السحر (Magic )
تاريخاً و واقعاً
( 3 )
د.علي أحمد جديد
أوضح القرآن الكريم أن المَلَكين (هاروت وماروت) نزلا ليُظهرا للناسِ الفرقَ بين (السحر) الذي يجب تجنب التعامل به ، وبين (المعجزة) التي فيها دليلُ نبوّة الأنبياء عليهمُ السلام ، مايعني أن (هاروت و ماروت) كانا يعلّمان (السحر) تعليمَ إنذارٍ ، لا تعليمَ تشجيع و يقولان لكل متعلم :
” لا تفعل كذا ” .
كما لو سأل سائل عن صفة الزنا أو القتل فأُخبِرَ بصفته ليجتنبه ، أو يقولان :
” لا تكفر ” ، أي لا تتعلم السحرَ وأنت تعتقد أنّه حقّ فتكفُرَ .
وجاء في القرآن الكريم قول الله تعالى في سورة البقرة :
” وما كفَرَ سليمانُ ولكنَّ الشياطينَ كفروا يُعلّمون الناسَ السحرَ وما أُنزِل على الملكينِ ببابلَ هاروتَ وماروتَ وما يُعلّمانِ من أحدٍ حتَّى يقولا إنما نحنُ فتنةٌ فلا تكفُرْ فيتعلَّمونَ منهما ما يُفرّقونَ بهِ بينَ المرءِ وزوجِه وما هُم بضارّينَ بهِ من أحدٍ إلاَّ بإذن اللهِ ويتعلَّمونَ ما يضرُّهم ولا ينفعُهم (102)” .
وذلك مايثبت أن (هاروت و ماروت) مَلَكان كريمان من ملائكةِ اللهِ الذين “لا يعصون اللهَ ما أمرهم ويفعلونَ ما يؤمرون” ، ولا صِحَّة أبدًا لقصّة الأسطورة الخيالية التي تقول بأن (هاروتَ وماروت) مَلَكان التقيا بامرأة جميلة ففعلا معها الفاحشة . لأن هذا كفر وفيه تَناقضٌ لِما جاء في القرآن الكريم .
وتقول قصة المَلَكين (هاروت و ماروت) الحقيقية ، أن “اليهود” نبذوا كتاب الله واتبعوا كتب السحر والشعوذة التي كانت تُقْرَأ في زمن الملك (سليمان) النبيّ عليه السلام . ذلك أن الشياطين كانوا يسترقون السمع ثم يُضَمِّنون ماسمعوا (أكاذيب) يلفقونها ويُلْقونَها إلى الكهنة من بني إسرائيل الذين ابتدعوا ” اليهودية ” فيما بعد ، ودونوها في كتب يقرأونها ويعلمونها الناس . وفشا ذلك في زمن (سليمان) النبيّ عليه السلام ، حتى قالوا بأن الجِنَّ تَعلمُ الغيب ، وكانوا يقولون بأنه عِلمٌ من النبيّ (سليمان) عليه السلام ، وما أتمَّ (سليمان) ملكه إلا بهذا العلم الذي سخّر به الجِنّ والإنس والطير والريح . فأنزل الله هذين المَلَكين (هاروت و ماروت) لتعليم الناس السحر ابتلاءً من الله ، وللتمييز بين السحر وبين المعجزة وإظهار الفرق بين كلام الأنبياء عليهم السلام وبين كلام السحرة . وما يُعلِّم (هاروت و ماروت) أحداً إلا وينصحاه ويقولان له “إنما نحن ابتلاء من الله ، فمن تعلّم منا السحر واعتقده وعمل به كفر ، ومن تعلَّم ليتوقَّى عمله ثبت على الإيمان” . فتعلّم الناس من (هاروت و ماروت) علم السحر الذي يكون سبباً في التفريق بين الزوجين ، بأن يخلق الله تعالى عند ذلك النفرة والخلاف بين الزوجين ، ولكنهم لا يستطيعون أن يضروا بالسحر أحداً إلا بإذن الله تعالى ، لأن (السحر) واحداً من الأسباب التي لا تؤثر بنفسها ، بل بأمره تعالى وبمشيئته وإرادته . فتعلّم الناس منه ما يضرّهم ولا ينفعهم في الآخرة لأنهم سخروا هذا العلم للإضرار بالآخرين . ولقد علم اليهود أن من يستبدل ما تتلوه الشياطين من كتاب الله ليس له نصيب من الجنة في الآخرة .
