza del poeta سنة 2010
* مجموعة شعرية لراضية الشهايبي Cantiques de l’errance ( إلى الفرنسية) نابولي دار la stanza del poeta سنة 2010 .
* مجموعة شعرية للشاعر السعودي رائد أنيس الجيشي Genèse de la mémoire passionnée (إلى الفرنسية) / دار L’Harmattan باريس سنة 2013 .
* مجموعة شعرية للشاعرة راضية الهلولي J’ai modelé mes jours au rythme de ta voix (إلى الفرنسية) / دار البراق للنشر سنة 2015 .
* مجموعة شعرية للشاعر العراقي عباس المالكي Rives de nuée إلى الفرنسية / دار رسلان للنر سنة 2015 .
* البنيوية والتحليل الأدبي – الجنون والحضارة لميشال فوكو(عن الفرنسية) / دار البدوي سنة 2015 .
* مجموعة شعرية لسوف عبيد Oxyde de l’âme (إلى الفرنسية) / دار البراق سنة 2015 .
* كما شارك في انطولوجيات شعرية بالترجمة إلى الفرنسية و إلى الإيطالية بكندا وألمانيا ورومانيا وإيطاليا وفرنسا.
توفي المترجم والروائي والكاتب والشاعر عبد المجيد يوسف يوم السبت 26 أوت وتم دفن جثمانه يوم الأحد 27 أوت 2023 بمقبرة حي العوينة سوسة بعد صلاة العصر .
لروحه السكينة والسلام وللأهل والأقرباء و الأصدقاء جميل الصبر والسلوان .
“”””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
في مجلة عود الند عدد 95 بتاريخ ماي 2014 ورد مقال بعنوان “عبد المجيد يوسف: السّيرة والمسيرة”
بقلم الكاتبة والشاعرة وهيبة قوية جاء فيه :
“الموضوع أدناه أساس قراءة أعددتها لتقديم عبد المجيد يوسف في الأمسية الثّقافيّة الخاصّة به والتي أقيمت في النّادي الثّقافي الطّاهر الحدّاد بتونس العاصمة، يوم الجمعة 11 نيسان (أفريل) 2014.”
عبد المجيد يوسف كاتب تونسيّ من مواليد 26 جويلية (تموز) 1954. حفظ القرآنَ أكثرَه (55 حزبا) وهو في الثّامنة. نشط في الحياة الثّقافيّة التّونسيّة منذ فترة التّلمذة وشارك في العديد من النوادي والتّظاهرات الثّقافيّة. حاصل على الأستاذيّة في الآداب العربيّة وعلى الدّبلوم العالي للّغة والدّراسات الإيطاليّة من جامعة تونس الأولى، ثمّ على دبلوم الدّراسات المعمّقة من جامعة سوسة. يكتب الشّعر ويكتب القصّة والرّواية ويهتمّ بنقد السّرد. ونشر عدّة قصص وقصائد ودراسات مترجمة من وإلى اللّغات الّتي يعرفها.
هب أنّنا عرفنا هذه المعلومات، فهل عرفنا الرّجل إلاّ بمولده ونشأته؟ وهل ظفرنا من ذلك إلاّ بشهادة ميلاد عاديّة، وتسجيل لشهائده العلميّة؟ إنّنا لم نظفر بأكثر من أنّه كاتب ومترجم.
لذلك أفضّل تعريف بعبد المجيد يوسف سيكون من خلال ما صدر له من كتب باعتباره كاتبا ومترجما، فوحدها الإصداراتُ تُفصح عن بعض فصول “سيرة كاتب”، منشئ مشارك في إنتاج النصّ التّونسيّ، والعربيّ وفي إنتاج ما نطق به لسان القلم ترجمةً، إذْ يحضر في نصّه من خلال ثقافة متنوّعة المصادر ومن خلال فسيفساء النصّ[1] وتعالقه[2] بنصوصٍ استلهم منها كتاباته. واستحضرها نصّه[3]. ومن خلال أسلوب الخطاب[4]، ومضمونه. فمهما حاول الكاتب أن يتخفّى في النصّ، إلاّ أنّه باعتباره صاحب الخطاب، فإنّه يحضر في النصّ بلغته وتراكيبه ومن خلال زاده المعرفيّ وما رسخ من ثقافته خلال تكوينه[5].
إذن سأتعامل مع النّصّ بوصفه معطى ثقافيّا قابلا للاستنطاق ويختزن بإمكانياته اللّغويّة وبمضامينه مسيرة أديب.
فصول من سيرة عبد المجيد يوسف الكاتب[6] .
