في مثل هذا اليوم23 ديسمبر1876م..
الدولة العثمانية تعلن دستورها الأول..
كان “القانون الأساسي”، الذي صدر عام 1876، هو أول وثيقة دستورية بمعناها الحقيقي في الإمبراطورية العثمانية. وقد تضمن “القانون الأساسي” ابتكارات مهمة في موضوع الحقوق الشخصية والضمانات القانونية للمواطنين.
العملية الدستورية في تركيا بدأت بسندِ الاتفاقِ الصادرِ عام 1808 ومستمرة حتي يومنا هذا. أُعد سند الاتفاق من قبل علمدار مصطفى باشا في عهد السلطان محمود الثاني لبسط سيادة الدولة العثمانية في الريف بين أعيان الروملي والأناضول والدولة العثمانية في 29 سبتمبر 1808. بسندِ الاتفاقِ تم تقليص سلطةِ الدولةِ لأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية، ولذا فهذه الوثيقة هي بمثابة أول وثيقة دستورية في تاريخ الأتراك. وفي فترة عبد المجيد، أُصدر فرمان التنظيمات الذي أعده مصطفي رشيد باشا في 3 نوفمبر عام 1839. وبمقتضي هذا الفرمان، حَلف السلطانُ اليمينَ وفقاً لمبادئ الفرمانِ وقوانينِه. أصدر عبد المجيد فرمان الإصلاحات المُكمِل والمُؤكد لفرمان التنظيمات في عام 1856. بدأ المثقفون والكُتَّاب العثمانيون الشباب، والناشئون في فترة التنظيمات يُطالبون بالإدارة الشرعية متأثرين بأوروبا، فقاموا بعزلِ عبد العزيز لإعلان الشرعية وعيَنوا عبد الحميد الثاني خلفاً له. أًصدر القانون الأساسي -الذي أعده مدحت باشا في 23 ديسمبر عام 1876 – متضمنًا الشرعية. يُعد القانون الأساسي دستورًا طبقًا للمعايير الشكلية. كان يُمكن للسلطان تعليقُ الدستورِ في الأوضاع الطارئة، وذلك بمقتضي المادة رقم 113 من القانون الأساسي الذي يُعد بمثابة أول دستور في تاريخ الأتراك والمُكوَن من 119 مادةً و 12 قسمًا، وقد عَلَّق عبد الحميد الثاني الدستورَ بسبب (حرب 93) أو الحرب العثمانية الروسية عام1877 . أعاد عبد الحميد الثاني تفعيلَ دستورِ 1876 بسبب التمرد العسكري الذي حدث عام 1908، وبهذا بدأت فترة الشرعية الثانية. بعد عزل عبد الحميد الثاني بسبب عصيان 31 مارس، أُجريت تعديلات مهمة علي الدستور عام 1909، وبهذه التعديلات أصبح دستور 1876 دستورَ ملكية برلمانية.
إن القانون الأساسي الذي أعلنه السلطان عبد الحميد الثاني في 23 ديسمبر عام 1876 بعد توليه الحكم هو أول دستور عثماني. وتم اتخاذ دستورَي بلجيكا الصادرعام 1831، وبروسيا الصادر يوم 31 يناير عام 1851 نموذجَين أثناء وضع القانون الأساسي الذي أعدته جمعية خاصة (Cemiyeti Mahsusa) ترأسها مدحت باشا تحت إشراف السُلطان عبد الحميد الثاني . كان ضمن أعضاء هذه الجمعية عشرةَ علماء، وجنديان، وستةُ عشرِ مدنيًا بيروقراطيًا من بينهم ثلاثة مسيحيين. وبعد بذل جهد كبير في إعداد مُسودة الدستور، عُرِضت علي هيئة الوكلاء. وأُعلن في 23 ديسمبر عام 1876 بعد تصديق السلطان عليه وهو ما يُعرَف بالعثمانية (Hattı Humayun). تعرض بعد ذلك القانون الأساسي المُكوَن من 119 مادة، و 12 قسمًا للتعديل خمس مرات، فحُذِفَت بعض مواده، وعُدِّلَت، ووضعت مواد أخري. أصبح هذا الدستور الوثيقة القانونية للدولة العثمانية وذلك بعد تضمنه الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، وبنية الدولة، وسلطاتها، والعلاقة بينهم.
قترح داماد فريد باشا أن توضع مُسودة دستورية تتضمن المادة رقم 113 . وُضِعت مُسودة دستورية بهذه المادة مع إصرار السُلطان علي وضعها داخل الدستور. وقَّع السُلطان علي القانون الأساسي في 23 ديسمبر عام 1876 ثم أُعلن في الباب العالي. وبعد أن قرأ محمود جلال الدين باشا ختم السلطان نشر نص الدستور المطبوع آنفًا وعليه ختم السلطان. كان القانون الأساسي المُعْلَن في 23 ديسمبر عام 1876 في أحد المراسم يتكون من 119 مادة و 11 قسمًا منهم ما يخص مماليك الدولة العثمانية (1-7)، وما يخص عمومية القانون علي طبقات الدولة العثمانية (8-26)، وما يخص وكلاء الدولة (27-38)، وما يخص الموظفين (39-41)، وما يخص المجلس العمومي (42-59)، وما يخص مجلس الأعيان (60-64)، وما يخص مجلس النواب (65-80)، وما يخص المحاكم (81-91)، وما يخص الباب العالي (91-107)، وما يخص الولايات (108-112)، وما يخص المواد الستة (113-119).
