القراءة الفائزة في فقرة إضاءات نقدية بقلم أ.جليلة المازني/ تونس
قراءة نقدية :القصة ق.ج.ونظرية التلقّي.
النصّ : صلاة
الناقدة: جليلة المازني(تونس)
لقد اختار الكاتب عنوانا لنصه “صلاة” التي لها دلالتها الدينية والروحية والنفسية
لقد وردت “صلاة” مفردة نكرة والكاتب لم يضعها نكرة اعتباطا ولعلنا نقف على دلالتها مع التقدم في التحليل.
والصلاة من منظور ديني بمعنى الثناء على العبد ومنه قوله تعالى:”هوالذي يصلي عليكم”(الاحزاب43)
وقوله ايضا :”ان الله وملاكته يصلون على النبي”(الاحزاب56) فالصلاة من الله ثناؤه على العبد عند الملائكة حكاه البخاري عن أبي العالية وتفسير الآية بهذا المعنى هو ما ذهب اليه ابن كثير.(1)
أهمية الصلاة في حياة الانسان:
والصلاة تزيد من الطمأنينة والثقة بالله وحسن الظنّ به فهو قريب من ربّه في ركوعه وسجوده وبالتالي تقف الصلاة حائلا بين المرء وشهواته وارتكاب الذنوب والمعاصي
قال تعالى:”ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”.لقد ثبت علميا ان أداء الصلاة خمس مرات هو أفضل برنامج رياضي لصحة المفاصل والعظام والعضلات.
تعريف الصلاة لغة واصطلاحا:
والصلاة من أفضل وأحب الاعمال الى الله تعالى كما أنها هي أوّل ما يحاسب عليه الانسان يوم القيامة فهي سبب للفلاح والفوزلمن حافظ عليها وسبب للخسارة لمن ضيّعها.(2)
استهلّ الكاتب النص بتحديد الزمان وهو ليلة الجمعة.
ما دلالة اختيار ليلة الجمعة كاختيار لاطار زماني؟
ان الله فضّل يوم الجمعة على بقية الايام لما امتاز به من الاحداث المهمة.
وقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام(3)
“ان من أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خُلق آدم وفيه قُبض وفيه النفخة وفيه الصعقة
فأكثروا علي من الصلاة فيه”(رواه أحمد وابن داوود وابن ماجة والحاكم)
وقال رسول الله(عليه الصلاة والسلام) ايضا “خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة
فيه خُلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها”(رواه مسلم)
ترى من هذا الذي تمّت دعوته في هذه الليلة المباركة ليلة الجمعة وحضر وحده ومن التي دعته؟
يُوهمنا الكاتب بان امراة دعت رجلا الى بيتها ليلة الجمعة وقد جاء وحده فيتبادر الى ذهن القارئ ان العلاقة بينهما قد تكون مشبوهة لكن الكاتب كسر أفق انتظار القارئ باختياراطار زماني يتمثل في ليلة الجمعة التي هي ليلة مباركة لينفي ما قد يذهب اليه القارئ لاول وهلة
لكن الكاتب يواصل تلاعبه بتفكير القارئ عندما جعل هذه المراة المنتظرة تراقبه من ثقب الباب بتوجّس والمرأة التي تراقب من “ثقب الباب”يعني ان لها شكوكا في أخلاق القادم اليها
وقد دعم الكاتب ذلك بوصف حالتها وهي تراقب حين قال”بتوجّس”ومعنى المراقبة من ثقب الباب يتناصّ مع عنوان رواية ميّادة خليل”الحياة من ثقب الباب” .
