في مثل هذا اليوم 8 اكتوبر 1973م..
معركة الفردان. وأسر الكولونيل عساف ياجوري..
هى معركة تدمير أقوى حصون خط بارليف، وهى إحدى أهم معارك حرب أكتوبر 1973؛ حيث تمكنت القوات المصرية من دك الحصون المنيعة فى منطقة القنطرة شرق التى وصفت بأنها أقوى حصون خط بارليف، فيما استمر القتال فى معركة القنطرة شرق ومحاولات هدمها يومين كاملين فى 7و8 أكتوبر.
ففى مساء يوم 8 أكتوبر، استطاعت الفرقة 18 مشاة، هدم حصون الاحتلال وتحرير مدينة القنطرة شرق، بينما جرى القتال داخل وخارج منطقة القنطرة وفى شوارعها، حتى أعلنت قوات الاحتلال استسلامها، وتم أسر عدد كبير من أفراد الاحتلال، وإعلان تحرير المدينة بالكامل.
ومع انطلاق لحظة الصفر ظهر يوم السادس من أكتوبر، بدأ تنفيذ عملية تحرير القنطرة شرق، وكانت فرقة المشاة المكلفة بتحرير القنطرة شرق وفى قلبها مدينة القنطرة شرق التى يقودها العميد «فؤاد عزيز غالي» ترصد ما يجرى على الضفة الشرقية فى قطاع الفرقة ومسرح العمليات المنتظر لعمليات الفرقة فى القنطرة شرق؛ حيث كانت أمام الفرقة 7 نقاط حصينة لخط بارليف فى المسافة المواجهة للفرقة، وتبلغ 37 كيلومترا بينما مواجهة مدينة القنطرة شرق تبلغ 18 كيلومترا وتحميها 4 نقاط حصينة قوية ويبلغ عمق مسرح العمليات 15 كيلومترا، وهى المسافة التى تحميها قوات الدفاع الجوى ضد أية هجمات جوية إسرائيلية رغم ما تدعيه القوات الإسرائيلية من خطورة الذراع الطويلة لقواتها الجوية.
بدأت فرقة المشاة المكلفة بتحرير القنطرة شرق بقيادة العميد «فؤاد عزيز غالي» فى اقتحام وعبور القناة، وجاءت البشرى سريعة فى الساعة الخامسة و10 دقائق مساء يوم 6 أكتوبر بفتح وتمهيد أول ممر أو فتحة فى الساتر الترابى شرق القناة فى مواجهة الجيش الثانى الميدانى فى نطاق فرقة المشاة المكلفة بتحرير القنطرة شرق ليبدأ بعدها إقامة الكوبرى المواجه لها.
وتوالى بعدها فتح الثغرات وبدء تركيب كبارى العبور فى نطاق الجيش الثانى الميدانى وفى نطاق الجبهة كلها ورغم تدمير الكوبرى الذى تم تركيبه أمام القنطرة شرق، فقد قامت وحدات الفرقة بالعبور على المعديات، وكان لديها على الضفة الشرقية للقناة ليلة 7 أكتوبر وحتى صباح يوم 7 أكتوبر ثانى أيام المعركة لواء مدرعات لحق بوحدات المشاة التى عبرت على المعديات والقوارب المطاطية والمركبات البرمائية.
وفى الوقت الذى كان يتم فيه فتح الثغرات وإقامة الكبارى كانت قوات فرقة المشاة التى يقودها العميد «فؤاد عزيز غالي» تعبر القناة وتنفذ الخطة الموضوعة «الهجوم بأكبر سرعة ممكنة» على مدينة القنطرة شرق بالمواجهة وبكل القوة الضاربة المخصصة للمهمة دفعة واحدة للهجوم على القوات الإسرائيلية بالمدينة وما حولها وبمواجهة 18 كيلومترا ومهاجمة النقط الحصينة التى تحمى مدينة القنطرة شرق.
كان «عساف ياجوري» برتبة مقدم حينما قاد الكتيبة ١١٣ التابعة للواء ٢٧ (لواء نيتكا)، وقد مرت كتيبته على «كمين رمانة» لكن أفراد الكمين المصرى لم يتعرضوا لها، وخلال معركة الفردان أصيبت دبابة ياجورى واضطر لإخلائها مع باقى أفراد الطاقم واتجه نحو حفرة ليحتمى بها، لكنه وقع فى الأسر على يد المقدم فاروق فؤاد حسن سليم من ضباط الصاعقة، وقامت إسرائيل بنفى واقعة أسر ياجوري، مما اضطر القيادة المصرية لتسجيل لقاء إذاعى مع ياجورى لتفنيد النفى الإسرائيلي، وعقب الحرب نشرت الصحف الإسرائيلية تفاصيل أسر ياجورى ومعاملته خلال الأسر، ونشرت صورة لدبابته يقف بجوارها العميد «حسن أبو سعده» ما يعتبر اعترافا رسميا منهم بعد نفيهم لأسر عساف ياجوري، ويعتبر ياجورى أكبر أسير إسرائيلى من حيث الرتبة والأهمية من ضمن ٢٩٣ أسيرا إسرائيليا سقطوا على الجبهتين المصرية والسورية، وعاد ياجورى إلى إسرائيل بعد ٤٦ يوما من الأسر.
وكانت النتيجة سقوط أول نقطة حصينة النقطة رقم 1 فى منطقة القنطرة شرق وفى نطاق الجيش الثانى الميدانى ليرتفع عليها العلم المصري، وبعدها استمر تنفيذ الخطة لتحرير القنطرة شرق للسيطرة على النقط الحصينة الثلاث الأخرى التى تحمى مدينة القنطرة شرق ثم سقطت النقطة الرابعة، وحاصر المدينة من الخلف شرق المدينة لمواجهة أية قوات إسرائيلية قادمة من عمق سيناء ليوقف تقدمها، ويمنعها من التقدم إلى المدينة وإجبارها على الانسحاب أو الفرار إلى عمق سيناء فى الشرق.
