قراءة في رواية “الخيميائي” للكاتب البرازيلي (باولو كويلو) ..
د.علي أحمد جديد
“إذا كنت ترغبُ في شيئ بشدة ، فإن العالم كله سيطاوعك لتحقيق رغبتك” ..
حول هذه العبارة تتمحور فكرة رواية “الخيميائي” للروائي البرازيلي الشهير (باولو كويلو) ، لأنه يريد للقارئ المتلقي أن يصمم على تحقيق مايرغب به ، إءا كان إيمانه وإصرارة على بلوغ الهدف يكفيان ليدفعا به نحو هدفه ، وحينها لابد أن يوصلاه إليه .
بأسلوبه الشيق والرشيق ، كتب (باولو كويلو) رائعته العالمية “الخيميائي” كرواية من أدب المغامرة والأدب الخيالي ، والتي تجعل القارئ يشعر وكأنه يشاهد فيلماً سينمائياً ذا سيناريو محبوك وحوارات قوية ذات مغزى .. فيتساءل بعد الإنتهاء من قراءتها عن كثير من الأشياء التي فاتته في حياته ، أو تلك التي لم يبدأها بعد لأنه يؤجلها ويتقاعس عن القيام بها .
إن كلمة “الخيميائي” باللغة البرتغالية
( Alquimista)
وهي رواية رمزية من تأليف (باولو كويلو) ونشرت لأول مرة عام 1988. وهي تحكي عن قصة الراعي الإسباني الشاب (سنتياغو) في رحلته لتحقيق حلمه الذي تكرر أكثر من مرة حول كنز مدفون في الاهرامات بمصر ، ووراء هذا الحلم يذهب (سانتياغو) ليقابل في رحلته الإثارة ، الفرص ، الذل ، الحظ .. والحب .
حيث يتسنى له أن يفهم الحياه من منظور آخر وهو روح الكون . وقد استلهم الكاتب حبكة روايته من قصة (بورخيس) القصيرة “حكاية حالمين” .
وقد تُرجمت رواية “الخيميائي” إلى 67 لغةً ، وذلك ما جعلها تدخل “موسوعة غينيس” للأرقام القياسية لأكثر كتاب مُترجَم لكاتبٍ مايزال على قيد الحياة . وقد بيع منها 65 مليون نسخةً في أكثر من 150 بلداً في العالم كله ، وذلك ما جعلها واحدة من أكثر الكتب مبيعاً على مَرِّ التاريخ .
بدأ (باولو كويلو) حياته ككاتب كلماتٍ للأغاني وهو في الثلاثينيات من عمره . وعندما ذهب إلى إسبانيا عام 1986 ، عبر طريق سنتياغو الذي يبلغ طوله أكثر من 500 ميلاً ، ليكون هذا العبور نقطة التحول في حياته التي وصفها في رواية سيرته الذاتية ” الحاج” والتي كان لها التأثير الأكبر على الكتاب الذي تلى روايته “الحاج” . إذ أن اسم بطل القصة هو (سنتياغو) ، الذي هو نفس اسم الطريق الذي سبق أن عَبَرَه . وفي إحدى اللقاءات الصحفية قال كويلو :
“إن رواية الخيميائي هي استعارة من حياتي . لقد كتبتها عام 1988 ، وفي ذلك الوقت كنت سعيداً بالأشياء التي كنت أعملها . كنت أعمل شيئاً يعطيني الطعام والماء . وكما هي الاستعارة في روايتي ، كنت أشتغل وكان لدي الشخص الذي أحب ، وكان لدي المال ولكني لم أحقق حلمي . لأن حلمي الذي كان ، ولا يزال حتى اليوم ، أن أصبح كاتباً ” .
تحكي رواية “الخيميائي” قصة الراعي الأندلسي “سانتياغو ” الذي مضى في البحث عن حلمه المتمثل بكنز مدفون قرب أهرامات مصر . فبدأ رحلته من إسبانيا عندما التقى الملك “ملكي صادق ” الذي أخبره عن الكنز . وانطلق عبر مضيق جبل طارق ماراً بمراكش ، حتى بلغ مصر . وكانت تواجهه طوال الرحلة رسائل غامضة وعصية عن التفسير كإشارات غيبية . وفي طريقه للعثور على كنزه – الحلم – تقع له أحداث كثيرة ، وكل حدثٍ منها يكون عقبة تكاد تمنعه من متابعة رحلته ، إلى أن يجد الوسيلة التي تساعده على تجاوز هذه العقبة وحلِّها . فهو يتعرّض للسلب مرتين ، ويعمل في متجر للزجاج ، ويرافق رجلاً انكليزياً (يريد أن يصبح خيميائياً) ، وخلال بحثه عن أسطورته الشخصية يشهد حروباً تدور رحاها بين القبائل إلى أن يلتقي مرافقه “الخيميائي” عارف الأسرار العظيمة الذي يحثه على المضي نحو كنزه . وفي الوقت نفسه يلتقي (فاطمة) حبه الكبير ، ويتأجج في داخله صراع بين البقاء إلى جانب حبيبته ، وبين متابعة البحث عن كنزه . وتنصحه (فاطمة) بالمضي وراء حلمه وتعده بانتظاره في الصحراء . وخلال هذه الأحداث تتوصد الرابطة بين هذا الراعي وبين الكون حتى يصبح عارفاً للغة الكون وفاهماً لعلاماته .
وتبلغ الرواية حبكتها عندما تقبض إحدى قبائل الصحراء على (سانتياغو) ومرافقة الخيميائي حيث توضع العلاقة بين (سانتياغو) وبين الكون على المحك . لكنه ينجح في الاختبار وينجو من الموت . فيتابع بعدها الرجلان رحلتهما حتى يصل وحده أخيرا إلى الأهرامات ليكتشف أن ما ينتظره هو علامة أخرى في طريق الوصول إلى كنزه .
ومن خلال قراءة الرواية ومتابعة أحداثها يمكن للقارئ أن يجمل القضايا والموضوعات التي تعالجها الرواية في قضيتين اثنتين هما :
1- قضية الاستقرار والترحال .
2- قضية الأسطورة الشخصية . أمابالنسبة للقضية الأولى فسيكتشف القارئ ذلك التوتر الذي يعيشه الإنسان بين الرغبة في الاستقرار وبين العيش في حالة الترحال والسفر . ففي الحالة الأولى يرغب الإنسان أن يشتغل في مكان معين وأن يرتبط باشخاص معينين ، وبالتالي فإن العالم سيصبح ضيقاً ومحدوداً ، وكذلك علاقاته بالناس وبمحيطه وأحاسيسه .
بينما في قضية الأسطورة الشخصية التي يسمعها (سنتياغو) من ملك سالم (أي القدس) الذي يقول له :
“ذلك ماكنت تتمنى دائماً أن تفعله . وكلٌّ منا لابد أن يعرف في مستهل شبابه ما هي أسطورته الشخصية” .
ثم يشرح ما يقصد من قوله :
“لأن هناك حقيقة كبيرة في هذا العالم فأيّاً كنتَ من الناس ، ومهما كان ما تفعله ، فإنك عندما تريد شيئاً بإخلاص وبِشدّة ، فلابد أن تولد هذه الرغبة في روح العالم . وتلك هي رسالتك على الأرض” . ثم يُخبِرُ الملك (سنتياغو) بأهمية الطوالع في رحلته تلك ، والتي هي رحلة حياته لإدراك كل فرد ماهي فعلاً أسطورته الشخصية .
Discussion about this post