يواصل الكاتب ايهامنا بهذه العلاقة المشبوهة مع القادم والمنتظرة له عندما قال:”أطفأ الانواروأشعل شمعة واحدة فقط”.أي أنوار أطفأها واي شمعة أشعلها؟
انها مقابلة معنوية بين النور والظلام فاي نور واي ظلام؟
هل يمكن ان تكون تلك الشمعة التي اشعلها ترمز الى الصلاة؟
هل يمكن ان ترمز تلك الانوار الى بقية الفرائض الدينية الأخرى؟
هل يمكن انه اختار الصلاة باعتبارها العمود الفقري للدين؟
هنا تتطوّر الشخصية بالنص حين يكشف الكاتب عن هوية الشخصية المنتظرة التي هي مذنبة والشخصية القادمة التي هي تطلب الغفران لهذه المذنبة
ترى الى من ترمز الشخصية القادمة والتي تطلب الغفران للشخصية المذنبة؟
– هل يمكن ان يكون هذا القادم هو طيف من خيال المذنبة ليخلّصها من قلقها من نفسها الضطربة؟
– هل يمكن ان يكون هذا القادم هو ضميرالمذنبة الذي صحا لينتشلها من ذنوبها؟
ان الكاتب اضفى على مشهد الصلاة الخشوع حيث ينعدم الكلام ويسُودُه طلب المغفرة
ان الكاتب استبدل الحوار بين القادم والمنتظرة له بالمشهد
فالقادم كان من الممكن ان يستهل الحديث مع المنتظرة له ويدعو لها بالمغفرة لكنه فضّل ان يكون دعاؤه مجسّدا في صلاة لما لدلالة الصلاة من قدسية.
وبالتالي فان القادم أدى صلاة مخصوصة بطلب الاستغفار للمذنبة لذلك نرى الكاتب وضعها بالعنوان كلمة نكرة(صلاة) واستمدّ معاني الصلاة من الصلاة نفسها
أهمية الصلاة في حياة الانسان:
والصلاة تزيد من الطمأنينة والثقة بالله وحسن الظنّ به فهو قريب من ربّه في ركوعه وسجوده وبالتالي تقف الصلاة حائلا بين المرء وشهواته وارتكاب الذنوب والمعاصي
قال تعالى:”ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر”.لقد ثبت علميا ان أداء الصلاة خمس مرات هو أفضل برنامج رياضي لصحة المفاصل والعظام والعضلات.(4)
ان الكاتب جعل هذه المذنبة تتفاعل وتستجيب لهذه الاجواء الروحانية التي”تلاشى فيها القلق والخوف من نفسها المضطربة”
====يتبع=====
فالكاتب لم يُخْف عنّا معاناة هذه المُذنبة التي تعاني اضطرابا نفسيا حين يقول”غمرتني اجواؤه الرروحانية وتلاشى القلق والخوف من نفسي المضطربة”
ترى لماذا نفسها مضطربة؟
لعلها تعيش صراعا بين شهوات النفس والتوق الى التخلص من شهوات النفس الامارة بالسوء.ان تفاعلها مع صلاة القادم جعلها تختفي في الدخان وتتماهى مع الشمعة الي أشعلها.
فاي دخان واي شمعة ؟
ان الدخان يحيلنا الى مرجعية دينية سورة الدخان الآيتان:10/11 قال تعالى :(فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين* يغشى الناس هذا عذاب أليم).
من علامات الساعة وأشراطها العظمى ظهور دخان قبل قيام الساعة يملأ الارض
كلها فتصبح كبيْت أوقد فيه فيأخذ بالمؤمنين كالزكمة ويدخل في منافذ الكفار والمنافقين حتى يخرج من كل مسمع منه(5) .
لعل هذا الدخان الذي اختفت فيه هو من نوع الاضطراب الذي سبق تماهي المذنبة في الشمعة التي رمزنا اليها بالصلاة انها تماهت مع نور الصلاة والذي سيطهّرها من ذنوبها .
انه العاصفة التي تسبق الهدوء.انها قفلة لم نكن لنتوقعها.
ان الكاتب في هذه ق.ق.ج. جعل السرد يتطوّرالى سرد آخر و القص الى قص جديد وبذلك تطوّرت مقوّمات السرد وأركانه :
– الشخصيات:لقد تطوّرت شخصية “القادم” من شخصية غير مكتملة الى شخصية مكتملة
روحانية وتطوّرت شخصية “المنتظرة “من شخصية تنتظر قادما اليها في علاقة مشبوهة
الي شخصية روحانية(اختفيت في الدخان فوق الشمعة التي أشعلها) .
الزمان: تطوّر الزمان من ليلة جمعة عادية فيها دعوة للحضور الى جمعة مباركة فيها صلاة وروحانيات(بدا يصلّي/اجواؤه الروحانية).
المكان: تطوّر المكان من مكان مادّي (من ثقب الباب) الى فضاء روحي(اختفيت في الدخان فوق الشمعة التي اشعلها).
