____قراءتي في قصيدة(هنا مطر …وهناك مطر)
للدكتور الشاعرHamed Hadji
___________
هنا مطر.. وهناك مطرْ
أيا مطرا.. يا مطرْ..
تساقطْ.. تساقط.. بغزة.. إنّ لنا إخوةََ في العرا والخطرْ
تساقط على طول هذي الشوارع واسْقِ الثَرى يا مطرْ…
تعال.. أنا أحتمي بمظلّة نوءٍ وتذهب بي للبعيد الفكرْ
وأنت اُلْثُمِ العشبَ مغتبطا وتغلغل بين شقوق الحجرْ
تساقطْ.. تساقط… فلا أحدٌ يبحث الان عن جثثٍ في الممرْ
****2****
أيا مطرا.. يا مطرْ..
تساقطْ.. تساقط.. بغزة.. إنّ لنا فتيةََ بالوجيعة تحت المطرْ
سأخرج في فسحة وألاقي الحبيبة تحت ضياء القمرْ
سألبسها معطف الفرو.. أحنو عليها ونقفز فوق جميع الحفرْ
إذا ما سكتنا فخذ من حديث الرياض إلينا وحُلو السَمَرْ
وخبئ بأزرار قمصاننا فائحاتِ الورود وبوح الزّهرْ
****3****
أيا مطرا.. يا مطرْ..
تساقطْ… بغزة.. إنّ لنا إخوةََ عالقين وتحت ركام الحجرْ
تساقط.. وزين ملامحنا بالضياء كما زان وجهَ الصبايا الخَفَر
إذا ما رأيت على وجنتينا جُمانَ البهاء ونور الدررْ
فكن كالجداول تسري لترويَ منا عروق الهوى والضجرْ
فإنّا سنحمل أحزاننا كالكمان ونمضي بها في دروب السفر..
****4****
أيا مطرا.. يا مطرْ..
تساقطْ.. تساقط..
ففي هدأة الحرب تخبو الجروح ويَخْفُتُ صوت ويُنْسَى أثرْ
فكل نشيد نواح.. وكل النوافذ مشرعة للتشرّد أو للسفر
ستسمع كسر الضلوع وتعرف معنى البكاء ونوح الوَتَر
فهذا خراب وهذي قبور وكل المنازل أضرحة يا مطرْ
——————————
قراءتي في قصيدة[هنا مطر…وهناك مطر]
في قصيدتي (أنـــتِ أيتها المطــــر) أقول:
ما زلتٰ أراكِ طفلة
بضفيرتبن ودمعتين
وتخافين المطـــرْ
وما زلتِ بنت حضنـــي
أحنو عليك وأذبّ ٌ عنك
الخوف والضجر
وما زلتٰ أركض وراءك
وأنـــتِ تسابقين
فصول العمـــرْ
——————-
والمطر والشعراء قصة عشق لا تنتهي
وأغلب الشعراء مشى تحت المطر فاتحا مظلة الخيال وتحت زخاته وجد السلام وصفاء الذهن والوجدان (متلازمة حب المطر-1-)
المطر حلمنا المتواصل نياما كنا او يقظين…
فهو الذي يصدق فيه المثل(زر غبا تزدد حبا)
ولا يمكن أن نجد في أي أدب آخر ما نجده في الأدب العربي من وصف المطر ، والعربي يعشق المطر لأنه محروم من معشوقه هذا الجميل البخيل الذي لا يزور الا اللمم فيزيد حبه في القلب ويضطرم الشوق، وما الحب اللاهب الا ابن الحرمان—فاذا زار المطر طفح الوجه بشرا ورقص القلب طربا -ولــكــن نحن أمام قصيد يطفح وجعا وأنات وحشرجة احتضار
نحن أمام مطر يهطل هناك في غزة العزة
ومطر غزة مختلف عن كل مطر سابق او لاحق
والشاعر يقعدنا مقعد وجع أمام شاشة تعرض فيلما مدهشا سجلته عينه الشاعرة
مطر معاناة تنشق لها الأرض وتبتلعها السماء على هيئة أرواح بريئة …وما أطول يوم غزة الماطر ! إنها سمفونية الحب والحرب تعزف على قيثارة الاحزان
القصيدة معنونة(هنا مطر …وهناك مطر) وبين هنا وهناك مسافات شاسعة لتعدد الدلالات فالمطر النازل على ارض تحترق ليس عاديا وكأن الشاعر يرفع كفيه متضرعا لوابل القنابل ان تكون بردا وسلاما على شوارع غزة -وهي اي القصيدة عبارة عن أربع لوحات متكاملة متدرجة ألوان الألم والحزن حيث يقول في :
اللوحة الأولى
أيا مطرا.. يا مطرْ..
