قراءة نقدية: “القصيدة ومتعة الشوق والحنين الى الجنة المفقودة”
القصيدة:” ولا زلت عنكبوت قلبي نموذجا”
الشاعر حمد حاجي(تونس)
النالقدة: جليلة المازني (تونس)
المقدمة:
يعود بنا الشاعر حمد حاجي الى الماضي والزمن الجميل مع الحبيبة وقد هزّه الشوق والحنين اليها فجاد وأغدق بمعاني الحب .
ترى بما أباح لنا الشاعر عن هذه الجنة المفقودة؟
القراءة النقدية :”القصيدة ومتعة الشوق والحنين الى الجنة المفقودة”
اختار الشاعر حمد حاجي عنوانا لقصيدته”لا زلت عنكبوت قلبي”
ولا زال هي في محل ومعنى “مازال التي تعبّر عن الاستمرار.
وقد استخدم تشبيها بليغا بان شبّه الحبيبة بعنكبوت قلبه والعنكبوت موسومة بالنسيج الدائم والجميل والعنكبوت يبني الشبكة بهدف اصطياد فريسته فهل قلب الحبيب لا يزال فريسة شبكة الحبيبة والتي نسجت حبّها له؟
لقد رسم الشاعر في قصيدته خمسة مشاهد من الزمن الجميل وهو يتذكّرها وتجسّدُ أدوات النسيج (يركبن منسجها/شاح فوق الحجارة صوف/تبرم مغزلها / تحيك نمائم برنسها/صليل الخلالة منها يطول/ أرتمي عند منسجها ).
ان الشاعر استخدم معجمية من التراث الواقعي للمرأة الريفية العاملة بساعدها هذا العمل القائم على النسيج ليدعم حبّه العنكبوتي الجميل والمستمرّ استمرار نسيج العنكبوت وقد دعم ذلك بأسطورةآلهة أثينة المعروفة بحرفة النسيج وكذلك بلوحة ليوناردو دافنتشي عن النساجة التي تغزل الصوف.
ان الشاعريعرض علينا هذه المشاهد التي تثيره وتجعله يتذكر حبه القديم الجميل ويودّ لو يعود الزمان الجميل ليبوح للحبيبة بحبه لها.
فاستخدم اللازمة التي يرددها في كل مقطع وكأنه سيثير الحبيبة ليبوح لها بحبّه (أقول: احبك جدا…)
هذه اللازمة او الترديدة أضفت على القصيدة مسحة من الرومنسية
انها رومنسية تذكره بالحبيبة حين كان يغدق عليها مشاعر الحب .
وهنا يمكن للمتلقي ان يتساءل عن تمسك الحبيب بهذه الترديدة(أقول:أحبك جدا…)والشاعر قد أولى للمتلقي أهمية بترك فجوات او فراغات نصية للتأويل بعد كل ترديدة فيمكن ان يخامر المتلقي تساؤلا:
– هل يعيد تلك الترديدة في كل مقطع ليستمتع بذكراه مع الحبيبة؟
– هل يعيدها لانه يستمتع بسماعها وهو يفتقدها ويهتزّ شوقا اليها؟
– هل يعيدها مُتوهّما ان الزمن الجميل المفقود قد يعود ؟
وأكثر من ذلك فقد أضفى على حبه سمة الاستمرارية وحتى الخلود باستخدام لازمة موازية لللازمة الأولى بل أقوى منها استمرارية في الحب اللامتناهي واللامحدود وقد استعمل فيها كل حواسه التي تثير متعته في حبّها :أحبك ما مرّ يوم وذكرى…فماذا أنصّ وماذا أقول؟
…أحبك ما دار بين الكواكب نجم وما سار حينا دليل
…أحبك ما رنّ عود وما بالكمنجة غنّى خليل
…أحبك ما فاح علك الصنوبر…او عندل العندليب الأصيل.
…فحبك منه الجبال الرواسي تزول …ووحده حبك ليس يزول
لقد استعمل الشاعرمعجمية دالة على الحب سواء الفعل( أحبّك) او المصدر(حبك) اثنيْ عشرة مرة واستعمل مرادفات لمعنى الحب(أهوى/
أعشق/أودّ)….ان هذه المعجمية الغارقة في معاني الحب لها دلالتها النفسية على الحبيب الذي بات يحنّ الى ذاك الزمن الجميل ويتوق الى حب لا زال عنكبوت قلبه.
ان الحبيب هنا يتناص مع الشابي وهو يتذكر العهود الجميلة التي قضاها مع الحبيبة حين يقول:
كم من عهود عذبة في عدوة الوادي النضير
قضّيتها ومعي الحبيبة لا رقيب ولا نظير
ان شوق الحبيب وحنينه الى الزمن الجميل زمن حبه للحبيبة جعله يعمد الى ترك فراغات نصية(عشر فراغات نصية) ليتنفّس من خلالها وقد جفّ ريقه وهو يعيد كلمة أحبّك /حبّك التي غطت كامل القصيدة بما في صوت الحاء من ازدواج لمعنى المتعة ومعنى الألم فهو من ناحية يستمتع لانه يتذكر حبه الجميل
ومن ناحية أخرى يتألّم من شدّة الشوق والحنين .
لذلك أراد ان يورّط القارئ معه ويقحمه في التأويل حتى يستعيد أنفاسه.
ان الشاعر قد عاقر هذه المشاهد الجميلة التي جمعته بالحبيبة في الزمن الجميل وعانقه الشوق والحنين فما كان منه الا ان يزاوج بين الشعري والتشكيلي ليستعيد كل تلك المشاهد القديمة والتي تمثل له الجنة المفقودة
ويختم الشاعربمفارقة جميلة لتثلج وتشرح قلب الحبيب فيقول:
فحبك منه الجبال الرواسي تزول…ووحده حبّك ليس يزول.
وهنا يفارق الشاعر بين الحب والحبيب فقد يزول الحبيب ويبقى الحب
ومن ذلك مثلا قيس بن الملوح قد مات لكن حبّه العذري لليْلى ما زال خالداحتى ان حبهما اصبح مضرب الامثال حين نردّد قولنا في الذاكرة الشعبية : “لكل عاشق ليْلاه”.
ان الشاعر جعل الحبيب يضفي على حبّه سمة الخلود حتى يخفّف عنه شدّة الشوق وعبء الحنين.
الخاتمة:
ان الشاعر حمد حاجي قد جعل الحبيب الذي هزّه الشوق والحنين الى الزمن الجميل زمن حبّه لحبيبته معترفا انها لا تزال عنكبوت قلبه واستخدم اللازمة واللازمة الموازية لها لاضفاء رومنسية على الجنة المفقودة وورّط القارئ في ملء الفراغات النصية لتشريكه في التأويل وليترك لنفسه متنفسا من شدة الشوق.
ولعل الشاعر استطاع أن يطفئ نار شوق الحبيب بأن أضفى على حبه المفقود سمة الخلود.
بتاريخ 11/03/2024