“قراءة نقدية لثلاثية: “جبّار الملاحم.
الشاعر الدكتور: حمد حاجي
الناقدة: جليلة المازني
عنوان القراءة النقدية:
الثلاثيات الدوّارة والتتفريغ النصي: الحبّ والحرب نموذجان.
التصدير: يقول عنترة ابن شداد في حبيبته عبلة:
ولقد ذكرتك والسيوف نواهل منّي// وبيض الهند تقطر من دمي
المقدمة:
“الشكل هو سر العمل الفني”بودلار
لماذاثلاث قصائد قصيرة جدّا؟
نطرح السؤال التالي لعلنا ندرك المغزى من تنضّد الاستاذ حمد حاجي..
مسالة الثلاث ذكلات بالقران :يقول تعالى:” يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرّات”؟
لماذا ثلاث مرّات؟
والنبي صلى الله عليه وسلم قال:”من استاذن ثلاثا فان أذن له والا فليرجع”
هل من معنى للثلاث؟
ولم قيل:” ثلاثة حقّ على الله الا تردّ لهم دعوةّ .
وروي عن عمر قول الرسول :”ثلاث مهلكات وثلاث منجيات وثلاث كفّارات وثلاث درجات… ” لماذا التركيز على معنى الثلاث؟
ترى لماذا وضعت” ثلاثيات البخاري” وهي تلك الثلاثيات التي يكون عدّ رجال الاسناد من المصنف الى منتهاه ثلاثة رجال فقط .
وهذا يعتبر من جملة الاحاديث ومن أعلاها سندا.
لماذا وضع الامام أحمد بن حنبل..ثلاثيات في سند الحديث أيضا؟
ترى لماذا يقول الامام الغزالي:” أحذّرك ثلاثا” :هي الحسد والرياء والعجب فاجتهد في تطهير قلبك منها..وغيره
هذه الاهرة تمتعنا أكثر حينما ننفذ للسؤال ربما من خلال بروز ظاهرة الثلاثيات في الادب او الرواية الانسانية او رواية الاجيال(انظر أحمد سيّد محمد : الرواية الانسانية) حين تحدّث عن أشكال الرواية القديمة.
والذي أرجع ظهورها لروايات المائدة المستديرة “الدّائرية المسمّاة “جرجا نتيا”
لذلك تعدّدت نماذج من هذه الظاهرة نذكر منها أيضا ثلاثية نجيب محفوظ(بين القصرين/قصر الشوق/ السكرية) .
كذلك ثلاثية سهيل ادريس(الخندق العميق/ الحيّ اللاتيني/أصابعها التي تحترق)
كذلك ثلاثية محمد ديب( الدار الكبيرة /الحريق/النول)
كذلك ثلاثية حنّا مينا(بقايا صور/المستنقع/ القطاف)
كذلك ثلاثية أحمد حرب(اسماعيل/الجانب الآخر/بقايا)……
لو تأمّلنا بأهمّ سمات هذه الظاهرة نلاحظ انها تهدف بالاساس الى:
1- تصوير الواقع..اي ملمح يميل الى الجانب التصويري.
2- التميّز بالدّائرية (عودة الابطال بالظهورفي معظم المراحل الثلاث).
3- حصول نفع القراءة من اي مرحلة تبدأ..مع خيط رفيع رابط بينها.
لعلّ هذا ما جعل الشاعر حمد حاجّي يلتجئ الى ثلاثية بالقصيد ليحقّق الملامح الثلاثة السالفة.
الحبّ والحرب والتفريغ النصّي في ثلاثية “جبّار الملاحم” لطوفان الاقصى:
(ثلاث قصائد قصيرة جدّا)
قراءة نقدية في ثلاثية “جبار الملاحم” لطوفان الاقصى(ثلاث قصائد قصيرة جدّا)
يطالعنا الشاعر حمد حاجي في ثلاثية” جبّار الملاحم” بثنائئية قديمة حديثة انها ثنائية الحبّ والحرب.
هذه الثنائية التي تتناص مع بيت الشعر الشهير لعنترة ابن شدّاد العبسي من قصيدته الشهيرة “أثني علي بما علمت”(1) والتي قالها في حبيبته عبلة حيث يقول:
ولقد ذكرتك والسيوف نواهل منّي/// وبيض الهند تقطر من دمي
ان الشاعر يقترح علينا ثلاثية “جبار الملاحم” لطوفان الاقصى(ثلاث قصائد قصيرة جدا)
وهي على التوالي:
1- ملحمة القسام.
