في مثل هذا اليوم 9فبراير1963م..
إعدام رئيس وزراء العراق عبد الكريم قاسم بعد يوم من الإطاحة به وإجراء محاكمة سريعة له.
لم تكد تمضي 5 سنوات على انقلاب 14 يوليو/تموز 1958 الذي أدى لقتل العائلة الحاكمة وتحول نظام الحكم في العراق من الملكي إلى الجمهوري حتى جاء يوم 8 فبراير/شباط 1963 ليشكل علامة فارقة في تاريخ العراق السياسي الحديث بإعدام عبد الكريم قاسم أحد أبرز رموز الانقلاب على الملكية العراقية.
ولد عبد الكريم قاسم في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1914 في محلة المهدية بجانب الرصافة من بغداد من أبوين عراقيين في ظل عائلة كانت تعاني الفقر وشظف العيش، كان والده نجارا بسيطا ورغم ذلك استطاع قاسم إكمال تعليمه والتخرج من المدرسة الثانوية المركزية ببغداد عام 1931 في الفرع الأدبي ليعمل بعد ذلك معلما لمدة عام تقريبا.
وتشير الوثائق التاريخية إلى أنه في عام 1932 أعلنت وزارة الدفاع العراقية عن فتح باب التقديم للكلية العسكرية ليقبل قاسم فيها ويتخرج بتفوق عام 1934 برتبة ملازم ثان، وفي غضون سنوات تدرج في الرتب العسكرية حتى رقّي إلى عميد ركن وبات يشغل مواقع عسكرية مهمة.
يقول الضابط العراقي المتقاعد حسن العبيدي إن قاسم شغل منصب آمر اللواء 19، وشارك من خلاله في العديد من الحروب في فلسطين والفرات الأوسط ضد الحركات الشعبية المناهضة للحكومات الملكية قبل عام 1958.
ويضيف العبيدي للجزيرة نت -الذي اطلع من خلال والده الضابط على تلك الحقبة- أن قاسم كان قائدا عسكريا جيدا في عهد الملكية، وكانت تربطه مع رئيس الوزراء في العهد الملكي نوري السعيد علاقات جيدة، لكن تبين فيما بعد أنه كان يستغلها سرا في تشكيل نواة تشكيلات عسكرية مناهضة للملكية، ومنها انضمامه إلى حركة الضباط الأحرار.
سيطرته على مقاليد الحكم
في عام 1954 تشكلت نواة حركة الضباط الأحرار التي أطاحت فيما بعد بالحكم الملكي، ويقول الكاتب جمال مصطفى مردان في كتابه “عبد الكريم قاسم.. البداية والسقوط” إن حركة الضباط الأحرار أيدت فكرة دعوة قاسم للانضمام إليها بسبب سمعته العسكرية وقيادته للواء مشاة المنصورية، إذ رأت الحركة أنه مهم للإطاحة بالحكم الملكي، وبعد انضمامه إلى الحركة انتخب رئيسا لها عام 1957.
ويضيف مردان في كتابه أن ثورات عدة أفشلت قبل عام 1958، وبعضها من قاسم ذاته لعدم حصوله فيها على مواقع مهمة، مشيرا إلى أنه بعد انقلاب 14 يوليو/تموز تولى قاسم منصب رئاسة الوزراء.
من جهته، يقول أستاذ تاريخ العراق السياسي الحديث مؤيد الونداوي إن ثورة 1958 هيأ لها تنظيم الضباط الأحرار والجبهة الوطنية للأحزاب السياسية، إلا أن قاسم وعلى الرغم من اتفاقه مع الضباط الأحرار على خطة الثورة فإنه وبمعية عبد السلام عارف عملا على قلب النظام بالطريقة الدموية دون رضا الضباط الأحرار، واستحوذ كلاهما على المناصب الرئيسية في الجمهورية الوليدة.
ويتابع الونداوي أنه اتضح جليا فيما بعد عدم امتلاك قاسم مشروعا سياسيا واضحا، ولذلك سرعان ما تخبط في السياسة الداخلية والخارجية رغم بعض الإصلاحات كإلغاء قانون العشائر وإلغاء الإقطاع.
الدكتور/ مؤيد الونداوي – استاذ العلاقات الدولية واستاذ التاريخ السياسي للعراق المعاصر
الونداوي: قاسم لم يكن يمتلك مشروعا سياسيا واضحا ….
أسباب داخلية وخارجية
ولمزيد من التفاصيل عن الأحداث التي أدت للانقلاب على قاسم، يرى عميد كلية الآداب في جامعة الموصل محمد علي عفين أن شخصية عبد الكريم قاسم كانت بسيطة لانتمائه إلى مجتمع بسيط، فضلا عن أنه لم يكن مطلعا على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد.
