عين على نص شاعرة الحب و الشمس سنيا فرجاني
#على_أجنحة_الطيور_المهاجرة
#القراءة
يقول الفيلسوف الوجودي الألماني “كارل ياسبرز”: “الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة، إن كل جواب يصبح سؤالاً جديداً”.
و أراني مع نص فلسفي للشاعرة التونسية الأنيقة سنيا فرجاني ، استفز قلمي المتواضع عساني أستطيع قراءته .
النص و كأنه بقية لحوار وجداني وُلد في لحظة شعور انتابت المبدعة لا نعرف سببها جاء على شكل أسئلة وجودية فلسفية فملأت القاريء استفهامات و سنحاول معا اكتشافها .
تقول سنيا :
السؤال الذي يُطعم جسدي الآن
ويسقيه
يشتدّ انتفاضا في جسدي.
الجسد
بهذا المعنى لم يعد مجرد غلاف للذات بل أصبح عين حضورنا في العالم واتصالنا به ،أن تكون جسدا معناه أن تكون مرتبطا بعالم، إنه ليس مادة بل فضاء espace أحس به من الداخل قبل أن أراه من الخارج .
و السؤال ؛ لم نعرف نوعه بعد بل هو متحرك داخل جسم الشاعرة ” يُطعم ” و الإطعام عادة لاستمرار الحياة … او لحاجة أكيدة بعد الإحساس بالجوع ، و السقايا بعد العطش .
هذا السؤال ” يشتد انتفاضا بجسد الشاعرة ”
يقول علماء اللغة : إن السياق القرآني أطلق الجسم على البدن، الذي تختلج فيه الروح وتنبعث فيه الحياة، وهنا حديث عن أجسام حية تدبّ فيها الروح. وأما الجسد، فجاء في السياق القرآني مقترنا بالجماد أو ببدن الإنسان بعد مفارقته للروح.
فالشاعرة لم تذكر جسما بل ذكرت جسدا ، و السؤال كأنه الحياة لهذا الجسد فقد ، اشتد به الإنتفاض .و دبت فيه الحركة رغم الصورة التي جاءت به و الحالة ” الانتفاض ” فهل بعث السؤال في هذا الجسد الحياة من جديد ؟
السؤال الذي ينزع معطفي عني ويلبسه
يزداد انقضاضا على يدي.
بُعثت الحياة ” في حركة الإنتفاضة الداخلية للجسد ” لتنتقل إلى خارجه ، إلى اليد ، إلى حاسة اللمس مباشرة ، فهل السؤال يريد التأكد من الحياة التي بعثها ؟ من جديد في هذا الجسد
في حركة نزع المعطف و هذا المجاز ، لنقل ان المعطف ذاك الثوب الذي يقينا من البرد ، و المعطف عادة ما يكون ثقيلا ، و خاصة تحمل ثقله الأكتاف ، قد نستنتج أن الشاعر عندما سكنها السؤال ” كجن في حركته الأولى ” ، ثم نزعه للمعطف ، هل أراد أن يخفف من حملها ؟ و الحمل هذا مَ نوعه ؟
قد خرج السؤال من الجسد و انقض على اليد ، فهل أراد ان يلمس النبض من المعصم !!؟ فعلان يشعر القاريء فيهما بعنف السؤال ، انتفض و انقض ، و لعبت الشاعرة بالحروف .
هل استفاق هذا الجسد و أصبح جسما ، داخله انتفض ، حركة من حركات الفزع و استفاقة بعد سبات ، ثم التأكد من الإحساس باختيار اليد دونها من الأعضاء للمس .
أين كانت الشاعرة بجسد دون روح ؟
تقول في هذا المقطع :
إني أخشى كثيرا على هذا الخريف، من وهج
يشتد هنا
ويلفح أرجاء الأرض البالية.