والخلاصة ، أن الله تعالى إنما أنزل (هاروت و ماروت) ليكون بإرشادهما التفريق بين الحق الذي جاء به (سليمان) عليه السلام ، وأتم له الله به ملكه ، وبين الباطل الذي جاءت الكهنة به من السحر ، وللتفريق بين (المعجزة) وبين (السحر) ، وإن ورد غير ذلك في هذه القصة فإنما يكون من الروايات الإسرائيلية (الاسرائيليات) .
ولعله من أهم قضايا التاريخ الإنساني هي قضية السحر والسحرة التي لازمت البشرية عبر تاريخهاالطويل ، وعبر مختلف الحضارات والثقافات منذ التكوين ، مهما اختلفت أسماؤها ، أو تعددت ملامحها .
ويبقى الإنسان – بطبيعته – مشدوهاً بما يسمعه عن عالم الغيب ، ويتطلع بتوجس إلى التعامل معه سواء من طريق العلم ، أو بما اصطلح على تسميته (الشعوذة) ، وفي كل الأحوال فإن ما يقصر عن فهمه عبر الدروب العقلية المباشرة يحاول الوصول إليه عبر المسالك الغامضة والمبهمة .
فهل هناك ما يسمى بالسحر فعلاً ، أم أن القصة أكذوبة كبرى في التاريخ الإنساني ؟ وإذا كان موجوداً بالفعل لأن الكتب السماوية لا تنكر وجوده ، وفيها كثير من القصص التي تؤكد حضوره ، ليكون التساؤل المنطقي عن كيفية وصوله إلى البشرية بهذه الصورة التي تشير إلى وجود قوى خفية تحيط بنا ولا نراها ، في حين أنها ترانا بالفعل ؟
وقد تكون هذه التساؤلات مثيرة وربما خطيرة أيضاً ، ذلك لأن الحديث عن السحر ينقسم إلى عدة أقسام من جهة نوع السحر ومن جهة قوة تأثيره ، وماهية الذين يقومون عليه .
فما هو السحرإذاً ؟!!.
هناك عدد من التعريفات التي تزخر بها الموسوعات العلمية ، والكتب الفقهية عن السحر ومفهومه ، فالسحر في اللغة العربية عبارة عن كل ما لَطُفَ مأخذُه وخَفيَ سببُه ، وسَحرَ أي خدعَ ، وفي الشرع يكون (السحر) هو ما يختص بكل أمر يخفى سببه ويُتَخيَّل من غير حقيقة ويجري مجرى التمويه والخداع .
قال تعإلى في سورة الأعراف ، الآية 116 :
“قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ” .
وتفسير الآية يحمل معنى أنهم قد مَوَّهوا على المُتلقّين الحقيقة حتى ظنوا أن الحبال والعصي أفاعٍ تسعى .
غير أن هناك معان أخرى لكلمة سحر تستخدم في أغراض المدح كالقول :
“إن من البيان لسحراً”.
وإن أحد أفضل الكتاب والمحللين الذين تناولوا قضية (السحر) في كتاباتهم من المحدثين في التاريخ الإنساني المعاصر (السير إدوارد بيرنت تايلور 1832-1917) ، الأنثروبولوجي الإنكليزي الشهير ومؤسس علم الأنثروبولوجيا الثقافية .الذي يعتقد بأن السحر خليط مُشوِّش من المعتقدات والممارسات التي يؤلف اتحادها كل ما ليس له في الطبيعة من سبب ومن نتيجة ، وإن من أنواع السحر العنصر الروحي وهو كل ما ينتظم الكائنات الروحية وأشباح الموتى والشياطين والآلات .
أما العنصر غير الروحي ، فإنه يعتمد على القوى المُتصوَّرَة واتصالاتها في الطبيعة ، أي أنها منطق غير تام في اتخاذ فكرة غير صحيحة على أنها صحيحة ، ومن أمثلتها أن الفرد من الهنود الحمر في أمريكا ، كان إذا ما رسم صورة غزال وصوب إليه سهماً أو طلقاً يتوقع أن يقتل غزالاً حقيقياً في اليوم التالي .
