قراءة للمبدعة Saida Baraketi في قصيد “سننبت ” ..كلّ الامتنان والتّقدير
==========================================
شدانتباهي ايقاع النص
و كانه تهديد في وجه عدو ، و شعب كامل يواصل كفاحه بكل شرائحه بل هو اصرار و ليس تهديدا ، شجاعة دون خوف على أن يكون النضال مستمرا
حرف الميم الذي ” دمدم النص ” و اعطاه صبغة طبول الحرب حين تدق ، و من دلالاته الحدة و القطع
قيل في حرف الميم :
انتِ موطني وملجأي ومدينتي ، مفرحاتي ، ملاكي ومهجتي ، مزاجي ، ملاذي وميلادي ، موقدي ومرقدي ، مكاني ومَرْكَبي ، مطري ، ماستي ومُقْلة عيني .
تقول ندى النوار :
هُنَا فِي الْقِطَاعِ
طَبِيبٌ يَخِيطُ جِرَاحَ الزَّمَنْ
وَلَا يَدْرِي أَنَّ عَذَابَ الْفِرَاقِ
بِهِ قَدْ يُلِمْ . .
فَفِي غَرْفَةِ الْمَوْتَى
نَامَ أَبُوهُ ، أَخُوهُ ، وَابْنٌ وَأُمْ
لَقَدْ جَاؤُوا مِنْ سَاحَةِ الْاِقْتِتَالِ
بَقَايَا حَقِيقَةْ ، لِحَرْبٍ وَضِيعَهْ
وَأَشْلَاءَ تَسْأَلُ
تُرَى هَلْ نُلَمْ ؟ !
حددت المكان و للأسف نحن في قطاع غزة العزة ، بقنابلهم و قصفهم و نارهم أصبح كالقاع ركاما ، في هذا المقطع يمر امام أعيننا شريط أبطاله أحسنوا الدور دون سيناريو مكتوب ، صورة الطبيب و زوجته حين يبحثان عن ابنهما ، صورة ذالك الرجل الذي ينصح الآخر بالصبر و أن الشهيد سيشفع لسبعين من أهله يوم الحساب ، و هذا الذي صلى على أشلاء جثث أهله ، صورة نقلها الحرف بكل تفاصيلها ” لحرب وضيعة لم تحط رحالها بعد .
من القطاع جاء النداء :
فَهَذِي يَدٌ تُنَادِي لِجِذْعٍ
يُنَادِي لِسَاقٍ
تُنَادِي لِفَمْ
تَعَالَوْا نُلَمْلِمْ كُلاًّ تَلاَشَى
نُسَوِّي وَرِيداً بِهِ يَسْرِي دَمْ
وَجَلْداً جَدِيداً . . يَكْسُو عِظَاماً
تَطِيرُ سِهَاماً بِنَصْرِ
فَلَسْطِينِنَا وَالْعَلَمْ
عظيم هذا التحدي ” تحدي الموت و الفناء ” كلمات تبعث الحياة من جديد في أشلاء الجثث ، ليست جثة واحدة ، فكل ما تبقى من جثة ينادي انه مازال على قيد حياة ، النداء الأول كان باليد و اليد لإعادة البناء ، يد نادت لجذع ثم وقف الجذع على ساقيه و اكتمل البناء بالكلمة حين نادى الفم للم الشتات فدبت الحياة من جديد و لم يبق المكان دون اهله ، هنا تبدا الحياة من تحت الركام ببطل جديد إسمه فلسطين .
مقطع ذكرني بالشاعر مهذل الصقور عندما قال ” أتظن انك عندما أحرقتني
ورقصت كالشيطان فوق رفاتي
وتركتني للذاريات تذرني
كحلا لعين الشمس في الفلوات
أتظن أنك قد طمست هويتي
ومحوت تاريخي ومعتقداتي
عبثاً تحاول لا فناء لثائر
أنا كالقيامة ذات يوم آت…
و تكتمل الصورة حين تُبعث الحياة من جديد حين تكتمل الحواس بالشم ، شم المسك من دم الشهداء
تَنَهَّدَ أَنْفٌ يَشُمُّ دِمَاءً كَمِسْكٍ
لِطِفْلٍ مُسَجَّى بِثَغْرٍ يُعَانِقُ
رَحْبَ الْجِنَانِ وَفِي الْحَلْقِ عَزْفٌ
تَغَنَّى وَعَلَّى بِأَعْتَى نَغَمْ
“فِدَائِي ، فِدَائِي ، فِدَائِي
يَا أَرْضِي يَا أَرْضَ الْجُدُودْ . . ”
الطفولة أُبيدت في هذه الحرب ، مات الكثير و ما بقي فهو يعاني التشرد و الجوع و قساوة الطقس و العراء ، و لكن الإصرار على النضال أبهرنا ، أدهشنا ، و لم نتعلم الدرس بعد بأن هذا الشعب شعاره الصمود ” طفل …تغنى بأعتى نغم … فدائي … يا أرضي … يا أرض الجدود .، لن يستطيعوا البتة طمس الهوية ، و عندما يسقط الأبطال فسقوطهم يكون إلى الأعلى .
تُنَادِيهِ عَيْنٌ رَأَتْ
فِي بَقَايَا الرُّكَامِ بُرَيْعِمْ
يُرَجْرِجُ بِالنَّبْضِ بَطْناً
لِحُبْلَى بَكَتْ مِنْ أَلَمْ
لَقَدْ شَقَّ عُوْدٌ بِحَدٍّ مُسَنَّنْ
جَنِيناً تَخَبَّى عَنِ الْوَحْشِ
لَاذَ بِدِفْءِ الرَّحِمْ
وَطِفْلاً يُلَقِّنُ حِينَ احْتِضَارٍ
أَخَاهُ الشَّهَادَهْ . . أَبْكَى قُلُوباً
أبدعت نوارة في وصف المشهد ، تعمقت فيه و من لم يشاهده فليقرأه في هذا المقطع و كانه أمامك .