• من خلال إصداراته :
لعبد المجيد يوسف إصدارات عديدة أكتفي هنا بذكر عينة منها لإعطاء فكرة عن تنوعها:
* “مقاربات نقديّة”. الناشر: دار سعيدان بسوسة، تونس 1994.
* “أهداب النّخل” (دراسات عن القاص التونسي بشير خريف). الناشر: دار سيبويه بالمنستير، تونس 2008.
* “زوايا معتمة” (قصص). الناشر: المجلس الثقافي الليبي، ودار قباء، مصر 2008.
* “سحب آسنة” (مجموعة شعرية). الناشر: دار البراق، سورية، 2010
* “وبعد”. مجموعة شعرية للشاعر الإيطالي جوزبي نابوليتانو. ترجمها عن الإيطالية. الناشر: دار البراق، سورية 2010.
* “تراتيل الترحال” مجموعة شعرية للشاعرة راضية الشهايبي نقلها إلى الفرنسية وترجمت للإيطالية وصدرت بنابولي 2010 عن دار لا ستنازا دل بويتا [بيت الشاعر].
* ترجمة من العربيّة إلى الفرنسيّة لديوان للشاعر السعودي رائد أنيس الجشي[7]، صدر في فرنسا عن دار هارماتن في بداية 2014.
وتدل إصداراته العديدة على ثراء إنتاجه، وتُظهر أولا تعدّد لغة كتابته، فقد كتب بالعربيّة والفرنسيّة والإيطاليّة (ترجمة). وثانيا تعدّد أجناس نصوصه، إذْ كتب في أكثر الأجناس المعروفة ومن أهمّها الرّواية والقصّة والشّعر والنّقد، والدّراسات الأكاديميّة والبحوث، إضافة إلى النّصوص المترجمة نثرا وشعرا من العربيّة وإليها ومن الإيطاليّة والفرنسيّة وإليهما. وثالثا، تعدّد ملامح الكاتب من خلال عناوينِ كتبه وتواريخ إصدارها لتدلّ على كاتب ثريّ الإنتاج، تتوالي نصوصه فصولا شتّى تجمع تفاصيل صورة مبدع تونسيّ تأصّل قلمُه في كيان لغته وفي لغة الآخر، فتنوّع نصّه وإنتاجه[8].
هذا إذا نظرنا من خارج النّصوص عددا، ولغةَ كتابةٍ، وجنسَ نصّ. وأمّا بالنّظر إلى المضمون فإنّنا نجد نصّ عبد المجيد يوسف نصّا يقوم على تجربة واعية في الكتابة، تجمع إلى الموهبة الاشتغالَ الواعيَ على النصّ، حتّى أنّه صار مخبرا وبحثا في أصالة النّصّ ضمن الأدب العربيّ عامّة وتأصيلا صريحا للنّصّ التّونسيّ الجديد. وهو نصّ ثريٌّ، يتجاوز ثراؤه الجنسَ الّذي تندرج ضمنه، واختلافَ اللّغة من كتاب نصّ إلى آخر، ومن نصّ إلى آخر، إلى ثراء مضمونها، وثراء المناهل الّتي نهل منها عبد المجيد يوسف.
• من خلال مضامين الكتابة
يتسم إنتاج عبد المجيد يوسف بثراء المصادر، فثراء المضمون من ثراء المناهل وقراء الثّقافة/ فقارئ كتاباتِه يتبيّن جيّدا من خلال تنوّعِ نصوصه وتنوّعِ مصادرها، تنوّعَ ثقافته. فهي من أدب العرب قديمه وحديثه[9]، ومن أدب الغرب أيضا[10]. ونراه يستلهم من التراث العربيّ الشّعريّ[11] ومن القرآن[12] والأخبار[13] والنّوادر. كما يستلهم من الأدب الحديث تونسيّا[14] وعربيّا وغربيّا، حتّى أنّنا ونحن نطّلع على نصوصه نجوب ساحة الأدب والكتابة، هنا وهناك، مكانا وزمانا، لا نملّ من التنوّع الّذي يجعل قراءتنا فسحة في حدائق الأدب.
تبدو المناهل الثّقافيّة المختلفة التّراثيّة والإنسانيّة في شعر عبد المجيد يوسف حاضرة بجلاء، نجدها مثلا، في تصدير ديوان “فقدت نجمتي” وفي مقدّمة ديوان “سحب آسنة” الّتي أوردها تحت عنوان: “هنالك مبرّرات وجيهة للوقوف على الأطلال”.
