قراءة نقدية:القصيدة ومحْرارُالقبلة.
القصيدة: “غمزت لها”(نموذجا)
الشاعر: حمد حاجي (تونس).
الناقدة: جليلة المازني (تونس)
المقدمة:
تنقّلت عدسة كاميرا شاعرية الشاعر حمد حاجي اليوم لتلتقط لنا مشهدا محدّدا بمكان وزمان معينين انهما البادية والعرس.ان الاطار الزماني حرّك في الشاعر عاطفته فاثار شهوة القبلة لدى كل من المشتهي(الرجل) والمشتهية (المرأة).
القراءة النقدية : القصيدة ومحْرارُالقبلة.
استهلّ الشاعر حمد حاجي قصيدته بحركة من العين وهي غمزة .
تعتبر غمزة العين في لغة الجسد وفي بعض الثقافات كدليل على الاهتمام الجنسي او المغازلة وهي عادة ما تلحق ببسمة وردّ من ذلك ببسمة من قبل المتلقي ان تمّ الموافقة عليها (غمزة العين- ويكيبيديا).
لقد استجابت المتلقية لهذه الغمزة حين قال الشاعر:
فاكتوت كالفراشة بالنار
وبالخجل .
استخدم الشاعر مقابلة معنوية توزّعت بين اكتواء فيزيائي(بالنار) واكتواء معنوي (بالخجل) وهذا ليبرز مدى استجابة المتلقية لغمزة عين الباث
هذه الغمزة التي أجّجت في المتلقية الشهوة والاشتهاء.
وهنا لا بدّ من التمييز بين الشهوة والحبّ.
هل يمكن تصنيف القصيدة ضمن صنف قصائد الحب اوقصائد الشهوة والاشتهاء ؟
ان الشاعر اختار اطارا مكانيا وزمانيا يترصّد فيه من تشتهيها نفسه وبغمزة استطاع أن يتصيّدها ليقضي منها وطرا وكان ما كان منها من استجابة الاشتهاء وخطفة اللقاء و سرعة التفاعل معه عند ضرب موعد معها عند ظهيرة نفس اليوم..
كل المؤشرات اللغوية والمعنوية تدل على ان ما شعر به الشاعر مع البدوية وما مارسه معها هو نوع من الشهوة والاشتهاء.
فالشهوة كما هو متعارف عليه هي رغبة النوع وليست رغبة الفرد…هي علاقة بين طبيعتين وليست علاقة بين شخصين …هي علاقة بين الذكورة والانوثة .
الشهوة هي انجذاب لشخص ما لاشباع رغبات جنسية.
اما الحب فهو انجذاب لشخص ما دون مقابل .
الحب يحتوي على شهوة ولكن الشهوة لا تحتوي على حبّ.
الحب يعني انك اخترت الشخص لذاته وليس لرغبة جنسية فيه.
لقد ضرب المعجب المشتهي موعدا مع المشتهية بعد الظهيرة من نفس اليوم فلبّت على عجل .
ولكي يقنعنا الشاعر بشرعية هذه الشهوة عمد الى التغزل بالشفاه والثغر لما لهما من جاذبية جنسية.
وتداخلت حاسة البصر لوصف سمرة الشفاه وهي صفة مستحبّة عند الرجل للون شفاه المراة وقد امتزج هذا الجمال البصري بجمال الذوق لحلاوة العسل(الثغر).
لقد انتشى هذا الرجل بما مارسه مع هذه المراة من شهوة القبل
ان هذا الانتشاء وهذه المتعة جعلت الشاعر يختم بقفلة لم نكن لنتوقّعها لمزيد ادهاشنا حول هذه القبلة التي لن يرتوي منها ولو قضّى عمره كاملا في تقبيلها فهو كما لحظة العمر في الازل .
انها مفارقة عجيبة تجعلنا نقف على مدى انتشائه بتقبيلها.
قال: ولو ان قضيت زماني أقبلها
كان وقتي كما لحظة العمر في الأزل
هل ان الشهوة تحوّلت الى حب أبدي؟ هل الشهوة ولدت الحبّ؟
هذا الانتشاء وهذه الشهوة في القبلة قد تجعل القارئ يتفاعل لينتشي وجدانيا بجمالية القبلة وقد يستحضر من مخزونه الادبي أجمل ما قيل في القبل.
– يقول امرؤ القيس:
أجمل ما قيل في الحب شعر
وثغر أغرّ شتيت النبات
لذيذ المقبل والمبتسم
وما ذقته غير ظن به
وبالظن يقضي عليك الحكم
– يقول رائع بثينة:
ألم تعلمي يا عذبة الماء أنني
أظلّ اذا لم أسْق ماءك صاديا.
– يقول بشار: يا أطيب الناس ريقا غير مختبر
الا الشهادة اطراف المساويك
حسبي برائحة الفردوس من فيك.
– يقول البحتري:
قبلتها من بعيد فانثنت غضبا**وربما تبين بها التيه والخجل
ومسحت قبلتي من خدها ومشت**كأنها ثمل اومسّها خبل
– يقول الوليد بن يزيد:
فما مسك يعلو بزنجبيل// ولا عسل بالبان اللقاح
بأشهى من مجابه ريق بنت //ولا ما فالزقاق من القراح
– يقول أمين نخلة:نفسي على شفتيك ربما جمعتها
هي نكهة العنب الشهي فأختها
الكرم أورق يوم جئت عريشه
أروى عن الشفه التي قبلتها
وترنح العنقود يقطر لذّة
لما انثنيت فقلت :أني ذقتها
– يقول نزار قباني الموسوم بالتغزل بالمرأة:
كم قبلة زرعتها /// منغومة مُموْسقة
على فم كأنما///خلاقة ما خلقه(*)
يقول الشابي:ويفتنني سحر تلك الشفاه//ترفرف من حولهن القبل.
بيد ان ما ورد من غزل عن لذّة الشفاه لدى هؤلاء الشعراء لم يذكر لذة الشفاه الممتدة في الزمن والتي اعتبرها الشاعر حمد حاجي لحظة العمر في الازل لقصرها لان زمن المتعة وان طال فهو قصير…انه نزلها لقصرها كقصر العمر في الأزل .
انها مبالغة في وصف هذا الانتشاء وهذه المتعة بالقبلة التي جعلته لايشعر بمرور الوقت في ممارستها .
ان الشاعر حمد حاجي و بهذا المحرار الزماني للقبلة قد خرج عن بقية الشعراء وتفرّد بمعيار لم يعتمده غيره في وصف الانتشاء بالقبلة.
الخاتمة:
انها ثورة أخرى من ثورات قريحة الشاعر حمد حاجي..بوركت ثورته.
بتاريخ02/03/2024