قلت أعلاه سنعيش فلما واقعيا اتقن حبكته القدر و وزع فيه الأدوار فاتقن الأبطال أداءه بعفوية ، لكن كانت رائحة الدم و الجثث في كل مكان ديكورا له …
اقرؤوا ما وصفه القلم ، ستتذكرون الإمراة الحبلى ، و اخ يلقن أخاه الشهادة …
” فعار على عالم يدعي الحضارة”
المجرزة تلو المجزرة …
وَغَذَّى شُعُوراً بِنَارِ النِّقَمْ
سَنُلْحِقُ مُغْتَالَ عُمْرِ الزُّهُورِ
بِلَعْنَاتِ غُصْنٍ تَعَرَّى
وَبَاتَ رَمَاداً تَأَذَّى
بِسَيْلِ الْحِمَمْ
وَنُشْفِي الْغَلِيلَ بِثَأْرٍ يَرُدُّ
اعْتِبَارَ الثَّكَالَى وَطُهْرَ الْعَذَارَى
وَنَحْفِرُ فِي الصَّلْدِ
نَقْشَ الْكَلَمْ
” عبثا تحاول لا فناء لثائر ”
هذا الوعيد من تحت الركام و من تحت الرماد و من تحت الأشلاء و الجثث ، من القاع سيكون الثأر و يفيض على الظالم المستبد ” حبيب الظلام عدو الحياة ” كما كان عدوان العدو عنيفا ، سيكون الانتقام أعنف و ” يحفر في الصلد نقش الكلم .
لَقَدْ شَوَّهَ الْقَصْفُ وَجْهَ الْمَلَاكِ
بِوَشْمِ الرَّصَاصِ نِقَاطاً تَعُدُّ
اغْتِصَاباً لِقَرْنٍ وَسِتِّ سِنِينَ
تَعُدُّ صُمُوداً وَرَفْضاً
لِوَعْدٍ ظَلَمْ
كما ذكرت أعلاه النص ايقاعه قوي جرسه بالأذن ، خاصة إذا سمعته صوتا ، و لكن لكل نص قلب ، و هذا المقطع للأسف علة ، سبب البلية التي يعيشها الشعب الفلسطيني ، أشارت فيه نوارة إلى وعد بلفور و المدة الطويلة التي يعاني فيها هذا الشعب من العدو الغاشم ” قرن و ست سنين ” .
و للأسف لم تجد القضية منفرجا إلا الحرب و راءها حرب .
و أمة العرب في سباتها العميق
نادت الشاعرة هذه الأمة التي تنعم في رغد العيش، و كأنها عُميت بصيرتها .
أَيَا عُرْبُ حُزْتُمْ بَرَاحَ الْقُصُورِ
سُلَافَ الْخُمُورِ
نَسَجْتُمْ عَبَاءَاتِكُمْ مِنْ حَرِيرْ
وَنَحْنُ نُدَسُّ بِضِيقِ الْقُبُورِ
وَبَيْنَ الْحَوَاشِي وَتَحْتَ السَّرِيرْ
نُلَفُّ ثَلَاثاً وَخَمْساً وَسِتّاً . .
بِذَاتِ الْكَفَنْ
هم في براح القصور / و نحن ندس بضيق القصور
هم في عباءات من حرير / و ضحايا فلسطين ستا بذات الكفن
فكيف سيحاسبون !؟
سَتُخْبِرُ أَشْلَاؤُنَا الشَّامِخَاتُ بِكِيسٍ
بِأَنَّا دُفِنَّا بِأَرْضٍ …لتختم الشاعرة ان الشهداء لن يموتوا أبدا ، هم أحياء عند ربهم و بيننا ، و كلما رحل شهيد إلا و أنبت مكانه عشرة ، فكان العنوان على مقاس النص : سننبت ، من فعل أنبت : انبت المكان ، أخرج النبات .
و أرض كانت قد رُويت و لا تزال بدم الشهداء لن تكون إلا خضراء يانعة ، و كيف لا تنبت من جديد ، فجذورها لم تمت ، بل هي كنار تحت الرماد ، فهي أرض الزيتون المعمر و البرتقال ، أرض أم الشهيد التي تشيع أبناءها بالزغاريد ، أرض لا تعرف اليأس أبدا
بِأَرْضٍ سَتَسْمُو
كَصَرْحٍ أَبِيٍّ ، كَطَوْدٍ أَشَمْ
سَنُشْرِقُ فَجْرَاً
وَنَنْبُتُ زَهْراً
لِبذْرٍ رَبَا مِنْ شُقُوقِ الْعَدَ
…………………….
و اختم هذا المرور المتواضع لنص شاهق لأديبة و شاعرة ذات قلم سامق ، و أقول انني لم أف النص حقه ، قد مرت المشاهد امام عيني بكل تفاصيلها ، بقنابلها و القصف، بسيارات الإسعاف ، بكل أبطالها و شهدائها ، و أطفالها ، بكل ركامها و ردمها ، بدخانها و ضبابها .ابدعت الشاعرة في الوصف و كفى .
و أختم :
أنا مثل عيسى عائد وبقوة
من كل عاصفة ألم شتاتي
سأعود أقدم عاشق متمرد
سأعود أعظم أعظم الثورات
سأعود بالتوراة والإنجيل
والقرآن والتسبيح والصلواتي
” مهذل الصقور”
بقلمي سعيدة بركاتي ✍️/تونس