___قراءتي في قصيدة
(سجون الاحتلال)
للشاعر الدكتورHamed Hadji
———————
تعَشّقتُ سَجانةً.. ساحره..
تُخْرِجُ الضوءَ من تحت قُبَّعَةِ اللَّيْلِ حينا
وأحيان تَحْبِسُ بين ضفائرها زفرة العاشقين على الشفَقِ
******
وقد كنتُ عاكستُها.. ضحكتْ في الممرّ..
وأعطيتها هاتفي.. نِمْرٓتي..
حينما فارق الزائرون الشبابيك في زحمة الشُّقُقِ
******
وواعدتُها وانتظرتُ طويلا..
فما أطول الانتظار … كأنِّي قعدتُ بقَرْيَةِ نَمْلٍ
أو الريح تحتي على قَلَِقِ..
******
وقد كنتُ لاقيتُها في مجاز الصدى
بعدما الشغل أسدَلَ
أثوابَه فوق أرجوحةِ الضوء والغَسَقِ
******
وحمَّمْتُها في حياض البراءة دهرا
وعطّرتُ أفياءها بالزهور وبالياسمين
وكنتُ ضفرت لها خصلتان من النور والحبق
******
ولاعَبتُها..
هي حاكمةٌ عند منطقتي..
وأنا سارقُ القبُلات على الطُّرُقِ..
******
لعبنا .. طويلا..
أنا أختفي بين أحضانها ..
وَهْيَ تسرُبُ كالضوء في غائرِ النّفَقِ
******
وحين قربتُ.. وأشرعْتُ للفوق كالدّغْلِ خوذَتَهَا
ومددتُ يديّ لوجنتها.. لخدود القمرْ
تداعى لها جسدي: كيف أنجو من الطّيش والنزَقِ؟!
******
…… أدارت على معصمي كَلَبْشَتَها..
أوثقتني لسارية العشقِ ..
حتى تمكن مني الهوى وسكرتُ ولم أُُفِقِ
**********
وناديتُ مستعطفا: ارحميني
وفكي القيود..
كأنَّ صراخي بِقِيعَةِ وادٍ وكنتُ رقماً على وَرَقِ
**********
تعشقتُ سجّانةً.. كنتُ عوّذتُها بالذي
سجن الكون في قُبلةٍ،
مالكِ الناس رب الخلائق والفَلَقِ
*************
فما فعلُ طيرٌ مهيض الجناح..
إذا ما حَبَسْتَهُ في قفصٍ من غرامٍ..
وقضبانُ سجنِه كلّ المسالكِ والطُرُقِ
************
وأغربُ ما أنتَ سامِعُهُ كيف نَنْجُو من الحَرْق والغَرَقِ
♥ ألا لَيتَنا حينَ ذَقْنا الصبابة والحُبَّ لم نَذُقِ ♥
قتيلان والعشق يبقى إلى ساعة الحشر كالإثم في العُنُقِ
*********
__________________
الشاعر الفلسطيني باسم خندقجي القابع وراء القضبان يكتب
سجنياته نثرا وشعرا وفي قصيده(حديد)
يقول :
إني أرى في هذا الغيم أمي
وورق عنب البيت البعيد..