وبدأت بشائر النصر مع سقوط أول نقطة حصينة فى الساعة الثالثة تماما فى أقل من نصف ساعة منذ لحظة العبور، واستمرت القوات المصرية فى القتال.
حرص العميد «فؤاد عزيز غالي» على توزيع قواته حول المدينة فى نطاقات متتالية تتعامل مع القوات الإسرائيلية داخل المدينة وخارجها وفى النقط الحصينة والقوات الاحتياطية الإسرائيلية التى كانت مخصصة لنجدة القوات الإسرائيلية بالقنطرة شرق، وتم حصار المدينة بعد 35 دقيقة فقط أى قبل الساعة الرابعة ظهرا رغم الهجمات المضادة التى كانت تقوم بها القوات الإسرائيلية فى محاولة لاستعادة المدينة من أيدى القوات المصرية، واستمرت القوات المصرية فى التمسك بالمدينة حتى آخر ضوء عند غروب شمس يوم 6 أكتوبر 1973؛ حيث أحكمت سيطرتها على المدينة من جميع الجهات.
وخاضت الفرقة المصرية المكلفة بتحرير مدينة القنطرة شرق معارك عنيفة مع القوات الإسرائيلية التى حاولت التمسك بمواقعها، بعد سقوط الحصون الثلاثة وحصار الحصن الرابع، ثم استولت القوات المصرية على جزء من الحصن، وتمسكت به حتى سقط الحصن مع أول ضوء صباح يوم 7 أكتوبر1973.
وتقدمت القوات المصرية إلى جنوب الحصن بمسافة 3 كيلومترات، وبعد أن خسرت القوات الإسرائيلية 37 دبابة ولم يتبق لها سوى 4 دبابات، وحاولت القوات الإسرائيلية أن تستخدمها كرأس حربة لفتح ثغرة لاقتحام الحصن ولكن القوات المصرية دمرت الدبابات الأربع الإسرائيلية لتحكم سيطرتها على مدينة القنطرة شرق، وفشلت جميع المحاولات الإسرائيلية فى استعادتها، واستمرت القوات المصرية فى تنفيذ بقية المهام ليتم تحرير القنطرة شرق تماما وفى القلب منها مدينة القنطرة شرق.
معركة شرم الشيخ الجوية..
معركة شرم الشيخ أو معركة عوفيرا الجوية هى من أولى المعارك الجوية فى حرب أكتوبر، وقعت فى 6 أكتوبر 1973، بالقرب من قاعدة عوفيرا (راس نصراني) التابعة للقوات الجوية الإسرائيلية فى شرم الشيخ، فى الطرف الجنوبى من شبه جزيرة سيناء بعد ظهر السادس من أكتوبر، حيث شنت مصر هجوما جويا كبيرا على القوات الإسرائيلية فى سيناء ضم أكثر من 200 طائرة مصرية شاركت فى ضربة جوية افتتاحية، وفى واحدة من الاشتباكات الجوية الأولى بالقرب من قاعدة عوفيرا الجوية أفادت تقارير إسرائيلية أن طائرتين فانتوم اشتبكتا مع 20 طائرة مصرية ميج-17 ترافقها ثمانى طائرات ميج-21 كانوا فى طريقهم للهجوم على المواقع الإسرائيلية فى المنطقة.
فى صيف 1973، حلقت طائرة الخطوط الجوية العربية الليبية الرحلة 114 بطريق الخطأ فوق سيناء، ليعترضها سلاح الجو الإسرائيلى بطائرتى فانتوم ويأمرها بالهبوط لكنها رفضت، ووفقا لرواية الجانب الإسرائيلى أسقطتها الطائرات الإسرائيلية، وخشيت القيادة العليا لسلاح الجو الإسرائيلى من أن هذا الحادث قد يؤدى إلى الانتقام من طائرات «إل عال» وهى فى طريقها إلى جنوب إفريقيا وعند عودتها، وبالتالى تمركزت طائرات مقاتلة فى حالة تأهب للرد السريع فى مطار عوفيرا، وكانت هذه الطائرات تهدف أيضا إلى مواجهة التهديد الموجه إلى أسطول البحرية الإسرائيلية الصغير فى البحر الأحمر وبطاريات صواريخ هوك التى تحرس مضيق البحر الأحمر من طائرات الميج المصرية فى الغردقة، وكان قائد القاعدة فى ذلك الوقت «يعقوب نيفو»، وكانت تتمركز طائرتان فانتوم اف ٤ من السرب ١٠٧ فى عوفيرا فى يوم الغفران فى ٦ أكتوبر ١٩٧٣ عندما اندلعت الحرب وكان يقودها 4 طيارين: الطيار «أمير ناخومي» مع الملاح «يوسى ياري» فانتوم رقم ١٨١ والطيار «دانيال شاكي» مع الملاح «ديفيد ريجيف» فانتوم رقم ١٢٢، وكانوا جميعهم عديمى الخبرة نسبيا، وفى الساعة ٩ صباحا أبلغهم برج المراقبة بأن يكونوا فى حالة تأهب قصوى، وفى الساعة ١:٥٠ بعد الظهر انطلقت صافرات الإنذار بعد رصد العديد من تشكيلات الطيران المنخفض التى تقترب على الرادار، ومع ذلك لم يصرح برج المراقبة للفانتوم الإسرائيلى باعتراضها وفشل فى إدراك حجم الهجوم، وكانت قاعدة عوفيرا أو مطار شرم الشيخ حاليا بالفعل بين يدى عدة قواعد إسرائيلية فى سيناء واستهدفتها الضربة الجوية المصرية فى ٦ أكتوبر التى استهدفت إضعاف القوات الإسرائيلية فى جنوب سيناء ومنعها من القيام بعمليات جوية وبحرية على ساحل البحر الأحمر، وقد سبق هذا الهجوم طلعات استطلاعية وتصوير جوى لقاعدة رأس نصرانى والمناطق المجاورة، ولضرب مطار رأس نصرانى تحدد ٣ مجموعات من الطائرات، واحدة كانت تتمركز فى قاعدة الأقصر وتوجهت إلى مطار الغردقة للتزود بالوقود والذخيرة قبل بدء الضربة مباشرة وكانت مهمة هذه المجموعة قمع أنظمة الدفاع الجوى فى منطقة رأس نصراني، وقائد السرب كان الرائد ساجى لاشين.