الشاعرة في حالة خوف على هذا الخريف ، أي خريف ؟
الخشية و الخوف على الشيء يكون من فرط الحب له ،
إذا كان الربيع يمثل الولادة الجديدة والطفولة، والصيف يرمز إلى الشباب، فإن الخريف يمثل البلوغ والنضج ، فعلا هو كوهج ” يشتد هنا ” و هنا لها وظيفتان ، الزمان : الخريف
المكان : أرجاء الأرض البالية
أحاول الربط بين الجسد الذي بُعثت فيه الحياة و الأرض البالية ، في العديد من الروايات الأرض هي رمز للبعث و التجديد ، و الأرض مكانا فاقدا للحدود ، و هي انعكاس لهوية الإنسان ، فلماذا أتت بها الشاعرة ” بالية ” ، هل هو من لفح الوهج ؟ وهج شمس أم وهج نار ؟
أضنها وهج نار ” ربما ؟!
أستبعد الشمس ، فلا يجعل من أرض بالية إلا الحرب و نارها ، و أقول ” ربما ”
السطر مدجج بالرمزية .
السؤال طويل كدالية
يكاد يُرى من بين المحاصيل
وعلى امتداد المياه في نيكاراغوا.
يُرى في أبعد الأقاليم،
أصبح لهذا السؤال كيان ، ” يكاد يُرى ، و ، يُرى ”
و الرؤيا و أقصد النظر تكون بالعين المجردة ، فقد أيقظ هذا السؤال حاسة النظر و كان :
كدالية : المعنى الأول الدالية و كرومها ، و الثاني الدلو لنغرف به الماء من البئر و أرجح الثاني لأربطه بالعطش الذي جاء به السؤال الأول
بين المحاصيل : هذه المحاصيل لها مواسم ، جمعتها الشاعرة في موسم واحد ألا وهو الخريف ، فهذا الزمن الذي يبدو ظاهرا في النص و تدور فيه الأحداث ، لعله خريف العمر .
امتداد المياه في نيكارغوا : ماذا اتى بمياه نيكاراغوا في هذا النص ؟ أنهارها ، مياهها الجوفية ، بحيراتها ، أمطارها الغزيرة …؟ و من يطلب الماء فهو شديد العطش .
فالدالية و المحاصيل تحتاج للمياه ، فلماذا اختارت الشاعرة مياه نيكاراغوا دون سواها ؟ لعذوبتها ام لتروي الأرض ، كل الأرض دون حدود . ام جفت أرضها و محاصيلها ؟
و الماء في آخر المطاف حياة .
و تختم هذا المقطع و تقول :
في أبعد الأقاليم
لنجمع معا كل ماذكرته سنيا ، سنجده في الأرض التي جاءت بصغة المؤنث ، فهل هي المرأة في كل الأقاليم ؟ و كيف تبادر لذهني هذا السؤال ؟ أصبنا بعدوى السؤال أخيرا !!!! لعلنا معا في تقدمنا في القراءة نجد الجواب .
هذا السؤال لم يترك شيئا إلا و حركه ، و كأنه الحياة حين تُبعث في ” الجماد ” .
على أجنحة الطيور المهاجرة، وفي قلوب عرائس البحر الهاربات من هلعي.
يأتي السؤال كرسائل إلى كل أصقاع العالم ، على أجنحة الطيور المهاجرة ، ليسمعه العالم ، و نسأل عن السؤال : هل هو نداء و رسائل مشفرة ؟ فهو في قلوب عرائس البحر ، تدخل الأسطورة مع السؤال ، و تحمل سؤال الشاعرة قلوب عرائس البحر ، سؤال عميق في رمزيته ، قلوب و أعماق بحر ، هل سيصل السؤال لأصحابه ؟ هل يبحث عن جواب ؟ ام بطنت الشاعرة الإجابة في تساؤلاتها ؟ فالمبدعة في حالة علع بعد الإنتفاض و القبض على يدها ، و حركة القبض هذه ما هي إلا رسالة كما ذكرت أعلاه للإستفاقة و كفاية من ” النوم ” . و ربما أغلال السؤال و قيوده !!
سؤال يعصف بي وبأدخنة تتصاعد من بواخر في المضيق
سؤال يشقّ الطريق إلى الطريق، مع رمال ناعمة.
