بين المواطَنَة و الهوية ..
د.علي أحمد جديد
معروف أن المواطنة هي العلاقة القانونية المتبادلة فيما بين الأفراد المقيمين – قانونياً – على أرض واحدة ، وبين الدولة التي ينتمون إليها ليحصلوا بالتساوي وبالعدل على حقوقهم المدنية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية . وتُعرف المواطنة أيضاً ، بأنها العلاقة القائمة والدائمة بين الفرد وبين الدولة والتي يُحدّدها دستور الدولة الناظم بكل ما تتضمّنه من حقوق وواجبات الطرفين .
وبرغم تعدّد الثقافات واختلاف العقائد والقيم والمبادئ بين المجتمعات ، إلّا أنّ هناك مجموعة من المقوِّمات الأساسيّة والمشتركة لتعريف المواطنة بين بلدٍ وآخر تكون متمثلة في المساواة بين جميع أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات ، وفي إتاحة الفرص أمامهم على اختلاف عقائدهم الدينية ، ومعتقداتهم الفكريّة ، أوانتماءاتهم السياسيّة ، حيث يُمكن تحقيق ذلك بوجود ضماناتٍ قانونيةٍ وقضاءٍ عادلٍ ونزيه يُنصف كلّ من تتعرّض حقوقه للانتهاك ، أويتعرض إلى منعه من المشاركة في الحياة العامة بعيداً عن أي مُسَوِّغٍ قانوني . وكذلك المساواة في فتح المجال أمام المواطنين كافة للمشاركة في الأنشطة السياسيّة ، والاجتماعيّة ، والثقافيّة ، والاقتصاديّة ، بدءاً من حقّ الطفل في النمو الصحي السليم ، وفي التعليم ، مروراً بالحرية الفكريّة ، وبحقّ المساواة في الاستفادة من الخدمات العامّة ، والمشاركة بالأنشطة الثقافية المختلفة ، وانتهاءً بحقّ المعتقدات السّياسيّة والفكرية ، وتولّي المناصب ، والمشاركة في صنع القرار .
وتسمو علاقة المواطن بوطنه على أيِّ علاقةٍ غيرها ، وهي لا تنحصر في الجانب العاطفي والشُّعور فقط بالانتماء وإنّما بالإدراك من خلال الإيمان والتيقن الدائم بأهميّة التقيُّد التام بالالتزامات والواجبات تجاه الوطن الذي ينتمي إليه ، وكذلك الشعور الطاغي بالمسؤولية لتحقيق النفع العام ، لأنّ كلّ فرد معني بخدمة وطنه وتنميته والعمل على الرفع من شأنه .
ولذلك تتجلّى خصائص المواطنة في أنها ، المواطنة ، علاقة تبادليّة بين الفرد وبين وطنه ، وهي قابلة للتغيُّر الإيجابي وللتطور بين فترةٍ وأخرى ، لأنها علاقة طوعيّة واختيارية تقوم بين المواطن الفرد وبين وطنه وبقيّة أفراد المجتمع المشاركين في مواطنتهم على اختلاف فئاتهم وتفكيرهم ومعتقداتهم ، وهي العلاقة المؤسّسة على حبِّ الوطن وشعور الفرد بالانتماء إليه والتضحية من أجله .
وهذا الشعور بالإنتماء لايلغي الشعور بالفردية أبداً إذْ يتمتع كلّ فرد في المجتمع بحقوقه المدنية والسياسية ، بغض النظر عن تفكيره ومعتقداته . وإن اكتساب صفة المواطنة بالحصول على الجنسية كشرط قانوني أولي للتمتُّع بجميع الحقوق ، وقد تُجرِّد الدولة شخصاً من مواطنته لأسباب قانونية وجيهة تتعلّق بالخيانة و بالتآمر أو غياب الولاء أو في اكتشاف تزوير إجراءات الحصول على المواطنة أو غير ذلك ، كما أنه قد يتنازل الشخص من مواطنته طوعاً للحصول على المواطنة في دولة أخرى .
وتُساهم المواطنة بشكل كبيرٍ وملموسٍ في تطوّر المجتمعات وذلك من خلال تحقيق الانسجام بين أفراد المجتمع الواحد عن طريق التأكيد على استخدام الحوار في حلّ جميع أنواع الخلافات التي قد تنشأ بين الأفراد أو مختلف الفئات الأخرى الاجتماعية منها أو السياسية ، وحتى الدينية عملاً بمبدأ حفظ الحقوق والحريّات وتحفيز الأفراد على تقديس التزاماتهم وواجباتهم تجاه الوطن ، وبالتالي تحمّلهم المسؤولية في المشاركة بشؤون الحكم والإدارة .