أما المجموعة الثانية فمهمتها توفير غطاء مباشر للطائرات، وقائد المجموعة أحمد عاطف عبد الحي، وخطط لها أن تقلع من مطار الغردقة، والمجموعة الثالثة بقيادة الرائد عصام صادق الذى انطلق من قاعدة قنا الجوية، وفى المجموعات الثلاثة كانت الأولى تتكون من ٨ طائرات مسلحة بحمولة قنابل خارقة للخرسانة ومهمتها ضرب قاعدة عوفيرا الجوية، والثانية تتكون من 4 طائرات مسلحة بصواريخ جو أرض ومهمتها مهاجمة مركز اتصالات رأس محمد، والثالثة تحمل صواريخ جو جو لتوفير غطاء جوي.
معركة الفردان.. ليلة سقوط قادة إسرائيل الكبار
«الفردان» هى إحدى معارك الهجوم الإسرائيلى المضاد، ووقعت يوم 8 أكتوبر 1973، وحدثت المعركة شرق الإسماعيلية بقطاع الفردان، وانتهت بهزيمة اللواء 217 مدرع الاحتياطى الإسرائيلي، وخسر العدو الإسرائيلى فى هذه المعركة أكثر من ٢٥ دبابة ووقعت ٨ دبابات فى الأسر وتم أسر المقدم عساف ياجوري.
البداية كانت عندما رأت إسرائيل التوجه جنوبا نحو الدفرسوار والاستيلاء على كوبرى مصرى سليم عند نقطة الفردان الحصينة «هيزايون» التى لم تكن قد سقطت بعد، حيث أمر الجنرال أدان قائد الفرقة 162 العقيد غابى أمير قائد اللواء 460 مدرع بالتحرك بلوائه إلى قطاع الفردان لتحرير نقطتى هيزايزن وبوركان، وفى نفس الوقت أمر العقيد نيتكا نائير بالتمركز بلوائه المدرع اللواء 217 احتياطى أمام قطاع القنطرة وتنظيم قواته للتقدم جنوبا حين تصدر له أوامر بذلك، وعندما فشل لواء غابى فى مهمته، أمر الجنرال أدان العقيد نيتكا بترك كتيبة أمام القنطرة والتحرك بكتيبتين تجاه قطاع الفردان لتعزيز لواء غابى وإعادة حشد هذه القوة مع المتبقى من لواء غابى استعدادا للهجوم الرئيسى على الطريق الممهد والمتفرع من الطريق العرضى رقم 3 «طريق عرام» إلى الفردان.
وفى الوقت نفسه، كانت قوات الإشارة المصرية قد التقطت رسالة لاسلكية بعث بها نيكتا إلى قيادته تفيد استعداده لبدء الهجوم بعد عشرين دقيقة تجاه الفردان بأقصى سرعة، ونظراً لضيق الوقت قرر قائد الفرقة الثانية مشاة العميد حسن أبو سعدة استدراج القوات المدرعة الإسرائيلية المُهاجمة بالسماح لها بالتقدم مسافة 3 كم، حيث قَدَرَ أنها ستوجه ضربتها نحو نقطة الاتصال بين لوائى النسق الأول لفرقته، وبعدما تتقدم القوات الإسرائيلية كما هو مخطط، سيهاجمها لواء النسق الثانى للفرقة «لواء المشاة الميكانيكي» ولواء الفرقة المدرع «اللواء 24 مدرع الاحتياطي» بالإضافة إلى قوات احتياطية أخرى، مع توجيه احتياطى النسق الأول المضاد للدبابات لاحتلال الخطوط الجانبية لأرض القتل التى اختيرت لتكون وسط رأس كوبرى الفرقة، وفى نفس الوقت ستغلق الكتيبة اليمنى من لواء النسق الأول – التى سيجرى اختراقها كما هو مخطط – طريق الرجوع على القوات الإسرائيلية وبالتالى حصارها تماما.
وفى الساعة 12:00 ظهرا تقدمت القوات الإسرائيلية المدرعة بسرعة كبيرة وتركتها الكتيبة اليمنى تخترق خطوطها حتى تقع فى الكمين المُعد ومن ثمّ قطع طريق الرجوع عليها ولما دخلت الدبابات الإسرائيلية أرض القتل، وخلال 13 دقيقة كانت أطقم اقتناص الدبابات قد هاجمت الدبابات الإسرائيلية من الخلف ودمرت معظمها، كما نجحت فى أسر 8 دبابات سليمة.
بنهاية الهجوم الإسرائيلى على القنطرة والفردان، خسر لواء نيتكا وغابى 75 دبابة كما أسرت 8 دبابات سليمة، لم يتبق سوى أربع دبابات فقط من أصل 50 دبابة من كتيبتى نيتكا بما فيها دباباته، وأُسر قائد إحدى هاتين الكتيبتين المقدم عساف ياجورى قائد الكتيبة 113.
ولنتيجة هذه الخسائر، اضطرّ اللواء أدان إلى إصدار أوامره بانسحاب ما تبقى من لواء نيتكا وغابى وكذلك لواء آرييه إلى الشرق نحو الطريق العرضى رقم 3 واحتلال المواقع المجهزة فى العمق.
سقوط معركة المنصورة..
180 طائرة فى قبضة نسور مصر
فى 14 أكتوبر 1973، حاولت القوات الجوية الإسرائيلية تدمير قواعد الطائرات الكبرى بدلتا النيل فى كل من طنطا، المنصورة، والصالحية، لكى تحصل على التفوق فى المجال الجوي، مما يمكنها من التغلب على القوات الأرضية المصرية، لكن الطائرات المصرية تصدت لها، وكان أكبر تصدى لها فى يوم 14 أكتوبر بمدينة المنصورة فى أكبر معركة جوية بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أصبح ذلك اليوم العيد السنوى للقوات الجوية المصرية.