قد يكون السؤال أهم من الإجابة في معظم الأحيان فقد
ثارت ثائرة السؤال : عصف بالشاعرة ، و انقلب عليها بعد أن بعث فيها الحياة ، هل هو عقاب لها ، كلما تقدم هذا السؤال إلا و تراه أصبح كعدو للشاعرة ، يبحث فيها عن الإجابات .
بأدخنة تتصاعد من بواخر في المضيق : نادرا ما تصل العواصف إلى المضيقات ، و السؤال لعنف عاصفته وصل إلى دخان بواخر تعبر المضيق .
نتوقف قليلا معا : هذه الأدخنة المتصاعدة ماهي إلا حالة تعيشها الشاعرة في بحث عن أجوبة للأسئلة التي ملأت رأسها و عصفت بها و سافرت معها إلى أبعد الحدود و لم تجد لها إجابة ، تعبير مجازي حين يحترق الفكر أسئلة .
كلّ هذي الحالات المستعجلة
تضرب إيضاحا بصفة غامضة
تضربني بالليلة الطويلة
الموالية
أصوات متتالية
ترتّب بعضها نقاطا في جملة
تتطاير على الجدران وفوق فمي
هل………….
هل………….
هل أقود السؤال إلى القصر
أم إلى البحر
أم أقاومه فوق شلالات أنجل
وأبكي؟
المقطع الذي لا يتجزأ ليصف حالة الشاعرة حد البكاء .لبس السؤال الأصوات و سكنت أخيرا الجدران الأربعة التي تحيط بالشاعرة ، طويلة / موالية / متتالية ، و كأنه سجن
و كانت ” هل …. هل …. ” سيدة السؤال
حرف استفهام لطلب التصديق الإيجابي ،
و عن مضمون الجملة المثبتة ، فلسفيا تدل على التخيير .
و هل هنا هي الأخيرة ، قالت سنيا : هل أقود السؤال إلى القصر : أي قصر ؟ فيه شيئا من السياسة و قصور الحكام ، و السؤال كان متعلقا بالأرض ، و للشاعرة رأي …
للبحر ، و البحر كاتم للأسرار و لا يمل صاحبه إن التجأ إليه أما تقاومه فوق شلالات ” انجل ” والمفارقة أن كلمة آنجل تعني ملاك، بينما الاسم الذي أطلقه السكان الأصليون على الشلالات كان فم الشيطان.
فالسؤال صعب إجابته فهو أعنف من صبيب شلالات أنجلا. بين ملاك و شيطان ، كقصر و بحر .
تبقى الأسئلة أدوات تفتح لنا خطوط التواصل؛ تعطينا
المعلومات؛ لتحسين التفاعلات، وتسهيل تحليل وتشخيص الموقف؛ و تسمح لنا باقتراح أفكارنا الخاصة؛ و المساعدة على فهم أولويات الآخرين…” منقول ”
النص كان فلسفي وجودي ، كانت فيه رمزية المكان مكثفة ، جمعته الشاعرة في ” الأرض البالية ” . و الشاعر او الأديب حين يكتب عن أرضه فهو يعبر عن تمسكه بهويته و تتبادر له العديد من الأسئلة التي يُسقطها على ذاته ، فيعيش هذا الصراع و هذا البحث المتعب لعل يجد أجوبة في وطن ” كل وطن ” تعاني فيه الأرض من سلب و طمس الهوية فيها ، الشاعرة شخصت المكان و بعثت فيه الحياة و حركت كل ساكن فيه بعد ان رجعت هي للحياة في السؤال الأول .
#السطر_الأخير : من الأسئلة الفلسفية ؛ هل انت نائم ؟ من الأسئلة التي لا تقبل أية إجابة
هذه قراءتي و لكم التعليق و النقد
النص بصوت الشاعرة سنيا فرجاني
و الفيديو من تصميم المبدع لطفي عمري
بقلمي المتواضع سعيدة بركاتي✍️/تونس