في مثل هذا اليوم 7فبراير1898م..
إميل زولا يُقدَّم للمحاكمة بتهمة التشهير بسبب نشره مقالة كتبها بعنوان أنا أتهم …! تتحدث عن قضية دريفوس.
قضية دريفوس (بالفرنسية: L’affaire Dreyfus) هي صراع اجتماعي وسياسي حدث في نهاية القرن التاسع عشر في عهد الجمهورية الفرنسية الثالثة. اتهم بالخيانة في هذه القضية النقيب ألفريد دريفوس، وهو فرنسي الجنسية يهودي الديانة. هزت هذه القضية المجتمع الفرنسي خلال اثني عشر عامًا من 1894 وحتى 1906 وقسمته إلى فريقين: المؤيدين لدريفوس مقتنعين ببراءته (الدريفوسيين les dreyfusards) والمعارضين له معتقدين أنه مذنب (les antidreyfus).
تجريد ألفريد دريفوس من رتبته في 5 يناير 1895، للرسام هنري مير
أُتهم النقيب دريفوس في نهاية 1894 بأنه أرسل ملفات فرنسية سرية إلى ألمانيا. ولكن هذا يعد خطأ قضائي حيث أن القضاء الفرنسي كان يُعرف بمعاداته للجاسوسية والسامية (اليهود) وقد أثبتت بعد ذلك براءة هذا النقيب. كان المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت يعادي السامية ويكن كراهية للإمبراطورية الألمانية بعد ضم ألزاس ولورين إليها عام 1871.
في عام عام 1898 كشف اميل زولا عن هذه القضية ونشر مقالة له بعنوان «أنا اتهم..!» أدت إلى سلسلة غير مسبوقة من الأزمات السياسية والاجتماعية في فرنسا. كشفت قضية دريفوس عن الانقسامات المتواجدة بفرنسا بسبب تعارض كلا المؤيدين لقضية دريفوس والمعارضين لها مما خلف جدلاً عنيفاً بين القوميين والمعادين للسامية وكان للصحافة دور هام في نشر هذه الخلافات التي لم تنتهي إلا بعد صدور حكم من محكمة النقض يبرِّأ ويعيد تأهيل دريفوس.
بسبب ذلك أصبحت قضية دريفوس رمزاً للظلم في فرنسا وباسم مصلحة الوطن ظلت هذه القضية هي أكبر الأمثلة التي توضح الأخطاء القضائية (الصعب إصلاحها) والدور الكبير للصحافة والرأي العام.
تلخيص قضية دريفوس
ألفريد دريفوس
في نهاية عام 1894، اتهم النقيب في الجيش الفرنسي ألفريد دريفوس اليهودي الأصل بأنه أرسل للجيش الألماني ملفات سرية، مما تسبب في الحكم عليه بالأشغال الشاقة ومن ثم نفيه إلى جزيرة الشيطان (بالفرنسية: l’île du Diable). حاول بعض معارضي هذا الحكم ومنهم عائلة دريفوس ويتقدمهم أخوه ماثيو أن يثبتوا براءته. وفي مارس 1896 اكتشف الكولونيل جورج بيكار أن الخائن الحقيقي هو فرديناند ويلسون ايسترازي (Ferdinand Walsin Esterházy). ومع ذلك رفض الجيش إعادة النظر في الحكم ونُفي بيكار إلى شمال أفريقيا. للفت الانتباه إلى ضعف الأدلة ضد دريفوس قامت أسرة دريفوس (خاصة ماثيو شقيق دريفوس) في يونيو عام1897 بالتواصل مع رئيس مجلس الشيوخ «أوغست شويور كيستينر» وأقنعه ببراءة النقيب دريفوس بعد ثلاثة أشهر وأيضا استطاع ماثيو اقناع جورج كليمانصو نائب سابق وصحفي بجريدة لورور الفرنسية. في نفس الشهر اشتكى«ماثيو دريفوس» ضد «ويلسون ايسترازي» إلى القاضي المختص بوزارة الحرب وقد أدى ذلك إلى اتساع دائرة مؤيدي دريفوس.
