تاريخ إلغاء تجارة الرقيق فى مصر:
كانت تجارة الرقيق تمارس فى مصر منذ عصور القدماء المصريين واستمرت حتى أوائل القرن العشرين، وكان العبيد يجلبون إلى مصر من بقاع بعيدة، فكان العبيد من ذوى البشرة البرونزية والسوداء يأتون من جنوب وادى النيل، ومنطقة “برنو” فى جنوب غرب تشاد، أما العبيد فكانوا يجلبون من جورجيا، وبلاد الشاطئ الشرقى للبحر الأسود، ومن المستعمرات الشركسية.
ووفقا لما ذكر فى كتاب “الثورة وبريق الحرية” للكاتب محمد السنى، فإن تجارة الرقيق واستعمالهم فى أغراض الحياة المختلفة فى مصر حتى فرض الوالى سعيد باشا حظرًا على تجارة العبيد، إلا أنها عادت للظهور أيضا فى فترة حكم الخديو إسماعيل، واستمرت حتى توقيع مصر على اتفاقية إلغاء الرق والعبودية التى عقدت بجنيف عام 1926م.
ويعد محمد على باشا، هو أول من منع الرقيق فى مصر، ولكن الظروف الدولية التى كانت تمارس ضده جعلت منع الرق اسميا فقط، ومع بداية حكم إسماعيل بدأ فى تنفيذ ومحاربة تجارة الرقيق، ففى عام 1863 أرسل موسى باشا حكمدار السودان وقتئذ يأمره بتعقب تجار الرقيق وحربهم والقضاء على التجارة البغضية للإنسانية.
ووفقا لكتاب “الخديوى إسماعيل ومعشوقته مصر” لحسين كفانى، فإن الإنجليز حاربوا إسماعيل فى تنفيذ مخططه، ولم يكن يعلم الخديو حجم المؤامرة التى تقوم بها بريطانيا التى كانت تمارس تجارة الرقيق فى الخفاء، وفى العلن تتحدث عن حقوق الإنسان وإلغاء الرق فى مصر، حتى إنها وقعت مع مصر اتفاقية فى 4 أغسطس 1877، بهدف منع الاتجار فى الرق، لكن بريطانيا استخدمتها للتدخل فى شؤون البلاد، والحفاظ على تجارتها السرية، وطبقا لذلك تم منع استيراد أو تصدير العبيد السودانيين والأحباش.
يؤكد المؤرخون أن مصر كانت من أوائل الدول فى العالم التى وقعت على معاهدة تجريم تجارة العبيد فى عهد الخديو إسماعيل 1877م، ودفعها للكثير من الأموال من خزينة الدولة لفتح مكاتب لتحرير العبيد فى جميع المديريات بل تعقبت المتاجرين بالبشر بالسجن.
وظهرت وثيقة التحرير الصادرة من قلم تحرير العبيد، عدة خانات كان معمولاً بها، وهو الاسم واسم المالك أو المالكة، والأوصاف الجسدية، وكذلك موطن الشخص الذى يتم تحريره، مع وضع أمضاء مدير قلم الرقيق الذى كان يتولى أيضًا مراقبة التجارة السرية وإلقاء القبض على الأشخاص المتورطين ومتابعة القضايا التى ترفع فى المحاكم المصرية ضد المتورطين.
الدكتور محمد فؤاد شكرى، فى كتابه “مصر والسودان”، إن مصر كانت من أوائل الدول التى قامت بالتوقيع على تجريم تجارة الاتجار بالبشر، وقام الخديو إسماعيل الذى انضم لجمعية محاربة الرق بصرف ميزانية هائلة من الخزانة المصرية، لتأسيس مقرات لقلم العتق الذى كان صورة مصغرة من التدابير الفورية لمنع تجارة العبيد، وأن المؤرخين أكدوا أن مصر تكبدت أموالًا طائلة لتحرير العبيد فى وقت كانت تعانى منه مصر من أزمة اقتصادية طاحنة.
الأزهر قاتل قتالا مريرًا من أجل استمرار تجارة الرقيق في مصر والعالم الإسلامي!!، وتمسك مشايخ الأزهر باستمرار العبودية، وقاوموا بإصرار شديد محاولات الخديو إسماعيل تحرير العبيد، واتهموه بمعاداة الإسلام!!
هذه صفحة من تاريخ الأزهر تستحق أن تروى وأن يعرفها المصريون جميعًا،، يكتبها المستشار أحمد عبده ماهر:
كانت أسواق النخاسة (التى يتم فيها بيع وشراء العبيد والجوارى) منتشرة بطول مصر وعرضها وخاصة في القاهرة والإسكندرية وطنطا، وكان سوق باب زويلة أحد أشهر هذه الأسواق.
