القائد السوري الفينيقي (هانيبال) القرطاجي قاهر الامبرطورية الرومانية ..
د.علي أحمد جديد
في تاريخها العريق أنجبت سورية الطبيعية عظماء خَلَّدوا بصماتهم في كتابة التاريخ القديم منه والحديث والمعاصر . كان منهم (هانيبعل أو هانيبال) القرطاجي وهو السوري الفينيقي الأصل ، وابن سورية الطبيعية التي كانت يومذاك تشكل ماهو معروف اليوم باسم الهلال الخصيب وانطاكية وجزيرة قبرص نجمتها .
ولد (هانيبال بن حاميل قار بارقا) في مدينة قرطاج من شمال أفريقيا عام 247 ق.م ، وكتب المؤرخون الرومانيون أن أباه القائد القرطاجي العظيم (حاميل قار بارقا) ، كان قد اصطحبه إلى إسبانيا وهو في التاسعة من عمره ،
وتولى القائد العسكري الفينيقي (هانيبال) أو (حنابعل) عام 221 ق.م قيادة الإمبراطورية القرطاجية في إسبانيا وهو لم يزل شاباً يافعاً لم يتجاوز عمره الـ26 عاماً ، وقام بتوحيد المنطقة سريعاً تحت قيادته متخذاً من الميناء البحري لمدينة قرطاج مركزاً له ، وبذلك تمكن من بسط نفوذ قرطاج على جزء من جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية بما في ذلك (ساجونتو) التي هي (كتالونيا) اليوم حين كانت إحدى معسكرات الإمبراطورية الرومانية ، وهو ما اعتبرته روما خرقاً للمعاهدة التي كانوا قد عقدوها إثر الحرب الفينيقية الأولى ، وطالبت بتسليمها (هانيبال) السوري ليكون رفض هذا الطلب سبباً في نشوب الحرب الفينيقية الثانية 218 ق.م – 201 ق.م .
ففي العام 219 ق.م ، قاد (هانيبال) الفينيقي هجومه القرطاجي على (ساجونتو) ليبدأ بعد ذلك التخطيط لغزو روما .
جمع (هانيبال) السوري الفينيقي جيشاً ضخماً ضم 90 ألف جندياً من المشاة ، و12 ألف فارساً ، وما يقارب 40 فيلاً ضخماً ، وانطلق يغطي بجيشه الكبير مساحةً تزيد عن 16.000 كيلومتراً في طريقه إلى سلسلة جبال البرانس مخترقاً نهر الرون ، ومروراً بالقمم الجليدية لجبال الألب ، ومنها إلى قلب الامبراطورية الرومانية باتجاه روما ، حيث تقابل (هانيبال) السوري الفينيقي وجيشه الذي استنزفته المسيرة القاسية في جبال الألب ، مع الجيش الروماني القوي الذي كان بقيادة القائد (بابليوس كورنيليوس سكيبيو) ، ودارت المعركة في السهول الغربية لنهر تيسان حيث تسيّد فرسان هانيبال المعركة وأصيب القائد (سكيبيو) إصابات بالغة . وبعد معركة “تراسمانيا” هزم القرطاجيون الجيوش الرومانية مرة أخرى في أواخر العام 218 ق.م على الضفة الغربية لنهر تريبا ، ليضمن القائد السوري (هانيبال) بهذا النصر دعم العديد من قبائل (الغال والليجوريين) ، ويواصل تقدمه حتى نهر أرنو . لكنه وبرغم انتصاره الكبير عند بحيرة “تراسمانيا” فقد تراجع عن قيادة قواته المنهكة لمهاجمة روما نفسها.
وفي صيف عام 216 ق.م ، تقابل 16 فيلقاً رومانياً كانت تتشكل من 80000 جندياً مع القائد السوري (هانيبال) عند مدينة “كاناي” حيث حشد القائد الروماني (فارو) المشاة في المنتصف ، مع توزيع الفرسان على الجانبين في توزيع تقليدي للجيش ، إلا أن السوري الفينيقي (هانيبال) ترك قلب تشكيلات جيشه ضعيفاً نسبياً ووزع الفرسان على الجانبين . ومع تقدم الجيش الروماني استطاع قلب الجيش الفينيقي أن يصمد أمامهم وتفوق الجانبان وطوّقا الجيش الروماني مع قطع الطريق على أي محاولة للتراجع بإرسال فرسان للمؤخرة ، وبسبب تلك الهزيمة الفادحة انشق العديد من حلفاء روما عنها ، وانضموا بتحالف جديد إلى الجيش الفينيقي – القرطاجي .