في يناير 1898 حدثت حادثتان أعطتا بعداً وطنيا للقضية: أولاً الحكم ببراءة «ويلسون ايسترازي» وصاحب ذلك هتاف من القوميون المعارضون لدريفوس، ثانيا نشر إميل زولا لمقالة بعنوان « أنا اتهم..!»، دافع بها عن مؤيدي دريفوس الذين يجمعون نخبة كبيرة من المثقفين. من هنا بدأت عملية انقسام المجتمع الفرنسي والتي استمرت حتى نهاية القرن. وقد اندلعت اشتباكات لمعاداة السامية في أكثر من عشرين مدينة فرنسية. وأصبح هناك العديد من الوفيات بالجزائر وبسبب هذه القضية اهتزت الجمهورية الفرنسية، حتى أن البعض رأوا أنها مهددة بالانقراض مما دفع إلى إنهاء قضية دريفوس من أجل استعادة الهدوء بالبلد مرة أخرى. بالرغم من محاولات الجيش لقمع هذه القضية إلا أن الحكم الأول الذي يدين دريفوس تم ابطاله من قبل محكمة النقض بعد تحقيق شامل في القضية وتم عقد مجلس حرب جديد في رين عام 1899. و على عكس جميع التوقعات أُدين النقيب دريفوس مرة أخرى لمدة عشر سنوات مع الأشغال الشاقة وبعد أربع سنوات من ترحيله عفا رئيس جمهورية فرنسا «ايميل لوبيه» عن دريفوس. في عام 1906 أصبحت براءة دريفوس معترف بها رسمياً ومن دون الاستناد إلى حكم محكمة النقض. أُعيد تأهيل الكابتن دريفوس في الجيش برتبة نقيب وشارك في الحرب العالمية الأولى. توفي النقيب دريفوس في عام 1935.
كانت لقضية دريفوس نتائج لا تحصى شملت جميع جوانب الحياة العامة في فرنسا كالجانب السياسي (الاحتفال بانتصار الجمهورية الفرنسية الثالثة حيث أن القضية أصبحت أسطورة. تأسست أثناء تجديد القومية) والجانب العسكري والديني (حيث بطئت القضية من إصلاح الكاثوليكية الفرنسية وتوحيد الكاثوليك) والجانب الاجتماعي والدبلوماسي والثقافي (خلال هذه القضية اشتق مصطلح مثقف).أيضاً كان لها تأثير على الحركة الصهيونية من خلال أحد مؤسسيها مثل ثيودور هرتزل ومظاهرات معاداة السامية التي اهتاجت المجتمعات اليهودية بأوروبا الوسطى والشرقية.
أنا أتهم…! (بالفرنسية: !…J’accuse) هو عنوان مقالة كتبها إميل زولا حينئذ حول قضية دريفوس. تم نشر هذا المقال بجريدة لورور في 13 يناير عام 1898 على شكل رسالة مفتوحة لفيليكس فور رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك.
ألفريد دريفوس هو نقيب بأركان حرب بالجيش الفرنسي من أصل يهودي والذي تم اتهامه زورا في خريف عام 1894، بتسريب ملفات فرنسية سرية للمركز العسكري الألماني بباريس. كما تم تجريده علناً من رتبته العسكرية وبُعث إلى جزيرة الشيطان بغويانا الفرنسية، مما دفع عائلته لتنظيم حملة تدافع عنه. وبدأت المعلومات تتجمع خطوة خطوة حول المخالفات الجسيمة بالقضية عام 1894 كما تم اكتشاف الخائن الحقيقي في نوفمبر عام 1897، وهو المقدم والسن استرهازي.
