في مثل هذا اليوم 8مارس1010
أبو القاسم الفردوسي يكمل قصيدته الملحمية الشاهنامه، والتي تعد الملحمة الوطنية لبلاد فارس.
أبو قاسم الفردوسي (بالفارسية: ابوالقاسم فردوسی طوسی) شاعر فارسي (935–1020 ميلادية). ولد في قرية فاز بالقرب من بلدة تباران في إقليم طوس بخراسان (في إيران حاليا). عاش في حكم السامانيين في حكم الغزنويين في زمن الخلافة العباسية. اشتهر بتأليف الرواية الملحمية «الشاهنامة».
سمع فردوسي أن الدقيقي الشاعر كان ينظم الشاهنامه وقتل، وكان الفردوسي يتطلع إلى نظمه ويطمح إلى بلوغ أمله من بناء مجرى الماء. فصح عزمه حينئذ على الاضطلاع بالعبء الباهظ. ولم يكن لديه كتاب الملوك كله فاستشار صديقا له اسمه محمد لشكري فرغبه وحرضه على ما تصدّى له، وأخبره أن لديه الكتاب كاملا. فذهب الشاعر يستمدّ الشيخ محمدا معشوقا أحد أولياء طوس فبشره بأنه سيبلغ ما يريد. ووثق الفردوسي ببشارة الشيخ.
وبدأ الفردوسي فنظم حرب فريدون والضحاك فأولع الناس بنظمه. وكان أبو منصور والي طوس من قبَل السلطان. فلما سمع شعر الفردوسي أمره بالمضى في علمه، والتزم له بحاجاته. ثم مات أبو منصور فوهن الفردوسي. ومرثية أبي منصور في مقدّمة الشاهنامه، بعد ذكر محمد لشكري.
وأرسل السلطان بعد أبي منصور أرسلان خان واليا على طوس. وكان السلطان قد سمع بالفردوسي فأمر أرسلان خان بإشخاصه إلى غزنة، فاعتذر الفردوسي، واستعفى فلم يجده ذلك. ثم تذكر قصة الشيخ معشوق فعزم على الإجابة. حتى إذا بلغ هراة أتاه من غزنين خبر ساءه فتوقف هنالك ذلك أن بديع الدين صاحب ديوان الرسائل قال للعنصرى أبو القاسم حسن والرودكي أن قدوم الفردوسي واضطلاعه بنظم الكتاب يغضّ من شعراء السلطان.
فأرسلا إلى الفردوسي أنه لا فائدة في قدومه، فإن السلطان لا يذكره قط. فتردّد الفردوسي ثم خاف أن تكون خدعة فتلبث أياما في دار أبي بكر الوراق. ثم كان بين العنصرى وبديع الدين مشاقة فقال العنصرى لصاحبه: أنت رددت الفردوسي عن غزنة. وخشى بديع الدين مؤاخذة السلطان فأرسل إلى الفردوسي أن الرسالة الأولى كانت من حسد العنصرى والرودكي. فإن كان يستطيع أن يجاريهما في مضمار البلاغة فليحضر. فكتب في الرسالة أبياتا يعتد فيها بنفسه ويذكر أن العنصرى والرودكي لا خطر لهما عنده. ثم سار من هراة إلى غزنة.
وأمر السلطان الميمندي الوزير أن يعطيه ألف مثقال ذهب كلما نظم ألف بيت. وكان الفردوسي لا يأخذ المال يبغى أن يدخره لبناء سدّ طوس، كما تقدّم.
أكمل الفردوسي الشاهنامة، وسلمها إلى أياز فعرضها على السلطان فاستحسنها وأمر أن يعطى حمل فيل ذهبا. فقال الميمندي للسلطان: إني أخشى أن يقتله الفرح إذا منح هذا المقدار. وقال آخر: حرام أن يعطى شاعر فردستون ألف مثقال ذهب. حسبه مثلها فضة. فأمر السلطان أن يعطى 60 ألف مثقال فضة. وأرسلها الميمندي مع أياز. وكان الفردوسي إذ ذاك في الحمام.
فلما رأى الفضة قال: ما بهذا أمر السلطان. فأخبره أياز بما كان بين السلطان والميمندي. فغضب الفردوسي وقسم المال أثلاثا بين أياز والحماميّ وفقاعيّ شرب من عنده شربة فُقّاع. ثم قال لأياز: أبلغ السلطان أني ما تحملت هذا العناء للدرهم والدينار ولكن للثناء الحسن والذكر الخالد.
غضب السلطان على الميمندي وقال: عرّضت عِرضي لألسنة الشعراء. قال الميمندي: إن منحة السلطان تشريف كثرت أم قلت. ولو أرسلت إليه قبضة من تراب لوجب أن يقبلها ويكتحل بها. فثارت ثورة السلطان وقال: لأرمينّ هذا القرمطي تحت أرجل الفيلة غدا. وأجعله عظة لسيء الأدب.