وعن سبب سعي الإنسان القديم للاستعانة بالقوى الخفية و غير المنظورة يجيب الكاتب البريطاني (غاريث . او .نايت) الذي كرّس حياته وكتاباته للبحث في قضايا السحر والروحانيات فيقول :
“إننا نجد صوراً على جدران الكهوف في الصحارى والجبال ، بعضها يعود إلى نحو 80 ألف عاماً مضت ، كما الحال مع قبائل “النياندرتال” و “الكرومانيون” تعكس علاقتهم مع الطبيعة وخوفهم من شراستها ، إضافة إلى مواجهتهم للحيوانات الضارية والأفاعي الشرسة والوحوش الكاسرة . من هنا فكروا بالاستعانة بكل قوة كونية غير مرئية لتساعدهم على البقاء ، ولماذا كان لكل قبيلة ساحرها الخاص الذي يستعينون به على مواجهة تلك الصعاب . وعلى سبيل المثال ، حين كان دبّ ما يهاجم قبيلة بعينها ويعجزهم أمره ، كان يتم اللجوء إلى ساحر القبيلة الذي يرسم صورة الدب على الأرض وحوله دائرة ، ثم يقوم بالدوران من حوله مرات عدة وهو يرتل أو يتمتم بكلمات سحر غير مفهومه ، ثم يغرس عصاه في عنق الدب المرسوم .
أما المدهش فهو أن رجال القبيلة في اليوم التالي ، كانوا يمضون وراء الدب ليعودوا به صريعاً ؟!..
وإن السحر خليط مشوش من المعتقدات والممارسات التي يؤلف اتحادها كل ما ليس له في الطبيعة سبب ونتيجة (غيتي)” .
قد يصعب تحديد بداية (السحر) والعمل به تاريخياً ، أو متى مارس الإنسان أولى تجارب السحر ، ومَن كان أول صاحب خبرة بأعمال السحر .
إلا أن المرويات تقود إلى اسمين اثنين ، الأول هو (النمرود) ، والثاني (زاهاك أو الضحاك)
أما(النمرود) كما ورد في “توراة العهد القديم” فهو ابن كنعان بن كوش بن سام بن نوح عليه السلام ، والذي دام مُلكه نحو 400 عاماً ، وكان أول الجبابرة الذين عرفتهم البشرية .
وتقول الرواية التوراتية إنه حكم (بابل) ، وجاء على ذكره أيضاً المحدث والمفسر والفقيه “أبو الفدا إسماعيل بن عمر” ، المعروف باسم (ابن كثير الدمشقي) ، في العديد من تفسيراته للقرآن والحديث ومعروف كتابه “البداية والنهاية” .
حتى بدا أن (النمرود) قد تمرّد على قوانين الخالق في خلقه وادّعى الألوهية لنفسه رغم كل ما آتاه الله تعالى من مُلكٍ عظيم وجيش جبار وازدهار ورخاء في مملكته ، الأمر الذي دعاه لأن يرفض وجود أي صاحب مُلك آخر للكون غيره .
ويقول (ابن كثير) في كتابه “البداية والنهاية” إن النمرود كان أول من وضع التاج على رأسه وتجبّر في الأرض وادّعى الربوبية .
أما عن علاقة (النمرود) مع الجِنّ ومع إبليس ، فتحكي الرواية بأنه كان يوماً يغتسل في حمّام قصره وحوله مجموعة من الناس ، فيدخل عليه رجل أحدب وعليه ثياب سوداء ، فيأمر النمرود بقتله .
وحين يصعد إلى غرفته يجد الرجل المقتول نفسه هناك فيتعجب ويقول له :
“كيف إنك حي وأنا قتلتك !!!…
مَن أنت؟”
فيجيبه :
“أنا أمير النور يوم خلق النور ، فإذا أردت أن تحكم الأرض وما عليها يجب أن تراني على هيئتي الحقيقية”..
وهذا ما يرويه (التلمود البابلي) كتاب اليهود المقدَّس عن (لو سيفر – النور) أي “ابليس” الخالد الذي لايموت وهو الجدير بالعبادة لأنه يبدد الظلمة .