وخوفاً من حدوث نزاع شعبي وإعادة فتح القضية والتحقيق بها، حاول الضباط الذين أصدروا الحكم على دريفوس، إخفاء تلك المخالفات. على أن العقيد جورج بيكار، رئيس خدمة الإعلام الحربي، اكتشف الخائن الحقيقي منذ عام 1896. ولكن تم إقصائه عن الجيش من قبل أركان الحرب لتتمكن من حماية المتهم الحقيقي وهدفاً في إدخال دريفوس السجن بأي ثمن.
وفي نهاية عام 1897، توسعت دائرة المؤيدون لدريفوس. علاوة علي ذلك قرر أوغست شرور-كستينيه، نائب رئيس مجلس الشيوخ، الدفاع عن دريفوس. وبالتدريج وصلت هذه الإشاعات البعيدة تماماً عن القضية إلى إميل زولا الذي نشر عدة مقالات وكانت بلا جدوى. لكن الإشاعة سُرعان ما انتشرت وقررت قيادة الجيش ضبط وإحضار المقدم استرهازي بالمجلس الحربي وهناك تم تبرأته بإجماع الآراء في يناير عام 1898. مما جعل إميل مُصراً بقوة على كشف الحقيقة وذلك من خلال مقال نقدي منازع لهذا القرار الصادر من العدالة اسم القوى العامة فقرر أن يعترض ويخاطر بنفسه علناً حتى يتمكن من مخاطبة الحاضرين وذلك بهدف فتح قضية جديدة أكثر استقلالاً، باتهامات شعبية واسمية لعشر ممثلين لقضية دريفوس، من بينهم وزير الدفاع ورئيس أركان الحرب، وذلك عن طريق التجمهر. وأدرك زولا أنه وضع نفسه تحت طائلة القانون الصادر بشأن حرية الصحافة والإعلام في 29 يوليو عام 1881 كما أشار لذلك في آخر مقالته. وأدى فضح موظف بالدولة إلى رفع العديد من المؤتمرات. ومن هنا، تمكن زولا من إعادة فتح ملف قضية دريفوس من جديد ولكن هذه المرة تم الحكم فيها من قبل لجنة شعبية مستقلة عن السلطة الحريبة.
ويرجع الفضل لهذا المقال في إعادة فتح قضية دريفوس في الوقت الذي كان فيه المتهم الحقيقي استرهازي قد تبرأ من كل التهم المنسوبة إليه، مما حطم آمال حلفاء دريفوس. تمت محاكمة زولا في فبراير عام 1898 بتهمة التشنيع العام. بالرغم من العراقيل التي وضعها رئيس المحكمة حتى يمنع إعادة فتح القضية على اعتبار أنه تم الفصل فيها من قبل، إلا أن أكثر من مائة شاهد تقدموا للإدلاء بأقوالهم طوعاً وبصراحة، في حين أنه تم الحكم على زولا أقصى عقوبة ألا وهي النفي خارج البلاد إلى مدينة لندن. ولكن القضية التي استمرت أكثر من أسبوعين تمكنت من كشف عيوب وثغرات الشكوى الموجهة ضد ألفريد دريفوس وبعد عدة أشهر أدت هذه الثغرات إلى استطالة إعادة النظر في القضية.
يعتبر إذاً مقال إميل زولا أنا أتهم…! رمز للفصاحة الخطابية ولمدى استطاعة الإعلام والصحافة في الدفاع عن الإنسان والحقيقة. وذلك إسناداً لما حققه من نتائج لصالح قضية دريفوس.
