- محاولة مني في قراءة رباعية قصص قصيرة جدا للكاتبةإلهام عيسى ، بقلمي المتواضع.
#القراءة
ساعةَ إقالة
ا=========
الرجل الذي حمل المصنع في ريشة قلبه وأدار عقاربه بوجدانه.. واختزل كلّ وقت العالم لإصلاحه حتى أفلتت الشركة من قبضة الانهيار .. بعد الانتعاش، لعدم تناسق ساعته مع فلسفة العمل، سنّ مجلس الإدارة قانون إحالته مبكرا، على شرف المهنة ..
ا===========
لننطلق من عتبة النص ، العنوان : ساعة إقالة ، مفردتان تصف الثانية الأولى .
لو قرأنا كل واحدة على حدة ، تأتي كل مفردة نكرة و تبدأ الأسئلة ، ساعة زمن ؟ ساعة قيامة ؟ ساعة لقاء ؟
إقالة موظف ؟ هذا ما سيذهب إليه القاريء مباشرة ، دون تأويل أو اجتهاد .
جميعنا في اتجاه العمل نفكر ، فالإقالة لا تكون إلا مرتبطة ” بالعمل ، بالوظيفة ” .
لعل العنوان ساعة إقالة أحدهم من وظيفته ” عمله ” .
لنكتشف معا في سير خط القصة الأولى .
تقول الدكتورة إلهام في أول سطر ” الرجل الذي حمل المصنع في ريشة قلبه وأدار عقاربه بوجدانه ”
حددت المكان ، مصنع ،
سطر أتى مدججا بالحب و التعلق بهذا المكان من ” الرجل الذي ” التأكيد على ” من هو هذا الرجل ، حمل الشركة في ريشة قلبه ، انقذها حين تهاوت للسقوط المادي ” كالإفلاس ، او تقادم الآلات ، نهضة جديدة شهدت الشركة في فترة اشرافه عليها ، و بنقاط الإستمرار ” … ” تترك لنا الكاتبة المجال ليسبح خيالنا فيمَ فعله حتى تستعيد الشركة عافيتها ،
ثم تستدرك ” بعد الإنتعاش ” كأنها تقول : لكن ، ” لعدم تناسق ساعته مع فلسفة العمل ” .
كيف ؟ و تملأنا الأسئلة …
جملة ايحائة حسب رأيي ، توحي لنا بأن الشركة شهدت نهضة صناعية عالية الجودة بما في ذلك ” نهضة تكنولجية مواكبة للعصر ، او كان من معارضي القرارات التي لا تخدم مصلحة الشركة ، او ربما تقدمه في السن من أسباب الإقالة و هذا استبعده ، ” في سن مبكرة ” …
إقالة و ليست استقالة ، كم هو مؤلم و موجع أن يقيلك أحدهم من شيء أعطيته كل مافيك ” ريشة قلب ” ، و هل بعد هذا العطاء عطاء !؟
أسفي عليه و إحساسه حين أقالوه ” و باكرا ” على شرف المهنة !!!
أي شرف هذا حين يَنْبَتُ أحدهم من جذوره ؟ و أي شرف مهنة ؟ كم هو سهل التلاعب بالألفاظ ” شرف ” ، بل هي وصمة عار في وجوه من قرروا إحالته و هو لا يزال في جرابه ما يقدم لهذه ” الشركة ” .
قصة أحداثها مكثفة اختزلتها الدكتوره في أربعة أسطر كما اختزلوا أصحاب الشركة حياة مهنية غلفوها في كلمات مقننة :
سنّ مجلس الإدارة قانون إحالته مبكرا، على شرف المهنة .
ورقة
ا=======
أنهكه الجوع والعطش٠٠ تقطعت به السبل.. أجهش بصمت حتى سمعه اللوح المحفوظ.. ظل فوق الجسر يلتحف نجوم السماء..
ولمّا مرت غيمة ترشق نوبة جوع وجهه..
وحاولت خيوط الصباح ان توقظه من سباته..
لم تكن أوامر الملكوت تسمح، بغير نزول ورقته من زيتونة الحياة ..
ق.ق.ج لخصت حياة أحدهم ، أضناه الفقر قبل ان ينهكه الجوع و العطش ، لوحة رسمها القلم في جسر منسي أين كانت الشهقة الأخيرة ، حتى الشهقة لم نسمعها ، أبدعت وصفها الكاتبة ” أجهش بصمت ” ، السقوط المرغم ، ليس اختيارا أن يأتي الموت صامتا و يذهب بصاحبه في صمت .