ونقرأها أيضا في عناوين القصائد في المجموعين الشّعريّين، ولا يخفى في التّصدير، كلّما وُجد، قبل القصيدة، أو مصاحبا لقسم من أقسام الدّيوانين، يليه التّضمين والاقتباس الصّريح والمشار إلى صاحبه أو المسكوت عن إسناده إليه. كما يبدو في شكل القصيدة وفي مدى توفيقها في أن تؤلّف بين لغة الشّاعر الأمّ والمضامين/المواضيع استنادا إلى التّراث الأصيل وتطلّعا إلى نصّ جديد التّشكّل.
ولا تخفى في قصصه المختلفة من مجموعة “فصول من سيرة مراد الكاتب” أو من خارجها، مثل “الشّمس في يوم قائظ” أو “زوجة صديقي”، وغيرهما، إذْ يتعمّد عن وعي ومعرفة كاملتين في صياغته لبعض العناوين وبعض الجمل الشّعريّة والقصصيّة أن تكون حمّالةً لصبغة تراثيّة تمتزج بصبغة الخلق الجديد وقد تمثّلها النصّ وتحاور معها بحسب مضامينه الجديدة وحوّلتها رؤية الكاتب الّذي يعيد إنتاجها بتشكيلها تشكيلا خاصّا به.
وهكذا يسعى عبد المجيد يوسف بالنصّ الشّعريّ والقصصي إلى أن يكون إنجازا جديدا يتواتر مع تصاعد الخلق الإبداعيّ وتجاوز ما سبق، فهو لا ينقل التّراث وإنّما يوظّفه ويحمّله رؤى وأفكارا تخصّه في العصر الحديث، فهو يتجاوز استلهامه إلى التّعامل معه فنيّا، وهذا يكشف عن فهم الشّاعر للماضي الأدبيّ فهما جادّا ساعده على استثماره في الأدب المعاصر، فصار كلّ نصّ يستديه مصدر فنّ، وصارت كلّ شخصيّة يستدعيها تشعّ بشحنة إيحائيّة رمزيّة.
ويمكن العودة إلى قصيدة طاغور مثلا في مجموعة “سحب آسنة”، أو قصيدة “ميتيوريت” من مجموعة “فقدت نجمتي”، كما يمكن العودة إلى قصّة “الرّكن النيّر” من مجموعة “فصول من سيرة مراد الكاتب”، وخاصّة قصّة “الشّمس في يوم قائظ” لنرى طريقة إعادة صياغة التّراث الأدبيّ، والاشتغال بوعي على النصّ الآخر.
والأستاذ عبد المجيد يوسف هو كاتب متأصّل في ثقافته العربيّة/متفتّح على الآخر:
في مقدّمة ديوان “سحب آسنة” مثلا، يستدعي الشّاعر جزءًا من بيت لمعلّقة النّابغة الذّبياني:
وأحسّ بطفح حنين إلى أن أقف = = = على دَار مَيَّـةَ بالعَليْـاءِ فالسَّنَـدِ[15]،
وهي من صميم حنينه إلى العودة للوقوف على الأطلال ومن صميم تبريره الوجيه للوقوف عليها والعودة إلى القصيدة البكر مبنى ومعنى (مع أنّه لم يكتب الشعر العموديّ)، وتحضر الحبيبة حاضرة غائبة، يستحضرها الشّاعر ويقف عند بيتها، ويطوف به، ويسكنها السّماء نجمة.
ويحضر الشّاعر برهافة حسّه، وبتعقيدات الأرطمطيقا[16]، ويحضر لغويّا مثقّفا “حمّال دواوين”، وتتجلّى هويّته، بل تتشكّل جديدة، هي هويّة الشّخصيّة التّراثيّة (شاعر الأطلال) المجتمعة بحالات الشّاعر المعاصر وأسلوبه في الشّعر والكتابة، فيكون هو بدوره الحاضر الغائب (زمنيْ الحاضر والماضي) .
كما يستدعي أيضا أسماء شعراء من الجاهليّة مثل لبيد[17] وأبي ذؤيب[18]. وقد ذكرهما لتشابه أحواله بهما، يقول :
“لأنّي أشعر أنّ حالي تشبه حالهما وأنّ فجيعتهما فجيعتي”.
وينهي مقدّمة “سحب آسنة” ببيت للمتنبّي[19] لم يسنده إلى صاحبه وكأنّه بإيراده في المقدّمة يريد أن يقول إنّه من نسل هذا الجيل الشّعريّ المتأصّل في القصيدة العموديّة, (مع أنّه لم يكتبها، وإنّما كتب شعر التّفعيلة والنّثر) وفي تقاليد لغة العرب من عصر الجاهليّة إلى عصر ازدهرت فيه القصيدة بعد أن لحقها تجديد في المبنى والمعنى منذ القرنين الأوّل والثّاني للهجرة. وبهذا أفسّر أيضا وجود بشّار بن برد وجميل بثينة وأبي العلاء المعرّي فضلا عن شعراء الجاهليّة: عنترة والمخضرمين.