من وراء القضبان ومن خيط ضوء متسلل صنع السجين لنفسه عالما حرا طليقا صنع غيمة حبلى بلهاث الأمل وسماء رحبة تهرول فيها النفس للنفس
فماذا قال الشاعر حمد حاجي في قصيدته(سجون الاحتلال)
لنخرج فسحة مع(السِّجنيات) التي كانت وما زالت تخرج من السجون في كبسولات
وما تعريف(السَّجنية) أو ادب السجون؟
وبما أننا في الشعر
فسجنيات الشعر العربي هي تلك القصائد التي كتبها أصحابها خلف القضبان إذن هي كل قصيدة كتبها صاحبها في سجنه
ومصطلح سجنيات اتّسع وصار يشمل كل الأجناس الأدبية التي كُتِبت داخل السجن …لكن يبقى الشعر هو الاوفر حظا أولا :
لأنه هو الأقدم من بين الفنون الأخرى
وثانيا :لأنه الأكثف لغةً والأقدر على اختزال المعاني في قليل الكلام بالإضافة إلى الإيقاع والموسيقى والأثر النفسي الذي يحققه لدى المتلقي
وثالثا:
الشعر كان وما زال سلاح مقاومة مسالم ضد الظلم والاستبداد ولا يسفك الدماء وإنما يربك المواقف ويفضح السياسات المتبعة، والسجن تجربة ثرية لمن ابتلي بها من الشعراء والادباء
فهل شاعر قصيدة(سجون الاحتلال) عاش هذه التجربة؟
وما هو وارد أن الشاعر استحضر لحظات معيشة من داخل السجن حيث ذكر السجانة،والشبابيك التي هي كوة النور التي تسمح بلقاء السجناء بالزوّار والممرات والكلبشة والقيود،وما يشدّ الانتباه هو أن الشاعر تناول جانب الحرمان العاطفي والهشاشة النفسية للسجين عموما التي أوصلت هذا السجين للوقوع في حب سجانته
وعبّر عن رغبته في الحصول على اهتماتها
(وقد كنتُ عاكستُها.. ضحكتْ في الممرّ..
وأعطيتها هاتفي.. نِمْرٓتي.. )
وكأن الشاعر يضعنا أمام متلازمة غانسر
[ذُهان السجن ]
التي تتمثل في رغبة السجين أن يُنظر له على أساس أنه مريض ويحظى بالرعاية والاهتمام والسجين هنا هو مريض بالعشق ويتودد للسجانة
(فما فعلُ طيرٌ مهيض الجناح..
إذا ما حَبَسْتَهُ في قفصٍ من غرامٍ..)
كما يذكرنا بأن السجون بُنيت كي ينسى العالم مَن احتُجِزوا خلف جدرانها وهنا تصبح الكتابة محاولة أخيرة لمقاومة النسيان ،وهذا صريح في هذين البيتين
[وناديتُ مستعطفا: ارحميني
وفكي القيود..
كأنَّ صراخي بِقِيعَةِ وادٍ وكنتُ رقماً على ورق]…�كما نعيش هذه القصيدة بكل تفاصيلها نظرا لإتقان نقل(المشاهد) في تدرجي تصاعدي مترابط ، وكأن الشاعر شاهد شريطا سنيمائيا طويلا ونقله في قالب ” صور مكتوبة” مبوبة الى ثلاثة عشر لوحة…
متوخيا تقنية المشهدية واللقطة لتجسيد الأفكار والمضمون، وبث الروح والحركة في هذه اللقطات التي اقتنصها من الحياة ومن وحي (سجون الاحتلال)متحدة مع الرمز للتعبير عن مشاعره ورؤيته وتصوير الواقع وإعادة صياغته بصورة فنية خلاّقة
لذا تعددت المقاطع التي هي بمثابة اللقطات التّي تمر بتقنية البطيء حتى
يتمكن المتلقي من متعة تمثُّل وتركيب الصورة المقروءة …
لكن القصيدة مخاتلة
تدخل بنا السجن مع اغراء العنوان الرئيسي(سجون الاحتلال) وتروغ بنا لنلج
سجن القصيدة
او سجن الحرية التي تنشدها الروح الشاعرة
أو سجن الكتابة
والكتابة سجن اختياري تمارس فيها كل الحريات كحرية التعبير وحرية الفعل وحتى القفز على الجبل والسير على الحبل
والعيش تحت الماء والإقامة في ردهات الحلم..
فــإذا كتب السياسي والمفكر الإيطالي أنيكيوس بوئثيوس
“عزاء الفلاسفة” في السجن
لِـمَ لا يكتب الشاعر(حمد حاجي)—تعشّقت سجاّنة—-من(سجون الاحتلال)؟
فائزه بنمسعود
Ottawa/12/1/2024
Discussion about this post