كانت إسرائيل قد أطلقت غارة كبرى تتكون من 100 طائرة مقاتلة من نوع إف-4 فانتوم وإيه 4 سكاى هوك (A-4 Skyhawks) لتدمير قاعدة المنصورة الجوية، واستمرت المعركة 53 دقيقة، واستنادا إلى المصادر المصرية، اشتبكت فى تلك المعركة 180 طائرة مقاتلة فى آن واحد، معظمها تابع لإسرائيل عند فجر يوم 14 أكتوبر، وهو اليوم التاسع من حرب أكتوبر، وكان الجيش الثانى والثالث قد أطلق 9 ألوية مدرعة فى محاولة لتوسيع رأس جسرهم الحالى على الجانب الشرقى لقناة السويس، وكانت هذه الألوية مدعومة بقاذفات متنوعة، وكان معظم تلك الطائرات متمركزة فى القواعد الجوية غرب القناة وفى دلتا النيل، وهذه الطائرات القاذفة كانت تؤدى مهماتها وهى تحت حماية المقاتلات من طراز ( MIG_21 MF) التابعة للواء دفاع جوى (104) الذى كان يتمركز معظمه فى قاعدة المنصورة الجوية، وكان بالقاعدة سربان من تلك الطائرات والسرب الثالث كان متمركزا فى قاعدة طنطا الجوية، وردا على ذلك حاولت القوات الجوية الإسرائيلية للمرة الرابعة أن تحطم اللواء 104 الذى كان يستخدم فى مهام الدفاع الجوى وتقديم الحماية والغطاء للقاذفات المصرية المتجهة لضرب الأهداف الإسرائيلية فى سيناء، فعندما تقوم بضربه وتدميره فإنها ستستعيد بذلك السيادة الجوية التى كانت تتمتع بها سابقا عندما قامت بتحطيم الطائرات المصرية فى 5 يونيو 1967.
انطلقت الهجمات الإسرائيلية ضد المطارات المصرية فى المنصورة ، طنطا، والصالحية، وفى الحقيقة كانت هناك محاولات إسرائيلية فى يوم 7، 9، و12 أكتوبر لتدمير قاعدة المنصورة الجوية وكذلك اللواء 104 المتمركز بها، لكن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل، حيث أخفقت المحاولات جميعها فى خرق الدفاعات الجوية المصرية من صواريخ ومدفعية وطائرات مقاتلة معترضة، واعترف الإسرائيليون أنفسهم بفقد 22 طائرة فى اليوم السابع من الحرب وهو يوم 12أكتوبر، وكان هذا اليوم هو أسوأ يوم للقوات الجوية الإسرائيلية.
أما الهجوم الإسرائيلى الرابع على هذه القواعد فهو الأشهر من بين هذه الهجمات، حيث قامت أكثر من 100 طائرة (F_4) فانتوم و (A_4) سكاى هوك بمحاولة لضرب القاعدة الجوية الضخمة بمدينة المنصورة وقامت معركة جوية هى الأكبر من نوعها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، معركة اشترك فيها أكثر من 180 طائرة مقاتلة من كلا الجانبين، ومعظم تلك الطائرات للقوات الجوية الإسرائيلية المهاجمة، ودامت المعركة حوالى 53 دقيقة طبقا للتصريحات من كلا الجانبين، وبالإضافة للتفوق العددى من جانب القوات الجوية الإسرائيلية امتلكت طائرات مختلفة الطرازات وحديثة، وكان طياروها ذوى تدريب فائق وخبرة ممتازة.
أما ما كان يميز الجانب المصرى عن نظيره الإسرائيلى فهو أن الطيارين والطائرات المصرية كانت مدعومة بموظفى الصيانة ومحطات القيادة والسيطرة والتوجيه الأرضي، لأن المعركة كانت فوق الأراضى المصرية فى دلتا النيل، وكانت الروح المعنوية العالية للطيارين الذين كانوا يدافعون عن سماء بلادهم والذين حققوا فى الضربة الجوية يوم 6 أكتوبر 1973 أهدافا أعادت لهم الثقة بالنفس مرة أخرى، وكان اللواء 104 جوى مشغولا بالكامل منذ اليوم الأول للحرب، حيث إنه بجانب قيامه بعمليات الغطاء الجوى للقاذفات المصرية كان يقوم بمهمات الهجوم والقذف الأرضي، هذا بجانب قيامه بالدفاع عن مجاله الجوى فوق مدينة المنصورة ضد هجمات الجانب الإسرائيلى المستمرة لتدمير القاعدة الجوية، وفى تمام الساعة 3 مساء من عصر يوم الأحد الموافق 14 أكتوبر 1973 كان كل شيء هادئا ولم تلاحظ أى أمور غير اعتيادية فوق سماء مدينة المنصورة إلا من صوت الطائرات المقاتلة التى تطلق من القاعدة إلى سيناء لتنفيذ المهام الموكلة بها والعودة مرة أخرى للقاعدة، وقد أُبقى عدد من طائرات (MIG_21) متمركزة فى نهاية المدارج الخاصة بالقاعدة فى حالة إنذار قصوى، وكان الطيارون فى قمرات القيادة يتحملون الشمس المصرية المشتعلة، وفى الساعة 3:15 من مساء نفس اليوم أنذرت مواقع المراقبة المصرية على ساحل دلتا النيل قيادة القوات الجوية المصرية بأن هناك 20 طائرة فانتوم قادمة من اتجاه البحر وهى تطير فوق المنطقة الجنوبية الغربية باتجاه بور سعيد، والدلتا، وكان اللواء جوى أركان حرب محمد حسنى مبارك قائد القوات الجوية المصرية هو الذى استلم الإشارة وأمر «أحمد عبد الرحمن نصر» قائد اللواء الجوى 104 بتجهيز 16 طائرة ( MIG_21) للانطلاق، وكانت الطائرات محمية بالأغطية الواقية من أشعة الشمس، وأمر حسنى مبارك الطيارين بألا يبحثوا عن الطائرات المهاجمة أو حتى يلتحموا معها وألا يقوموا بإشغالهم، وحير هذا الطلب الطيارين المصريين لأنهم كانوا يعتقدون أن القيادة ستطلب منهم الانطلاق الفورى والالتحام مع هذه المقاتلات التى تم اكتشافها، لكن قادة القوات الجوية المصرية قد تعلموا الكثير والكثير عن الأسلوب الإسرائيلى من خلال التجارب التى مرت بها فى حرب الاستنزاف أثناء أواخر الستينات، وكان الأسلوب الإسرائيلى يتبع نمطا موحدا عند هجماتهم، حيث كان يقوم عند أى هجمة جوية بإرسال 3 موجات من المقاتلات لإغراء المقاتلات المصرية المدافعة وإبعادهم عن الأهداف التى تقوم بحمايتها وبذلك تنصب لها فخا، والموجة الثانية تقوم بقمع الدفاعات الجوية المصرية وضرب الرادارات، بينما تقوم الموجة الثالثة القاذفة بضرب الأهداف التى هى أساس تلك الهجمة.
