عين على نص الدكتور Hamed Hadji
#لوحة_خيانة
#القراءة
لله درك من رجل … !
حين تقرأ للدكتور الحاجي ، تجدك تتجول في قصص الواقع اليومي الذي نعيشه ، تجد منك في كتاباته و عنك ، و تراك احد أبطاله ، لسلاسة الأسلوب الذي يتوخاه فيشدك إليه و يستفز قلمك .
نص اليوم ينبؤنا عن لقاء بعد فراق …
يا ترى ماهي أسبابه ؟ و كيف كان اللقاء ؟
نص أتى في ثلاثة مشاهد مختلفة و لكنها مسترسلة ، لنكتشفها معا .
يقول الدكتور حمد:
وقررتُ منذ الصباح، التُّقَى والرجوع إلى أقوم السُّبُلِ
أتوبُ وأرجع للبيت أنزع ثوب الشقاوة والتيه والخَبَلِ
وعوّلتُ أسقي منابتها بالصبابة وأطفئ نار الكآبة بالغَزَلِ
وددتُ أرى الورد يزهر في الشرفات ويعبق بالنوء والهَطَلِ..
في حرف العطف الذي استهل به النص و الذي اقترن بفعل ” قرر” ، يوحي لنا ان الشاعر بات ليلته يتقلب في فراشه بين أخذ و رد و أخيرا أخذ القرار اول ما انبلج الصبح ، و مع الصباح ترى كل شيء في ولادة جديدة حين تُشرق الأرض بنورها ،
فهل وُلد الشاعر من جديد ؟ و كيف و هو الذي ” قرر “.
لنرى الصورة التي كان عليها : يرتدي ثوب الشقاوة و التيه و الخبل ، هذه هي العتمة التي كان يعيشها ، حياة لا معنى و لا هدف لها ، حياة ” مجون ” و صحبة طالحة و هذا أكيد ، فلا يتوه احدهم و يهجر بيته إلا إذا كانت الصحبة ترتدي ثوب الشقاوة ” فالشقاوة لا تحلو إلا معهم و الشيطان رسام ماهر في رسم طريق التيه و الخبل .
و القدر أتى بالصباح و كما قلت أعلاه ” ولادة جديدة ” و الصباح مثل الربيع ، استفاقة من غفوة و حياة متجددة .
هنا نرى قوى الخير في الشاعر هي التي ايقظها ” الندم ” ، فالصباح اقوى من الظلام يوميا يهزمه ، و هذه الفترة من اليوم ، بدايته ، هي فعلا البداية الجديدة لحياة الشاعر سيطوي معها صفحة مظلمة من حياته .
و أرى نور الصباح أضاء داخله فهو ” قرر “” “” التُّقَى : و كان يرتدي ثوب الشقاوة فاستبدله بالتقوى .
والرجوع إلى أقوم السُّبُلِ :و هو الصراط المستقيم الدنيوي و الذي كان في التيه و الخبل .
أتوبُ وأرجع للبيت : نتيجة القرار ” التوبة و الرجوع إلى البيت ، و البيت هو السكن المادي و المعنوي .
ذكر الدكتور حمد فعل ” اعول ” و هذا اصرار منه و الرجوع إلى الحضن الدافئ الذي تركه يوما .
أتى ربيعا ليزهر قلب الحبيبة التي أضناها البعد و الترك .
الصورة الشعرية رائعة جداً: سقيا / اطفاء نار الكآبة ..
ثم : وددتُ أرى الورد يزهر في الشرفات ويعبق بالنوء والهَطَلِ..
اتى بالربيع فعلا كما ذكرت فالصبح كالربيع : ورد يزهر في الشرفات ، حتى يراه الجميع في أصوص مرتبة تفوح روائحه حين يهطل النوء ، و النوء خير و سقيا أيضاً ، و النوء و سقياه ما هو إلا تجديد الحب في قلب ” أضنته ” الكآبة و البعد .
قلب يكاد يموت عطشا للحب و الإحتواء .
– هذه الولادة .
في الشذرة الثانية من النص يقول المبدع الحاجي :
وسُقْتُ وفودَ الركائبِ حائرةً: توبتين على الخد والدمعَ بالمُقَلِ
الخطوة ثقيلة جدا و حائرة و كأنها واقفة يصحبها الدمعة في المقل و توبتين : توبة على الهجر و توبة على ما فعله الشنيع عند فترة الهجر .
و توبتين أحداهما مخضبة بالخجل فهو يسوق وفود الركائب ،” مستوحاة من مثلنا الشعبي خطوة القدام و خطوة إلى الوراء ” و الركايب ثقيلة ” .
فالحاجي يكتب منا و إلينا .
فهل يكون صادق التوبة و لن يعيد ما فعله ؟
و كانت المفاجأة لكليهما : سعاد تجلس على أعتاب غرفتها و بيدها “ثوبه” تشم رائحته .
و سَرَهُ المنظر عند رؤيتها على هذه الحالة .
يقول :
وبانت سعاد بأعتاب غرفتها تشتَمُّ بعض ثيابي وتختال في حُلَلِ
عند الأعتاب حين بانت سعاد : هي مناجاة داخلية بين المخلوق و الخالق ، و دعاء باطني في سر المخلوق ، و عتبة الغرفة إشارة إلى ان البيت عتيق معتق برائحة الحبيب ، فسعاد ” تشم بعض الثياب ” ، حين بانت من غرفتها ، فهي كانت مع ذكرياتها التي علقت بكل أركانها .
تتمايل و الثوب بحضنها و تتخيل أنه الحبيب بين ذراعيها و قد هزلت صحتها .
