قراءة نقدية:”القصيدة ومتعة الاسلوب”
القصيدة:”تقول:أيا…”
الشاعر:حمد حاجي
الناقدة:جليلة المازني
التفريغ النصّي:مناظرة في الحبّ
استهل الشاعرحمد حاجي قصيدته بفعل في صيغة المضارع المرفوع(تقول) الدالّ على الاستمرارية والدوام في القول.
ان الشاعر جعل الحبيبة تبادر بالقول وهذه المبادرة “المؤنثة” لها دلالتها فيجعل الحبيبة فاعلة ومسؤولة عمّا تقول فهي ليست المرأة(الحبيبة) التقليدية الباردة التي تنتظر لتتلقّى مشاعر الرجل (الحبيب) انها الباثة والرجل هو المتلقّي فالادوار تنقلب وعلاقة العشق تتغير فتصبح الحبيبة عاشقة والحبيب معشوقا.
هذه المبادرة تجعل الحبيبة تمنح نفسها حقّ البوْح بالحب انها الحبيبة المسؤولة
عن فعلها . ترى ماذا تقول هذه الحبيبة لحبيبها؟
لقد باحت الحبيبة لحبيبها بأنه جمع بين الحلاوة (عسل التوت)والنور(بؤبؤ العين) والرائحة الطيبة (رشّة العطر)وبالتالي هي تعشقه بحواسّها(الذوق/البصر/الشمّ) وما الحبّ الا احساس فهي تتذوّق حلاوته في عسل التوت وترى وتبصر لانه بؤبؤ العين وتستلذّ رائحته في رشة العطر.
بالتالي فهو من يُنير ظلمتها(رشقة الضوء بالغسق) والغسق هو شدة الظلام
ان الشاعر استخدم أسلوبا بلاغيا قائما على التشبيه البليغ والتشبيه البليغ هو ما حُذف منه أداة التشبيه ووجه الشبه وبذلك يتماهى المشبّه في المشبه به فيصبح الحبيب يتماهى مع عسل التوت حلاوة وقيمة و شفاء ومع بؤبؤ العين رؤية وبصرا ونورا ومع رشّة العطر طيبا وانعاشا ويتماهى أيضا مع رشقة الضوء هداية وانقاذا من الضلال.
ان كل هذه الصفات جعلت الحبيبة تخلد اسمه في كهف قلبها والكهف يُحيلنا على سورة الكهف والكهف مكان آمن آوى اليه فتية ورقدوا خوفا من ظلم الكافرين
والحبيبة ستخلد اسم حبيبها في مكان آمن هو كهف قلبها فلا يُمحى على مرّ السنين وقد جعل الشاعر القلب مضافا الى الكهف(المضاف) لان القلب هو نبع المشاعر والاحاسيس .
واكثر من ذلك فهي تنقشه في ضلوعها والضلوع تمثل القفص الصدري حيث يتربّع قلبها .وستنقشه على امتداد الزمن(في حمرة الأفق والشفق).
ان الشاعر حرّك الحبيب ليردّ على قول الحبيبة ويقلب الادوار فجعل الحبيب باثّا والحبيبة متلقية والحبيب عاشقا والحبيبة معشوقة .
كأن الشاعر هنا سيجعلنا أمام مناظرة في الحبّ بماتقتضيه المناظرة من نجاح او فشل …ترى ما هو ردّ الحبيب؟ هل بامكانه التفوّق عليها في التعبير عن حبّه؟؟
استخدم الشاعر نفس الاسلوب البلاغي القائم على التشبيه البليغ ولعل الشاعر فعل ذلك انصافا لهما من ناحية لغة التواصل لان اختلاف الاسلوب قد يبدأ بصنع الفارق في هذه المناظرة في الحبّ.
ان الحبيب جعل الحبيبة تتماهى مع رفيف العصافير في عشّ روحه استمرارية ودواما وطمأنينة وسكينة وبالتالي حياة وجعلها تتماهى مع دفء قلبه حرارة وحماسا ونبضا وحياة ومع اشراقة الفلق استعاذة بالله واحتماء به من شرّ مخلوقاته وما يصدر عنهم من حسد او أذى(سورة الفلق).
امّا عن اسمها فقد لفّ اسمه على اسمها ليحفظهما الله بالغيب ولا أحد يعلم الغيب الا الله وبالتالي لا أحد يمكنه الوصول الى اسميهما او يُلحق بهما الأذى فاسمهما في حماية الله.سيحفظهما الله باللوح والورق.
واللوح هو اللوح المحفوظ هو الكتاب الذي كتب الله فيه مقادير الخلق قبل ان يخلقهم فكل ما جرى ويجري فهو مكتوب عند الله فالله يعلم كل شيء قبل حدوثه (الآية22 من سورة البروج)/(سورة الحج الآية 70:”ألم تعلم ان الله يعلم ما في السماء والارض ان ذلك في كتاب”) والكتاب حسب المفسرين هو اللوح المحفوظ المذكور في سورة البروج.
اذا كان اللوح المحفوظ قد كُتب قبل بداية الخلق ومُسطرٌ فيه كل شيء فالشاعر يريد تغييرمحتوى اللوح المحفوظ لادراج اسميهما داخله .
هل يستجيب اليه القدر لتضمين اسميهما باللوح المحفوظ ليكون الواحد منهما قدر الآخر؟؟؟
انه نوع من التحدّي ولعل الشاعر تعمّد هذا التحدّي ليجعل الحبيب يتحدّى الحبيبة في مناظرة الحبّ لينتصر عليها.
بيد أني أترك الحكم للمتلقي ليكون شريكا في تقييم هكذا مناظرة في الحبّ.
اني أشدّ على طرافة ابداع شاعرنا المتفرّد الدكتور حمد حاجي الذي ملأ الصفحة وشغل الأصدقاء فأ دْمنوا على قراءة شعره ادمان أبي نواس على الخمرة متعة.
بتاريخ 10/02/2024