واعتبرت القيادة أن هذه الطائرات هى الموجة الأولى المخصصة لنصب الفخ للمقاتلات المصرية الدفاعية بهدف إشغالها، لذلك طلب من طائرات (MIG_21) المصرية ألا تعترض تلك المقاتلات، فقامت طائرات الفانتوم الإسرائيلية بالطيران فى دائرة واسعة لبعض الوقت، وبعد أن أخفقت فى إغراء المقاتلات المصرية لكى تترك مدينة المنصورة والقاعدة الجوية تراجعت إلى البحر المتوسط مرة أخرى، وفى الساعة 3:30 مساء من نفس اليوم أرسلت قيادة الدفاع الجوى المصرى تحذيرا بوجود حوالى 60 طائرة للعدو تقترب من ثلاثة اتجاهات هى بور سعيد، بلطيم، ودمياط، فأعطى القائد مبارك الأمر لاعتراض تلك المقاتلات، وفى نفس الوقت قام بالتوضيح لطياريه لماذا لم يقم بإعطائهم هذا الأمر منذ البداية، فقام قائد اللواء جوى 104 أحمد نصر الذى أصبح فيما بعد قائد القوات الجوية المصرية بإزالة الأغطية الواقية من الشمس من على 16 مقاتلة (MIG_21) الرابضة على مدارج المطار، وطلب من الطيارين أن يهاجموا التشكيلات الإسرائيلية الثلاثة فى محاولة لجعلهم يتشتتون وبالتالى يصبحون عرضة لقنص بقية مقاتلات اللواء 104 الجوي، وبعد أن انطلقت 16 طائرة ( ميج _21) من قاعدة المنصورة الجوية انطلقت حوالى 8 طائرات مقاتلة MIG_21) أيضا من قاعدة طنطا الجوية للمشاركة فى القتال ودعم هذه المقاتلات، وفى حوالى الساعة 3:38 مساء أخبرت محطات الرادار المصرية القيادة بأن هناك حوالى 16 طائرة إسرائيلية أخرى تطير على مستوى منخفض جدا ومن نفس الاتجاه، فتم تجهيز آخر لثمانى مقاتلات (MIG_21) موجودة فى قاعدة المنصورة الجوية وإرسالها بسرعة، وتم إرسال 8 طائرات مقاتلة أخرى من طراز (MIG_21) من قاعدة أبو حماد الجوية للمساعدة، ودارت معركة جوية عنيفة جدا، فقد كان يوجد حوالى (160) طائرة فانتوم وسكاى هوك مختلطة مع حوالى (62) طائرة MIG_21 مصرية، وفى حوالى الساعة 3:52 مساء التقطت الرادارات المصرية موجة أخرى من طائرات العدو خمن أنها حوالى 60 طائرة أخرى من طرازى فانتوم وسكاى هوك، وكانت تطير على مستوى منخفض جدا ومن نفس الاتجاه كما فى السابق، ويعتقد أن مهمة تلك الطائرات ضرب أهداف لم يتم إصابتها فى الموجة الثانية، لذلك تم تجهيز حوالى 8 طائرات (MIG_21) من قاعدة أنشاص الجوية لاعتراض تلك الموجة، ومع اقتراب الموجة الإسرائيلية الثالثة من بلدة دكرنس الموجودة فى دلتا النيل دخلت فى اشتباك جوى Dogfight مع الطائرات المصرية، وبينما كانت الموجة الإسرائيلية الثانية تهرب شرقا قامت حوالى 20 طائرة (ميج) بالهبوط للتزود بالوقود والمعركة مستمرة من فوقهم ثم طارت مرة أخرى للاعتراض، وقد أدرك قائد الموجة الثالثة من الطائرات الإسرائيلية أن الهجمات السابقة فشلت وأن هناك مقاتلات مصرية فى سماء المعركة أكثر مما كان يتوقعه فأمر الطائرات الإسرائيلية بالتراجع وعبرت آخر طائرة إسرائيلية الساحل حوالى الساعة 4:08 مساءً.
وفى الساعة 10 مساء بالتوقيت المحلى لمدينة القاهرة صدر البيان رقم 39، حيث ذكرت الإذاعة المصرية أن المقاتلات المصرية من عدة مطارات اشتركت فى معركة جوية كبيرة شمال الدلتا مع طائرات العدو وتم إسقاط 15طائرة للعدو وفقدان 3 طائرات مصرية، ومن جهتها ادعت الإذاعة الإسرائيلية أن القوات الجوية الإسرائيلية قد أسقطت 15 طائرة مصرية ثم عدل الرقم إلى 17 طائرة بعد ذلك، وبعد ذلك أصدرت القوات الجوية المصرية بيانا مفصلا ذكرت فيه الآتي: إسقاط 17 طائرة للعدو وفقدان 6 طائرات مصرية، ثلاث منها أُسقطوا بواسطة طائرات إسرائيلية واثنتان تحطمتا لنفاد الوقود وعدم وصولهما لقاعدتهما الجوية لإعادة التزود بالوقود، أما الثالثة فقد تحطمت نتيجة انفجار طائرة فانتوم إسرائيلية بالقرب منها.