وكذلك هو احترام وتقديس الاختلاف العقائديّ والفكريّ بين الأفراد المواطنين لأنها العلاقة القانونية المتبادلة فيما بين الأفراد وبين الدولة التي ينتمون إليها ليحصلوا بالتساوي وبالعدل على حقوقهم المدنية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والاقتصادية .
وتُعرَّف المواطنة أيضاً بأنّها العلاقة بين الفرد وبين الدولة والتي يُحدّدها قانون الدولة بكل ما تتضمّنه من حقوق وواجبات لكلا الطرفين .
وبرغم تعدّد الثقافات واختلاف العقائد والقيم والمبادئ بين المجتمعات ، إلّا أنّ هناك مجموعة من المقوِّمات الأساسيّة والمشتركة في التعريف على المواطنة بين بلدٍ وآخر والتي تكون تحت مظلةٍ جامعة في توفير المساواة بين جميع أفراد المجتمع الواحد في الحقوق وفي الواجبات ، وإتاحة الفرص أمامهم على اختلاف عقائدهم الدينية ، ومعتقداتهم الفكريّة ، أوانتماءاتهم السياسيّة ، حيث يُمكن تحقيق ذلك بوجود ضماناتٍ قانونيةٍ (الدستور) ، وقضاءٍ عادلٍ ونزيه يُنصف كلَّ مَن تتعرّض حقوقه للانتهاك .
بينما يعني تعريف (الهوية) بأنها مزيج الخصائص الاجتماعية والثقافية التي يتقاسمها الأفراد في الوطن الواحد ، ويُمكن على أساسها التمييز بين مجموعة وأخرى ، كما أنّها مجموعة الانتماءات التي ينتمي إليها الفرد وتُحدّد سلوكه ، وإدراكه لنفسه .
وتتأثّر الهوية بعدّة خصائص خارجة عن سيطرة الأفراد كالطول ، أوالعرق ، أوالطبقة الاجتماعية ، وكذلك الانتماء السياسي ، والمواقف الأخلاقية ، والعقائد الدينية .
ومعرفة الشخص لهويته لايمكن أن تكون واضحة ومنطقية إن لم يكن شعوره (بالمواطنة) كاملاً ، لأن الإيمان بالمواطنة الخالي من الشعور بالطبقية أو بالدونية تجاه الشركاء الآخرين في الوطن الواحد يزيد من احترام الفرد لانتمائه ومن فهمه لذاته . كما لا تُعدّ هوية الفرد ثابتةً لأنها يمكن أن تتغيّر وتتطوّر مع الزمن وحسب الظروف المحيطة .
وقد كانت الهوية في الأصل قضيةً فلسفيةً ومنطقيةً غرسها العالم السويدي (سيغموند فرويد) في علم النفس ، وطوّرها العالم (إريكسون) الذي بَيّن :
“إنّ الهوية ليست فرديةً فحسب ، بل هي قضية جماعية واجتماعية ، تجمع الاختلافات والشعور بالانتماء بين الأشخاص وبين المجموعات” .
وتتكون الهوية – وفقاً لعلماء النفس ايضاً – بأنّها العثور على الذات وفهمها من خلال مطابقة مواهب وقدرات الفرد مع الأدوار الاجتماعية المتاحة ، ولذلك فإن إحساس الفرد بانتمائه الوطني أي إحساسه بمواطنته ، وتعريفه لذاته هو خيارٌ غايةً في الصعوبة ، نظراً لاتّساع العالم الاجتماعي ، وذلك من خلال اكتشاف وتطوير مهارات الفرد الشخصية والفكرية ، ويُمكن ذلك من خلال نتائج عملية (التجربة والخطأ) ، لأن تطوير هذه المهارات واكتشافها يتطلب وقتاً ، وجهداً ، وصبراً في مواجهة العقبات وفي تجاوز الإحباط الذي يُمكن التعرّض له أثناء ذلك .
وكذلك معرفة الحاجة والهدف من الحياة شرط أن تكون هذه الأهداف متوافقةً مع المعطيات الاجتماعية ومع المواهب والمهارات الشخصية لكي يتجنّب الفرد الإحساس بالإحباط والشعور بالفشل في خلق الفرص المناسبة لتجربة المهارات والأهداف .
ويمكن تمييز اختلاف أنواع الهوية بين هوية فردية ، وهوية اجتماعية ، وهوية جماعية .