خاف الفردوسي وتحير فلما خرج السلطان في الصباح إلى المتوضأ ارتمى على قديمه وقال: إن الحاسدين قرفوني عند السلطان بما أنا منه براء. واعتذر عما فعل بعطية السلطان وقال: هبني واحدا من المجوس أو اليهود والنصارى الذين في مملكت.
رضي السلطان وعاد الفردوسي إلى مسكنه فأحرق بضعة آلاف بيت في مسوداته. ثم ذهب إلى المسجد الجامع وكتب على الجدار عند مجلس السلطان بيتين معناهما أن حضرة السلطان كالبحر الذي لا قرار له. فإن غصت فيه فلم أظفر باللآلئ فذاك ذنبي لا ذنب البحر.
وأعطى أيازا كتابا وأوصاه أن يسلمه للسلطان بعد 20 يوما ثم ودّع أيازا وخرج راجلا ليس معه من زاد السفر ومتاعه شيء. وخاف الناس أن يزوّدوه للسفر ولكن أيازا أرسل وراءه الزاد خفية. وبعد عشرين يوما قدم أياز الكتاب للسلطان فاذا فيه الهجاء المشهور (فغضب السلطان وأمر بتعقبه، وجعل 50 ألف درهم لمن يأتيه به. ولكنه فات جهد الطالبين).
شاع أمر الفردوسي، وألم الناس لما أصابه. وبلغ الخبر قهستان. وكان واليها ناصر لك معجبا بالفردوسي فأرسل جماعة من خواصه فجاؤوا به إلى قهستان فأكرمه. وكان الفردوسي يريد أن يهجو السلطان فاحتال ناصر حتى عدل به عن الهجاء وأعطاه مائة ألف درهم. وسكنت ثائرة الفردوسي فندم على الأبيات التي أنشأها.
ثم كتب ناصر إلى السلطان يعجب من حرمان شاعر كالفردوسي بعد تحمله هذا العناء. ويبين للسلطان فقر الشاعر واحتياجه.
بلغ كتاب ناصر يوم الجمعة. وكان السلطان لم يذهب إلى الجامع منذ خرج الفردوسي من غزنة إلا ذلك اليوم فقرأ على جدار المسجد البيتين الذين كتبهما الفردوسي ثم رجع إلى قصره فإذا كتاب ناصر. واغتنم الفرصة جماعة من مقرّبي السلطان، والمعجبين بالشاعر فندم السلطان وغضب على من أشار عليه بالذي فعل، وعنف الميمندي وقتله.
هرب الفردوسي إلى مازندران، وأصلح الشاهنامة وألحق بها مديح وإلى مازندران وكان إذ ذاك من أبناء شمس المعالي قابوس بن وشمكير بن منوشهر بن شمس المعالي وابنه صهر السلطان، وهو ابن بنت مرزبان بن رستم بن شروين مؤلف مرزبان نامه. وكان من الشيعة فسرّ الوالي به وبالغ في إكرامه، وأراد أن يمسكه عنده لولا خوف السلطان محمود. فوصله واعتذر إليه وأمره بالرحيل.
فتوجه تلقاء بغداد وبقى فيها أياما حتى لقيه بعض أصدقائه من التجار فوعده أن يبلغه حضرة الخليفة. ثم اتصل الفردوسي بالوزير ومدحه بقصيدة عربية بليغة فأعجب به الوزير وأنزله في داره ومنّاه مكانة عند الخليفة. ثم رفع أمره إلى الخليفة فأمر بإحضاره وإكرامه فنظم في مدحه ألف بيت. فلما أقام ببغداد وعلم أن الخليفة والناس لم يستحسنوا كتابه في ملوك المجوس نظم قصة يوسف وزليخا فأعجب بها الخليفة وأهل بغداد وزادوه إكراما.
فتحسر الفردوسي وغشى عليه فحمل إلى داره فإذا هو ميت. وبينا يسار بالشاعر إلى قبره جاءت صلة السلطان محمود.
عرضت العطية على ابنته فلم تقبلها، وقالت أخته: إن أخي كان يود أن يبني سدّ طوس بالحجر والحديد ليبقى ذكرا له فأنفِقوا المال في هذا. ففعلوا. ويسمى هذا السدّ سدّ عائشة فرّخ، وآثاره باقية. وذكر ناصر خسرو في كتابه سفرنامه أنه في سنة 438 مر بطوس فرأى رباطا كبيرا حديث البناء فسأل فقيل: إنه بني من صلة السلطان محمود للفردوسي. وقيل: إن السلطان لما علم أن الفردوسي مات، وأن وارثه لم يقبل المال أمر أن يبنى به عمارة. دفن الفردوسي في بستان له في طوس.
