إذاعة جريد اف ام “برنامج حديث في التربية والمجتمع”
حديث الجمعة عدد
(في التربية والمجتمع)
ساعة حول تصور لإصلاح المنظومة التربوية التونسية.
ضيفي عبر الهاتف الدكتور محمد الامين بن عبد الرحمان….من هو ضيفي الكريم؟
لمحة بيوغرافية:
محمد الأمين بن عبد الرحمان هو أستاذ التعليم العالي بجامعة قرطاج محرز على شهادة الدكتوراه وعلى شهادة التأهيل الجامعي اختصاص علوم التربية وديداكتيك المواد. وهو يعتبر نتاجا وتتويجا لمسيرة مهنية طويلة في مجال التعليم حيث درس في الابتدائي ثم الثانوي فالعالي وتدرّج سلم الرتب والترقيات لكل مستوى من هذه المستويات الثلاثة واستكملها كلها رتبة رتبة ودرجة درجة. تولّـى الاضطلاع بمهام المدير العام “للمعهد العالي للتربية المختصة بمنوبة”، ومدير مخبر “الإعاقة وعدم التكيف الاجتماعي” ورئيس “الجمعية التونسية لرياضة المعوقين”.
وللسيد محمد الأمين بن عبد الرحمان نشاط كبير في مجال البحث العلمي الأكاديمي حيث أسس المجلة العلمية ” الإعاقة: من الوقاية الى الدمج” وتولى دور رئيس تحريرها ، ولديه العديد من المقالات المنشورة في مجلات علمية محكّـمة أجنبية ومحلية، باللغتين العربية والفرنسية، في مجال “علوم التربية”
و”علم النفس” و”ديداكتيك المواد”، و”البيداغوجيا الجامعية” ، و”التربية المختصة” الخ… السيد محمد الأمين بن عبد الرحمان هو كذلك خبير دولي مستشار consultant لدى مكاتب الدراسات الأجنبية والمحلية ومكوّن مهني في المجالات التي سبق ذكرها، تولى تكوين مدرسي ومتفقدي التعليم الأساسي والثانوي ومدرسي التعليم الجامعي المنتدبين الجدد ومربي وإطارات التربية المختصة. ترأس ولا يزال يترأس العديد من لجان الانتداب والترقية التابعة لوزارة التعليم العالي ووزارة التربية القومية ووزارة الشباب الرياضة.
ان ضيفي الكريم متعدد الصفات لذلك سيكون حديثي معه ينحو منحى الاضاءات التربوية الاصلاحية للمنظومة التربوية واستهلّ حديثي معه بالسؤال التالي :
السؤال (1)ما هو دور التربية إزاء تحديات المجتمع الحديث ؟
الجواب إذا كان المقصود بالمجتمع الحديث المجتمع التونسي الحالي، فالتحديات التي يواجهها النظام التربوي التونسي كثيرة متعددة ومترابطة يمكن أن ينصب التركيز على تسعة عوامل رئيسية:
☜ الوضع المادي والمالي للمربين
☜ البنية التحتية المتهرئة للمدارس
☜ إشكالية انتداب المدرسين
☜ عدم استقرار المؤسسات التكوينية التمهينية
☜ عدم تطابق التكوين مع متطلبات سوق العمل
☜ ضعف الخيارات في مجال طرق التعليم والتعلم
☜ برامج التدريس ومضامينها المعرفية
☜ التداخل اللغوي في عملية التدريس
☜ عقلية المربين وعلاقتهم بالمعرفة، بالمهنة وبالمتعلم.
وهناك عوامل أخرى يمكن إضافتها مثل الأمية وحق التمدرس غير الكامل والشامل وغير المنصف والتكرار والتسرب المدرسي ، والتي يبدو أنها عوامل ونتائج لفشل المؤسسات التربوية التونسية.
ويتمثل الرهان في رفع هذه التحديات التي تستمد منها التربية مشروعيتها.