هي المعاناة الأولى التي سبقته من جوع و عطش حتى خارت قواه و لم يقدر حتى على الخطوة فقد ” تقطعت به السبل ” .
سماء و غيمة و خيوط صباح ، كلمات مرتبطة رباطا وثيقا بالحياة ، فكيف لها ان تكون خائنا و ” تتصادق مع الموت ” لتنهي حياة كانت معمرة كشجرة زيتون .
فهل كانت الحياة دائمة الخضرة كأوراق زيتونة ؟
ويلي من هذه النومة الأبدية ، و الحياة الضنكاء التي سبقتها ،قالها علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : لو كان الفقر رجلا لقتلته .
الموت يأتي سريعا يختار اللحظة و المكان وزمانه لا يتقدم و لا يتأخر لحظة …
كتسارع أحداث القصة التي جاءت مكثفة بالألم و الوجع و الوحدة ، على جسر ربما أرادت الروح أن تغادر صاحبها في الضفة الأخرى ، قرب زيتونة الحياة ، بين ليل و عتمته و صبح و حرير شمسه …
خطيئة موصومة
ا========
الشّابة التي أطلقت صرخة مخاضٍ معلنة بدء حياة أولى٠٠ وتنكّر للجنين أعور وأصم..
لم تكفها غير لفّة كيس أسود بحاوية قمامة..
ا========
ياخذك العنوان إلى خيال شاسع ، أوله ماهية الخطيئة ، سببها ، و كيفية انجازها ، من نفذها ؟؟؟
لنعرف الخطيئة من الناحية الدينية :
الخطيئة في الدين هي الأفعال التي تنتهك القواعد الأخلاقية، القوانين الإلهية والقوانين العامة. والخطيئة أيضاَ تشير إلى الأفعال الحسية السيئة والمنفور منها مثل الفكر السئ وليست الأفعال المادية فقط ، أبشعها
خطايا كبرى ومميتة : مثل القتل والكفر والعنف الشديد وغيرها، عاقبتهن تكون وخيمة ومميتة.
موصوفة : مخطط لها مع سابقية الإصرار و الترصد
يقصد ” بالموصوفة ” : الموصوفة وصفا جنائياً، والفكرة الأساسية في هذه الجنايات أنها جرائم توافرت فيها ظروف على درجة واضحة من الخطورة استأهلت – في تقدير الشارع – أن تشدد عقوباتها بحيث تبلغ مبلغ عقوبات الجنايات .
و لن أدخل في فقرة القانون الوضعي ، ( لعلي أراه لاحقا) بل أعود إلى القصة التي حاكت واقعا ملموسا .
حددت الدكتورة الهام سن البطلة ” هي شابة ” في حالة مخاض و لحظة ولادة …
صرخة مخاض : صرخة الألم التي تشعر بها الأم لحظة الولادة و الصرخة الأولى لجنين قضى مدة ببطن أمه في العتمة ينتظر نور الحياة … لحظة فرح لا جدال فيها.
فبأي ذنب قُتِلت !!!
روح وُلدت بتشوهات خلقية ، تُقبر صرختها قبل الولادة ، مآلها عتمة أخرى ” كيس أسود ” يُرمى ” بحاوية قمامة ”
أي فكر هذا و أي جنون ؟ و أي ذنب اقترفه جنين ؟ هل اختار ان يكون بهذه الصورة ؟
لنعود إلى الأسئلة أعلاها ،
ماهية الخطيئة : هل هي زواج على غير الصيغ القانونية ، ام هي غلطة طرفين ، ام هو اغتصاب كانت ثمرته جنين يتخبط داخل أحشاء شابة ؟؟؟…
سببها : جنين اعور أصم
كيفية انجازها : قُبرت الصرخة في كيس أسود مآله صندوق قمامة
من نفذها ؟؟؟ : أم انتزعت من قلبها كل مقومات الأمومة و الرحمة.
هذه الجريمة ” الخطيئة الموصوفة ” كيف سيعاقبها القانون ؟
صرخة مخاض ، صرخة ولادة ، و موت جنين .
لتنتهي القصة في برهة سبقها حمل أشهر مع حلم داخلي للجنين كيف سيرى الحياة بعد قص الحبل السري الذي كان يربطه بالأم .
