شاعر يمارس الفعل الشّعري بطريقته ومنظوره الخاصّ..لمّا أقرا له أحسّ بالحاجة للتّعبير عن هذا الإحتواء الذي يغرق فيه المتلقي ….يتربّع بقصائده على منصّة الشّعرممسكا بكلّ أدواته …نبضا وحسّا ووجدانا مترفا ا..ولغةمتينة ….
الشّعر المقفّى وبحور الخليل وفيض جارف وقدرة وسطوة لنموذج شعريّ مختلف فارق…
قرأت له هذا الصّباح هذه المقطوعة
أغازل وعدا كحُلم السٌباق
يُغٓوٌِي العُبورٓ بِمٓدٌ السٌوافي
لِنهر يُحٓضٌنُ هٓمس الحكايا
يكفٌ عذابات .إيكو البواقي
يُرتٌلُ أنشودة الطٌيف نبضا
وبارقة الغيم تُجلي احتراقي
(محمٌد العلاقي )
___________________________________________________________
ذات مكاشفة شعريّة عنّت له مغازلةُُ …والمغازلة كلمة ذات دلالات تكون بين عاشق وحبيبته….يتناجيان ويهمسان بما تأجّج وتوهّج …
ولكن شاعرنا منذ مطلع مقطوعته الشّعرية يعلن عن مغازله مؤسسا كعادته لمنظومته الكتابية الإبداعية من خلال كسر المألوف ولمعتاد…
فيقول
أغازل وعداكحلم السّباق
يغري العبوربمدّ السّواقي
.ليمنحنا منذ مصافحة النّص الدهشة والاحساس بالإنحراف عن المألوف في الغزل….
يغازل وعدا …والوعد حقّ وقد ورد في الذّكر الحكيم قوله تعالى في سورة غافر
“فاصبر إنّ وعد اللّه حقّ”
ويدبّج اللّغة فيستعير صورة بلاغية تمنح وعده المُغازَلَ حلم السّباق..
وفي السّباق أولويّة فوز وتتويج بين المتسابقين وهو في هذا السّياق يمنح الوعدحلم السّباق وانتظاراته حلم..
ثمّ يقول
يُغٓوٌِي العُبورٓ بِمٓدٌ السٌوافي
وتجيء لفظة العبور مدويّة في رمزيتها القصوى …فالعبور وأن كان هنا بمدّالسّواقي ونحو النّهر فهو عبور يتجاوز الأمكنة ..هو مجازي باتجاه الأغوار العميقة للشّاعر وقد منحتنا مخرجات هذا العبور سمة دالة على عبور أكبر هو العبور الميتافيزيقي؛ إذ الإنسان في جوهره كائن عابر دائم السّفر
ثم يقول الشاعر
لِنهر يُحٓضٌنُ هٓمس الحكايا
فالهبوط بعد العبورجاء بغير مجاهيل ولا مخاطر محتملة…..”فلنهريحضن همس الحكايا” وهي ايضا استعارة ذات كثافة بلاغية ..والحضن في اللغة العربية يعني القرب والضّم والأمان …
ومنح النّهر صفة الحاضن وهمس الحكايا صفة المحضون هي حداثة للصّورة الشّعريّة بكلّ مكوّناتها …وقد أبدع الشاعر في اختياره لألفاظه..وهي نموذج يؤكد التّنوع والخصوصية الشّعرية في قصائده
ويستحضر في قوله
يكفٌ عذابات .إيكو البواقي
اسطورة ايكو التي عجزت عن التخاطب مع حبيبها بسبب عجز لسانها عن ذلك وبسبب خدعة الكلام بينها وبينه …
وقد تعدّدت الرّوايات في هذه الأسطورة غير أنّ همس الحكايا كفيل بانهاء كل العذابات البواقي ..
وينهي بالقول
يُرتٌلُ أنشودة الطٌيف نبضا
وبارقة الغيم تُجلي احتراقي
فالحلم حلم والوعد قد يفقد حدّة التحقّق والصّدق……ولأنّ شاعرنا لا يعرف في حكايا الحبّ اجترار الخيبات فاننا نقف على جلاء الأسلوب والقدرة الخلاقة وهو الذي يبني على الغيم……..وبوارق الغيم تُجلي كل احتراقاته ولواعج روخه المرهفة.
والبناء على الغيم تماثل مع الارض ومخبآتها …فالماء هو البداية و النّاطق بالحياة و الماء هو من رحم الغيوم…
و لنا مع الشاعرمحمد العلاقي سمات غيمات وغيمات تهطل فنجني منها ورذا عابرا ينبت في القلب قصائد عشق برائحة الزعتر والصّنوبر النّابث على سباسبنا وعلى صخورها..
تحيّة لهذا الشّاعر الرّائع ولمنجزاته العهاطلة بهاء وصفاء لغويّا متميّزا ..قراءة