– الاحداث:تحوّلت الاحداث من دعوة وانتظار وقدوم الى اطفاء الانوار واشعال شمعة واحدة وصلاة وطلب المغفرة وتلاشي قلق واختفاء في الدخان وتماهي مع الشمعة التي أشعلها
– الحوار: ان الكاتب استبدل الحوار الذي كنّا ننتظره من القادم والمنتظرة له بمشهد مقدّس تسوده صلاة ويغمره طلب الغفران وكأني بالكاتب يقول ايمانا منه بان” فضل الفعل على القول مكرُمة” .
– الوصف:لقد تطوّر الوصف من وصف مادّي(حضر وحده/ راقبته من ثقب الباب بتوجّس/أطفأ الانوار كلها وأشعل شمعة واحدة فقط /لم يقل كلمة) الى وصف روحاني
(بدأ يصلي/يطلب الغفران/ اجواؤه الروحانية/ تلاشى القلق والخوف من نفسي المضطربة/اختفيت في الدخان فوق الشمعة التي أشعلها ).
ان الكاتب اعتمد معجمية روحية في خدمة مضمون القصة(صلاة /ليلة الجمعة/ يصلي/الغفران/أجواء روحانية/الدخان..)
ان الكاتب اعتمد المفارقة التي لم تكن حكْرا على القفلة فقط بل جعلها تغطي كامل النص:
ليلة الجمعة العادية التي تمّت فيها الدعوة والجمعة المباركة التي طهّرت النفس المضطربة للمنتظرة له./اطفاء كل الانوار واشعال شمعة واحدة/ غياب الحوار واستبداله بالمشهدية/العلاقة المشبوهة والعلاقة الروحانية /الدخان والشمعة).
ان كل هذه المفارقات هي لمزيد ادهاش المتلقي انه الادهاش الذي يخدم تكثيف التأويل لدى المتلقي.
ان تكثيف عملية التأويل لدى المتلقي يحيلنا الى ان الكاتب له مرجعيّة “نظرية التلقيّ “في الكتابة ل:”ياوس وآيزر حيث يرى آيزر ان” العمل الادبي له قطبان: قطب فنّي وقطب جمالي وان قطبه الفني يكمن في النص المتحقق عبر النسيج اللغوي وما يضمّنه المؤلف من قيم تعبيرية ومضمونية بغية تبليغ القارئ بحمولات معرفية وايديولوجية وبالتالي فان هذا القطب مشتمل على دلالة ومعنى وبناء شكلي.أما قطبه الجمالي فهو التحقق الذي ينجزه القارئ عبر عملية القراءة المتأملة القادرة على تاويل النص واخراجه من حيّزه المجرد الى حيّزه الملموس للكشف عن أبعاده المتوارية”(3).
وهل اكثر من أننا وقفنا على ابعاد النص المتوارية؟
هذا النص الذي جعلنا نوظف قطبه الفنّي في خدمة قطبه الجمالي لنخرج النص من حيزه المجرّد الى حيّزه الملموس حيث وقفنا على قيمة الصلاة في تنقية النفوس المضطربة حين تحول السرد من لغة الجسد الى معنى الروح ومن العلاقة المشبوهة الى العلاقة الروحية.
بتاريخ 27/01/2024
المراجع:
https://www.islamweb.net>article(1)
https://mawdoo3.com>(2)
تعريف الصلاة لغة واصطلاحا
https://www.islameb.net>fatwa(3)
https://www.png.plo.ps>page-562(4)
https://www.aljazeera.net>blogs(5)
https://cois.uokerbala.edu.iq>blogs(6)
نظرية التلقي واطلاق سلطة القار-كلية العلوم الاسلامية
النص المعروض للنقد:
صلاة
عندما دعوته ليلة الجمعة حضر وحده. راقبته من ثقب الباب بتوجس. أطفأ الأنوار كلّها وأشعل شمعةً واحدة فقط، ولم يقل كلمة. ثم بدأ يصلي ويطلب المغفرة من أجلي. غمرتني أجواؤه الروحانية، وتلاشى القلق والخوف من نفسي المضطربة. عندما أنهى صلاته اختفيت في الدخان فوق الشمعة التي أشعلها
.