بدأت قضية دريفوس في خريف عام1894 على أساس خطاب يسمى بوردورو أي لائحة أو قائمة. هذا الخطاب يثبت أن هناك عمليات تسريب لمعلومات خاصة بفرنسا إلى السفارة الألمانية بباريس.وقد اتهم النقيب ألفريد دريفوس٬من أصل يهودي٬ بتهمة التجسس لصالح ألمانيا وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة وذلك لأن خطه كان مطابقاً للخط الذي كتب به اللائحة «بوردورو» وعلى الرغم من الإنكارات التي تنفي هذه التهمة إذ أنكر دريفوس التهم المنسوبة إليه وملف القضية فارغ من الإثباتات وغياب سبب الإدعاء الرسمي إلا أن المجلس الحربي أصدر هذا الحكم وأدان دريفوس بإجماع من الحاضرين. وأدى هذا الإجماع إلى التحام شبه كلي للرأي العام الفرنسي: دريفوس خائن ويستحق ما صدر ضده من أحكام-كما يعتقدون- وقد تم تجريده من رتبته في ساحة الشرف بالمدرسة الحربية بباريس في 5 يناير عام 1895 ثم بُعث إلى جزيرة الشيطان بجويان الفرنسية ويمر عامان.
أعلنت عائلة النقيب رفضها للظروف التي علي أساسها تم إصدار الحكم المؤبد. وقرر ماثيو دريفوس وزوجته لوسي دريفوس أن يكرثا وقتهما وكل ما يملكا من موارد للدفاع عن هذه القضية. وبدأت تظهر معلومات جديدة وتفاصيل حول القضية شجعت أسرة دريفوس على طلب مراجعة القضية من جديد. وفي الوقت نفسه٬ رأى بيكار-الرئيس الجديدللمخابرات الفرنسية- في صيف 1896 أن المؤلف الحقيقي للمذكرة هو فرديناند ولسن إسترهازي-قائد المشاة- المغرق بديونه وأنه ليس دريفوس. ووفقاً لهذه النتائج٬ فقد سبق العقيد بيكار وتعدى على دور زملائه المسؤولون عن القضية إذ كشف الخائن الحقيقي. لكن هؤلاء رفضوا الاعتراف بالخطأ وأكدوا على أن الحالتين منفصلتان. وأمام إصرار العيقد على كلامه٬ صدر قرار بعزله من الجيش وإرساله إلى شمال أفريقيا. يعد هذا القرار نتيجة للمكائد التي دبرها تابعه السابق، الرائد هنري. وقبل أن يغادر بيكار البلاد باح بسره لصديقه المحامي لويس لوبلوا الذي ثار من الظلم الواقع على دريفوس٬ وقرر بدوره أن يبوح بهذا السر إلى نائب رئيس مجلس الشيوخ أوغست شرور كاستنيه لكن إتقفا على الاحتفاظ بهذا السر لعدم وجود الأدلة الكافية لإثباته
وتأتي نقطة التحول عند نشر صحيفة لوماتان صورة من تلك المذكرة في نوفمبر1896٬ كما تم لصق كتابة الجاني في جميع أنحاء باريس فعرف الجميع أنها حتماً كتابة إسترهازي. فتقدم ماثيو دريفوسو لويس دريفوس بشكوى ضد إسترهازي٬ فتدخل أوغست شرور كاستنيه رسمياً مما جعله هدفاً للوطنيين العنصريين والمعادين للسامية. وأسرعت القيادات العليا لمساعدة إسترهازي لكن أمام المخاطر التي تشكلها أسئلة الرأي العام وإمكانية إنشاء لجنة تحقيق برلمانية وفقاً لذلك٬ فإنه لا يوجد لديهم خيار آخر سوى أن يصدر قرار بضبط وإحضار إسترهازي أمام المجلس الحربي. وترجع أهمية هذا القرار بالنسبة للجيش هو إغلاق أي طريق قانوني لإعادة النظر في قضية دريفوس وذلك عن طريق منح إسترهازي حكم براءة لا يجوز الطعن فيه. ففتحت الجلسة في 10 يناير عام 1898 وبمهارة التلاعب, برأ المحقق دوبويو والقضاة العسكريون الخائن الحقيقي بتحريف العدالة وبعد ثلاث دقائق مداولة بينهم للنطق بالحكم. ورد زولا الذي كان قد كتب بالفعل ثلاث مقالات في صحيفة لو فيغارو وقرر أن يوجه ضربة قوية من خلال رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية.