كما اعتمد الشّاعر في تبويب ديوان “فقدت نجمتي” على الأبواب فقسّمه إلى باب الوحشة وباب الغربة وباب الأسئلة. ومثل هذا التّقسيم إلى أبواب والتّصريح بلفظة “باب” يعيدنا إلى كتاب تراثيّ (مثلا): كليلة ودمنة، فهذا باب الأسد والثّور وهذا باب الحمامة المطوّقة.
وهذا الإيحاء لم يكن لمجرّد تقليد كتاب من أمّهات الكتب وإنّما كان الشّاعر واعيا بإدراج كلّ مجموعة من النّصوص الشّعريّة ضمن “حكاية ما” لها فصولها وأجزاؤها.
(وهذا يتطلّب مزيد الوقوف على المضامين الشّعريّة) .
وأمّا في ديوان سحب آسنة فقد اعتمد التّقسيم على أساس “الكتاب”، فكان كتاب الوجد وكتاب الأسى. وأراه يستعمل معنى كتاب بمعنى رسالة، أو هو الكتاب المقدّس الّذي أوحي به إليه يلقي به إلى حبيبته.
وأمّا في مجموعته القصصيّة “فصول من سيرة مراد الكاتب”، فقد اعتمد “الفصول” وهما فصلان : الفصول والكوميديا، إلاّ أنّ كلّ نصّ فصل جديد من فصول حياة كاتب ينوّع كتابته لتنفتح أمامه سبل الإبداع متنوّعة.
الأستاذ عبد المجيد يوسف هوكاتب متأصّلة لغته في اللّغة الأمّ :
لغته سبيل إلى العودة “إلى سذاجتي الفطريّة وأعود إلى حضن أمّي: لغتي القديمة”[20]. ويتأكد هذا الانتماء اللّغويّ بحضور المتنبّي في مواقع أخرى من الدّيوانين ومن خارج الديوانين بقوله: “أتَيْتُ بمَنْطِقِ العَرَبِ الأصِيلِ”[21] ليؤكّد الشّاعر انتماءه إلى اللّسان العربيّ الأصيل، وإلى ثقافته المتأصّلة فيه.
ومتصفّح كتابات عبد المجيد يوسف يجد مهارة في استعمال اللّغة الأمّ سواء كتب بها أو ترجم إليها. ولذلك لا يُعتبر الاقتباس أو التّضمين في نصوصه، كما جاء في قوله:
“ممّا يرصّع به زينةً، وتأكيدا للموقف، واستمدادا من سلطة النصّ وقائله ما به يلقى الحظوة لدى القارئ”[22].
قال ذلك في تصدير ديوان “فقدت نجمتي”، وأسوقها تعليلا لوعي الشّاعر بقيمة اللّغة الّتي يتوسّلها والتّضمين والاقتباس من المصادر التّراثيّة الّذي ارتقى إلى مستوى التّقنية الفنّيّة عنده.
وفي ديوان “سحب آسنة” ورد تصدير لكلّ واحد من الكتابين، فتصدّر كتاب الوجد نصّ للشاعر التونسي نصر سامي[23]:
“الكون أبعد من شفاه حبيبتي/لكنّ نبعا واحدا من صوتها/يأتي بميلاد اللّغات”؛
هي اللّغة دائما، مشغل أساسيّ تتوحّد فيه مشاعر الشّاعر وجسد القصيد.
كما يحضر النصّ بلغة إنسانيّة في بعدها خارج حدود الأشكال المألوفة (خاصّة في الشّعر). ويدرك المتلقّي أنّ صياغة “الجملة الشّعريّة” واللّفظة لا تستوعب حضورها الفاعل إلاّ بتشاركها القويّ غير المتوقّع مع لفظة أخرى أو مجموعة ألفاظ تحدث انفجارا وهزّات في بنيتها التّركيبيّة الجديدة (قصيدة تعقيدات الأرطمطيقا؛ والعاشرات ليلا) .
والأستاذ عبد المجيد يوسف هو كاتب متأصّل في هويّته التّونسيّة :
ونكتشف هذه الصّفة من خلال كتاب “أهداب النّخل: دراسة في أدب البشير خرّيف”. وكتاب: “أحلام الطّين، موقف المسعدي من الفكر العلماوي من خلال حدّث أبو هريرة قال”.
الكتاب الأوّل يمثّل ردّ فعل تجاه ما أسماه “تقلّص الذّاكرة الثّقافيّة”. والكتاب الثّاني جاء مساهمة في النّقاش حول العلاقة بين العقل والإيمان.