فالهوية الفردية هي الهوية التي تُوضّح ماهية الإنسان للدلالة على شخصه ، وتشمل الرقم الوطني ، وبصمات الأصابع ، وجواز السفر ، وشهادة الميلاد ، والتاريخ الشخصي ، والأصدقاء ، والعائلة ، والعلاقات .
أما الهوية الاجتماعية فهي تلتزم بمفهوم الأدوار الاجتماعية وطرق التصرّف المفروضة على فئة محددة كالأطفال – على سبيل المثال – .
بينما تكون الهوية الجماعية هي الهوية التي تتشاركها المجموعات الاجتماعية ككل والتي تُعرَف بالهوية الوطنية .
ويُجادل علماء الاجتماع بأنّ الهوية أعقد ممّا سبق ، ذلك لأنّها تتأثّر بعدّة عوامل ترتبط بالقضايا الاجتماعية المحيطة كالطبقة الاجتماعية ، والجنس ، والعِرق ، والعمر ، والجنسية ، وغير ذلك .
وللهوية (وصمة) ترتبط بأيّة صفةٍ للشخص سواء كانت جسديةٍ أو اجتماعية غير مرغوب فيها .
ويمكن للفرد تطوير هويته من خلال تغيير هويته الدينية ، أو السياسية ، أو المهنية ، أو العرقية . ويتضمّن تطوير الهوية جانبين رئيسيين ، هما :
1 – مفهوم الذات :
وهو الذي يُشير إلى قدرة الشخص على بناء معتقدات وآراء شخصية بثقة واستقرار وبقناعة كاملة ، لأنّ التطورات المعرفية في مرحلة المراهقة المُبكرة تُساهم في زيادة الوعي الذاتي ، والوعي حول الآخرين وأفكارهم وأحكامهم ، إضافة إلى القدرة على التفكير في الاحتمالات المجردة والمتعددة .
2 – احترام الذات :
وهو مايُشير إلى أفكار الفرد ومشاعره تجاه فهم ذاته وهويته الشخصية وإحساسه بالمواطنة وتعزيزها وحمايتها .
وتُشير الهوية الاجتماعية للفرد إلى المجموعة التي ينتمي إليها ، والتي تُعرّف عادةً بِناءً على الخصائص البدنية ، والاجتماعية ، والعقلية ، للأفراد كالعِرق ، والجنس ، والطبقة الاجتماعية ، والدين .
وتتمثّل نظرية الهوية الاجتماعية بدراسة التفاعل بين الهويات الشخصية والاجتماعية ، كما تهدف إلى تحديد الظروف التي يُفكّر بها الأفراد كأفراد أو كأعضاء في الجماعات والتنبؤ بها . وتُصاغ نظرية الهوية الاجتماعية من خلال عوامل مختلفة منها :
* – التصنيف الاجتماعي الذي يشير إلى تحديد الهوية الذاتية للفرد مع مجموعته الاجتماعية .
* – الإيجابية داخل المجموعة التي تُشير إلى العواطف الإيجابية واحترام الذات الناتجة عن الانتماء للمجموعة .
* – المقارنة بين المجموعات التي هي التصورات حول وضع المجموعات المختلفة .
* – العداء خارج المجموعة وهو ماينتج عن المقارنات والتصورات بين المجموعات حول شرعية أوعدم شرعية المجموعات في المجتمع .
وقد شغل موضوع الهوية معظم الأقليات في الوطن العربي كله .. بين متمسك بهوية الوطن أو هوية الدين ، وبين آخر يفضل الانسجام في المجتمع الذي يمنحه الحرية والأمان لاسيما بعد استفحال دوافع حالات الهجرة إلى الغرب .
ويظهر التعصب للهوية بين الأقليات الصغيرة ، وذلك بسبب تنامي الشعور بأن كيانها مهدد ، أو تخوفاً وهمياً (فوبيا) من اضمحلال الهوية وفقدان الثقافة المُمَيِّزة .
وكان هذا موضوع محاضرة استاذ علم الاجتماع (د.حميد الهاشمي) في مؤسسة الحوار الانساني في لندن . والذي قدّمه الكاتب المغربي (ابراهيم القادري) بدراساته عن مفهوم الهوية التي يقول فيها :
” مصطلح الهوية مأخوذ من الضمير ، ومعناه الإتحاد بالذات . ويشير مفهوم الهوية إلى الشيء من حيث تحققه في ذاته وتميزه عن غيره ، فهو وعاء الضمير الجمعي ، بما يشمله من قيم وعادات تشكل وعي الجماعة وإرادتها” .