السؤال (2) ما هي رؤيتك في الإصلاح التربوي (أهم المقومات) ؟
الجواب : الإصلاح التربوي ينبغي أن يعمل من اجل رفع التحديات المذكورة وهذا يتطلب إرساء تمشيات تكوينية تمهينية تعمل على تأسيس مهارات حياتية وكفايات متلائمة مع مقتضيات القرن الواحد والعشرين وتبعا لذلك إعادة النظر في كيفية وضع تصور هندسي جديد للمضامين المعرفية في تفاعلها الجدلي مع التربية على مجموع القيم الإنسانية الكونية والشاملة التي تمكن من نحت ملمح المواطن المندمج في بيئته المحلية فالعالمية والمساهم في تطوير نوعية حياته وتحسين ظروف العيش في وطنه. ويشمل هذا التكوين كل الفاعلين التربويين بمختلف أسلاكهم وفي مختلف مستوياتهم وذلك بهدف تحقيق “التماثل البيداغوجي” المنشود في مختلف مستويات النظام التربوي. وهذا يستوجب إحداث نقلات نوعية في مستوى تصورنا للتربية ولمرتكزاتها ومقاصدها.
2-1في مستوى تصورنا للتربية ولمقاصد:
الانتقال من منطق إصلاح برامجي.
إلى منطق اصلاح براديقماتي.
الانتقال من منطق البرامج والمضامين التعليمية المجزأة .
إلى منطق المناهج .
الانتقال من منطق تقييم كمّي منصبّ على النتائج.
إلى تقييم نوعي منصبّ على السيرورات والتمشيات الذهنية
الانتقال من المقاربة disciplinaire قوامها المضامين
إلى مقاربة interdisciplinaire و transdisciplinaire.
الانتقال من تفكير يقسّم ويقلّل
إلى تفكير يتناول الإنسان في تنوعه وتعقـّده وتعدد اأبعاده.
الانتقال من تصور مجزئ للظواهر .
إلى تصور شمولي.
الانتقال من مدرس مهني مختص في التدريس وملقن للمعارف.
إلى مدرس مهني مختص في التعلم وفي بناء الفكر العلمي الناقد والمبدع.
الانتقال من تلميذ متقبل سالب .
إلى تلميذ فاعل ونشيط قادرعلى بناء معارفه بنفسه.
2-2في مستوى تحقيق الرهانات العاجلة:
☜ المساواة بين المدارس: كل المدارس ينبغي أن تكون متساوية فلا توجد مدرسة للنخبة ولا مدرسة للتلاميذ العاديين أو للضعفاء وكل مدرسة ينبغي أن تتوفر فيها نفس الأجهزة والمعدات التعليمية والفرص والتمويل النسبي. ومن هنا، نتوجه بدعوة إلى الاستغناء عن المدارس النموذجية.
☜ المساواة بين مواد التدريس: لا وجود لأفضلية مادة مدرسية على أخرى ولا تتم الموافقة على الدراسة المتعمقة لبعض المواد المدرسية على حساب الأخرى. هنا، لا نعتبر أن الرياضيات هي، على سبيل المثال، أكثر أهمية من الفن. الاستثناء الوحيد هو إنشاء أقسام للأطفال الموهوبين في الرسم والموسيقى والرياضة، الخ…
☜ المساواة بين الأولياء: لا فضل لولي مهما كان منصبه أو وضعه الاجتماعي على أخر.
☜ المساواة بين التلاميذ : لا يوزع التلاميذ في الفصول وفقًا لقدراتهم أو تفضيلاتهم المهنية. لا يوجد أيضًا تلاميذ “سيئون” و تلاميذ “جيدون”. يحظر مقارنة المتعلمين مع بعضهم البعض. يعتبر الأطفال الموهوبون والأطفال العاديون “خاصين” ويدرسون معًا. بشكل عام ، لا بد ان تفتح المدرسة العادية فصولها الدراسية لاستقبال أطفال في وضعيات إعاقة. كما يمكن إنشاء في المدرسة العادية، قسم للتلاميذ ضعاف السمع أو ضعاف البصر. المهمّ أن تعمل المؤسسة التربوية على دمج أكبر عدد ممكن من التلاميذ الذين يحتاجون إلى معاملة خاصة وتقليص الفجوة بين ما يسمى التلاميذ “الضعفاء” وما يسمى بالتلاميذ “النجباء”.