و من عمق الواقع ينقل لنا صورة اللقاء المفاجيء ؛ رمت بالثوب ….
رمته من الحضن واستقبلتني بزغرودة.. رجّت الأفق بالهلل
هللت و زغردت ، و زُرعت فيها الحياة من جديد و البيت ، فقد رجت الأفق بالهلل
ومالت تقبلني مثلما غصن تفاحة أثقلته الثمار فعاد إلى المَيَلِ
لوحة شعرية يفسدها التأويل إن أُولت .
لكن غصن التفاحة أثقلته الثمار فعاد للميل نقف عندها قليلا ،
و كانها سعاد أثقلها هم الغياب فانحت للشوق و الحنين ، أو اقتران التفاحة بالقبل فكان وابلا استقبلت به الحبيب .
– الفرحة باللقاء بعد قرار التوبة و الرجوع للبيت و سعاد.
في الجزء الأخير من النص و بعد الإستقبال الحار الذي ملأ أرجاء الحي بعد زغاريد سعاد
تبين لنا سبب الهجر و الترك : فقد قرر حظر لبنى و هند و ليلى و كل الضفادع و الجعل .
أثار الدكتور قضية مهمة يعاني منها المجتمع و هي الصداقة عبر صفحات التواصل الإجتماعي ، و ما تسببه من مشاكل يصعب حلها إلا بالطلاق و الإنفصال بين الزوجين أحيانا ، لما نراه من إغراءات و مشاهد يندى لها الجبين ، و قرار الحظر هذا ما هو إلا عين الصواب ، فالقضية آنية و من عصر يومنا هذا ، و حين صارح سعاد بحظر هذه المجموعة هو اعتراف بالذنب في حق سعاد ” و في حق علاقته بها ” “” خزيت شقاوة نفسي و ظني و طيشي فلا شيء يشفع لي ” .
لكن في هذه الصراحة هناك جرأة ” حد الوقاحة ” فقد فكر أن يُبقي على ” حلا ” !!!! و من يقرأ النص سيقول حتما ” مَا بالطبع لا يتغير ” ، ان تتوب عن غلطة فقد أصلحت من نفسك ، أما أن تتوب عن طبع فهذه استحالة .
شق آخر لا يحب ظلم الشاعر حين أبقى على ” حلا ” .
فقول سعدى ” لله درك يا رجل ” هو تعجب و إعجاب و مدح بالقول ، و إلا كانت قالت له ” لا در درك يا رجل ” .
فحلا لا أراها كقارئة إلا سُعدى حبيبته التي عادت إليه ، فقد أكد في النص توبته و حظر ” الضفادع و الحجل .
فحلا اسم يرمز لحلاوة الوقت الذي سيبدا من تاريخ التوبة ، فلا إمرأة ترضى ان يقاسمها الحبيب إمرأة أخرى ، و ما ابقاؤه على حلا إلا من باب المزح .
– التوبة بعد الإعتراف
……………….
النص اوله استفاقة و ولادة من جديد ، أوسطته فرحة و تهليل ، و آخره اعترافات و هزم الهجر بين المحبين .
…………….
أرفق الدكتور مع النص لوحة الخيانة للرسام الألماني يوهان جورج ماير و هي لوحة مدهشة اتت بلحظة الدليل على الخيانة ، مسكتهما بالجرم المشهود ، و هنا نربط ” القصة ” التي وردت بالشذرات حول خيانة الشاعر لسعاد ، فهي التي مسكته بالجرم المشهود كذلك” فكان بهاتفه كم ” صديقة …” و كما ذكرت اعلاه حظرهن جميعا و أبقى على حلا .
…………….
نص من وحي الواقع كتبه الدكتور حمد بأسلوبه الساخر اللين السلس ، زمنه العشر الأواخر من الشهر الكريم ، و هي فترة توبة و الرجوع إلى الله ، فترة التصالح مع النفس و الصلح مع الآخرين فمَ بالك إن كان المتخاصمان أحبة كالحاجي و سُعدى الحلا .
بوركت دكتور و سلم البنان
قراءة متواضعة بقلمي البسيط سعيدة بركاتي ✍️/تونس
#النص
#لوحة_خيانة
وقررتُ منذ الصباح، التُّقَى والرجوع إلى أقوم السُّبُلِ
أتوبُ وأرجع للبيت أنزع ثوب الشقاوة والتيه والخَبَلِ
وعوّلتُ أسقي منابتها بالصبابة وأطفئ نار الكآبة بالغَزَلِ
وددتُ أرى الورد يزهر في الشرفات ويعبق بالنوء والهَطَلِ..
وسُقْتُ وفودَ الركائبِ حائرةً: توبتين على الخد والدمعَ بالمُقَلِ
وبانت سعاد بأعتاب غرفتها تشتَمُّ بعض ثيابي وتختال في حُلَلِ
رمته من الحضن واستقبلتني بزغرودة.. رجّت الأفق بالهلل
ومالت تقبلني مثلما غصن تفاحة أثقلته الثمار فعاد إلى المَيَلِ
.
خزيتُ شقاوة نفسي وظني وطيشي فلا شيء يشفع لي
وقررتُ أحظر بالفايس لبنى وهند وليلى وكل الضفادع والجُعَلِ
وفكّرتُ أُبْقي حلا عند بوابة القلب والروح.. مهلا إلى أجَلِ
وحدثتُ سعدى: سأبقي حلاَ، وافقت بالنهاية.. لله درُّكَ من رجُلِ…!
الدكتور حمد حاجي