2- ملحمة الغزاوية.
3- ملحمة الشعب الجبار.
مفهوم الملحمة:
“الملحمة هي قصّة شعرية طويلة مليئة بالاحداث غالبا ما تقصّ حكايات شعب من الشعوب في بداية تاريخه وتقصّ عن تحرّك جماعات بأكملها وبنائها للامّة والمجتمع”(2)
ان عنوان هذه الثلاثية “جبّار الملاحم ” والجبّار اسم من اسماء الله الحسنى ومعناه ان الله قاهر الجبابرة فيغلبهم بجبروته وعظمته ولعل الشاعراستعار هذا الاسم لله”الجبار” دون تعريف “جبّار” ليؤكد على جبروت هذه الملاحم وقهرها للعدوّ الصهيزني.
ولعله باضفاء صفة العظمة لهذه الملاحم يتحدّى حتى ملحمتي الالياذة والاوديسا
لهوميروس واللتان تحكيان عن قصة حرب طروادة وحصارها.
1- ملحمة القسام : كتائب القسام نسبة للشهيد عز الدين القسام وهي الجناح العسكري لحركة المقاومة الاسلامية”حماس” التي تعمل في فلسطين وهي أبرز فصائل المقاومة بفلسطين. والقسام عالم ومجاهد سوري استشهد 1935على أيدي القوات الانكليزية في أحراش يعبد قرب جنين (3).
يذكّرنا الشاعر بملحمة القسام المذكورة في القصيدة السابقة(7 اكتوبر) والتي تمّ فيها تأسير الصهاينة في أقفاص كالحيوانات ويستعيد وصفه لهم بالقردة وهذا له دلالته اللغوية وهي توظيف التأكيد لمزيد دعم اتصافهم بصفة الحيوانية ومن ثمّ دلالته المعنوية التي بقدر ما تعكس معاني الحقارة والتضاؤل فهي تدعم معاني النجاسة والبشاعة والقذارة وبالتالي فقد أخرج هؤلاء الصهاينة من آدميتهم.يقول:
تراه يقنصهم…
لكأنه يعرض أقفاصه للقرود
ويقطع منها الذيول…
ولعلّ تجريد هؤلاء الصهاينة من آدميتهم يتناص مع النظرية الدروينية(4) والتي تجعل اصل الانسان قردا…” الدّروينية هي نظرية تشرح التطور البيولوجي…طوّرها الانجليزي “تشارلز داروين1882/ 1809ومعه علماء آخرون تنصّ على أنّ جميع أنواع الكائنات الحية تنشأ وتتطوّر من خلال عملية الانتقاء الطبيعي للطفرات الموروثة التي تزيد من قدرة الفرد على المنافسة والبقاء على قيد الحياة والتكاثر” ..من ذلك ان أصل الانسان قرد ثمّ تطوّر.
وأكثر من ذلك يصفهم بالفئران ويطاردهم فيقعون بحوزة الفلسطينيين رغم الظروف القاسية ( انعدام الغذاء والماء والكهرباء) والتي رمز لها “بضوء فتيلة”
ورمز لهم الشاعر بالفئران لنجاستها وعبثها وفتكها بكل ما تخالطه يقول الشاعر:.
وربّ الكتاب…
يحاوزهم حوز فئران
تحت ضوء فتيله
وكأني بالشاعرمن خلال ملحمة القسام ينتحل صفة المؤرّخ الذي يؤرّخ للملاحم والمعارك فأرّخ لنا في هذه القصيدة ملحمة القسام التي ذكرها في القصيدة السابقة فيذكر التاريخ باليوم والشهروالساعة حين يقول: أتدري..
وتدرك مثلي ما صار سبعا
بأكتوبر أوزد عليه قليلا
ساعة (قسام) أغزى فلسطين:
جندا وشعبا ومن ينتمي اليه.
بيد انّ الشاعر حتى وان أراد ان يؤرخ لملحمة سابقة فخرا بها فانه يريد ان يدعم ثنائية جديدة …انها ثنائية الحب والحرب.
