____قراءتي في قصيدة
[الجانحان وفي عينيهما زوابع]
للدكتور الشاعرHamed Hadji
________
وقفتُ؛… تُحدّق فيّ:
شبيهان بالعابريْن على جهتيْن من الجسر
قد أخلفا موعدا بالرصافة وافترقا
***************
شبيهان بالهاربيْن من الحربِ
مِـثْلَانِ في الوَهَنات وفي الزفرات
نسير كمن بالكاد تقْبِضُ أكفافُهُ الأفُقَا
***************
وكنتُ أخمّنُ تحمل طفلتها..
أو من الباب تدنو تطل .. وتعرف من طرقا..
ولكنْ، فما هي أوّلُ مهملةٍ للقائي وما أنا أولُ مَن بالهوى عَلِقا
**************
ينوح في يدها العود مرتبكا
مثل سَقطِ الفراشةِ، محترقا..
يدٌ على الخد والعود وحده يَرجف كالذي عَشِقا
***************
أقول : أحبك جدا..
كأني لهوتُ بأوتارِ عُودٍ، كأني الزوابعُ صيفا..
فتقفز من غصنها كالثمار قد اثّاقلت وَرَقَا
***************
وتأخذني من يديّ تراقصني ونحاول غمض الجفون
ويفضحنا النور في العتمات
فما أعذب العاشقيْن إذا كذبا أو إذا صدقا
**********
الجانحان وفي عينيهما زوابع
هذان الجانحان
الجانح هو من يجنح إلى ارتكاب المخالفات والخروج عن القانون
وعندنا هنا(جانحان) أي جنوح مزدوج
مع أنذار بزوابع
إذن الأمر مدعاة للاهتمام والمتابعه
لنقف على مخلفات وربما أضرار
هذا الجنون الواعي وثورة هذا العشق
وأغلب الظن أنه عشق(حرام)
وان كنت أمقت لفظة(حرام وحلال)
وأحبذ كثيرا( لفظة عيب)
لوحة أولى
لقاء قد يكون صدفة حبيبان يسيران
في خطين متوازيين وفي اتجاهين متعاكسين لمح كلاهما الآخر لكنه لقاء بلا موعد لا مكان يحويه
وكأنهما على الصراط
ولا مجال لتغيير الوجهة وكل مضى في
طريقة كما الغرباء
لدرجة ان الشاعر استحضر مشهد الفارين من هول الحرب ولا يعرفون لهم نقطة وصول فهم في هرج ومرج
ويأس مرير قاتل
كذا هذان الحبيبان وقد يكونان فاريّن من عين الرقابة ولسان الفضول..
اللوحة الثانية
تنبئنا أن اللوحة الأولى ما كانت حقيقة
بل هي شطحة من شطحات خيال الشاعر وهو واقف على باب الحبيبة يطرقه لعلها تتعطًف وتفتح
ويعود لملء فراغ اللوحة الثانية ويرشّ الألوان بتوقعات من نوع ستطل من ثقب الباب وهي تحمل طفلتها لتتعرف إلى الطارق وقد تفتح وقد لا تفتح
وقد تنزعج من هذه الزيارة الغير مرتقبة ولكن مرغوب فيها
وهنا تكون الحيرة والضياع
ولكن الحبيب عاج على دار الحبيبة
وهو متوقع ألّّا تفتح
ويهـوّن على نفسه وقع هذا النوع من الرفض الذي قد تكون أملته ظروف الحبيبة
(ولكنْ، فما هي أوّلُ مهملةٍ للقائي وما أنا أولُ مَن بالهوى عَلِقا)
اللوحة الثالثة
(شمائل منثورة مثل هطل الربيع
كأغصانِ تفّاحةٍ قدّها، شَبْهَ فَلقَةِ رمّانةٍ خدها
إنما العطرُ سهلٌ إذا جئتَ تُهرِقُه.. كيف تَجْمَعُهُ بَعدَما انْهَرَقَا)
تنسف اللوحتين الاولى والثانية نسفا
لا جسر مر به الحبيبان ولا باب طرقه الحبيب إنه مجرد تداعي مشاعر مع تداعي مخيلة مع نسيج لغة
وتطريز وجدان حيث يرسم ملامح وجه مشتهى و قامة ممشوقة آسرة هذا بحضور ثمار الجنة من تفاح ورمان
وهذا البيت [إنما العطرُ سهلٌ إذا جئتَ تُهرِقُه.. كيف تَجْمَعُهُ بَعدَما انْهَرَقَا]
شاهد على أن الشاعر راقته لعبة الزيارة المزعومة ،وبكل وعيه الأدبي
تمادى في رسم لوحاته وهو لن يتراجع
ولو تفطن المتلقي لهذه الأحبولة الجمالية التي ورطّه فيها
والبيت يخبرنا أن عليه أن ينهي ما بدأه
من صيدنا بشباك المعنى وفنية اللغة
ونواصل بفضول كبير وتطلع أكبر للمساته الأخيرة لتكتمل اللوحة الشعرية
اللوحة الرابعة تُسمع ولا تُقرأ ومن خلال دندنات العود نرى اكتمال المشهد (امرأة وعازفة)تعزف على العود والعود آلة نبيلة وريشتها تليق بوجاهة ماسكتها والعود صامت فما بالنا إذا عزفت الحبيبة وتأوّهت النغمات وفي الخشب سرت الحياة
وأنات العود مع نبضات العازفة خلق وبعث
ومع الموسيقى يكون البوح( أحبك جدا)
افتح قوسا(كم هذا التوظيف لهذا التركيب—أحبك جدا— أعطاه الشاعر أجنحة،ورفع الحب إلى عليّين وارتقى به إلى شطحة صوفية وكأن الشاعر يردد (لا يلتقى العشاق في مكان، فـهم في أحضان بعضهم طوال الوقت)
أوكأننا في حضرة جلال الدين الرومي الذي يقول (ما لمس الحُب شيئًا إلا وجعله مقدّسًا)
ومع العزف يحبّذ الرقص والرقص سمو وارتقاء بالروح إلى عالمها النقي وتخليصها من سجن الجسد المادي الذي تكبله الجاذبية،وما غمض الجفون إلا جواز عبور من المادي إلى الروحاني وهذا ما طالعنا في اللوحة الأخيرة
الجانحان وفي عينيهما زوابع
ولا أروع وأعنف من زوابع العشق
وفعلا هذا القصيدة هو عبارة عن زوبعة أحاسيس واعصارات ألوان
أخذتنا في رحلة إلى موطن الجمال فينا
هذه البقعة الخفية فينا وعند البعض قد تكون مظلمة ووحده الشعر ينيرها
ويجعلها في دائرة الضوء
وعندها فقط نحسّ بتوازن نفسي رهيب ، إنه الطواف بكعبة الجمال فينا
إنه الحج إلى موطن الصفاء…
وهكذا نقف على كل مبررات العنوان
الذي لا أظنه منتقى بل أراه ضربا من الوحي نزل بعد مولد القصيدة…
دامت ثورة قصيدك المجدد والمتجدد
دكتور حمد الشاعر
فائزه بنمسعود