وقد سعى عبد المجيد يوسف من خلال إسهاماته الثّقافيّة المتنوّعة كتابة ومحاضرات ومشاركات في ساحة الأدب التّونسيّ أن يعرّف بالأدب التّونسي وأدبائه أحياءً وأمواتا، فترجم لهم وكتب عنهم وعرّف بهم، وأخذ دوما بيد المبتدئين وشجّع الأقلام البكر وترجم لهم ما كان بديعا من نصوصهم. وما زال يسعى إلى أن يكون الأدب التّونسيّ في صورة لائقة به بين أبنائه وبين بقيّة الآداب. كما أراه تونسيّا بامتياز من خلال اهتمامه بترجمة نصوص شعريّة تونسيّة، ستساهم، كما ساهم ما نُشر منها، في مزيد التّعريف بالنصّ التّونسيّ.
ثراء الأسلوب والمنهج
في الشّعر كما في النّثر، تطالعنا ثقافةٌ واسعةٌ، موسوعيّةٌ لصاحب قلم “يبحث” عن نصّ “بديع” جديد فيطوّع الأسلوب المناسب لنصّه نثرا كان أو شعرا. وفي هذا “البحث” عن نصّ بديع “عدم وفاء” لأسلوب واحد، وعدم استناد إلى مرجعيّة ثقافيّة واحدة (خاصّة زمنيّة من الأدب القديم والأدب الحديث)، إذْ نجد الأديب في كلّ نصّ جديدا متجدّدا، متطوّرا، ثريّ الأسلوب والمنهج، فاستطاع أن يجعل الصّور الشّعريّة والجملة القصصيّة في أبنية تكوينيّة جديدة تتصاعد من حيث التّجديد والتّركيب في مستويات نصيّة عدّة[24].
• من خلال فسيفساء النصّ أو جماليّة التّناصّ :
ما يميّز نصّ عبد المجيد يوسف الشّعريّ والنّثريّ أنّه نصّ مولع بالتّناص، فالنصّ لديه قدرة على التعامل، في أحيان كثيرة، مع المعطى التراثي، والرّاسب الثّقافيّ والأدبي، أو النصّ الآخر، بمنطق الامتصاص، أي تشرّب الحالة المتناصّ معها، وإعادة تركيبها بما يخدم سياق النصّ. وقد اقتنص عبد المجيد يوسف “النصّ الآخر” ليس على سبيل ادّعاء المعرفة ولا فَضلةً وحشوا بل خدمة للنصّ وإعادة إنتاج تثري الطّاقة الإيحائيّة للنّصّ الجديد. إنّه حوار فاعل بين نصّه والنّصوص الأخرى تمثّلها نصّه وحوّلها لتعبّر عن رؤية خاصّة حمّالة لأسلوبه إعلاءً لبنيان النصّ، إذا ما عرفنا أنّه لا نصّ يوجد من فراغ.
هذا التّناصّ بمختلف أشكاله لحظة تحويل للنصّ بعناصره الجماليّة والأدبيّة ليصبح جزءًا من حساسيتنا الأدبيّة والجماليّة الحاليّة (راهنيّة الاقتباس والتّضمين)، فيصير النصّ خاضعا لعمليّة إبداع دائمة التشكل تستعين بالمضامين الحضاريّة والثّقافيّة وتتوجّه نحو القضايا الّتي نعيشها في العصر الحاضر حتّى صارت النّصوص السابقة من الموروث الثّقافيّ بمختلف تجلّياته وسيلة فعّالة بيد الكاتب يجسّد من خلاله موقفه من الحياة ورؤيته لمشكلاتها وتعقيداتها حتّى في شأنه الشّخصيّ الذّاتيّ المفرد (شعري نفاثة صدري/في علاقته مع حبيبته). وبهذا يضمن التّفاعل المتبادل والخلاّق بين الموروث الثّقافيّ والأدب المعاصر.
هكذا تتجلّى كفاءة التناصّ في توظيف الموروث الثّقافيّ الأدبيّ واللّغويّ والحضاريّ في النصّ المعاصر عند عبد المجيد يوسف، فهو إذن وظّف النصّ الآخر بوعي وتدبير لأجل نصّ أثرى يسهم في تطوير النصّ التّونسيّ/العربيّ من داخل آليات الكتابة العربيّة وأجناسها.
خلاصة: الكتابة تجربة واعية .