الشرعية الأولى
علي الرغم من صدور قرار بتشكيل البرلمان فإنه لم يكن هناك قانونًا للانتخابات حتي هذه الفترة، ولذا أعدت اللجنة قانونًا مؤقتًا (talimati mukavvate). وفقًا لهذا القانون كان البرلمان يتكون من مجلسين هما مجلس النواب الذي ينتخب الشعب أعضائه، ومجلس الأعيان الذي يُنتخب أعضائه من بين موظفي الدولة. اقترحت الحكومة علي السُلطان في 14 فبراير عام 1878 أن يُغلق المجلس العمومي لفترة مؤقتة، مُصرحةً أن يُصدَر القانون الأساسي قبل افتتاح المجلس العمومي، وأن هذا القانون يُعطي للسُلطان سُلطة إطالة فترة إغلاق المجلس أو فترة عمله. صدَّق السُلطان علي هذا الاقتراح وأبلغ مجلس النواب بهذا. نصَّت المادة الثالثة من القانون الأساسي أن الدولة العثمانية دولة ملكية، ونصَّت المادة الأولي أنها دولة مُوحدة، ونصَّت المادة الحادية عشرة أن ديانتها هي الإسلام، ونصََّت المادة الثامنة عشرة أن لغتها الرسمية هي اللغة التركية، ونصَّت المادة الثانية أن عاصمتها هي إسطنبول. اشتملت المادة الثامنة والمادة السادسة والعشرون من الدستور علي الحقوق والحريات الأساسية للطبقات العثمانية تحت عنوان (عمومية القانون علي الطبقات العثمانية). فقد اشتملا علي حق التابعيَّة، وحرية الأفراد وسلامتهم، وحرية العبادة، وحرية الصحافة، وحرية تأسيس الشركات، وحق الاستدعاء، وحرية التعليم، ومبدأ المُساواة، وحق التوظيف الحكومي، ومبدأ الضريبة وفقًا للوضع المالي، وحماية المسكن، وضمان القاضٍ الشرعي، ومنع المُصادرة والسُخرة، ومبدأ شرعية الضرائب، ومنع التعذيب، وحق الانتخاب والترشح للانتخابات.
الشرعية الثانية
اجتمع خمسة طلاب من كلية الطب هم إبراهيم تمو، وإسحاق سكوتي، وعبد الله جودت، ومُحمد رشيد، وحسين زادة علي من أجل إعادة الإدارة الشرعية مرة أُخري، وأسسوا جمعية سرية ازداد عدد أعضائها مع مرور الوقت سُميت (بالاتحاد العثماني)و ذلك في الفترة التي شهدت إجراءات إغلاق مجلس النواب ، وإلغاء الحقوق، والرقابة علي الصحف. غيَّر أحمد رضا باشا اسم الجمعية ليصبح الاتحاد والترقي بعد أن مثَّلها في باريس. في 3 ديسمبر عام 1895 أعلنت الجمعية أهدافها في جريدة الاجتماع تحت عنوان (برنامجنا). اتخذت جمعية الاتحاد والترقي التي أصبحت جمعية كبيرة مع مرور الوقت بعد أن كانت جمعية سرية صغيرة اتخذت في الاجتماع الذي عقدته ليلة 21 يونيو قرار العصيان العام، وقررت في 24 يونيو إعلان الشرعية. وفي 23 يونيو عام 1908 أرسل كل من مديرو وجند وأشراف وعلماء المُحافظات المُختلِفة برقيات للحكومة لإعادة الشرعية مرة أخري. جُمِعَت هذه البرقيات، وأُرسلت لقصر السلطان، وعندئذٍ اجتمع السُلطان مع مجلس الوكلاء لبحث هذا الوضع. واطلع السُلطان أثناء اجتماعه مع مجلس النواب علي البرقيات المهددة النظام السياسي بالقيام بأعمال ضد النظام الحاكم في حالة عدم إعلان الشرعية. رأت الحكومة بسبب كثرة البرقيات الآتية من البلدات الثلاث منستر، وسلانيك، وكوسوفا ضرورة اجتماع مجلس النواب كي لا يحدث أي تدخل خارجي. كما أمر السُلطان كافة الولايات بإعلان رغبتهم في برقية، طالبًا من مجلس الوكلاء القيام بالإجراءات اللازمة لاجتماع مجلس النواب من جديد. وبهذا الأمر أُعلنت الشرعية مرة أُخري.!!!!!!!!
Discussion about this post