عشرة الرحمات
بقلم : ماهر اللطيف
كانت تشاهد الأخبار عبر قناة “الجزيرة” وتتابع ما يحدث في غزة من إبادة جماعية وتهجير قسري وتجويع ومجازر تقشعر لرؤيتها الأبدان وتدمع لوقعها العيون، وكان زوجها بجانبها يفرك كفيه ويلعن اليهود عامة والصهاينة خاصة ويعربد وينتقد الدول العربية والإسلامية وجامعتيهما اللتين لم تقوما بشيء يستحق الذكر غير الشجب والتنديد والرفض وغيرها من الشعارات الرنانة التي اعتدنا عليها منذ عقود وعقود.
وكانت بنتهما البكر علياء تطهو ما طاب ولذ من المأكولات في المطبخ استعدادا للإفطار في شهر رمضان المبارك بمساعدة أختها الصغرى قدس التي كان دورها يتمثل في المساعدة وتقديم ما تحتاج إليه علياء من خضر وتوابل وأواني وغيرهما.
وكانتا في الأثناء ترقصان على أنغام الأغاني الشرقية تارة وتلتقطان الصور طورا قبل نشرها على صفحات التواصل الإجتماعي وهما بملابس الطبخ ولا تحملان أي نوع من أنواع التجميل ، فظهرتا بمظهر مختلف عما ظهرتا عليه قبل هذا الشهر الكريم.
في حين كان عبد الوهاب ( الإبن المتوسط) يبث على المباشر عبر منظومة التيك توك ويسمع صوته وهو يثرثر حينا ، يضحك حينا آخر ويصيح ويزمجر أخرى وهو يعيد نفس العبارات ” كبس” “وردة” وغيرها من العبارات التقنية لهذه اللعبة التي استعمرت مستعملي الشبكات الإجتماعية وبدأت تقضي حتى على الفايسبوك.
وفجأة ، سمع الجميع صراخ الأم حنان وهي تقول “حسبنا الله ونعم الوكيل فيكم وفي من بارك لكم في هذا الصنيع اللاإنساني”، فهرع الكل نحو أمهم ليروا مشهدا مروعا ومقززا تعرضه “الجزيرة” ويتمثل في تناثر الأشلاء البشرية والجثث في كافة أنحاء حي أجلته قوات الإتلال وتركته بعد أن عبثت به ونمن عليه من بشر وحيوانات وبناءات وممتلكات وغيرها.
فاصفر وجه الأب عبد القادر وهو يحوقل ويقرأ ما يتسر من القرآن وهو مسمر العينين ويشتعل غضبا وغيظا ، يتحرك يمنة ويسرة وإلى الخلف والأمام وكانه يريد أن يرد الفعل ويتصدى لهؤلاء القتلة المجرمين.
ومنها ، التفتت حنان إلى بعلها وقالت له أمام أبنائها الذين كانوا يتابعون المشهد باهتمام وتركيز كبيرين :
– لا عليك أيها العزيز ، تسلح بالصبر والتجلد فإن الغد قريب إن شاء الله والنصر للإسلام والمسلمين بإذنه تعالى
– ( مقاطعا بشدة) من سينصرنا بالله عليك؟ العرب؟ المسلمون؟ الجامعة العربي والإسلامية؟ من يتجرأ على إغضاب سيدهم أو “ربهم ” الذي يعبدونه ويخافون غضبه أكثر من خوفهم من الله؟
– (مهدئة من روعه) من يتوكل على الله لن يخيب يا بعلي ، فالله ولينا وناصرنا ضد كل من أراد بنا شرا وعمل على إبادتنا ومحونا من على الأرض…
وواصلا نقاشهما وهما يهاجمان الحكام العرب والمسلمين ويثنون على مجهودات بعض الدول كجنوب إفريقيا وبعض بلدان أمريكا الجنوبية الذين ناصروا الحق وحاولوا ايقاف هذه المجازر كيفما استطاعوا وبالطرق المتاحة أمامهم ولم يخشوا أحدا مهما كان وزنه أو قيمته في هذا المجتمه العالمي الرهيب والمخيف الذي تجرد من كل خلق وأخلاق وإنسانية….
وبقيا كذلك حتى استرجعت حنان ذاكرتها إلى تاريخ هذه الأمة وما مرت به من مشاكل وحروب وغيرها من المصاعب ، ففتشت عن أدوار كل من الجامعة العربية وجامعة الدول الإسلامية فلم تجد لديهما أي موقف مشرف أو يتجاوز “التنديد” و”الرفض” و” القلق” و “الإستياء” وغيرها من الشعارات الرنانة ، بل أنهما ساهمتا في تعقيد الأمور وتطويرها نحو الأسوأ بفض هذه السلبية واللامبالاة غير المفهومة….
وما هي إلا دقائق حتى بدأ العد التنازلي لهذا اليوم المبارك وانتشر صوت القرآن من كل صوامع مساجد وجوامع المدينة ايذنا بقرب موعد الإفطار ، فغير الزوج والزوجة القناة وشرعوا في الإنصات إلى صوت الحق قبل أن تلتحق حنان بابنتيها وتساعدهما على تجهيز مائدة الإفطار، فيما بقي الأب يردد ” ها قد انتهت عشرة الرحمات بسلام ، فاللهم أخرجنا منها مرحومين، مغفوري الذنوب والخطايا ، مستجابي الدعاء….”