زولا يصبح ممثلاً لقضية دريفوس
المقالة الرئيسة: إميل زولا
أول ال32 صفحة من نسخة “أنا أتهم” الأصلية, يناير عام 1898
وناضل زولا عن طريق البحث في تقاليد الالتزام السياسي الفكري حيث وجد أن سبق التحدث عن حوادث مماثل خاصة من قبل فولتير وقضية كالاس في القرن الثامن عشر. ثم تناول فيكتور هوغو قضيته التي واجه فيها الإمبراطور لويس بونابرت والتي ستظل محفورة في أذهان الجميع. عرف هؤلاء الكتاب كيف يكرسوا وقتهم ومهاراتهم الخطابية لمحاربة التعصب والظلم.
واستفادوا من شهرتهم في خدمة ونصرة قضايا الظلم دون النظر إلى العواقب. الجبهة الموئيدة دريفوس تحاول إنشاء اتحاد من هذا النوع وتتمنى أن يكون الرمز الأدبي لصالح القضية المطروحة. وقد أشار الإعلام في خريف وشتاء 1897-1898 عدة مرات إلى قضية كالاس أو ما يسمى بالقناع الحديدي رغبةً في الحصول على أحد يتبنى الدفاع عن القضية كما فعل فولتير من قبل في قضية كالاس. لكن اختفت كل الكوادر الأدبية المهمة: أونوريه دي بلزاك وغي دو موباسان وجوستاف فلوبير حتى ألفونس دوديه الذي توفى في ذلك الوقت في ديسمبر عام 1897. ولم يبقى سوى إميل زولا الذي قرر بعد إلحاح أن يتدخل مباشرة في مناقشة القضية بعد تفكير طويل أثناء خريف 1897. فقبل هذا التاريخ لم تكن القضية تهمه ولا تعنيه في شيء إلا أنه كان يخشى ارتفاع نسبة المعادين للسامية حيث كانت تزعجه.
ثم تقرب من نائب رئيس مجلس الشيوخ أوغست شرور كاستنيه واقتنع بالظلم الذي تمارسه المحكمة. كما عثر على عضو بمجلس الشيوخ لديه معلومات غير مؤكدة بأدلة لكنها صحيحة وموثوق بها من قبل المحامي لويس لوبلوه وهو من أقرب الأقربون لبيكار- الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الفرنسية. وعرفت هذه المجموعة أن اسم الخائن الحقيقي هو إسترهازي منذ نهاية صيف 1897. وفي نهاية عام 1897 قرر زولا-نتيجة لغضبه الشديد لما تعرض له منظلم وإهانة من ردود أفعال الصحافة القومية. ونشر أول مقالاته في 25 نوفمبر عام 1897 بعنوان السيد شرور كاستنيه والذي أشار فيه زولا بدور هذا لارجل السياسي الشجاع الذي وقف ضد الظلم والإدانة التي تعرض لها دريفوس. كما لخص هذا المقال وأكد على أفكار المؤيدون للقضية لسنوات قادمة في هذه العبارة: «الحقيقة ستظهر لا محالة ولا شئ سيعرقل كشفها». وكان هذه الكلمات تفسر وتوضح ما كتبه إميل زولا في عمله الأدبي روجون-ماكار.
ولم تحقق هذه المقالة والمقالتان المتتاليتان بعدها، أحدهما بعنوان النقابة التي نشرت في 1 ديسمبر والأخرى بعنوان محضر رسمي نشرت في 5 ديسمبر٬ أي تأثير ملحوظ. حيث كان معتدلة ولم تؤثر أي منها لا في الجيش ولا في رجال السياسة. ومع ذلك٬ فقد أغضب هذا الاتحاد بعض قراء جريدة لوفيجارو. ومُرست الكثير من الضغوط على زولا وتم تهديده بمنعه من الكتابة بهذه الجريدة. فقرر فرناند دي رودايز٬ أحد أعضاء مجلس إدارة جريدة لو فيغارو.