نصوص عبد المجيد يوسف شاهد على أنّ الكتابة عنده ليست مجرّد إنتاج نصوص، وإنّما هي تجربة واعية تسعى إلى أن تطوّر الكتابة بحسب رؤية جماليّة وفنيّة عميقة وأن تسير بهذه الكتابة إلى غاية واضحة. وهي، في رأيي، تطوير النصّ بآليّة داخليّة (من داخل آليات لغة الكتابة وأجناسها) تنبع من أسلوب تشبّع بفنون الأدب غربيّها وعربيّها، فصار النصُّ جديدا متطوّرا متشكّلا تشكّلا فنيّا خاصّا له بصمة صاحبه الإبداعيّة وإن أشار إلى “تعالقه” وصلته تناصّا واقتباسا وإحالات وإيحاءات مع نصوص أخرى مختلفة، شكلا ومضمونا.
وفي رأيي ما كان لهذا التنوّع في أجناس الكتابة وأسلوبها ليكون بهذه الأهميّة لو لم تكن الكتابة عند عبد المجيد يوسف “مخبرا” تتحوّل فيه لحظة الكتابة إلى عمليّة إبداع دائمة التشكّل بكلّ عناصرها الجماليّة والأدبيّة، حتّى أنّ هذا التنوّع قد صار مستوى من مستويات التّقنية الفنّيّة ترقى بالنصّ العربيّ/التّونسي.
وفي المحصلة إذن عبد المجيد يوسف هو (1) الكاتب العارف بخبايا أسلوب كلّ جنس أدبيّ؛ (2) النّاقد القادر على اختبار النّصوص وجعل تعدّد أساليبها وأجناسها من باب الثّراء في تجربة الكتابة وتجسيد المنهج النّظريّ في النّصوص؛ (3) المترجم العارف بلغة الآخر وحضارته ونصوصه، والحريص على أن يكون نصّه أمينا لحضارة اللّغة الّتي كُتِبَ بلغتها دون أن يُخلّ بمبادئ اللّغة الّتي ينقل إليها؛ (4) الأكاديميّ الدّارس الباحث في مضامين الأدب ومناهجه ليساهم بذلك في إثراء بحوث النظريّات الأدبيّة التّونسيّة والعربيّة.
الإحالات والمراجع :
[1] النصّ فسيفساء نصوص بحسب ما ذهبت إليه جوليا كريستيفا.
[2] حوار بين النّصوص وتقاطع بينها؛ أو علاقة اشتقاق بين النّصوص كما ذهب إلى ذلك جينيت.
[3] كلّ نصّ يتشكّل من تركيبة فسيفسائيّة من الاستشهادات (حسب كريستيفا) .
[4] الخطاب عند عبد المجيد يوسف متأثّر بالتّراث العربي قديمه وحديثه والتّراث الإنساني عامّة بفضل سعة اتّساع ثقافته واطّلاعه على الآداب المختلفة قديمها وحديثها.
[5] الكتابة نتاج لتفاعل عدد كبير من النّصوص المخزونة في الذّاكرة.
[6] العنوان مستلهم من مجموعته القصصيّة “فصول من سيرة مراد الكاتب”.
[7] عنوان الإصدار بالفرنسية:
“Genèse de la mémoire passionnée. L’impact du printemps arabe”
[8] تسعى هذه القراءة إلى إظهار هذا التأصّل في كيان اللّغة العربيّة والأدب العربيّ والتّونسيّ خاصّة.
[9] يذكر المتنبّي كما يذكر الشّابّي، ومحمود درويش وأحمد مطر. ويذكر من شعراء تونس الحاضرين معه في ساحة الشّعر التّونسيّ: راضية الشّهايبي و نصر سامي وشلبيّة عشّاش. أضف أنّنا نجد صدى هؤلاء وغيرهم من الأدب العربيّ والتّونسي مثل الدّوعاجي والمسعدي، تلميحا أو تصريحا.
[10] مثلا في قصّة “القهوة بالعطرشاء”، ص115، من مجموعته القصصيّة “فصول من سيرة مراد الكاتب”،والّتي نجدها تقوم تلميحا إلى أسلوب فولتير الّذي يقوم على السذاجة والّذي استعمله في “كانديك”، أو في قصّة باللّسان الفرنسي: Mongi ou la vraie vie الّتي تحيل على نصّ Elise ou la vraie vie لــ: Claire Etcherelli
[11] المتنبّي؛ المعرّي؛ جميل؛ لبيد؛ أبو ذؤيب. كما يظهر في مقدّمة “سحب آسنة” في ذكر الأطلال والوقوف عليها ونجد صداها في مروره ببعض الأمكنة تذكّره بالحبيبة.
[12] يظهر خاصّة في بعض القصائد مثل تحذير؛ والعاشرات ليلا؛ قصيدة ميتيوريت أو عودة الرّومنطيق من ديوان “فقدت نجمتي”.