ثنائية الحب والحرب:
تقول الكاتبة ملحة عبد الله…”فعلم النفس يؤكّد مختلجات النفس البشرية في الحرب والسلام وفي الحب والكراهية على النقيض يقدّم كتاب “مايكل ماتيوز”: (رأس صلبة)
النابض بالحياة والمثير للاهتمام حجة قوية على ان علم النفس يبزغ بوصفه العلم الذي سوف يحدث الفارق في القرن الواحد والعشرين.
ويزعم ان الحرب ليست معناها مجرد القتل انما هي فهم أنفسهم.
ويوضّح ماتيوز وهو عالم متخصّص في علم النفس العسكري كيف أسهم علم النفس العسكري في كل شيء بداية من اختيار القادة الى مساعدة الجنود في الابحار عبر ثقافات أجنبية ويتنبّأ بأنه سوف يفيد يوما ما في انتاج عقاقير قادرة على تنظيم استجابة المخّ لضغط المعركة العصيّ وربما التخلص من اضطراب ما بعد الصدمة .”
تقول الكاتبة “كلمة مهمة أطلقها “ماتيوز” وهي أن نفهم أنفسنا أوّلا وهي أن نضرب مهماز الحبّ من أجل السلام الداخلي والخارجي حتى نبني الجمال في الحياة.(5)
تقول الكاتبة مريم حيدري: لا اعرف ان كانت الحرب أقوى أم الحبّ…ما يفعلان وما يتركان من آثار سوف تبقى خالدة الى عصور مديدة(6)——————————
2- الملحمة الغزاوية: :لقد سمّيت بيوم القيامة :انها نقلة نوعية في جيوسياسة الشرق الاوسط ونتائجها كبيرة:
– اطلاق كارثة صريحة غير مسبوقةعلى الجانب الاسرائيلي وهذا توصيف جرى على ألسنة المعلّقين الاسرائيليين أنفسهم والسنة الجيش الاسرائيلي.
– تعاقب الخسائر لجيش الاحتلال من حيث عدد القتلى والجرحى والرهائن وأشرطة الفيديوالتي في المراحل الأبكر من تنفيذ عملية “طوفان الاقصى” لم يكن لها ان تنفصل عن المعطيات المعمّمة حول “أسطورة” هذا الجيش الاسرائيلي الاقوى تسليحا وتدريبا وتمويلا في المنطقة.(7).
في غضون هذا النصرعلى الصهاينة يجمع الشاعر بين الحب والحرب وكأني به أحد جنود المقاومة فيريد ان تكون متعته متعتين متعة النصر ومتعة الحبّ حيث تفرّد بمعرفة قيمة حبّ امرأة جميلة له من جنين. وجنين هي مدينة فلسطينية ومركز محافظة وأكبر مدنها تقع في الضفّة الغربية التابعة للسلطة الفلسطينية.
يقول الشاعر:أتعرف مثلي
كيف تحبّك امرأة من جنين..
ومعنى تكون جميلة .
استهلّ الشاعر تجربة الحب باستفهام بالهمزة مطبوع بالفخر يستفهم فيه عن مضمون الجملة التي هي بدورها استفهامية عن كيفية حبّ امراة جميلة له من جنين فياتي جواب الاستفهام في المقطعين الثاني والثالث للملحمة حيث ان جمال المراة التي تحبّه من جنين يتجلّى في وقوفها مع الجندي الحبيب في المقاومة تكبيرا وتجنيدا لكل معشر وقبيلة للمقاومة المباركة وحنوّها ومؤازرتها لمن يحتاجها في هكذا شدّة .
ويواصل فخره بهذه المرأة التي أحبّته فهي المرأة العاشقة الجريئة والفاعلة والمسؤولة وكيف لاتكون بهذه الصفات وهي المرأة الفلسطينية المناضلة.