معركة الإسماعلية.. الليلة التى بكى فيها «شارون»
نجحت القوات الإسرائيلية فى التسلل إلى غرب قناة السويس ليلة 16 أكتوبر 1973، وفى البداية كان التسلل بـ 30 دبابة برمائية وحوالى 300 جندى مظلى من فرقة شارون المدرعة، واعتقد البعض أن قوة الاختراق الإسرائيلى المحدودة تلك نجحت فى ما فشل فيه سلاح الجو الإسرائيلى خلال أحد عشر يوماً من القتال، فقد اختبأت تلك الدبابات فى منطقة الدفرسوار التى تكثر بها زراعات المانجو، وبدأت تنطلق فى مجموعات صغيرة لمهاجمة مواقع صواريخ الدفاع الجوى المصري.
كانت التعليمات الصادرة لـ «شارون» و»أدان» أن هناك قرارا وشيكا يتم التحضير له فى مجلس الأمن لوقف إطلاق النار، وعلى ذلك يكون التحرك السريع لتطويق الجيش الثانى والثالث وحصارهم واحتلال مدينتى الإسماعيلية والسويس أمرا ملحا.
تقع مدينة الإسماعيلية على الضفة الغربية لقناة السويس، وتطل على بحيرة التمساح وهى إحدى مدن القناة الثلاث الرئيسية، بالإضافة إلى أنها تمثل مركز قيادة الجيش الثانى الميداني، على ذلك فسقوطها سيشكل نصرا دعائيا كبيرا للجيش الإسرائيلي، وسيمكنه بكل سهولة من السيطرة على مؤخرة الجيش الثانى بأكمله، وكذلك تهديد ثلاث فرق مشاه شرق القناة، كما أن بها مطارا يصلح لاستقبال كافة أنواع الطائرات المتوسطة والخفيفة، ونظرا لطبيعة هذا القطاع الزراعى الريفى فإن تقدم المدرعات والمركبات يصبح مقيدا بضرورة استخدام الطرق الأربعة التى تخترقه، وهذه الطرق هى كما يلي: طريق القناة، وهو طريق حربى يمتد من السويس إلى الإسماعيلية، ويصلح لسير جميع أنواع المركبات والدبابات، وتحكمه منطقة تسمى جبل مريم، وهى تبة عالية تشرف على القناة، وتمثل نقطة استراتيجية بالغة الأهمية فى التحكم فى هذا الطريق ومدخل المدينة، لكن وجود القناة على يمين الطريق والترعة الحلوة على يساره، يحد من قدرة الدبابات الإسرائيلية المهاجمة على المناورة عليه، والطريق الثانى طريق ترعة الإسماعيلية، وهو طريق ترابى يمتد بمحاذاة ترعة السويس الحلوة، وهى الترعة التى تمد مدينة السويس بمياه النيل، والطريق يصلح لكافة أنواع المركبات والمدرعات، ويتحكم فى هذا الطريق قرية أبو عطوة وكوبرى أبو جاموس وإلى الغرب من ترعة السويس مباشرة يسير خط السكة الحديدية القادم من السويس، والطريق الثالث طريق المعاهدة، وهو طريق أسفلتى درجة أولى يمتد من السويس إلى الإسماعيلية، ويسير بموازاة القناة والبحيرات المرة، يخترق هذا الطريق قرية نفيشة، ويعبر ترعة الإسماعيلية على كوبرى نفيشة ليستكمل سيره شرقا إلى مدينة الإسماعيلية، والأرض على جانبيه صحراوية وتصلح لاستخدام المدرعات فيما عدا الجزء الشمالى الذى يضم بعض المزروعات وأشجار الفواكه وعددا من العزب والقرى الصغيرة، وأخيراً الطريق الرابع، وهو طريق القاهرة-الإسماعيلية الصحراوي، وهو طريق درجة أولى يبدأ من القاهرة حتى الإسماعيلية، ويمتد فى اتجاه الشمال الشرقى إلى الشرق من ترعة الإسماعيلية، وقبل وصول الطريق إلى ترعة الإسماعيلية بحوالى كيلومتر، تتفرع منه وصلة تمتد شرقا بموازاة الترعة حتى نفيشة، ويمكن العبور من هناك على كوبرى نفيشة والوصول بعدئذ إلى الإسماعيلية. ومعظم الأراضى على جانبى هذا الطريق صحراوية وصالحة لسير المدرعات.
ونتيجة لطبيعة الأرض فى القطاع الشمالى الذى كانت تتقدم خلاله قوات شارون، اضطرت هذه القوات إلى أن تتحرك فى زحفها على محورين رئيسيين هما: الطريق الترابى شرق الترعة الحلوة وطريق المعاهدة، باعتبارهما أصلح الطرق لتقدم مدرعاتها ومركباتها، وأقصرها من حيث المسافة إلى مدينة الإسماعيلية، وعلى الرغم من أن الهجوم الرئيسى كان على محورين، فإن شارون قام بدفع مفارز قوية على جميع الطرق على طول المواجهة ما بين قناة السويس شرقا والكوبرى العلوى غربا، لذلك أدرك قائد الجيش الثانى الميدانى اللواء أركان حرب «عبد المنعم خليل» أن القوات الإسرائيلية باتت على وشك الوصول إلى مشارف مدينة الإسماعيلية، فقام بتنظيم القوات واتخذ عددا من الإجراءات السريعة لحماية مداخل المدينة، وكان الهدف الأول الذى ركز عليه اهتمامه هو منع الإسرائيليين من عبور ترعة الإسماعيلية حتى لا ينجح فى تطويق المدينة تمهيدا لاقتحامها من خلال اتخاذ عدة اجراءات.
تحركت الكتيبة 85 مظلات بقيادة المقدم «عاطف منصف» إلى نقطة جبل مريم للدفاع عن تلك النقطة، وتم تدعيم الكتيبة بسرية مقذوفات مضادة للدروع وسرية هاون 120 مللي، وهى التى تدخل فى هيكل تنظيم اللواء 182 مظلات، مما رفع من قدرة تلك الكتيبة القتالية وضاعف من قوتها النيرانية تقريبا.
