في مثل هذا اليوم 6 نوفمبر1918م..
انسحاب القوات العثمانية من دير الزور لتسيطر عليها لاحقاً القوات البريطانية والعربية.
دير الزور وتعرف محليًا باسم الدير، مدينة سوريّة تعتبر أكبر مدن الشرق السوري قاطبةً، فضلًا عن كونها مركزًا إداريًا لمحافظة دير الزور.
من غير المعروف على وجه الدقة تاريخ استيطان الإنسان لدير الزور، غير أنها كانت ومنذ العصر السلوقي بلدة صغيرة على نهر الفرات واستمرت في العصور اللاحقة كذلك حتى انتعشت إبان الحكم العثماني للبلاد مع تحولها إلى مركز تجاري على طريق القوافل القادمة من حلب نحو بغداد، وازدادت أهميتها بعد إعلانها مركزًا لمتصرفية الزور عام 1865 حيث توسعت البلدة وتحولت إلى مدينة كبيرة تحوي مختلف الخدمات والمرافق العامة.
ويشكل العرب غالبية سكان مدينة دير الزور مع وجود بسيط للأكراد والأرمن، والقسم الأكبر من العرب ينحدرون من خلفيات عشائريّة سيّما قبيلتا البقارة والعقيدات، وقد شهدت المدينة نموًا ملحوظًا في ثمانينيات القرن الماضي بعد اكتشاف النفط ودخول العديد من شركات الأجنبية العاملة في مجال النفطي وهو ما أدى إلى خلق فرص عمل جديدة لأبناء المدينة وزاد من حجم الأسواق ونشاطها، ويعتمد اقتصاد المدينة اليوم على النشاط الزراعي في أريافها، حيث تمتاز الأراضي الممتدة على جانبي نهر الفرات بالخصوبة العالية ويعتبر كل من القمح والقطن المحصولين الزراعيين الأكثر إنتاجًا في المحافظة، كما يوجد في المدينة بعض الأنشطة الصناعية المتواضعة والتي تعتمد بشكل أساسي على القطاع العام وتتركز في معظمها على الصناعات الغذائية والتحويلية مثل شركة الفرات للغزل والشركة العامة للورق وشركة سكر دير الزور، وقد توجهت الحكومة السورية لتعزيز القطاع الصناعي في المدينة من خلال إنشاء المدينة الصناعية المحدثة بالمرسوم التشريعي رقم 110 للعام 2007 وتعتبر المدينة مركزًا سياحيًا سيّما مع انتشار المدن والمواقع الأثريّة في ريفها، غير أن ضعف الخدمات العامة ومناخها القاسي سيّما في فصل الصيف أثرت سلبًا في تطور نشاطها السياحي.
وبشكل عام، فإن مناخ دير الزور يصنّف بكونه صحراويًا، كما تعاني المدينة من شح الأمطار والعواصف الرملية والترابيّة التي تسمى محلياً (العجاج) وكانت تعاني من فيضان النهر قبل بناء سد الفرات، أما المشكلات التي تواجه المدينة بشكل أساسي حاليًا فهي تلوث مياه الفرات والتصحر.
أصل التسمية
بسبب عراقة دير الزور وتعاقب عدة دول على وادي الفرات وما نزل به من خراب ومن قتل لسكانه، لم تحتفظ دير الزور باسم واحد وإنما تبدل اسمها كثيرًا، ومن أبرز هذه التسميات:
حسب المؤرخ السوري أحمد سوسة، فإن أقدم الأسماء التي منحت لدير الزور هي «شورا» أو «جديرته» وهي كلمة سريانية تعني الحظيرة، وخلال العصر السلوقي سميت «ثياكوس»، وبعد قيام الدولة الأموية سميت للمرة الأولى «دير بصير»، وقيل إن الدير المذكور هو دير قريب اسمه دير البصيرة.
لاحقًا تغير الاسم إلى «دير حتليف» وهو اسم الدير الذي استقر به عبد الملك بن مروان حين اجتاز نهر الفرات لمحاربة مصعب بن الزبير.
يوافق موقع دير الزور اسم (دير الرمان) الذي ورد في معجم البلدان لياقوت الحموي (المتوفي سنة 626 للهجرة 1228 للميلاد)، وقد روى الديريون المعمرون أنه كان بدير الزور رمان ممتاز انقطع بسبب توالي الخراب الذي كان البدو يلحقونه بالمدينة، ولما انقطع الرمان بقيت لفظة الدير مجردة.
لما شكل العثمانيون تشكيلاتهم الإدارية في القرن العاشر الهجري، ميزو الدير باضافة اسم الرحبة (القلعة القديمة الواقعة جنوب مدينة المياذين، وكانت مأهولة بالسكان وفيها حامية عثمانية لقرب دير الزور منها ولشهرتها القديمة، فأصبح اسم دير الزور (دير الرحبة) وتكتب بالهاء بدلًا من الحاء في الدوائر العثمانية.