ان الشاعريشبّهها بزيتونة مباركة في ضيائها ونورها وبركتها واشعاعها اللامحدود وهو تناصّ مع معاني الآية 35 من سورة النور:”الله نور السماوات والارض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب درّي يوقد من شجرة مباركة زيتونة لاشرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم”
واكثر من ذلك فالشاعر يشبّهها بالمسيح المقدس الذي أيده الله بروح القدس(جبريل عليه السلام) ويضفي عليها قدسية الرسول ممّا يجعلها عند البعث تتحوّل من زيتونة واحدة الى خميلة ملتفة أشجارها مع بعضها البعض ولها دلالتها في التكاثروالولادة والاستمرارية التي تقهر العدوّ والحياة لهذا الشعب الذي يستحق الحياة.يقول الشاعر:أتعشق مثلي امرأة
شبه زيتونة
اذ تموت وتبعث مثل المسيح كأحلى خميله..
وبالتالي فالشاعر وهو يستمتع بنصر كانت فيه المراة التي أحبّته شريكة فاعلة لهذا النصر
انها المراة الفلسطينية التي دمها فلسطيني وصوتها فلسطيني وحبّها المقدّس فلسطيني. لذلك تحولّ الشاعر من معشوق الى عاشق(اتعشق مثلي امرأة..) ولعل الشاعر هنا رمز الى هذه المراة بفلسطين التي بات عاشقا لها والرمز للمراة بالبلد وارد في الشعر العربي ولنا في الشاعر الكبير نزار قباني مثال.
3- ملحمة الشعب الجبار:
يختم الشاعر ملاحمه “بملحمة الشعب الجبار” والعنوان له دلالته المعنوية بجعل الشعب فاعلا وكيف لا والشعب الفلسطيني هو صانع النصر وقاهر العدوّ الصهيوني.
يستهلّ الشاعرملحمته الثالثة “الشعب الجبار” كعادته باستفهام( همزة الاستفهام) وجواب الاستفهام يعرفه وانما يستعمله لاثارة المتلقي وتحريك فضوله ليعرف جواب الاستفهام
هذا الجواب الذي يجعل المراة الفلسطينية تمثّل شعبا باكمله .يقول الشاعر:
أتعرف كيف تحبّك امرأة من جنين
ويافا ومن قرية يونس او من بقاع الخليل..
ويعود الشاعر الى منزلة المعشوق ولعل الشاعر هنا يبوّئ نفسه منزلة الوطن الذي يعشقه كل الشعب الفلسطيني.
ان تبادل الادوار بين العاشق والمعشوق لهو من أرقى تجلّيات العشق بين الشعب والوطن وكأني بالشاعر بتركيز هذه العلاقة بين الشعب والوطن يبرّر هذا العشق المتبادل بينهما كاني به يوظف القانون التبادلي في الرياضيات والمتمثل في الخاصّية التبديلية والخاصّية التبادلية هي خاصّية مرتبطة بشكل عامّ بالعمليات والوظائف الثنائية فاذا كانت الخاصية التبادلية صحيحة لزوج من العناصر في اطار عملية ثنائية معيّنة فيقال عندئذ ان العنصرين يتبادلان في اطار تلك العملية.
.ونرمز لهذه العلاقة بين الشعب والوطن من منظور علم الرياضات كما يلي:
الشعب يعشق الوطن = الوطن يعشق الشعب
يتجلى هذا التبادل في العشق بين الشعب والوطن (والمتمثل في رمز المرأة الفلسطينية)
فيما يقدّم كل طرف للأخر:
– الشعب:توفير الراحة /لا يكترث للموت/ التضحية/ تغذية الاطفال(كل الطيور)
– الوطن: الشعب(في رمز المراة) “نجمة في سماء الجليل” والشاعر اختارمدينة “الجليل”
بدل مدينة اخرى كالخليل مثلا لعله لمزيد اضفاء العظمة على هذه النجمة التي هي في ضيائها بحجم الوطن.
الوطن جعل المراة التي ترمز للشعب تعيد الحياة للموتى وهل اكثر من ذلك والشاعر في الملحمة السابقة شبهها بالنبيّ عيسى الذي ميّزه الله بصفة “يحيي الموتى باذن الله”
يقول الشاعر:”بضربة كحل تعيد لكل الجثامين حبّ الحياة.
باي وسيله.
والشاعر يفخر هنا بجمال المراة الفلسطينية(رمز الشعب) التي تعشقه حينا ويعشقها حينا آخر ولعله يبرّر عشقه لها وقبول عشقها له
فهي المراة(الشعب) التي تضمن استمرارية الوطن وحياته..