[13] في “جمع الشّتات ممّا كان من أمر أبي النّجاة” من فصول من سيرة مراد الكاتب: من أخبار التّدوين والّدي يبدو من النّصوص العربيّة القديمة لا ريب فيه أسلوبا لولا معرفتنا بأنّ صاحبه عبد المجيد يوسف.
[14] قصّة “الرّكن النيّر”، الّتي أخذ عنوانها من إحدى قصص عليّ الدّوعاجي من مجموعة سهرت منه اللّيالي، إضافة إلى شخصيّة صاحب البرنس الرّمادي ونفس دوره القصصيّ في نفس النصّ.
[15] يَـا دَارَ مَيَّـةَ بالعَليْـاءِ ، فالسَّنَـدِ = = = أَقْوَتْ ، وطَالَ عَلَيهَا سَالِـفُ الأَبَـدِ
وقَفـتُ فِيـهَا أُصَيلا كي أُسائِلُهـا = = = عَيَّتْ جَوَاباً ، ومَا بالرَّبـعِ مِنْ أَحَـدِ
[16] عنوان واحدة من قصائد ديوانه “فقدت نجمتي”.
[17] لبيد بن ربيعة العامري ت 41 هــ.
[18] أبو ذؤيب الهذلي من أشعر القبائل وعرف بأنّه أشعر من فيها وتعدّ قصيدته في رثاء أبنائه من أجود القصائد.
أَمِنَ الْمَنُونِ وَرَيْبِهَا تَتَوَجَّعُ = = = وَالدَّهْرُ لَيْسَ بِمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ
قَالَتْ أُمَيْمَةُ مَا لِجِسْمِكَ شَاحِبًا = = = مُنْذُ ابْتُذِلْتَ وَمِثْلُ مَالِكَ يَنْفَعُ
[19] وَمِنْ هَوَى كلّ مَن ليستْ مُمَوِّهَةً = = = ترَكْتُ لَوْنَ مَشيبي غيرَ مَخضُوبِ
[20] عبد المجيد يوسف مقدّمة ديوان “سحب آسنة”.
[21] أتَيْتُ بمَنْطِقِ العَرَبِ الأصِيلِ = = = وَكانَ بقَدْرِ مَا عَايَنْتُ قِيلي.
[22] تصدير ديوان “فقدت نجمتي”.
[23] من مؤلفاته “ذاكرة لاتّساع اللغات”. دار الأطلسيّة للنشر، تونس، 1996.
[24] أكتفي في هذه القراءة بالإشارة، وسيكون التّحليل من خلال تحليل نصوص وقراءة فيها من مختلف إصدارات عبد المجيد يوسف في عمل آخر.
لروح الأستاذ والكاتب عبد المجيد يوسف المغفرة السلام .
“””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””””
(Les nichons de ma mère) أو ( ثديا أمي ) للكاتب عبد المجيد يوسف
“حيرة طفل في وسط متقلب ”
قراءة بقلم الشاعر عمر دغرير :
سؤال قد أنتظر له إجابة من طرف المعنيين بالأمر :
ما الذي يدفع كتابا يتقنون اللغة العربية إلى الكتابة بلغة أخرى خاصة إذا تعلق الموضوع بالسيرة الذاتية وباحداث تكاد تكون حقيقية وحميمية لو جردناها من بعض الخيال الذي يلجأ إليه الكتاب للتهويم وإبعاد الشبهات ؟
“ثديا أمي ” هو العنوان الذي اختاره الكاتب عبد المجيد يوسف لروايته الصادرة عن منشورات مومنت وهي من الروايات السيرذاتية التي لاتظهر الحقيقة كاملة . صدرت الرواية في أقل من 140 صفحة من الحجم المتوسط وفي طبعة أنيقة . وقد استعرض فيها الكاتب حيرة طفل لم يتجاوز العاشرة من عمره في بداية ستينات القرن الماضي في وسط عائلي متقلب .
بطل الرواية طفل يعود بذاكرته إلى طفولة صاخبة لم تعرف الإستقرار الإجتماعي والنفسي . طفل ينتمي لعائلة أرهقتها الحياة وكبلتها الظروف السياسية القاسية . فهو إبن الهاشمي هذا المناضل السياسي في صفوف الحركة اليوسفية في تلك الفترة الأمر الذي جعل الحزب الحاكم انذاك يحرمه من عمله ويفرض عليه بطالة دامت طويلا .