وتحققت الأسطورة بكتابة زولا لمقالة أنا أتهم…! في يومين فقط ما بين 11 و13 يناير وكان ذلك بعد صدور الخكم ببرأءة إسترهازي واعترض الخبراء على هذه المقالة لما تحتويه من معلومات وأدلة مختلفة تأكد على أن نية زولا من كتابة هذه المقالة هي تصعيد القضية وإثبات أنها تمت مع سبق الإصرار والترصد٬ كان كل هذا قبل قضية إسترهازي في 1 ديسمبر عام 1897.
علاوة على ذلك٬ يبدو أن زولا لم يكن مقتنعاً من الأصل بإدانة إسترهازي وكان قد صرح لصديقه المقرب بول ألكسي قبل صدور الحكم بيومين أنه على يقين بأنه برئ. مع ذلك تم النظر في كلا الخياريين: إما أن يكون إسترهازي مدان بالفعل والمقال يعزز مواضع الشك في القضية ويطالب بإعادة النظر فيها من جديد وإما أن يكون برئ والمقال ليس إلا تشكيك في العدالة وفي ذلك الوقت سسكون لها آثار هائلة على زولا. وفي كلتا الحالتين فهدف هذه المقالة هو الرد علي الظلم بطريقة عنيفة لذلك قرر زولا الانقلاب.
وبعد إزالة صحيفة لو فيغارو وفشلها في اتصالاتها مع الصحف الأخرى٬ حلم زولا بأن ينشر مقاله القادم في كُتيب ليُعبر عن سخطه بما أنه ليس مدعوم من الصحافة. في هذا الوقت٬ لويس لوبلوه صديق العقيد بيكار نصحه بالتقرب من صحيفتا لورور وكليمنصو.
وظهر مقال أنا أتهم…! في طبعة 13 يناير عام 1898 في صحيفة لورور بعد يومين فقط من تبرئة إسترهازي من قبل المجلس الحربي. ذلك الحكم الذي خرب آمال مؤيدي إعادة النظر في قضية دريفوس وتم توزيع المقال من الساعة الثامنة صباحاَ حيث نفذ من 200 ألف نسخة إلى 300 ألف نسخة في ساعات معدودة بباريس. وقد كتب هذا المقال في الصفحة الأولى من الجريدة وأخذ جزء من الصفحة الثانية. صحيح أن هذا المقال كتبه زولا ولكن برؤية روائية حولت الجهات الفاعلة بالقضية إلى أبطال ثم أخرج ذلك في شكل حروف كونت هذا المقال.
-تشارلز بيجوي شاهد على الحدث: يتجول باعة الصحف والجرائد بباريس حاملين نسخ عديدة من جريدة لورور طوال النهار ويصرخون بأعلى صوت حتى يبيعونها ويوزعوها على الناس حيث كانت عودة باريس الضعيفة وعلو صوتها بمثابة صدمة كبيرة.
ومن قبيل الصدفة٬ أن في نفس وقت صدور النسخ الأولى من هذا المقال وبيعها في أرجاء باريس المختلفة٬ تم إلقاء القبض على بيكار في منزله واحتجز في جبل فاليريان. وكان هذا اليوم هو نفسه الذي تمت فيه انتخابات رئيس مجلس الشيوخ ونوابه حيث كانت هزيمة أوغست شرور-كاستنيه أول رجل سياسي مؤيد لقضية دريفوس والذي أنكره نظرائه بعد يومين من براءة إسترهازي تلك هي الظروف التي نشر أثنائها مقال أنا أتهم…!.!!!