☜ المساواة بين المدرسين: لا يوجد مدرسون “مفضلون” ومدرسون “غير مرغوب فيهم”. كذلك على المعلمين أنفسهم أن لا يميزوا التلاميذ “الجيدين” عن التلاميذ “السيئين”. يجب على المعلمين القيام بوظيفتهم كمرافقين فقط. جميعهم متساوون في الأهمية في مجموعة العمل ، معلم اللغة او معلم التربية البدنية .
☜ مبدأ “احترام التلميذ”: من السنة الأولى ابتدائي، يتم شرح “حقوق الطفل” للأطفال، بما في ذلك الحق في “تقديم شكوى” ضد كل من يسيء إليهم. وهذا يجعل الأولياء يفهمون أن طفلهم هو شخص مستقلّ، وأنه يُحظر الإساءة إليه بالكلمة أو العقوبة البدنية. كما يُحظر إذلال المعلمين للتلاميذ.ولا يفوتنا هنا بان نذكر أنه يُحظر أن يتعرض المتعلمون إلى التحرش الجنسي.
إن أي انتهاك لهذه القواعد المذكورة يؤدي حتما إلى إعفاء المدرس المذنب من عمله ثم تقديم شكوى ضده إلى العدالة.
☜ مجانية التعليم: بالإضافة إلى مجانية التعليم نفسه، يجب أن تكون وجبات الطعام مجانية وكذلك الرحلات الاستكشافية وزيارات المتاحف وجميع الأنشطة المدرسية والنقل المدرسي والكتب وجميع اللوازم المدرسية والآلات الحاسبة وحتى أجهزة الكمبيوتر المحمولة مجانية. يُحظر (خارج القانون والتراتيب المعمول بها) أي جمع للتبرعات من الأولياء لأي غرض كان.
السؤال (3)ما هي رؤيتك لتكوين المعلمين؟
الجواب :ينبغي مراجعة التكوين وتأسيسه على ثلاث ركائز :
أ- المنهج النظري التعلّمي التعليمي
أن يرتكز تكوين المعلمين على نظريات التعليم والتعلم الحديثة والتي تنادي بمبدأ الفروق الفردية ومبدأ التعلم حتى التمكـّـن.
ب – المنهج التكنولوجي المتعلق بالأجهزة والمعدات التعليمية
وهي أدوات تكنولوجيا التعليم المعاونة والمكملة لأدوار المعلم، والتي هي ليست بديلة عنه، مثل الحاسب الآلي وأجهزة الإسقاط الضوئي والسبورة الالكترونية والتلفزيون. ومن مميزات هذا المنهج التكنولوجي انه يتيح تفريد المواقف التعليمية المختلفة، حيث يرتكز على مبدأ الخطو الذاتي الذي يسمح لكل متعلم أن يسير في إجراءات التعلم وفقا لقدراته واستعداداته. كما يتيح للمتعلم أن يتجاوز بمصادر تعلمه الحدود المحلية والإقليمية إلى مصادر التعلم العالمية ويكفي مثالا على ذلك شبكة المعلومات الدولية.
ج- مبادئ وقيم القرن 21
والتي يمكن اختزالها في ما يلي:
– الاستقلالية الفكرية الذاتية للمربي بدل الفكر المحافظ
– التسامح وقبول الثقافات الأخرى بدل احتقارها.
– الإقدام على المخاطرة الفكرية بدل البحث على اليقين.
– تطوير الفكر البحثي بدل الدغمائية.
– تطوير العقلانية بدل التعصب.
– تطوير شعور التعاون بدل شعور المنافسة.
– غرس وتطوير مبدأ المواطنة العالمية بدل الهوية المحلية.
– تطوير العولمة الاقتصادية بدل الانغلاق السياسي.
– تطوير الثقافة الجماهيرية بدل الفردية.
