”أطلس خلايا المخ“ البشري يقدم رؤية جديدة خاصة بصحة المخ واعتلاله
“MSD 18 – 10 – 2023”
بعد جهود مضنية دامت خمس سنوات، أزاح الباحثون الستار عن ”أطلس“ يسمح لنا برؤية المخ البشري بما يتسم به من تعقيد من منظور غير مسبوق.
يمكن اعتبار الأطلس، الذي سيكون متاحًا للباحثين في كل مكان، ككل الأطالس التي نعرفها جميعًا: كتاب يضم خرائط.
ولكن هذا الأطلس يقدم فهرسًا لخلايا المخ البشري بما تتسم به من تنوع وتعقيد مذهلين. وفي المستقبل، سيساعد الأطلس الباحثين الآخرين على ”التنقل“ بين أجزاء المخ، كما ذكر بنج رن، وهو أستاذ في جامعة كاليفورنيا، سان دييغو، شارك في الجهود البحثية.
يضم الأطلس بين جنباته أكثر من 3000 نوع من خلايا المخ، ويوضح كيف تختلف من شخص لآخر، وكيف تختلف عن خلايا المخ الرئيسيات غير البشرية، وكيف ترتبط أنواع بعينها من خلايا المخ بأمراض معينة وغير ذلك الكثير.
الهدف النهائي، على حد قول رن وغيره من الخبراء، هو فهم آليات عمل المخ البشري على نحو أفضل — وما الخطأ الذي يحدث في مجموعة من الحالات العصبية والنفسية التي يعاني منها البشر، بداية من الزهايمر مرورًا بالاكتئاب وصولًا إلى الفُصام.
وقال رن إن نشر أطلس خلايا المخ ”مجرد البداية“.
جدير بالذكر أن العمل موضح بالتفصيل في مجموعة مكونة من 21 بحثًا نُشرت في 13 تشرين الأول/أكتوبر في مجلات ScienceوScience Advances وScience Translational Medicine. شمل المشروع، إجمالًا، مئات العلماء من دول مختلفة، اجتمعوا للعمل معًا في إطار برنامج مبادرة BRAIN التابع للمعاهد الصحية الوطنية الأمريكية.
كانت هناك فرصة لتنفيذ المشروع الطموح بفضل التكنولوجيا الجديدة التي تسمح للعلماء بدراسة سمات ووظائف الخلايا الفردية.
الفهم العميق من هذا النوع لخلايا المخ يمكن أن يؤدي في النهاية إلى علاجات جديدة عالية الاستهداف للحالات النفسية العصبية — بما فيها تلك التي لم يسبق وأن فكر فيها أحد من قبل، كما ذكر الدكتور بانوس روسوس، وهو أستاذ في كلية إيكان للطب في مستشفى ماونت سيناي في مدينة نيويورك، عمل في المشروع.
تستهدف العديد من الأدوية الحالية لهذه الأمراض الناقلات العصبية، وهي مواد كيميائية تساعد خلايا المخ على التواصل معًا.
وهي تساعد العديد من الأشخاص ولكنها أيضًا ”تعجز عن مساعدة الكثيرين غيرهم“ كما يقول الدكتور جيفري بورنشتاين، رئيس مؤسسة أبحاث المخ والسلوك غير الربحية في مدينة نيويورك.
أشار بورنشتاين، الذي لم يشارك في مشروع الأطلس، بأنه ”عمل ذو أهمية بالغة“.
”فهو يضع الأساس للعلماء لفهم كيفية عمل المخ على نحو أفضل، في حالتي الصحة والمرض على حد سواء“ على حد قوله. ”أعتقد أن ذلك يمنح الأشخاص المصابين بأمراض نفسية أملًا هائلًا“.
من الإنصاف القول أن خلايا المخ البشري متعددة ومعقدة. كل خلية في المخ لها نفس تسلسل الحمض النووي، ولكن أنواع الخلايا المختلفة تستخدم جينات مختلفة، وبكميات مختلفة.
