( أسرى غرف الضباب ) حكاية الألم وأسطورة التضاد والدراماتيكية
بقلم : خالد الجبوري
عندما تبدأ بقراءة رواية ( أسرى غرف الضباب ) للروائي المصري المبدع ” محمد إسماعيل ” حتى تشعر فورا انك أصبحت أسيرا للسرد القصصي الرائع لتنزلق فوق سككها وأزقتها التي غرقت في الضباب ومنقادا رغم انفك إلى الأحداث الدراماتيكية التي عاشها بطل الرواية المفكر العراقي المتنور الأستاذ ” فرقد الأغا ” .
وقد تغرق في خضم الأحداث المتسارعة فما تبرح مرغما حتى تتابع الأحداث بنهم شديد وترقب حاد فالقصة تقرأك ولا تقرأها لأنها ليست قصة غريبة بل هي من صميم وجوهر واقعنا و مجتمعنا الشرقي والأحداث تجعلك تعيشها أنت و تتنفسها واقعا كلمة كلمة وسطرا سطرا، وكأن تلك السطور الملتهبة التي يرويها المبدع محمد إسماعيل تلهبك، وحماستها تجرك جرا لتعيش فصول احداثها، فعندما يسرد لك مشهد زج بطل الرواية في السجن تستشعر وكأنك معه في غياهبها فتعيش معه آلامه و معاناته ومحنته. وعندما يتعرض إلى شدة أو محنة أخرى يعتصر قلبك وتحبس أنفاسك وتتضرع إلى الله تعالى في دواخلك عسى أن لا يتعرض بطلنا إلى أذى وان يخرج من ذلك الموقف سالما .
انه ينقلك بين عالمين متضادين في ذات الوقت , يجعلك تهيم بينهما تبحث عن بوصلة الخلاص بين بحرين مختلفين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج , يتركك تنغمر بين عالم الحب وعالم الحرب , عالم التطرف وعالم الاعتدال , عالم الفكر وعالم الجهالة , عالم الصدق والوفاء و عالم الكذب والخداع , عالم الفوضى والنظام و عالم الواقعية والسطحية عالم العذوبة والطيبة الرائق المؤنس وعالم آسن مر و موحش .
وبعدها يتركك تعيش المحنة بل تتعذب تحت سياطها المسعرة تحترق بحريقها يلفحك لهيبها ويضرمك وهجها إلى فواجع الحروب المفتعلة بين الأخوة التي أشعل فتيلها أعداء الأمة ليسقط في رحاها آلاف الرجال والشباب والأطفال والنساء لتطحنهم طحنا بين فكيها المفترسة التي لا تشبع، وسعيرها الذي لا يهجع حتى تقلب الصفحات بعد ذلك فيحملك فورا إلى عذوبة الجمال والحب العفيف الوديع وحلاوة المزاح وفكاهة اللطف وحدة الذكاء ومنطق الكلمة الشجاعة .
وسط تلك الظروف القاهرة والخوف والاضطراب والقلق وأنت تتقلب مع ” بطل الرواية ” ينقلك إلى عالم آخر رمادي هذه المرة أو قل كما وصف الروائي عالم الضباب والضياع في أجواء التطرف والطائفية ومزارع الخوف والتوجس والشك في كل شيء وسرعان ما يرويك بماء فرات عذب ليتلاشى عطشك وأنت تخرج من مدن الضباب وتحمد الله انك ما زلت حيا تتنفس وترزق .
اعتقد إنها رسالة مؤداها إلى الشقيقين التوأمين العراق والشام اللذان فرقهما الزمن وفصلهما التاريخ المسخ تحت وطأته الثقيلة المزرية وزرع بينهما بذور الكراهية والتطرف اللذان ما زالا ينبتان ويعشعشان في أرضهما الطاهرة ودعوة للتوحد والتلاق بعد هذا الفراق الطويل ليتعانقا من جديد تحت لواء الحب و الأمان رسالة تدعوهما إلى الاستيقاظ من ذلك السبات الطويل والانعتاق نحو الحرية والتسامح والإخاء .
والفكرة إلى الوسطية والاعتدال ومنهج التسامح والرقي الذي يحمله الوطنيون الاصلاء الأحرار قادة الفكر التنويري .