والشاعر رمز بالمراة للوطن ايمانا منه بشعورها اللامتناهي بالانتماء لهذا الوطن وايمانا منه بقدرة المراة على حماية شرفها والمحافظة على نقاوته والوطن شرف والارض المقدّسة من عرضها وايمانا منه بالقيم الانسانية النبيلة التي تتمتّع بها المراة الفلسطينية الجليلة ولا أجلّ ممّا نسبه الشاعراليها من جليل الصفات والاعمال الموكولة اليها خلال الملحمتين الثانية والثالثة.
ان الشاعرختم ملاحمه الثلاث بقفلة جامعة لها ..انها قفلة معترفة بالمبدعين ومدوّية للقادة العرب.يقول:
ومن عادة امراة من فلسطين ان تستفيق
مبكّرة…
وان تدعو الشعراء الى قهوة وحكايا الشهيد
الطويله…
.
انّ الشاعرجعل المرأة الفلسطينية تعوّل على المبدعين وتعترف بابداعهم في نشر
القضية الفلسطينية.يقول الشاعر:”وان تدعو الشعراء الى قهوة وحكايا الشهيد
الطويله.
وهل أكثر دلالة من تحمّل المبدعين للقضية الفلسطينية من هذا الابداع لثلاثية
“جبار الملاحم” في طوفان الاقصى للشاعر حمد حاجي هذا الابداع الذي استهواني
لقراءته قراءة نقدية وحتما يستهوي العديد من النقاد المؤمنين بالقضية الفلسطينية.
ان الشاعر يجعل المراة الفلسطينية رسولا تنشر رسالة الى القادة العرب(رمزاليهم بالشعراء)- القادة العرب الذين توزّعوا بين متخاذل ومتواطئ مع التطبيع- لنشر الوعي
بينهم بالقضية الفلسطينية.
ولعلني أكاد أجزم انّ قريحة الشاعر حمد حاجي مازالت تستزيد الحديث عن هذا العشق لفلسطين هذا التّعطش لمزيد العشق لها عبّر عنه باختيار رويّ لهذه القصائد الثلاث الملحمية هذا الرويّ هو “الهاء الساكنة” والذي له:
– دلالته الموسيقية التي اضفاها على الملاحم الثلاث تخفيفا منه من وطأة الحرب وانعاش الجوّ بمتعة الموسيقى التي تجعل الحبّ ينتصر على الحرب.
– دلالته النفسية:ان الرّويّ بالهاء الساكنة يجعل التنفّس يتوقّف وتوقّف التنفّس يشحن الشاعر بشحنة عالية لتكثيف معنى التغنّي بجمال العاشقة والمعشوقة بين ملحمة واخرى وهو يستمتع بهذا الحب بين كل مقطع من مقاطع الملحمة الواحدة وهوحبّ متنوع بتنوّع تجلّياته ومتفرّد في مطلقه .
والشاعربهذا الرّوي لم يرتو بعد من الحبّ وكان من الممكن ان يضيف ملحمة رابعة وخامسة و…و ولعلّه يطالعنا بثلاثية أخرى وذلك انتصارا منه للحب على حساب الحرب
هذا الحبّ الذي جعل الشاعر يردّد تلك اللازمة التي تتكرّر اكثر من مرّة في الملحمتين الثانية والثالثة هذه الترديدة التي ترسّخ في المتلقي قيمة الحبّ.(أتعرف مثلي كيف تحبك امرأة من جنين../أتعشق مثلي امرأة../أتعرف كيف تحبك امرأة من جنين ويافا و…/
أتعرف مثلي كيف تحبك امرأة نجمة في سماء الجليل/…)
ان هذه الترديدة تتناصّ مع الآية 13 من سورة الرحمان (فبأيّ آلاء ربكما تكذّبان)
هذه الآية التي تكرّرت 31 مرّة من78 آية والتثنية حسب المفسرين تعود على الانس والجان والله يتوجّه ممّن كفر منهما في استفهام استنكاري ويقول لهما:فباي نعم الله الكثيرة تكذّبان هذه النعم المذكورة في السورة.والله يريد ان يرسخ فيهم الايمان بنعم الله وبالتالي الايمان بالله وتكرار تلك الآية أضفت الخشوع على السورة وهذا الخشوع سيسري في نفس السامع فيغلّب الايمان على الكفر.