وعلى سبيل التشبيه، ذكر رن أن خلايا المخ يمكن اعتبارها أشخاص يعيشون في أجزاء مختلفة من العالم: وبناءً على المكان التي تتواجد فيه في المخ في نهاية المطاف، فإنها تتحدث لغات مختلفة.
هناك هدف عام، على حد قول رن وروسوس، وهو فهم أفضل لكيفية تفاعل أنواع خلايا المخ المختلفة تلك مع بعضها البعض، في الصحة والمرض على حد سواء، وتحديد أنواع الخلايا المرتبطة بأي مرض بعينه.
حلل فريق رن، في دراسته، ثلاثة أمخاخ بشرية، وتحقق بالتفصيل من أكثر من مليون خلية في 42 منطقة بالمخ. وقد حدد الفريق 107 أنواع مختلفة من أنواع خلايا المخ الفرعية، ثم تمكن من ربط بعض أوجه البيولوجيا الجزيئية للخلايا بأمراض معينة — من بينها الفصام، والاضطراب ثنائي القطب، ومرض الزهايمر.
درس روسوس وزملاؤه في نفس الوقت نسيج المخ على مدار حياة الشخص، منذ نموه في المرحلة الجنينية حتى مرحلة البلوغ. وهذا على جانب كبير من الأهمية، كما قال روسوس، حيث تبدأ الحالات النفسية العصبية المختلفة في الظهور في أعمار مختلفة.
كما تمكنوا أيضًا من ربط أنواع معينة من خلايا المخ بأمراض بعينها. وشمل ذلك صلات لم تكن معروفة من قبل — من بينها الربط بين متلازمة توريت وخلايا تعرف بالخلايا الدبقية قليلة التغصن واضطراب الوسواس القهري بالخلايا النجمية.
”إذا عرفت أي نوع من الخلايا يرتبط بمرض ما فحينها ستكون قادرًا على وضع فرضيات خاصة بالمسببات“ على حد قول رن.
وأشار إلى أن ما قام به من عمل، مثل بعض الدراسات قبله، يشير إلى أهمية الخلايا المعروفة باسم الخلايا الدبقية الصغيرة في مرض الزهايمر. الخلايا الدبقية الصغيرة هي خلايا مناعية تستقر في المخ، ويشك رن وغيره من الباحثين في أن وجود مجموعة من الخلايا الدبقية الصغيرة ”النشطة للغاية“ يؤدي دورًا محوريًا في الإصابة بالزهايمر، وذلك بمهاجة الخلايا العصبية في المخ.
”لذا هل توجد طريقة لخفض هذا النشاط المفرط“؟ كما ذكر رن.
من بين نتائج المشروع الأخرى:
درس الباحثون في معهد ألين لعلوم المخ، في واشنطن العاصمة، والمراكز الأخرى أي من الجينات ”تعمل“ في الخلايا الفردية في المخ البشري — وهو ما سمح لهم بتصنيف أكثر من 3000 نوع مختلف من خلايا المخ.هناك تفاوت كبير بين الأفراد في نسب الأنواع المختلفة من خلايا المخ لديهم، وأي من هذه الجينات تنشط داخل تلك الخلايا.يشترك البشر في نفس ”البناء“ الخاص بنوع خلايا المخ الأساسي مع أقرب الرئيسيات لدينا، وهي حيوانات الشمبانزي والغوريلا. ما نختلف فيه هو الجينات التي ”تستخدمها“ تلك الخلايا. تظهر هذه الاختلافات تحديدًا في الجينات التي تسمح لخلايا المخ بالاتصال فيما بينها وتشكيل دوائر.
وفي أحد البيانات، ذكر الدكتور جون نجاي، مدير مبادرة BRAIN التابع للمعاهد الصحية الوطنية الأمريكية أن مساهمات البرنامج العلمية ”تدفع المجال إلى الأمام بوتيرة هائلة“.
”ما تم إحرازه من تقدم وما كشف عنه من إمكانيات يحبس الأنفاس ببساطة“ على حد قوله.