أي قلب بين الضلوع هذه الذي يجعل من ام مجرمة !!!
رغم القوانين الردعية و التي تصل إلى خمس سنوات للإنجاب خارج الصيغ القانونية ، فإن النسب في ارتفاع أما من يزهق روح طفل حديث العهد بالولادة فعقوبته تتراوح بين عشر و عشرون سنة سجنا .
فهل هناك أسباب خفية لتفاقم هذه الجرائم ؟
البحث للقاريء…
محضر
ا=======
أمام آلة كاتبةٍ، ووجه عبوسٍ، أرادت استنشاق اعتراف الحياة مرة أخرى .. لكن تجلى لها شين التصوير وجلد التهديد ..
ولما وجدت حبل الكذب، لفّت نفسها بعنق السماء..
حتى أقْفِلَ المحضر !!
………….
هل هي تتمة الخطيئة الموصوفة هذه القصة ؟
ام محض صدفة ؟
المكان مركز بحث ، هذا ما أخبرنا به الجو العام للقصة و انطلاقا من العنوان :
محضر ، آلة كاتبة ” يعني سؤال و جواب ” ، وجه عبوس ، استنشاق اعتراف …
القصة تشدني شدا غريبا أنها تتمة للخطيئة الموصوفة ، فهل كُشفت الجريمة بهذه السرعة ، سرعة الأحداث اختزلتها الدكتورة ، في وجه عبوس يستنشق اعترافا ، رغم محاولة الكذب و إخفاء الحقيقة .
هل الحبل فعلا مادي ، أم حبل الكذب قصير ؟
لكن لنرى القصة من زاوية أخرى ، و نبتعد عن الخطيئة
في محضر أتى اعترافا كاذب ، هل هو من إحدى المقاومات ؟ أبدا المقاومات يفتخرن بما يقمن به في سبيل الوطن .
و لكن في الصورة يوجد تلميح إلى ” شين التصوير و جلد التهديد ” ، لا محال هناك جريمة مخفية ، و أعود إلى القصة التي سبقتها ، فليس من العبث ان تُرتب هذه القصص على هذه الشاكلة ، بين حبل سري ، حبل كذب ، حتى يُقفل المحضر بعد ان لفت نفسها بعنق السماء ،
و لنسأل مرة أخرى هل هو دعاء ، أم انتحار فعلا ؟ هل نهاية القصة موت من نوع آخر ؟
هي الأحداث تأتي متسارعة يلفها الغموض و يُقفل المحضر.
عمَ قُفل ؟ على حياة جديدة أم لموت ينبؤنا بحياة جديدة ؟
………….
نحاول معا حزم أحداث القصص ، بين ساعة إقالة ،ورقة ، خطيئة موصوفة و محضر :
ساعة إقالة كانت بإمضاء على ورقة ، إقالة من الحياة المهنية ، مبكرة ، ألا تكون قبر لحياة مهنية بعد العطاء الوارف و الحب الكبير الذي أنقذ شركة بريشة قلب ، و ورقة سقطت من آخر شجرة الحياة على جسر منسي ، لم يمر به أحد ساعة سقوط الروح إلى الأعلى ، و خطيئة موصوفة أجهضت على حياة قبل النفس الأول من ظلمة أحشاء إلى عتمة كيس أسود مآله صندوق قمامة و تُختم بورقة أخرى ” المحضر ” على آلة كتابة ، تنتهي بحبل كذب لفت به روحها لعنق السماء .
قصص من عمق المجتمع و تأثيره ، الإستغناء عمن أعطى من حياته و ضحى ، عمن أعياه الفقر ، عمن لم تجد الرحمة و خافت من فضيحة فطمست معالم الجريمة بجريمة أبشع منها ، عن رائحة التعذيب و التهديد و الإرغام على اعتراف حتى يُقفل المحضر .
هذه بعض أوراق من سجلات الحياة نقلتها لنا الدكتورة إلهام عيسى بكل ذكاء و اختصار ، لكنها مدججة بالأحداث السابقة و اللاحقة ، جعلتنا نُعري معها بعضا من المعاناة الممزوجة بالألم و الوجع .
دام مداد حذرفكِ أيتها الوارفة 🌻
بقلمي المتواضع سعيدة بركاتي ✍️
Discussion about this post