جدير بالذكر أن اللواء 182 مظلات كان يتكون من ثلاث كتائب رقم 81 و85 و89، وقد تعرضت الكتيبتان 81 و89 إلى خسائر فى معارك الفترة من 17-21 أكتوبر، لذلك تم إعادة تجميع تلك الكتائب بالاستاد الرياضى فى مدينة الإسماعيلية لاستعادة القدرة القتالية مرة أخرى.
تحركت المجموعة 139 صاعقة بقيادة العقيد «أسامة إبراهيم» إلى مناطق نفيشة وأبو عطوة للدفاع عنهما، كانت تلك المجموعة قد شاركت فى معارك يوم 19 أكتوبر وأبلت بلاء حسنا، وسحبت كتيبة ميكانيكية من منطقة عين غصين – جبل مريم إلى الشمال من الترعة الحلوة بعد أن استلمت الكتيبة 85 مظلات الدفاع عن تلك المنطقة وسحب مجموعة مدفعية الجيش الثانى رقم 1 من جنوب ترعة الإسماعيلية إلى الشمال، لتنضم إلى مجموعة مدفعية الجيش الثانى رقم 2، ودفع عناصر إدارة وتوجيه النيران إلى الحد الأمامى للقوات المصرية.
حشدت مجموعات مدفعية الفرقة 16 مشاة والفرقة 21 المدرعة بالتنسيق مع مجموعات مدفعية الجيش الثاني، ليكون الإجمالى فى حدود 16 كتيبة مدفعية مختلفة الأعيرة، وقد أحسن العميد أركان حرب «أبو غزالة» الذى صار وزيراً للدفاع فيما بعد عندما توقع محاور تقدم المدرعات الإسرائيلية، الأمر الذى مكن من تسليط نيران المدفعية المصرية عليها خلال المعركة/ فتم دفع اللواء 118 «ميكانيكي» لاحتلال نقاط دفاع على الجسور شمال ترعه السويس الحلوة للحيلولة دون استيلاء القوات الإسرائيلية على تلك الجسور، وبهذه الإجراءات العسكرية والتكتيكية تم التعامل مع الأمر، فضلاً عن وجود ترعة الإسماعيلية كمانع مائى طبيعي، لذلك أصبح الدفاع عن المدينة شبه مكتمل.
وبحلول يوم 20 أكتوبر، بدأ الجنرال أرئيل شارون قائد مجموعة العمليات رقم 143 التى كانت تعمل على المحور الشمالى بعد العبور الإسرائيلى إلى غرب القناة، فى إدارة معركته الأخيرة فى اتجاه الإسماعيلية، بعد أن أبلغته القيادة الجنوبية بأن قرار وقف إطلاق النار على وشك الصدور. ومنذ الصباح الباكر قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بشن هجمات عنيفة على مدن الإسماعيلية وبورسعيد وبور فؤاد، وقد تركز القصف الجوى بصفة خاصة على مواقع الصواريخ أرض – جو سام والأسلحة المضادة للطائرات بهدف تدميرها أو إسكاتها، وكذلك على أمكنة تجمع القوات، ومنها معسكر الجلاء بالإسماعيلية ومنطقة جبل مريم والكبارى المقامة على الترعة الحلوة، وقامت أيضا بإلقاء القنابل الزمنية وقنابل النابالم لإحداث الحرائق وبث الذعر فى نفوس الأفراد، وأصابت بعض تلك القنابل جسر الترعة الحلوة فى منطقة رأس العش على بعد 15 كيلومترا جنوب بورسعيد، مما أدى إلى تدفق مياه الترعة الحلوة إلى قناة السويس، ولتدارك الموقف أصدر اللواء أركان حرب «عبد المنعم خليل» قائد الجيش الثانى أمره إلى رئيس مهندسى الجيش بإغلاق مياه الترعة الحلوة عند نقطة التحكم فى القنطرة، وذلك لإنزال مستوى مياه الترعة حتى يتم إصلاح الجسر المعطوب عند رأس العش، ولكى يمكن إعادة فتح المياه ثانية إلى مدينة بورسعيد، وطلب قائد قطاع بورسعيد اللواء «سعد الدين صبري» من قيادة الجيش الثانى دعمه بوحدات دفاع جوي، كما طلب معاونة جوية عاجلة لتخفيف الضغط عن قطاعه. وكانت حدود قطاع بورسعيد تمتد من الشمال بحذاء البحر المتوسط من بورفؤاد شرقا حتى دمياط ورأس البر غربا، كما تمتد من الجنوب من التينة شرقا على بعد 25 كيلومترا جنوب بورسعيد حتى صان الحجر بمحافظة الشرقية غربا.
عبر لواء «آمنون» إلى الضفة الغربية للقناة يوم 19 أكتوبر، وبذلك أصبحت مجموعة عمليات شارون غرب القناة تتكون من لواءين مدرعين، وهما لواء «آمنون» ولواء «حاييم» ولواء مشاة مظلى بقيادة العقيد «دانى مات»، وكان أقصى تقدم لقوات شارون على المحور الشمالى هو وصوله إلى منطقة طوسون يوم 20 أكتوبر على بعد حوالى 12 كيلومترا جنوب الإسماعيلية، وفى صباح يوم 21 أكتوبر قامت مفرزة من دباباته ومشاته الميكانيكية، بمهاجمة تبة الشيخ حنيدق على بعد حوالى كيلومتر ونصف شمال طوسون، واستولت عليها قبل آخر ضوء من نفس اليوم.
كان شارون منذ بلغته الأنباء بقرب صدور القرار بوقف إطلاق النار، قد دفع بكل ما تحت قيادته من قوات فى اتجاه الشمال، عاقدا عزمه على سرعة الوصول إلى ترعة الإسماعيلية وعبورها، لكى يتمكن بعد ذلك من تحقيق الأمل الذى أخذ يراوده فى أحلامه منذ عبور قواته إلى الضفة الغربية للقناة، وهو الاستيلاء على مدينة الإسماعيلية، وبالتالى قطع طرق الإمدادات الرئيسية القادمة من القاهرة وشرق الدلتا إلى قوات الجيش الثانى شرق القناة، وكان شارون على يقين من أن سقوط الإسماعيلية سيحدث دويا سياسيا كبيرا على المستوى العالمي، مما سوف يكسبه شهرة واسعة ومجدا عسكريا مرموقا.