تساقطْ.. تساقط.. بغزة.. إنّ لنا إخوةََ في العرا والخطرْ
تساقط على طول هذي الشوارع واسْقِ الثَرى يا مطرْ…
تعال.. أنا أحتمي بمظلّة نوءٍ وتذهب بي للبعيد الفكرْ
وأنت اُلْثُمِ العشبَ مغتبطا وتغلغل بين شقوق الحجرْ
تساقطْ.. تساقط… فلا أحدٌ يبحث الان عن جثثٍ في الممرْ
هنا استهل الشاعر المقطع بحرفي نداء(أيـا ويــا)وهما أداتا نداء للقريب والبعيد الحسي والمعنوي وغزة قريبة معنوياوحسيا وهذا جلي
لان الشاعر لا يرى نفسه إلًا سائرا في شوارع غزة
مواكبا زخات المطر الحزين الذي يطهرها من دنس فجور العدو والطغيان…كما يلتمس من المطر الاستمرار في التساقط ويلحّ في هذا الطلب(تساقط …تساقط)لان بعد المطر صحو وحياة
-اللوحة الثانية
في هذه اللوحة ما زال الشاعر يخاطب المطر مباشرة مع تقلّص المسافة بينهما …بل ويبوح له بما يجول في وجدانه من رغبة في لقاء الحبيبة تحت جناحه وعلى ضوء القمر
وحين يلقاها يكسوها دفئا وحنانا والشاعر يرسم لنا لوحة نابضة للحب زمن الحرب ويبرز مواضع الجمال رغم قبح الدمار ،وكأنه يخبرنا أن وطأة هول الحرب لا تخفف إلّا بحالة الحب الذي نعيشه مع من نحب رغم الوجيعة…والحب بلسم ناجع لكل ألم -والبحث عن الحب لا يكون إلّا تحت المطر وفي أعماق كل منّا ركن لا ينقطع فيه انثيال المطر..
أيا مطرا.. يا مطرْ..
تساقطْ.. تساقط.. بغزة.. إنّ لنا فتيةََ بالوجيعة تحت المطرْ
سأخرج في فسحة وألاقي الحبيبة تحت ضياء القمرْ
سألبسها معطف الفرو.. أحنو عليها ونقفز فوق جميع الحفرْ
إذا ما سكتنا فخذ من حديث الرياض إلينا وحُلو السَمَرْ
وخبئ بأزرار قمصاننا فائحاتِ الورود وبوح الزّهرْ
كما نلمس روح التفاؤل في جو اليأس المدقع…
—اللوحة الثالثة
ما زال الشاعر يجوب شوارع غزة تحت الهتان ينبش بروحه الركام بحثا عن ذرات الحياة وسط العدم
أيا مطرا.. يا مطرْ..
تساقطْ… بغزة.. إنّ لنا إخوةََ عالقين وتحت ركام الحجرْ
تساقط.. وزين ملامحنا بالضياء كما زان وجهَ الصبايا الخَفَر
إذا ما رأيت على وجنتينا جُمانَ البهاء ونور الدررْ
فكن كالجداول تسري لترويَ منا عروق الهوى والضجرْ
فإنّا سنحمل أحزاننا كالكمان ونمضي بها في دروب السفر.
والشاعر هنا يحتاج المطر حاجته للشعرفالمطر والشعر يهزان أعماق وجدانه، يثيران دهشته، ويسافران بأحلامه في رحلة لا تضع حقائبها ولا تطأ محطات الوصول أبدًا (فإنّا سنحمل أحزاننا كالكمان ونمضي بها في دروب السفر.)
اللوحة الرابعة
لوحة تصعّدوتيرة الحزن وتزيد من أوزاره
وكم المطر يعيدنا شعراء مشتاقين للشعر !؟والمطر بحد ذاته شعر وهو في الحالات العادية
فرح وانتشاء ..ولكن في زمن الحرب يكاد يكون عبئًـا يعمّق المأساة ،حيث التشرد والرحيل قسرا دون وجهة محددة إنه الضياع وهذا ما عبٌّر عنه الشاعربشاعرية مفرطة وبحرفية عالية في البيت(ستسمع كسر الضلوع وتعرف معنى البكاء ونوح الوَتَر)
هذا لأن الكلمة الشاعرية حياة في روح الشاعر تسكن وجدانه ويستخرجها ألفاظًا والحقيقة أن الروح لا تُستنسخ ولا توصف بغير النفس التي تفسّـر وتشرح معاناتها… وهذا ما وصلنا مع هطول المطر وزخات كلمات الشاعر
أيا مطرا.. يا مطرْ..
تساقطْ.. تساقط..
ففي هدأة الحرب تخبو الجروح ويَخْفُتُ صوت ويُنْسَى أثرْ
فكل نشيد نواح.. وكل النوافذ مشرعة للتشرّد أو للسفر
ستسمع كسر الضلوع وتعرف معنى البكاء ونوح الوَتَر
فهذا خراب وهذي قبور وكل المنازل أضرحة يا مطرْ
ويُشهد الشاعر المطر على وحشية الانسان الذي يستبيح دم أخيه الانسان ظلما وعدوانا…
نلاحظ أنّ الشاعر استخدم الامتناع الذي يعرّف كالآتي (الامتناع هو بيت شعر أوعبارة تتكرر على فترات خلال قصيدة(أيـا مـطـر ..يا مطر/تساقط…تساقط)وهذا تكرر في مطلع كل مقطع
إنه شاعر بارع التصوير في جرسه وتراكيبه وألفاظه ومعانيه…
وكثيرا ما يرفق الشاعر قصيدة بلوحة او اكثر
لزيادة التوضيح ،او للتعريف باللوحة
أو لتقريب المعنى المضمّن في قصيده
او حتى لنعلم ان ما يعبر عنه بالالوان له ما يقابله في الحروف وهنا يبرز تكامل الرسم والشعر خاصة
والموسيقى فنبض إيقاع القصيد سريع كالحياة بطيء كالموت مع اعتبار توقيع الوقت ووقع زخات المطر
ملاحظة
{-1-متلازمة حُبّ المطر أو متلازمةبلوفيوفيل (pluviophile) هي عشق المطر والشعور بالسعادة والراحة النفسية لمجرد أنها تمطر
وهذه المتلازمة لا تمثل حالة مرضية أبدًا }
دمت مبدعا دكتور حمد الشاعر
فائزه بنمسعود
Discussion about this post