بدأ الرومان في التجمع مرة أخرى في الجنوب الإيطالي تحت قيادة (بابليوس كورنيليوس سكيبيو) ، والجنرال (فابيوس ماكسيموس) والذي استخدم تكتيكات حذرة في صدّ قوات (هانيبال) وتمكّن من استرداد قدر من الأراضي بحلول عام 219 ق.م . وفي الشمال الإيطاليا استطاعت القوات الرومانية هزم جيش الإمداد الفينيقي الذي كان بقيادة (صدربال) شقيق القائد (هانيبال)، بعد أن عبر جبال الألب لمساعدة القائد (هانيبال) . وفي هذه الأثناء استدعى (سكيبيو) الإمدادات البشرية من روما ليشن هجوماً على قرطاجة الجديدة واستطاع أن يخرج القرطاجيين من إسبانيا ، متوجهاً إلى غزو كل الشمال الأفريقي ، وهو ما أجبر القائد الفينيقي (هانيبال) على سحب قواته من الجنوب الإيطالي للدفاع عن وطنه الأم في قرطاج . والتقى (هانيبال) مع جيوش (سكيبيو) قرب مدينة زاما ، التي لا تبعد عن قرطاج سوى 120 كيلومتراً فقط . وفي هذه المرة كانت القوات الرومانية بمساعدة حلفائهم من القبائل هم من يحاصر جيش القرطاجيين وقتلوا منهم ما يقارب 20 ألف جندياً مقابل خسارة 1500 جندياً من الجيش الروماني فقط . واضطر القرطاجيون بعد هزيمتهم إلى توقيع اتفاقية سلام مع الامبراطورية الرومانية لتنتهي الحرب الفينيقية الثانية ، حيث سُمح لمملكة قرطاج أن تحتفظ بحدودها في الشمال الأفريقي فقط مايعني أنها قد خسرت كل مناطق نفوذها الخارجية وللأبد . كما أُجبِرَت على تسليم أسطولها وعلى دفع تعويض ضخم من الفضة ، إضافة إلى الموافقة على عدم إعادة التسليح أو إعلانها أي حرب مرة أخرى بدون الحصول على موافقة الامبراطورية الرومانية . وعلى الرغم من انتهاء الحرب بين قرطاج و روما ، إلا أن القائد السوري (هانيبال) لم يفقد رغبته في الانتقام من روما ، ووفقاً لما ذكره المؤرخون الرومان ، فقد لجأ هانيبال إلى سورية الأم وحرّض حاكم سورية (أنطيوخوس الثالث)، على إعلان الحرب ضد روما .
السلام في قرطاج (200–196 ق.م) . وغيرت الحرب الفينيقية الثانية وجه البحر الأبيض المتوسط من ناحيته الغربية ، فقد سيطرت روما بعدها على أسبانيا كلها وما فيها من ثروة فأمدتها بما يلزمها من المال لغزو اليونان واحتلالها ، وأعادت إلى إيطاليا وحدتها تحت سيادة روما لا ينازعها فيها منازع ، وفُتحت جميع الطرق والأسواق للسفن وللبضائع الرومانية ، ولكنها كانت أكثر الحروب جميعها نفقة أدّت إلى خراب مزارع إيطاليا الجنوبية و ألحقت بها أشد الأضرار ، وهدمت أربعمائة من مدنها ، وأهلكت ثلاثمائة ألف من رجالها ولم تَصحُ إيطاليا الجنوبية حتى اليوم من جميع ما أصابها من الدمار الذي ألحقه بها القائد السوري (هانيبال) . كذلك فإن الحرب قد أضعفت الديمقراطية وأظهرت أن الجمعيات الشعبية عاجزة عن اختيار القواد أو إدارة دفة الحروب وكانت سبباً رئيساً فيما طرأ على حياة الرومان وأخلاقياتهم من انقلاب جذري بعد أن أضرت بالزراعة وشجعت التجارة ، وهاجر الرجال من الريف ، وتعلموا عنف الحروب ومفاسد حياة المعسكرات ، بعد أن جاءت بمعادن أسبانيا النفيسة لتنفق على ملاذ الحياة وعلى التوسع الروماني الاستعماري، وتمكنت إيطاليا أن تعيش على ما اغتصبته من قمح أسبانيا وصقلية وإفريقية ، لتكون هذه الحرب المحور الذي يدور حوله تاريخ روما في جميع النواحي .