مع بداية القرن التاسع عشر كان اسم المدينة في حمص ودمشق ودرعا هو «دير الشعار» (بضم الشين وتشديد العين وفتحها)، لكثرة الشعراء فيها، ومنشأ التسمية هو أن شعراء عاميين من أبناء الدير كانو يقصدون شيوخ العشائر ويمدحونهم بشعرهم، ولكي تميز العشائر بلد هؤلاء الشعراء، الحقوا لفظ الشعراء وشاعت هذه التسمية سنين طويلة.
سمى بعض الرحالة الأوروبيين الذين جازوا المدينة خلال تلك الحقبة مدينة دير الزور «دير العصافير» لكثرة ما فيها من البلابل على وجه الخصوص.
عندما شكل العثمانيون التشكيلات الادارية الثانية في دير الزور سنة 1864، جعلوا من الدير سنجقًا (لواء) وأسموه سنجق دير الزور، وقد اختلف المؤرخون والباحثون في أصل كلمة «الزور»:
يرى العلامة عبد القادر عياش في كتابه حضارة وادي الفرات أن «الزور» في لهجة المدينة العاميّة تعني الغابة، كزور شمر وزور البوحمد وزور الغانم، وهي أزوار واقعة على ضفة نهر الفرات الغربية على طريق حلب دير الزور.
أشار الباحث الاجتماعي “عمر صليبي” في كتابه “لواء الزور في العصر العثماني” عن أصل التسمية بالقول «الزور» بفتح الزاي فتعني الصدر الواسع أي صدر النهر، وهي المنطقة الزراعية المروية الواقعة على ضفاف الفرات والمتكونة بفعل فيضانات الأنهار والمتمثلة بالتربة الخصبة السمراء”.
يعتقد البعض أنها من زأرة الأسد، بمعنى الأجمة ذات الماء والقصب، أو من زئير الأسد لوجود الأسود في الماضي في هذا المكان.
يحسب البعض أن لفظ الزور متأتية من لفظ الزيارة لزيارة (أهل الأرياف) للدير.
قال البعض أن اسم «الزور» اشتق من كلمة ازورار أي (مال واعوّج)، لازورار نهر الفرات عند موضع دير الزور.
كانت دير الزور الوجهة الأخيرة في مسير التهجير القسري لقوافل الأرمن، ومسرحًا لعمليات القتل والذبح على يد جندرمة الأتراك، حيث خططت السلطات العثمانية لتصفية الأرمن على يد العرب إلا أن خططهم باءت بالفشل فقد أسف أهالي دير الزور لما حل بالأرمن رجالًا ونساء وأطفالًا، وسارع الحاج فاضل العبود الذي كان رئيسًا لبلدية دير الزور مع وجهاء المدينة لنجدتهم ومد يد العون والمساعدة لهم حيث استقبلوهم وساعدوهم وقدمو لهم الطعام والسكن وكافة سُبل العيش والأمان.
وإذا كان لهجرة الأرمن القسرية وجهها المأساوي، فقد كان لها وجه إيجابي على مدينة دير الزور، انعكس في ارتفاع عدد سكان المدينة وبالتالي ارتفاع معدل النمو السكاني فيها، وتحظى مدينة دير الزور على مكانة خاصة من الناحية التاريخية بالنسبة للأرمن في أرمينيا والشتات الأرمني، خاصة السوريين الأرمن، وتحمل رمزية معنوية بين المدن السورية، ولذلك شيدت فيها كنيسة باسم الشهداء الأرمن (تم تشييد الكنيسة رسميًا عام 1991)، ومتحفًا يضم بعض الرفات ومقتنيات وخرائط تخليدًا لذكرى الشهداء الذين قضوا في تلك المنطقة على يد العثمانيين الأتراك، وأضحت المدينة فيما بعد محجًا لمئات آلاف الأرمن في 24 نيسان من كل عام، بعد أن أعلنها في عام 2002 الكاثوليكوس آرام الأول للأرمن الأرثوذكس لبيت كيليكيا بأنها محج للأرمن.