– السؤال (4)ما هي أهم الطرق البيداغوجية النشيطة؟
الجواب لا توجد طريقة بيداغوجية أفضل من أخرى. فعالية طريقة التدريس ظرفية وتعتمد على مزيج من العوامل التالية:
– طبيعة مجموعة التلاميذ
– الطبيعة الابستيمولوجية للمادة موضوع التدريس-
– شخصية الأستاذ-
– الظروف المادية لقاعة الدرس-
– الأهداف المنشودة.-
السؤال (5)ما هي أهم أسباب الفشل المدرسي؟
الجواب : ان الاسباب عديدة ومتعددة يصعب حصرها لعلّ من أهمها الوضع المادي والمالي للمدرسين والبنية التحتية المتهرئة للمدارس وغياب التجهيزات وأزمة القيم المتفشية في بلادنا. وفي هذا السياق، لا يفوتني أن اذكر أن العديد من التجديدات والمقاربات البيداغوجية الحديثة قد سبق أن جـُرّبت في النظام التربوي التونسي ولا زالت تعتمد الى حد الآن على سبيل الذكر لا الحصر المقاربة بالكفايات ، البيداغوجيا الفارقية ، تطبيق واستثمار مجلوبات النظرية الديداكتيكية، الاستغناء عن التقييم الكمي (الأعداد) واعتماد التقييم النوعي (الملاحظات)، إدماج التلاميذ الحاملين لإعاقة في المدارس العادية واستعمال البيداغوجيا الإدماجية (intégrative) ثم البيداغوجيا الدمجية (inclusive)،الخ … إلا أن النتائج لم ترتق الى المستوى المأمول.
ومن هنا يمكن القول ان القضية ليست في مستوى المقاربات البيداغوجية وفعاليتها بقدر ما هي في مستوى من يستعملها من حيث (تكوينه، كفاءته المهنية، علاقته بالمعرفة، علاقته بالمهنة وبالتلاميذ). لذلك نقول ان كل مبادرة مستقبلية لإصلاح النظام التربوي في تونس ينبغي ان يرافقها عمل كبير لإحداث تغيير في مستوى عقليات المربين وعلاقتهم بالمعرفة وبقدسية المهنة وبالتلاميذ وبالزمن المدرسي لضمان المزيد من انخراطهم في المشروع الإصلاحي.
السؤال (6) ما هي أخر (احدث) اهتماماتك التربوية؟
الجواب : بالإضافة إلى اختصاصي في مجال علوم التربية وديداكتيك المواد تركز اهتمامي في السنوات الاخيرة على التربية المختصة الموجهة للأشخاص في وضعية إعاقة. وفي هذا المجال كلفت سنة 2010-2011 من قبل وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية بدعم من “الاينيساف” UNICEF بتقييم مشروع إدماج التلاميذ الحاملين لإعاقة في المدارس العمومية العادية التونسية.
ومن هنا انطلقت أعمالي البحثية بالتفكير في أهم الإشكاليات التي يطرحها تعليم وتعلم الأشخاص في وضعية إعاقة وفي سنة 2015 عينت مديرا عاما للمعهد العالي للتربية المختصة بمنوبة. ومن أهم انجازاتي في هذا الميدان:
– الإشراف على مخبر البحث ”الإعاقة وعدم التكيف الاجتماعي”
– التأسيس والإشراف على المجلة العلمية المتخصصة في مجال الإعاقة والتي تحمل اسم ”الإعاقة: من الوقاية إلى الدمج”.
– كتابة ونشر العديد من المقالات العلمية في ميدان التربية المختصة في مجلات علمية محكمة أجنبية ومحلية.
– الإشراف على ”الجمعية الرياضية للمعاقين” التابعة للمعهد العالي للتربية المختصة بمنوبة.
– التحول الى فرنسا والى اسبانيا في إطار مشروع Erasmus لإلقاء دروس لفائدة طلبة الماجستير هناك.
– الإشراف على تكوين مدرسي اللغة العربية لغير الناطقين بها ،الخ…
شكرا دكتورعلى كل ماقدّمته من اضاءات تربوية وما اقترحته من اصلاحات للمنظومة التربوية بتونس.
بتاريخ 05/ 11/2022
جمعية تطوير التربية المدرسية:فرع
Discussion about this post