وكانت هذه آثار الحرب في روما ، أما في قرطاج فقد كانت بداية نهايتها . فقد كان بوسعها ، وقد احتفظت بجزء كبير من تجارتها وإمبراطوريتها ، أن تحل ما يواجهها من مشاكل الإنعاش واستعادة الحياة الطبيعية ، لكن حكومتها (الألجراكية) كانت قد بدأ تفشي الفساد فيها وبلغ مبلغاً جعلها تلقي على كاهل الطبقات الدنيا عبء الضرائب والغرامات بذريعة النفقات الحربية ، ويتم اختلاس الجزء الكبير من هذه الجبايات . وطلبت أطياف الشعب القرطاجي إلى القائد السوري (هانيبال) أن يخرج من عزلته وينقذ الأمة من محنتها ، واختير في عام 196ق.م حاكماً عاماً لها. ولما تولى منصبه روّع سراة المدينة ، وسَنَّ القانون الذي يقضي ألا يبقى قضاة المحكمة البالغ عددهم 104 قاضياً في مناصبهم أكثر من سنة واحدة ، وألا يعاد انتخابهم إلى هذه المناصب إلا بعد عام من خروجهم منها . فلما رفض مجلس الشيوخ هذا الاقتراح عرضه على الجمعية الشعبية فأجازته ، وكانت نتيجة هذا القانون وما اتبع فيه من الإجراءات أن عمّم نوعاً من الديمقراطية أفضل بكثير مما كانت تشتهر به روما . ثم حارب الرشوة واجتثها من أصولها ، بعد أن أنزل بالمرتشين أشد العقاب ، ورفع عن المواطنين ما فرض عليهم من الضرائب الإضافية ، ودبر موارد الدولة تدبيراً استطاعت به قرطاج أن تؤدي جميع ما فرضته عليها روما من الغرامات والتعويضات الحربية . لكن طبقة أرباب الأموال التي نشأت في ظل فترة الفساد أرادوا أن يتخلصوا منه ليستعيدوا ما افقدهم إياه ، فبعثوا رسائلهم السرية إلى روما يقولون فيها إن (هنيبال) يعد العدة لاستئناف الحرب على روما . وهناك بذل القائد الروماني (سكيبيو) كل مااستطاعه من نفوذ ليحمي عدوه القديم (هانيبال) ، ولم ينجح في مساعيه . واستجاب مجلس الشيوخ الروماني إلى رغبة أغنياء القرطاجيين و طلب تسليم (هنيبال) إلى روما ، ولكن القائد الكبير والخبير القديم فرَّ من بلاده ليلاً واجتاز على ظهر جواده أكثر مائة وخمسين ميلاً حتى وصل إلى ثاپسوس Thapsus ومنها ركب سفينة إلى أنطاكية (195) حيث وجد (أنطيوخوس الثالث Antiochus) متردداً بين حرب رومه وبين مسالمتها ، فأشار عليه بحربها وأصبح فيها من قواد الملك انطوخيوس في الحرب ضد الرومان . وبعد هزيمة (أنطيوخوس الثالث) ، كان أحد شروط معاهدة السلام هو تسليم القائد الفينيقي (هانيبال) للرومان ، ولتجنب هذا المصير فَرَّ (هانيبال) إلى جزيرة كريت ليشارك في قيادة الحرب مع القوات الأرمنية المتمردة ضد روما ، وعندما طلب القائد الأرمني من (هانيبال) تسليم نفسه للرومان وتأكد بأنه غير قادر على الهرب والإفلات ثانية ، أنهى حياته بجرعة من السم تناولها في قرية (بيثاينيان) في (ليبيسا) عام 183 ق.م مفضِّلاً الموت على تسليم نفسه
Discussion about this post