وفى ليلة 22 أكتوبر أخذت وحدات مدفعية الجيش المصرى تقوم بقصف لإزعاج مواقع الإسرائيليين طوال الليل، وفى الصباح قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية بهجمات جوية عنيفة على مواقع الجيش المصري، وركزت قصفها على معسكر الجلاء وجبل مريم وأبو عطوة ونفيشة، وعندما حاول الإسرائيليون التقدم بمفارز مدرعة (دبابات ومشاة ميكانيكية) على طريق المعاهدة فى اتجاه كوبرى نفيشة وعلى الطريق الصحراوى فى اتجاه الكوبرى العلوى انطلقت المقذوفات الصاروخية المضادة للدبابات ماليتوكا واشتبكت معها وأجبرتها على الانسحاب.
وفى صباح يوم 22 أكتوبر جدد شارون محاولته للتقدم فى اتجاه ترعة الإسماعيلية، وكان تحركه على محورين هما طريق ترعة السويس الحلوة وطريق المعاهدة، ولكى يتمكن من إزاحة قوات الصاعقة التى اعترضت طريق تقدمه، قام بقصف مواقعها بالمدفعية والهاونات ومدافع الدبابات، كما قامت طائراته بضرب مواقعها ضربا مركزا، ونظرا لضيق الطريق فقد تحركت فى المقدمة قوات الجيش الإسرائيلى المترجلة من المظلات وعناصر الاستطلاع، بينما كان يتبعها ببطء طابور من الدبابات والعربات المدرعة نصف جنزير بسبب عجزه عن الفتح والانتشار، وعند الظهر اشتبكت مقدمة القوات الإسرائيلية مع عناصر استطلاع الصاعقة فى الأمام، وتم تدمير دبابتين وعربة مجنزرة إسرائيلية، وفى الساعة الواحدة ظهرا تقدمت قوة من المظلات تقدر بسرية مشاة فى اتجاه أبو عطوة على محور ترعة السويس الحلوة حتى فوجئت بنيران الأسلحة الصغيرة تنهمر عليها من كل جانب مما سبب لها خسائر تزيد على 50 فردا، وعلى إثر ذلك توقف الهجوم الإسرائيلي، واستمر فى قصف منطقة أبو عطوة بالمدفعية والهاونات بتركيز شديد.
فى نفس التوقيت وعلى محور نفيشة، تقدمت قوة تقدر بسرية دبابات وسرية مشاة ميكانيكية، تحت ستر غطاء جوى من الطائرات التى قامت بقصف منطقة نفيشة على ترعة الإسماعيلية، وتمكنت كتيبة الصاعقة المصرية فى نفيشة رغم القصف الجوى من إيقاف تقدم الإسرائيليين، وكانت مجموع خسائر الجيش الإسرائيلى على محور نفيشة 3 دبابات وعربتين مدرعتين نصف جنزير وعددا كبيرا من الأفراد.
وفى مساء يوم 22 أكتوبر، ونظرا لوجود عدد ضخم من الجرحى الإسرائيليين على أرض المعركة الذين لم يتم سحبهم بعد، لم يكن فى الإمكان القيام بمعركة أخرى خاسرة من أجل إنقاذ الجرحى، لذلك طلب شارون عددا كبيرا من الطائرات المروحية لمساعدة رجاله فى عمليات الإنقاذ، لكن لم يوافق على مطلبه، فقد كانت الليلة مظلمة وكان من الصعب على الطائرات الهبوط بالقرب من ميدان المعركة منعا لإصابتها. فأمر شارون رجاله بضرورة الاعتماد على أنفسهم، واستمرت عمليات الإنقاذ أكثر من أربع ساعات إلى أن تم إخلاء معظم القتلى والجرحى من أرض المعركة.
وفى يوم 26 أكتوبر 1973، حاول شارون التقدم غربا لقطع طريق القاهرة – الإسماعيلية الصحراوى لعزل مدينة الإسماعيلية، لكن قوات الدفاع الشعبى والعسكرى التى كانت مسئولة عن تأمين هذا الطريق الحيوى نجحت فى وقف تقدم المدرعات الإسرائيلية وأجبرتها على الانسحاب، وكذلك نجح جنود المظلات المصريين فى الاستيلاء على إحدى المصاطب غرب القناة، ودفع قوات شارون إلى الجنوب، ولمنع الإسرائيليين من تجديد محاولات التوسع شمالا أو غربا، أمر الفريق أول «أحمد إسماعيل» بدفع احتياطى الجيش الثانى لتشكيل خط دفاعى قوى بمحاذاة الترعة الحلوة.
لقد كانت معركة الإسماعيلية نقطة تحول حاسمة فى مسار حرب أكتوبر، فقد أثبتت قوات الصاعقة والمظليين المصريين تفوقهما على سلاح المدرعات الإسرائيلي، ونجحتا فى ردع قوات شارون عن احتلال أو عزل المدينة، وكذلك منعته من تهديد خطوط امداد الجيش الثانى الميدانى وحصاره، وقد أطلق الإسرائيليون على مدينة الإسماعيلية «فيتنام مصر»، نظرا لضراوة المعارك وتشابهها مع ما كان يقاسيه الأميركيون خلال حرب فيتنام.
أقامت محافظة الإسماعلية نصبا تذكاريا بعد الحرب تخليدا لذكرى شهداء المعركة، يقع النصب شرق قناة السويس أمام المنطقة رقم 6، كما تم إنشاء متحفا حربيا فى قرية أبو عطوة على بعد 3 كم من الإسماعيلية تخليدا لذكرى معركة صد القوات المسلحة المصرية وشعب الإسماعيلية لدبابات الغزو الإسرائيلى حين حاولت اقتحام المدينة.!!!!!!!







Discussion about this post