ثم لا يلبث أن يتجسد (ابليس) للنمرود بصورته الحقيقية ، فكان الشعر يكسو جسده ، وكان هائل البنية، الذي لم يكن سوى (إبليس) الذي أمره أن يسجد له ، ويبيع له روحه مقابل السلطة والقوة ، ويوافق (النمرود) ، ومن هنا بدأ (إبليس) يلقنه أسس فنون السحر . وللنمرود قصة مطولة مع سيدنا (إبراهيم) عليه السلام ، وطريقة موته ببعوضة دخلت أنفه ووصلت إلى مخه معروفة بعد أن تمرّد على حليفه (إبليس) .
وفي رواية أخرى في (بابل) ، يقال أن شخصاً يسمى “زاهاك – الضحاك” كان يسكن (بابل) ، وأبرم صفقة مع (ابليس) ليمكنه من الحكم والسلطة والقوة ، وطلب منه أن يبني له برجاً عالياً كان أول عجائب الأرض ، وعاش فيه الضحاك لمدة عام .
غير أنه ذات ليلة حَلم الضحاك بأنه “نظر إلى السماء فرأى فارساً على حصانه وفجأة اختفى وحل محله كوكب منير ، ولما أعاد النظر مرة أخرى وجد أن الشمس اختفت وفي المقابل بدا الفارس موجهاً سلاحه له ليقتله” .
حين استيقظ الضحاك أمر بجمع منجمي (بابل) ليفسروا له الحلم ، فأخبروه أن ولداً سيولد وسيقضي عليه ، وستكون نهايته . فأمر الضحاك بقتل جميع المنجمين الموجودين في (بابل) في تلك الفترة ، لكن هذا لم يَحُلْ دون مولد الطفل الذي سيكون (إبراهيم) عليه السلام بحسب بعض المفسرين .
وهناك حكايات وأساطير مشابهة في كثير من حضارات شعوب أخرى ، وهو ما يدل إلى مصدرٍ واحد من أسطورة بداية الإنسان مع السحر والسحرة ، وأغلب هذه الأساطير من مصدر عبراني في ( التوراة أو التلمود ) .
وفي كتاب “السحر والكيمياء” ، يقدّم الأميركي (روبرت أم . بليس) رؤية واسعة عن الفرق بين السحر الأسود وبين السحر الأبيض . إذ يفضِّل (بليس) استخدام مصطلحين عوضاً عن الوصف بالأسود والأبيض ، وهما (السحر العُلوي والسحر السفلي) ، وذلك استناداً إلى نوايا الممارِس الذي يستخدمهما . وتكاد تكون تفسيرات (بليس) أخلاقية نوعاً ما لأنه يرى الغرض من السحر الأبيض هو “فعل الخير أو جلب الممارس إلى حالة روحية أعلى من التنوير أو الوعي” أي التصوّف لاكتساب المعرفة الإلهية ، والتطهّر من أدران النفس البشرية وما لصق بها من الخطايا والذنوب العرضية لا المميتة ، عطفاً على جلب التأثيرات الصحيحة ، واحتضان القدر ، والشفاء من المرض وجلب الحظ أو الحب وإبعاد قوى الشر .
ومن هذا المنطلق يمكن القطع بأن السحر الأبيض يدور في إطار الأوجه الخيّرة ، وبنوع خاص إرضاء الأرواح الطيبة ، عطفاً على التحكم في الطقس أو الحصاد ، والسعي في طريق التوفيق ، من دون التسبب في إيذاء أي أحد .
كتبه الباحث في شؤون ما (وراء الطبيعة الميتافيزيقيا) ، الأميركي “ج. ج. فريزر” الذي يؤكد بأن هذا النوع من السحر يقوم على قانون العطف ، أي على افتراض أن الأشياء تعمل على نقيضها خلال عروة سرية بسبب وجود التشابه بين شيء وآخر (إشكالية القرين) ، أو أنهما كانا في وقت ما متصلين أو أن أحدهما جزءٌ من الآخر ، وأن السحر نظام قد نشأ في الجماعة ورافق وجودها ، أي إنه لا ينشأ مع الفرد الواحد إذ إنه لن يعرف السحر في مكان غير مأهول .