ويشير عفين في حديثه للجزيرة نت إلى سبب آخر للانقلاب عليه يتمثل بتوسع المد القومي والتيار الناصري الذي كان قاسم مناهضا له، فضلا عن نأي قاسم بالعراق عن حلف بغداد مع الغرب، مما أدى للتسريع بالانقلاب عليه.
أما إبراهيم العلاف المتخصص في التاريخ الحديث والمعاصر فيشير من جانبه إلى أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية أدت لانقلاب 8 فبراير/شباط 1963، حيث إن قاسم وبعد سنوات على توليه المسؤولية بعد الإطاحة بالعائلة المالكة كان قد استنفد مبررات وجوده داخليا بسبب الصراعات الدامية بين الأحزاب السياسية، فضلا عن تأجيجه الصراعات بين القوميين والشيوعيين.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، يؤكد العلاف أنه منذ تولي قاسم السلطة بات نظام حكمه في عزلة عربية وإقليمية ودولية بسبب فقدان بوصلة السياسة الخارجية وعدم وضوحها، فزج بالبلاد في أتون صراع مع عدد من الدول العربية، خاصة مع مصر عبد الناصر، والكويت بسبب مطالبته بضمها، إضافة إلى تراجع العلاقات مع الغرب المتمثل ببريطانيا والولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بالاقتصاد فإن هناك ما كان يدعو للانقلاب -بحسب العلاف- فقد تعثر تطبيق قانون الإصلاح الزراعي وظل الإقطاعيون يمارسون نفوذهم، مما أدى إلى حدوث ارتباكات في قطاعي الزراعة والصناعة، بسبب سيطرة الحزب الشيوعي على مفاصل الدولة، وإشغال العمال والفلاحين بتنظيم المظاهرات الكبيرة، إضافة إلى تشجيع قاسم على هجرة الفلاحين من الريف إلى المدينة.
يشير العديد من المؤرخين إلى أن قاسم لم يكن يتمتع بحنكة سياسية، وهو ما يؤيده الونداوي، حيث يرى في حديثه للجزيرة نت أن قاسم لم يدرك كيفية اللعب في الحرب الباردة، حيث تحول العراق فجأة بعد 1958 من حليف للغرب في حلف بغداد إلى عدو وحليف للاتحاد السوفياتي، وبذلك أثار العديد من المشكلات، وذلك على الرغم من أنه لم يكن ضمن تشكيلات الحزب الشيوعي كما يشاع.
من جانبه، يرى العلاف أن معطيات كثيرة تؤيد نفور الغرب من قاسم وتشجيعه الانقلاب عليه، ولا سيما أن العراق في عهده عقد اتفاقيات سياسية واقتصادية مع الاتحاد السوفياتي وبدأ تسليح الجيش من المعسكر الشرقي.
وأضاف أن توقيع قاسم قانون “80” عام 1961 وحجبه الاستثمار عن الشركات النفطية الاحتكارية الغربية أغضبا الولايات المتحدة وبريطانيا، لافتا إلى أن بعض معاصريه نقلوا عنه بعد توقيعه هذا القانون أنه أحس بأن توقيعه يمثل وثيقة إعدامه، بحسب العلاف.
الانقلاب والإعدام
ونتيجة لكل ما حدث كان مخطط الانقلاب على قاسم واردا قبل سنوات من حدوثه، حيث يشير الونداوي إلى أن عام 1961 شهد 6 محاولات للإطاحة به، لكن تلك المحاولات لم يكتب لها النجاح، حتى المحاولة الأخيرة التي كانت في 8 فبراير/شباط 1963 عندما وضع حزب البعث العربي الاشتراكي خطة محكمة للانقضاض عليه.
ويتابع أن ما قام به الشيوعيون في الموصل وكركوك كان سببا للإطاحة به عسكريا، وأن الغرب تلقى خبر الانقلاب عليه بارتياح شديد.
وأضاف أنه لا توجد شخصية مركزية قادت الانقلاب، وأن العسكريين والمدنيين في قيادة حزب البعث تعاونوا معا في إسقاطه، ثم استطاعوا كسب عبد السلام عارف لخبرته وحنكته العسكرية وموقفه من قاسم الذي عزله وحاكمه، دون أن يكون عارف شريكا في الانقلاب بصورة مباشرة.
ورغم أن قاسم طالب قبل إعدامه بنفيه خارج البلاد فإن مجلس قيادة الثورة قرر في 9 شباط/فبراير إعدامه مع مرافقه ورئيس المحكمة العسكرية العقيد فاضل عباس المهداوي، حيث تم الإعدام في غرفة الموسيقى بمبنى الإذاعة والتلفزيون وسط بغداد.!!