قراءة مرجعية على قراءة لندة حجازي
ان الثناء يصمت خجلا ازاء الرؤية النقدية التي قدّمتها الناقدة المتميّزة لندة حجازي فهي:
– زاوجت بين الشعري والسينمائي.
– زاوجت بين الشعر والسرد.
– عالقت بين الشاعروالمتلقي في انتاج المعنى.
– اعتمدت التناصّ مع التراث في القبلة.
– سلّطت الضوء على المسافة الدلالية بين عتاب الحبيب وامتصاص الحبيبة لغضبه.
ان كل هذه النقاط بما تضمّنته من منهجية في التحليل والتدليل والتاويل قد أكسب الرؤيا النقدية المطروحة نقاط قوّة مما جعلها رؤية طريفة ومتميّزة…
ان رؤية الناقدة هي في الحقيقة تتناصّ فيها مع العديد من النقاد:
1- الزواج بين الشعري والسنمائي حسب الناقد عبد الواحد كفيح(المغرب):
ان قراءة قصيدة الشاعر قراءة سينمائية لها مرجعية نقدية فهي تتناص مع ما قاله عبد الواحد كفيح من ان للسينما علاقة مؤبدة بالادب بكل تصنيفاته وللجاحظ مقولة يقول فيها:”الشعر فنّ تصويري” يقوم جانب كبير من جماله على الصورة الشعرية .
وفي تعالق بين الشعر والسينما عمل الشعراء على تنويع طرائق بناء نصوصهم مستفيدين مما أتاحته مستجدات العصرمن تكنولوجيا وفنون في تجديد الابنية الشعرية كنظام اللقطة وزاوية النظر والمونتاج والكولاج.
وبما ان الشعر والسينما كلاهما تعبير عن الواقع المتخيل والواقع المامول فهما يشتركان في فنّ التعبير.
اذا كان الشعر يتمظهر في كل مناحي الحياة اليومية لان نمط الحياة أصلا شعري كما يقال حتى ان الشاعر حمد حاجي الشغوف حدّ الادمان بتصوير اليومي نراه بكاميرا شاعريته ينتقي صورا ليلقتطها ليستلهم منها مادّة شعره فكانت لقطة القبلة محرّكة للمتلقي.
وبالتالي فان فضل الشعر على السينما مكرُمة حتى ان الناقد عبد الواحد كفيح
يرى ان بعض المخرجين المرموقين يستغلون مواهبهم الشعرية والادبية التي برعوا فيها على الورق قبل استغلالها على الشاشة كما هو الحال عند المخرج العالمي والكاتب الفذ “بازوليني” الذي مارس الكتابة الشعرية والادبية اضافة الى
اهتمامه وبراعته في كتابة الافلام.
وقد صار بالامكان الحديث عن الزواج بين الشعر والسينما والتوليف بين كل منهما كل وأدواته الفنية لانتاج افلام ضاجّة باللقطات الشعرية على شكل صور فنية اندمجت فيها عناصرالصورة الشعرية في انزياح وتشبيه واستعارة بفنية عالية الابداع.
2- تسريد الشعر:
ان الشاعر حمد حاجي قد كسرالاجناس الادبية بان ضمّن قصيدته مقومات السرد فأوهمنا في البداية بان المشهد السينمائي سيكون مشهد عتاب وخصام لكنه حوّل هذه اللقطة الشعريةالى مشهد حبّ وقبَلْ وبذلك كانت مقومات السرد(الشخصيات/الحدث/المكان..) غير مكتملة في البداية ليجعلها مكتملة في النهاية من ذلك ان الحبيب الذي جاء للعتاب نجده في النهاية ينسى العتاب الذي حلت محلّه القبل…
3- التعالق بين الشاعر والمتلقي في انتاج المعنى:
لقد جاءت نظرية التلقي(ياوس ومدرسة كسطانس الالمانية) بمفاهيم المتلقي الضمني وذخيرة النص وفراغات النص والتي تعتبر ان أي عمل ابداعي هو في المحصلة النهائية موجّهٌ وآيلٌ للتلقي من طرف مُتلقّ مُفترضٌ فيه انه مُدجّج بآليات التمحيص والتفكير والتأويل والرغبة في تدوير ورسكلة المعطى الآني لانتاج ابداع جديد كل وفق ثقافته وميوله ونزوعه ومرجعياته ويظهر ذلك جليا حينما ينغمس المتلقي تعاطفا مع حدث او شخصية فيتدخل ذهنيا تارة مشجعا وتارة فرحا يتأمل ويفكّر ويحلّل فيشارك في اعادة صياغة وتخصيب الصورة الشعرية اوالفيلم بما اعتمده الشاعر على التشبيه والمجاز والاستعارة والانزياح وتجويع اللفظ واغناء المعنى .ان المتلقي قد يفكر في مواطن أخرى للقبلة ولئن حدّد الشاعر موطن القبل في نحْر الحبيبة بما شكله عقدا فقد يستحضر المتلقي بيتا ليزيد بن معاوية لتصوّر مواطن أخرى للقبل حين يقول:
وقبلتها تسعا وتسعين قبلة /// مفرّقة بالكف والخدّ والفم
ووسّدتها زندي وقبلت ثغرها// وكانت حلالا لي لوْكنت مُحرمُ
وان حرّم الله الزنا في كتابه/// فما حرّم التقبيل بالخد والفم
ان الناقدة أشادت بذكاء الحبيبة في انتشال حبّها من الضياع بحكمة حين منحته فرصة تقبيلها تقبيلا شكل عقدا على نحرها لامتصاص غضبه واشباع اشتهائه لانه متيّم بحبها والمتلقي قد يستحضر بيتا آخر من نفس قصيدة يزيد بن معاوية:
وأحسدُ أقداح تقبّل ثغرها///اذا وضعْتها موْضع اللثم في الفم.
وأختم قولي بان ما طرحْته هو من باب دعم لقراءة الناقدة المتميّزة لندا حجازي
كماأشدّ على ابداع الشاعر حمد حاجي المتفرّد في انتقاء اللقطة الشعرية التي تثير المتلقّي (لقطة القبل).
بتاريخ17/02/2024