هنا يظهر السحر الأسود أو السحر المظلم على شكل من أشكال التعويذات التي تعتمد على القوى الحاقدة أو الخبيثة المفترضة .
والسحر الأسود غالبه في العالم السفلي الظلامي ، وهو اتقان ممارسة فنون الشرور الظلامية وتوريط الجوانب المُنسِية للطبيعة وللنفس . وغالباً ما يكون استخدام هذا النوع من أنواع السحر ، في أعمال القتل والسرقة والإيذاء ، كما يستغل في جلب سوء الحظ والتدمير ، أو بهدف تحقيق مكاسب شخصية دون النظر إلى الآثار الضارة التي تقع على الآخرين .
أما عن استخدامات السحر السفلي الأسود فعادة ما تتمحور حول إصابة الآخرين بالأمراض ، وإحداث الكراهية ، والتفريق بين الأحبة ، والإصابة بالأوجاع والشرور المختلفة .
وثمة طرق تقليدية يتم من خلالها التحضير للسحر الأسود ، تبدأ بالتعرف على اسم الضحية ، ثم اسم أمه وأثر أي شيء من ممتلكاته التي تلامس جسده ، ومن ثم يطلق الساحر بخور الشر ويقرأ العزيمة وهي لتحضير المارد اللعين ، ومن ثم تمضي قصة الشر .
عرفت الأمم والشعوب طريقها إلى السحر بأنواعه المختلفة منذ بداياتها (غيتي) ، وفي قصة البشرية مع السحر فإنه من المعروف بأن الديانة المصرية القديمة (عبادة آمون ) أوجدت سلسلة من الأساطير التي تتقاطع فيها قوى الشر مع الخير ، لاسيما في الأساطير الرئيسة عن (إيزيس و أوزيريس و ست إله الشر) . ولا تزال هناك برديات بعينها قائمة في متاحف العالم تحمل الكثير من التعويذات الفرعونية ، وما تحويه كتب مثل “متن الموتى و الخروج إلى النهار” من أسرار السحر الفرعوني القديم بنوعيه الأبيض والأسود ، أو العلوي والسفلي .
بدورها كانت الحضارات الكنعانية والبابلية والآشورية ، والسومرية والكلدانية والأكادية تزخر بأنواع السحر المختلفة ، التي ميّزتها بقدرة التواصل مع الفلك والنجوم ، وقراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل والتخاطب مع الأرواح .
وبالقرب من حضارات الرافدين ، كان السحر في الحياة الدنيوية للإغريق القدامى مزيجٌ مع رؤاهم الأخروية ، كما تؤكد قصص آلهة جبل (الأوليمب) ، وقد اعتقدوا طويلاً جداً في أمر الأرقام (غيماتريا) التي تعتمدها (القَبّالة اليهودية) حتى اليوم في المعادل الرقمي لحروف اسم الربّ (يَهْوَه) والتعزيم والطلاسم . كما كان الاغريق يعتقدون بتفاعلات آلهة العالم الآخر في الحياة الحاضرة ، وهناك أسماء مثل (زيوس و هيرا) التي لا تزال تستخدم حتى اليوم في أعمال السحر السفلي شرقاً وغرباً .
إن كل ما تقدَّم الكشف عنه إنما يهدف إلى إماطة اللثام عن قضية لا تزال تشغل العقل الإنساني ، منذ بدء الوجود البشري (العصر الحجري) ، وصولاً إلى جهود “أجهزة الاستخبارات الدولية الكبرى” التي تحتوي على أقسام خاصة لتلك العلوم التي يتم تسخيرها لتحقيق أهداف السطوة والسلطة .
وبات من المعروف أنه خلال فترة الحرب الباردة كانت علماء (الباراسيكولوجي) الغربيين تلعب أدواراً خطيرة في المواجهة مع (حلف وراسو WARSW) .
وعن دور تعاطي الإعلام مع السحر ، نرى أن القنوات التلفزيونية بأكملها المتقدمة منها والمتحضرة تخصص مناسبات محددة لتقديم السحر والسحرة والتنجيم والمنجمين ، وتجد فيه سوقاً خصبة لتغييب الوعي الجمعي ومحاولات ترسيخ الاعتقاد بقدرات الأعمال السفلية .
Discussion about this post