كتب الباحث «عماد هلال» في كتابه «الرق والعتق في مصر في القرن ١٩» الصادر عام ٢٠١٤:- «كانت تجارة الرقيق تمارس على نطاق واسع في مصر، وكان العبيد يتم بيعهم وشراؤهم كالبضائع والماشية تمامًا، وكان العبيد البيض يتم جلبهم من المستعمرات الشركسية، والعبيد السود يتم جلبهم من كردفان ودارفور.. وكان للرقيق أوضاع قانونية تحدد طرق معيشتهم، وأساليب شرائهم وبيعهم، وكيفية تحديد أسعارهم.
وكان من المعتاد عند شراء الرقيق من الجنسين (رجلا أو امرأة) أن يتم تعريتهم تمامًا كما ولدتهم أمهم، للتأكد من خلوهم من الأمراض، وإجراء اختبارات معينة لهم، فمثلا كان يتم جس عضلات العبد، وكان يطلب منه أن يجرى لمسافات معينة وذلك للتأكد من حالته الصحية، وأما الأنثى فكان يتم فحص ثدييها، والعبث بأعضائها التناسلية لتقدير مدى اكتنازها باللحم والشحم للتأكد من صلاحيتها لممارسة الجنس!!
وكان هذا كله يتم بعلم ومباركة مشايخ الأزهر، وذلك باعتبار أن الإسلام – حسب زعمهم – يقر تجارة الرقيق!! وكانت قصور كبار القوم (من المصريين والأتراك) مليئة بالعبيد والجوارى.
واستمرت تجارة الرقيق حتى اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية حين بدأت حركات حقوق الإنسان وقيام الرئيس الأمريكى أبراهام لينكولن بتحرير العبيد.
وبمجرد أن تولى الخديو إسماعيل الحكم عام ١٨٦٣، ضرب ضربته الكبرى، فأصدر أمرًا إلى حكمدار السودان بتعقب تجار الرقيق ومنعهم بالقوة من ممارسة تجارتهم.. ونفذ الحكمدار أوامر الخديو، وقام بضبط ٧٠ سفينة مشحونة بالرقيق، واعتقل التجار الذين جلبوهم، وأطلق سراح العبيد وسمح لهم بالعودة لبلادهم.
وثار مشايخ الأزهر ثورة عارمة على الخديو إسماعيل واتهموه بالخروج على الشريعة الإسلامية!! وحاول الخديو التفاهم معهم وإقناعهم بأن مايفعله يتفق مع صحيح الإسلام ولكنه فشل في إقناعهم.
واستمر الخديو إسماعيل في محاربة تجارة الرقيق – رغم معارضة المشايخ – واتخذ عدة إجراءات منها إنشاء شرطة نهرية، وإقامة نقطة مراقبة في بلدة فاشودة بأعالى النيل، وأسند مهمة مقاومة الرقيق إلى الجنرال جوردون.. ورغم أن معظم جنود الجيش المصرى كانوا من العبيد، لكن هذا لم يمنع الخديو إسماعيل من مواصلة حربه ضد العبودية.
وأصدر الخديو أمرا إلى المالية في ٢٩ ديسمبر ١٨٧٤ بصرف مبلغ ٢٦٩٤٢ قرشا من خزينة الدولة لمالكى العبيد تعويضا لهم عن كل عبد يتم تحريره.
وفى ٤ أغسطس ١٨٧٧ وقعت الحكومة المصرية مع بريطانيا اتفاقية «الإسكندرية» التى نصت على محاربة تجارة الرقيق ومنع استيراد أو تصدير العبيد السودانيين والأحباش، وفرض عقوبات مشددة على تجارة العبيد.
وكتب د. عمرو عبدالعزير منير دراسة مهمة في مجلة ذاكرة مصر العدد ٢٣ في أكتوبر ٢٠١٥، قال فيها: – «كانت مناهج الأزهر التى يدرسها الطلبة الأزهريون تقول إن الإسلام أباح امتلاك العبيد وذلك بثلاثة طرق مختلفة ١- السبى في الحروب، ٢- الشراء، ٣- الهبة.. وأن العبد يعتبر جزءًا من أملاك سيده، وأن الأملاك لها حرمة، لدرجة أن العبد المملوك إذا هرب من مالكه أصبح كافرًا حتى يعود إليه»!.