يعتبر الفردوسي أكبر شاعر ملحمي فارسي. ويعتبر كذلك من قادة الحركة الشعوبية القائلة بتفضيل الفرس وذم العرب. حيث قام وزير السلطان محمود الغزنوي (أبو العباس الفضل بن أحمد الاسفرايني) بتكليف الفردوسي بكتابة قصائد شعرية يمجد فيها تاريخ فارس وحضارتها. تعتبر الشاهنامه من مراجع اللغة الفارسية الحديثة، وأساس الفكر القومي الفارسي. يقول المستشرق الإنجليزي كوويل في الشاهنامه: «الفردوسي وجد بلده تقريباً بدون أدب، فسلّم إليه الشاهنامه التي لم يستطع الادباء من بعده سوي تقليدها، دون أن يتفوق أحد عليها». وهي في الأصل عدة كتب كتبها أدباء فرس مختلفون في عدة عصور، جمعوا جميع الأساطير الفارسية القديمة. وقام الفردوسي بجمع ما في تلك الكتب في قصيدة طويلة. وأكثر الباحثين الإيرانيين يرون ذلك الكتب أهم موسوعة عن الفرس قبل الإسلام. فيقول رستم عليوف: «الشاهنامه موسوعه تتحدث عن ثقافة الشعب الإيراني وعلمه وفنه وتاريخه القديم، ونحن بحاجه إلى سنوات مديدة من البحث والدراسة حتي يمكن فهم وادراك عمق الكتاب الكبير}}.
الشاهنامه ملحمة فارسية ضخمة تقع في نحو ستين ألف بيت، من تصنيف أبو قاسم الفردوسي، و«تُعتبر أعظم أثر أدبي فارسي في جميع العصور».
نظمها الفردوسي للسلطان محمود الغزنوي مصوراً فيها تاريخ الفرس منذ العهود الأسطورية حتى زمن الفتح الإسلامي وسقوط الدولة الساسانية منتصف القرن السابع للميلاد. نقلها إلى العربية، نثراً، الفتح بن عليّ البُنداري المتوفى 643 هـ.
تعريف
كان نوح بن منصور الساماني، وهو من أمراء بنو سامان التي كانت تحكم ما وراء النهر، أول من اقترح نظم الشاهنامه، وبدأ الشاعر أبو منصور الدقيقي بنظمها لكنه قتل فأتمها الفردوسي، بعد إشارة من السلطان محمود الغزنوي. وقيل أنه سلخ في نظمها خمساً وثلاثين سنة.
النظم في أقسامها الأولى محشوة بالخرافات، حافلة بالخوارق. أما في أقسامها الأخيرة التي يستعرض فيها الفردوسي تاريخ ملوك الفرس منذ عهد أردشير مؤسس الدولة الساسانية؛ فإن الأحداث والأخبار التاريخية تقترب من الحقيقة، وتعتمد التوثيق، وتتقيد بالتسلسل الزمني.
يقول المستشرق بروكلمن «والواقع أننا نقع في الشاهنامة على روح الأسلوب الملحمي الفارسي في قمة اكتماله، وأنها تتكشف برغم نمطيتها ورتابتها عن عبقرية شعرية رائعة».
الترجمة العربية
أمر الملك المعظم بن الملك العادل الأيوبي، أمر الفتح بن علي البنداري الأصفهاني بترجمة الشاهنامه إلى اللغة العربية، فنقلها نثرا بين جمادى الأولى سنة 620 هـ وأتم الترجمة في شوال 621 هـ، وهي الترجمة العربية الوحيدة للشاهنامه. حققه المصري عبد الوهاب عزام على خمس مخطوطات واحدة في برلين، وأخرى في كمبرج، ونسختين في طوب قبوسراي ، والخامسة في مكتبة كوبرلي، وأعتمد نسخة برلين الأصل، كونها أتم النسخ. وطبعت في مجلدين بالقاهرة سنة 1350 هـ.
ترجم البنداري الشاهنامه ترجمة شبه كاملة في أسلوب غير متكلف، وبيانه في جٌملته، ليس مسفا ولا عاليا. ويقول المحقق عبد الوهاب عزام أن البنداري يّسر الترجمة «وأوجزها فقرّب له حوادث الكتاب. وأحسب أن القارئ العربي، بهذه الترجمة، أقدر على الإحاطة بقصص الشاهنامه من القارئ الفارسي».
الطبعات
نشر المستشرق يوليوس فون مول نص «الشاهنامه» للفردوسي في ست مجلدات (باريس، 1838 – 1866 م) ثم نشر باربييه دي مينار مجلداً سابعاً في 1878 م. ثم ترجم مول «الشاهنامه» إلى الفرنسية، في ست مجلدات من الحجم الصغير وزود هذه الترجمة بمقدمات وتعليقات وفيرة. وقد وصف عزام هذه الطبعة بأنها «أعظم طبعة للشاهنامه عرفت في العالم كله».!!