والشاعريتحدى الحرب بالحبّ بتلك الترديدة الاستفهامية الاستنكارية لترسيخ قيمة الحبّ
التي ستنتصر على الحرب تماما كما ينتصر الايمان على الكفر.
هذه الترديدة باضفائها موسيقى على الملحمتين الثانية والثالثة وعلى الملاحم الثلاث ككل
فهي تشرّع للشاعر انتصاره للحبّ والحبّ حياة اما الموت فهو دمار وموت وهي العقلية التي يريد الشاعر تقويضها والتأسيس لعقلية الحبّ (هذا من منظورميتاشعري).
الخاتمة:
لقد قدّم الشاعر حمد حاجي ثلاثية” جبّار الملاحم”المحكومة بثنائية الحب والحرب وقد اقتصر على ملحمة واحدة للتذكير بالحرب(ملحمة القسام) وخصّص ملحمتين(ملحمة الغزاوية وملحمة الشعب الجبار)للحديث عن الحبّ.
لعلّ الشاعر تعمّد ذلك انتصارا منه للحبّ على حساب الحرب وايمانا منه ان الحبّ وحده كفيل بنشر السلام وبالتالي فالشاعر من مقاربة ميتاشعرية فهو يهدم ويقوّض عقلية الحرب ويؤسس ويشيّد لعقلية الحبّ.
لعله ايضا يعتبر ان ثنائية الحب والحرب أكذوبة ايمانا منه بان الحبّ وحده يؤسس للحياة.
النصّ:ثلاث قصائد قصيرة جدّا/لطوفان الاقصى
=======جبّار الملاحم=======
1- ملحمة القسام
أتدري
وتدرك مثلي ما صار سبعا
بأكتوبر أو زد عليه قليلا…
ساعة قسام أغزى فلسطين:
جندا..
وشعبا ومن ينتمي له
تراه يقنصهم…
لكأنه يعرض أقفاصه للقرود
ةيقطع منها الذيول…
وربّ الكتاب
يحاوزهم حوز فئرا
تحت ضوء
فتيله…
2- ملحمة الغزاوية
أتعرف مثلي
كيف تحبّك امراة من جنين..
ومعنى تكون جميلة
تكبّرمثلك
ان جاء طوفان أقصى
وتفزع في معشر وقبيله…
وتحنو عليك
اذ الخطب عضّ بنابه حينا
وأجرى اليك دمار البيوت ومليون قنبلة وحيله..
أتعشق مثلي امرأة
شبه زيتونة
اذ تموت وتبعث مثل المسيح كأحلى خميله
3- ملحمة الشعب الجبار
أتعرف مثلي كيف تحبك امراة من جنين..
ويافا ومن قرية يونس أو من بقاع الخليل
اذا دمّر الجند مسكنها اسكنت اهلها جنة وظلالا ظليله
أتعرف مثلي كيف تحبك امراة
نجمة في سماء الجليل
اذا شعّ فسفور قنبلة تكمش النار وتردي القضاء قتيلا
أتعرف ما عادة امرأة من جنين..؟
اذا اخرجت جثة من ركام
بضربةكحل تعيد لكل الجثامين حبّ الحياة
باي وسيله..
ومن عادةامراة من فلسطين ان تستفيق مبكرة
كي توزّع ماء وقمحا لكل الطيور…
وان تدعو الشعراء الى قهوة وحكايا الشهيد
الطويله..
الشاعر “حمد حاجي”
المصادر والمراجع:
* وليام فان اوكونور: اشكال الرواية الحديثة ترجمة ظجيب المانع/237
(1)المعلّقة لعنترة ابن شدّاد العبسي:قصيدة ” أثني عليّ بما علمت” لحبيبته عبلة
(2) شعر ملحمي :خصائص الملحمة :ويكيبيديا
(3) كتائب عز الدين القسام :ويكيبيديا
(4) ويكيبيديا :أصل الأنواع لداروين في 1859
(5) ملحة عبد الله:بين الحب والحرب (موقع العربية) في 31 مارس . 2017
(6) مريم حيدري:مقال: أيها الشعراء اكتبوا عن الحبّ في 18 نوفمبر 2017
(7) معادلات قديمة مستجدّة:جريدة القدس العربي.
Discussion about this post