دبت الفوضى في مدينة دير الزور بعد خروج العثمانيين في 6 تشرين الثاني عام 1918 نتيجة غياب السلطة الحكومية، وتعاظم خوف الأهالي في دير الزور من المحيط العشائري الذي يحيط بمدينتهم، فالعشائر اعتادت الغزو والنهب والسلب سواء من بعضهم بعضًا، أو بدخول المدن ونهب البيوت، فكان من الضرورة وجود سلطة قوية تحمي المدينة وأهلها، وهو ما دفع الحاج فاضل العبود الذي كان يشغل منصب رئيس البلدية إلى تشكيل حكومته بالمدينة وأوصى إلى شيوخ العشائر في القرى والنواحي المجاورة من أجل المبايعة والوقوف معه، فبايعته جميع العشائر، وكان من أولويات هذه الحكومة ضبط أمور الأمن وتسير شؤون المدينة وعرفت هذه الحكومة لاحقًا باسم «حكومة الحاج فاضل».
واستمرت الحكومة حتى وصول الشريف ناصر ابن عم الأمير فيصل بن الحسين في الأول من كانون الأول من عام 1918 ثم وصول مرعي باشا الملاح في السابع من شهر كانون الأول 1918، حيث انتهت مهمتها وأصبحت دير الزور تابعة للحكومة المركزية في دمشق.
الفترة البريطانية
في 11 كانون الثاني عام 1919 احتلّ الجيش البريطاني المدينة عن طريق الحدود العراقيّة وضمها إلى الأراضي العراقية ، وأهتمت السلطة البريطانية بالأمن ونظافة المدينة وانشأت مدرسة ابتدائية أخذت تعلم اللغة الإنكليزية، وبقي الحاج فاضل العبود رئيسًا للبلدية، وخلال تلك المرحلة مثّل الحاج فاضل العبود وعدد من شيوخ قبيلة العقيدات والبقارة وعشائر أخرى منطقة الفرات في المؤتمر السوري العام المنعقد في أواخر حزيران عام 1919، والذي أعلن في 8 آذار عام 1920 استقلال سورية وقيام المملكة السورية العربية ونصب فيصل ابن الشريف حسين ملكًا عليها، حيث كان الحاج فاضل من أشد المؤيدين لتنصيبه، وأعلن الأمير فيصل تأسيس حكومة عربية في دمشق وكلف الضابط السابق في الجيش العثماني الدمشقي علي رضا الركابي بتشكيلها ورآستها.
سعى الديريون للتخلص من الحكم البريطاني وكتبوا برغبتهم إلى الحكومة العربية بدمشق، وكان الضباط العراقيون من حزب العهد العراقي في دمشق يرغبون باحتلال دير الزور لجعلها قاعدة لتحرير العراق من الاحتلال البريطاني فعينوا رمضان شلاش حاكمًا لمدينة الرقة ليكون ذلك خطوة لتحرير دير الزور، وجاء الضابط رمضان شلاش واحتل دير الزور بمساعدة أبنائها وعشيرة البو سرايا، فانسحبت القوات البريطانية في 27 كانون الأول عام 1919 إلى الحدود العراقية.
حكومة الحاج فاضل الثانية
في 27 كانون الأول عام 1919 تسلم رمضان شلاش إدارة دير الزور بصفته حاكمًا عسكريًا وكانت سلطته اسمية والنفوذ الحقيقي لوجهاء المدينة، وما كانوا راضين عن تصرفاته فأخرجوه من المدينة بعد شهرين، فخلفه مولود مخلص وكانت فترة حكمه قصيرة ثم تبعه مصطفى بك القنواتي وكان أخر حاكم للفترة العربية بدير الزور، وبعد أحداث معركة ميسلون في 24 تموز عام 1920 واحتلال القوات الفرنسية لدمشق شهدت المدينة حالة من الفوضى وانعدام الأمن مما دفع الحاج فاضل العبود لتشكيل حكومته الثانية التي أدت خدمات كبيرة في حماية المدينة والحفاظ على سلامة أهلها بالرغم من إمكاناتها المحدودة، واستمرت هذه الحكومة بعملها حتى 23 تشرين الثاني عام 1920 حيث حلت بقرار من سلطات الإحتلال الفرنسي.
غادر الملك فيصل سورية متجهًا إلى حوران ثم إلى حيفا ومنها إلى كومو في إيطاليا ومنها إلى لندن في تشرين الأول عام 1920 بدعوة خاصة من العائلة البريطانية المالكة، وبمغادرته انتهت الملكيّة في سورية لتبدأ حقبة الانتداب الفرنسي على سورية، وفي 16 حزيران عام 1921 أذاع المندوب السامي البريطاني السير بيرسي كوكس قرار مجلس الوزراء العراقي بمناداة فيصل ملكًا على العراق في ظل حكومة دستورية نيابية، وتوج الملك فيصل ملكًا على العراق باسم الملك فيصل الأول بعد تصويت حصل فيه على نسبه 96% من أصوات المجلس، وتم تتويجه في 23 اب من عام 1921 في ساحة ساعة القشلة ببغداد ودعي الحاج فاضل العبود لحفل التتويج.!!!!!!
Discussion about this post