والهوية الثقافية لأي شعب هي القدر الثابت والجوهري من السمات العامة التي تميز حضارته عن غيرها من الحضارات . ومن العسير تصوُّر أي شعب بدون هوية ، أوالاقتناع بما يزعمه (داريوس شايغان) :
بأن الهوية “صورة مغلوطة للذات” .
لأن الدراسات السيوسولوجية تؤكد على أن لكل جماعة خصائص ومميزات اجتماعية ونفسية ومعيشية وتاريخية متماثلة تعبّر عن كيانٍ ينصهر فيه قوم منسجمون بتأثير هذه الخصائص التي تجمعهم .
والعولمة اليوم تكاد تلغي الهويات كما في (ثورة المعلوماتية) التي جعلت من العالم قرية واحدة ، مثل مجتمع (الفيس بوك) ومجتمع (التيليغرام) الذي يجمع بين مختلف الأفراد على اختلاف هوياتهم الوطنية أو القومية !!.
وحسب الدكتور (الهاشمي) :
“إن الهوية تقوم على التصنيف والتفريق والمقارنة . وهناك أنواع عديدة للهوية ، فردية وجماعية مثل الهوية الوطنية أو الانتماء لمجتمع أو طائفة ، وهذه لا يمكن تغييرها ” .
وهناك هويات يسعى لها الفرد مثل الهوية المهنية ، والهوية الفكرية ، أو الهوية القومية .. وهذه الهوية أمكن التخلي عنها لفترة طويلة من الزمن عندما شكلت الهوية العمالية طبقة ساهمت بالتاثير على مجتمعات عديدة اتسمت في بعض الدول بتضامن منتسبيها كدول (الإتحاد السوفيتي ) السابق لكن مفهوم الهوية الوطنية كان من الصعوبة بمكان القضاء عليه قضاء مبرماً ، وعاد التمسك بالهوية الوطنية لدى كل دول الاتحاد السوفيتي السابق .
كما أنه هناك هوية عمرية أي كبار السن أوالشباب أو الأطفال . وهويات جنسية مثل الرجال والنساء .وحتى أنه يمكن أن نطبق مفهوم الهوية على مشجعي كرة القدم ليكونوا مجموعات ينطبق عليها شروط الهوية. وقد لا يتفق الكثيرون على ذلك باعتبار أن تلك التصنيفات يمكن أن تكون فئوية ولا علاقة لها بالهوية الجامعة .
ومؤخراً لاحظنا جميعاً أن ثورات (الربيع العربي) قد أدّت إلى صراع على الهوية وتشظيتها ، وانقلب
الهدف المنشود من تلك الثورات إلى صراع عصبيات لاعلاقة له بالهوية ، وبات يتسبب بتدهور المجتمعات وتخلفها ، وبتقسيم البلد الواحد ونسف مفهوم التشاركية والتعايش والمصير الواحد فيه . كما حصل في رواندا بين (التوتسي والهوتي) . والصراع الحالي في العراق وسوريا بين (عرب وأكراد) وهو ماسيؤدي إلى القضاء على الهوية الواحدة . بينما نرى أن العامل الاقتصادي دائماً مايكون السبب الأهم للثورات والصراعات في التمسك بالهوية أو بالتخلي عنها .
وتاريخياً نرى أن يهود العالم تخلوا عن الهوية الوطنية لصالح الهوية الدينية التي انقلبت إلى هوية قومية ، ومنهم من يقول أيضاً أن ذلك يهدف إلى تحقيق مطامع اقتصادية ، وهذا مادفع بأكراد العراق على سبيل المثال ومايدفع بأكراد سوريا للتخلي عن الهوية الوطنية بحجة الهوية الإثنية أو القومية ، مهما أدى ذلك إلى المضرة بمصلحة الوطن الجامع للكل .
والخطير الأخطر ، هو ما بات يعيشه المواطن اليوم ، ومايعمل جاهداً على التعايش معه رغم كل الضغوطات المتوالية – داخلياً و خارجياً – التي تهدف إلى إفقاده الشعور بالإنتماء من خلال خلق الهوة الساحقة بينه وبين لقمته من أجل إعادة ترسيخ مفهوم طبقي عفى عليه الزمن في التاريخ الغابر ، والذي بات يتمثل اليوم بوجود طبقتين اثنتين في المجتمع لاثالث لهما أي ( السادة و العبيد ) .