ولعله بحث عن مورد رزق له ولعائلته دون أن يتمسح للنظام ويحيد عن مبادئه . بحيث اضطرته الظروف إلى التنقل بين بيت والده البعيد في الريف وبين منزل عائلة زوجته . تلك المرأة الصامدة التي وقفت إلى جانب زوجها رغم الصعاب . غير أنها وبغير قصد لم تهتم بابنها الوحيد بما يكفيه من الرعاية . هذا الولد الذي تعلق بأمه ولازمها كظلها كما لازمته عقدة أوديب زمنا طويلا . طفل لم يجد إجابة عن كل أسئلته الكثيرة والبريئة في آن حول الجسد والجنس والحياة . فوالد شغلته البطالة وضيق اليد . وأمه لاتملك الجراة لمواجهة أسئلة ابنها المحرجة بالحقيقة والبرهان .
وفي تنقله بين بيت جده من الأب ومنزل جدته من الأم وجد ضالته في خالته أمينة فهي الوحيدة التي فتحت له نوافذ على الحياة وعلى حقائق الأمور التي شغلته في تلك الفترة من خلال تجربتها في الحياة .فأشبعت فضوله ورغبته الملحّة في فهم الجسد وإدراك الفوارق بين الجنسين . وهو الذي لم يبخل علينا في سرده لحكاياته بانه كان يطيل مراقبة أسرته في حالاتها الحميمية و كذلك يتلصص على زوجة عمه من ثقب المفتاح وانه كان منبهرا بأنوثة خالته نجمة . رغبة منه في اكتشاف عالم النساء الممنوع على من هو في سنه .
وفي رواية الكاتب عبد المجيد يوسف نكتشف حرفية مذهلة في الكتابة السردية . بحيث يشدك النص اليه شدا ولن تتمكن من مغادرته قبل نقطة النهاية .فقد تميز بسلاسة الأسلوب وبشعرية اللغة التي تحرك المشاعر وتثير فضول القارئ وتذهب به بعيدا في ذاكرة هذه الطفل وبراءته السامية .
والملفت للإنتباه أن عبد المجيد يوسف أشعرنا بقصد أو بدونه أنه في هذه الرواية يسرد أحداثا واقعية وتجارب حقيقية قد يكون عاشها شخصيا مع أسرته وعاشها الكثيرون من الأطفال في تلك الحقبة من الزمن . ولعله تعمد طرح السؤال بعد السؤال على لسان هذا الطفل البطل للكشف عن الغموض والتكتم في حياة الأسر خاصة في مواضيع تعتبر ممنوعة ومحرمة .
في الرواية يسرد الكاتب كل التفاصيل عن علاقة الأم بهذا الطفل الذي وصفها بجميلة الجميلات متباهيا بعشقه لجسدها الممشوق ونهديها الشامخين بعد أن تمكن من مشاركتها لحظاتها الحميمية وفتح عينيه على أنوثتها . غير أنه صدم بعدم الإجابة عن أسئلته المحرجة في أغلب الأحيان بالرغم من أنّها متعلمة ومتفتحة فتركته لحيرته وكذلك فعل معه والده المتعلم والمثقف وتركه غارقا في هواجسه . وكم من مرة نعتوه بالطفل الطائش أو” مقصوف الرقبة “.
والرواية لا تخلو من استعراض بعض السلوكات والعادات والأفكار المغلوطة والمشوهة حول كل ما له علاقة بالجنس والجسد وكيف أن الأسرة والمحيط دفعا الطفل للذهاب بعيدا طلبا للحقيقة وقد يكون في ذهابه خطر عليه وسوء المصير .
والكاتب عبد المجيد يوسف كتب الرواية باللغة الفرنسية وهو المختص في اللغة العربية والعارف بكل أدغالها أظنه لم يجد الجراة الكافية لطرح مثل هذه الأسئلة وكتابتها بالعربية فلجا إلى الفرنسية حتى يكتب ما لم يقدر عليه باللغة العربية .
ومن بين هذه الأسئلة: ( Tante Nejma pourquoi le coq n’a pas de zizi ؟
وفي مكان آخر يقول الطفل :
( Un sein de Tante Nejma surpasse les deux seins de maman réunis والرواية تكاد تزدحم بمثل هذه العبارات والجمل والأسئلة الحارقة في مجتمع كبلته العادات والتقاليد البالية والعقليات المريضة بالتابوهات والحلال والحرام . والأكيد أن اختيار اللغة الفرنسية للتعبير عن كل هذه المشاغل هو نوع من الهروب من مواجهة الحقيقة وإقرار بالخوف من التحدي والوقوف بكل جرأة ضد كل علامات التخلف المستفحلة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية .
ولكن قد يكون للكاتب رأي مخالف وقد يكون الإجابة المقنعة عن السؤال الذي طرحته في البداية ؟
لروح الصديق والكاتب عبد المجيد يوسف الرحمة والسلام ولكل الأهل والأصدقاء جميل الصبر والسلوان.
Discussion about this post