وفى چينيف عقد مؤتمر الرق العالمى International Slavery Convention وتم إقرار اتفاقية إلغاء الرق والعبودية، وكانت بريطانيا إحدى الدول الموقعة على الاتفاقية، وقد تعهدت بريطانيا بتنفيذ الاتفاقية في مصر باعتبارها الدولة صاحبة السيادة على مصر.
ولم تتوقف معارضة مشايخ الأزهر للخديو إسماعيل، وكان على رأس من يقود الحملة ضده شيخ الأزهر ومفتى الديار المصرية، وأصدر شيخ الأزهر فتوى قال فيها:- «إن الرق باق مع بقاء الجهاد إلى يوم الدين»!!.
وعند هذا الحد أدرك الخديو إسماعيل أنه لا جدوى من الحوار بالحسنى مع مشايخ الأزهر، وأنه لا مفر من مواجهتهم بصرامة وعنف.. فقام بعزل شيخ الأزهر والمفتى عن منصبيهما، وهدد بإلغاء هيئة كبار العلماء.. وهنا فقط تراجع المشايخ وقبلوا بالأمر الواقع ووافقوا مرغمين على إلغاء الرق!.
ويؤكد الدكتور عماد أحمد هلال في كتابه “تجارة الرقيق في القرن التاسع عشر” أن سوق الإسكندرية لبيع العبيد والجواري كان يقام بصفة دائمة لكنه انتهي فعليًا في عام 1837م، لتتحول التجارة إلي تجارة سرية تباع في المنازل بالخفاء أو في المقاهي بعد هذه الفترة، أما أسيوط فقد كانت منذ فترة مبكرة من القرن التاسع عشر هي أكبر سوق للرقيق في مصر، وذلك يرجع إلى موقعها المتميز حيث التقاء العديد من طرق القوافل،
وقد حازت أسيوط على شهرة عالمية في تجارة نوع معين من الرقيق هم “الخصيان” وذلك منذ العصر العثماني، حسبما يؤكد الدكتور عماد أحمد هلال في كتابه، مضيفًَا أن هذه التجارة كانت تستحوذ على تشجيع السلطات العثمانية في مصر، حيث كان الولاة العثمانيون يترقبون وصول القوافل ثم يعهدون إلى حاكم جرجا لانتقاء عدد معين من العبيد بصفات معينة، ثم يتم تسليمهم إلى من يتولون إجراء عملية الخصاء لهم، ليرحلوا إلي القاهرة حيث يبعث بهم الباشا إلى اسطنبول كهدايا للسلطان العثماني. ورغم ازدهار تجارة الرقيق في أسيوط، إلا أنها لم تكن بها سوق دائمة للتجارة، وإن كانت تعقد عند وصول القوافل فقط.
وقد هاجم كلوت بك الطريقة البشعة التي تجري بها عمليات الإخصاء بأسيوط، أما بيع الرقيق في مولد طنطا فقد كان قائمًا حتى عهد الخديو إسماعيل باشا، حيث قام القنصل البريطاني ريد بزيارة مولد طنطا متخفيًا في عام 1867، فشاهد عددًا يتراوح بين 500 و600 من الرقيق، وقدر ريد العدد الإجمالي للرقيق المُجمعين للبيع في هذه المناسبة بما يتراوح بين 1500 و2000 رأس من الرقيق بكافة أنواعه، واستمرت تجارة الرقيق في هذه المدينة رغم صدور الأوامر بوقف تجارة الرقيق حتى تم القضاء علي التجارة كاملاً.
وحين نجحت مصر في القضاء التام علي تجارة العبيد فتحت الصحف أبوابها لإعلانات تحرير العبيد، فكما يؤكد الباحث التاريخي شاذلي عباس لــ”بوابة الأهرام”، فإن أرشيف الصحف المصرية كان يحوي بجانب أعداد الذين تم تحريرهم القصص الغريبة التي تحدث في الدول الأوروبية من استغلال بعض المجرمين للأشخاص أو السيدات أو الأطفال وبيعهم.
وأكد شاذلي عباس أن الذي كان يتولي مصلحة قلم الرقيق في عهد الخديو عباس حلمي الثاني هو محمود رسمي أفندي، حيث تم نشر اسمه في كافة القضايا التي نشرتها الصحف الخاصة بتجريم الاتجار بالعبيد والرقيق في كافة المديريات في مصر، مضيفًا أن جريدة الوقائع الرسمية للدولة استمرت حتى ثلاثينيات القرن الماضي تنشر قانون تجريم الاتجار في العبيد.!!
Discussion about this post