رؤيتي في ثلاثية (سيرة دلال ذاتية )
للشاعر الدكتور حمد حاجي
—————
نص الثلاثية
ليلة 24 رمضان
بالبيت
——-
ويعْظُمُ في بؤبؤ العين ذاك الذي عَشِقَ الروح أو مَنْ رَعَى وَوَفَى..
ويصغُرُ خطبُ الهوى في الجوى وتَكَادُ تَرَاهُ بأشراقة العَيْنِ مُخْتَلِفا
وتأتي بصحن الطبيخ تُدللني يدها، وبأخرى تُهَدهِدُني طَرَفَا
وتخشى ألطّخُ ثوبي كأنّيَ طفل أراد اختطاف الطعام وما خَطفَ..
ما كُنت أَعلَم تحنانها إذ تزقّقُني مثل فرخ الطيور.. وما كنتُ معترفا
ولا شَهِدَ القلبُ منها الغرام حتى تذوّقتُ من كفها الحب واللّهفَ
تناولني رشفة الشاي باللّوز توشك في مبسمي تتلذّذ طعمهما سَلفَا
فما أعذب الحبّ يزهر كالورد حينا وحينا يعشش كالطير مؤتلفاً
————————
ليلة 25 رمضان
بالمطبخ قبل السحور
مسحت يَدِي من صبايا سكَنّ جداري، وتبتُ وما عدتُ مُنْحَرِفَا
أظل أطأطئ رأسي وأخلصُ… شبهَ الذليل الذي خان واعترفا
وأسهرُ بالجنب لا آبه بالصديقة والصحب أو من تقدّم أو وقفَ
أظلُّ أفصص ثوما وجلبانة عند مطبخها وأتناسى الرسائل والصُّحفَ…
فما أروع المرءَ يقضي مع الروح سَهريةً دون (شاتٍ) ولا أسفَ
وما ألطفَ البوح في حجر حبي وما أرأفَ الحضن حين دَفَا
أمدّ لها موزةً وأقشّرُها فتناولني قطعةً حلوةً فوقها قبلةٌ سَلَفَا
وتغدقُ باللطف: يا أحلم الحلماء…ويا أرحم الرحماء… ويا أرأف الرؤفا
____________
ليلة 26 رمضان
بالمطبخ قبل السحور
وبالليل تأوي إلى تختها متأخرة لكأنّ براحتنا كل راحتها هدفا
وتلتف خائرة باللحاف كأن هِيَ لؤلؤة والغرام يحوط بنا صدفا
وتعبق أفضية بروائح من عطرها وتطاولُ أنفاسُها السُّقُفَ.. وتبقى بحضني إلى ساعة من سحور بأعماق قلبي أشيدُ لها غُرَفَا..
تفيق تعد صحون السحور وأعزمُ مثل العجائز أهدي لها تحفا..
وفكرتُ أهدي طواقم من بُرْسِلَانٍ و آنية أو رَحًى خَزفا
وفي ليلة القدر، ربك في كرم يستجيب لمن رفع الأكفّ أو أدمعا ذُرَفَا..
أودّ نسير لأرجوحةٍ بالملاهي فتهوي وتعلو وتنسى المتاعبَ والنّكَفَ….
————
أولا تحية حب مني للراسخين في الحب
ولن أقول قول شاعر في رمضانية من الرمصانيات(يضرب الحب…)والحب عزة وأنفة يرفع صاحبة لعليّين
——————
—في الليلة الرابعة والعشرين قبل الثلاثين
يتسربل الشاعر بالحب
وبكل خشوع يدخل محراب العشق
ويتبل وقد امتلأ قلبه حبا واطمئنانا وهدأت الأعضاء والجوارح بهذه المشاعر.
وللحب خشوع وصلوات
يعْظُمُ في بؤبؤ العين ذاك الذي عَشِقَ
الروح أو مَنْ رَعَى وَوَفَى..
ويصغُرُ خطبُ الهوى في الجوى وتَكَادُ تَرَاهُ بأشراقة العَيْنِ مُخْتَلِف
الشاعر في هذه الثلاثية
يمارس حق الاحتواء
وطقوس الوفاء
شاعر رأيناه في رمضانيات السابقة
شاردا يلهث وراء كل الأسماء
ويوزع الحب عن يمين وشمال بكل سخاء
يعود إلى بيت الطاعة راضيا بالقسمة والنصيب حامدا شاكرا أنعم الله
التي تمثلت في سعدى
هذه المرأة التي تعد من الصابرات و حتى يوم عاد إليها بشروطه هو لا بشروطها هي عاد حاملا في قلبه(حلا)
وكأنه طلق سعدى عاطفيا
فسعدى بعد المد والجزر والأخذ والرد
والثورة والهدوء والعاصفة والصحو
والقطيعة والوصل نراها تستقبل العائد بكل حفاوة وتكرم وفادته
وتغدق عليه من الحب ألوانا
وبقدرة قادر يكتشف فيها الزوجة العطوف التي تحبه وتسعى لإرضائه وكسب وده
وبقدرة قادر أيضا يكتشف أنه يبادلها الحب هذا الحب الذي عاد وأزهر بعدما ذبل وخبا
(فما أعذب الحبّ يزهر كالورد حينا وحينا يعشش كالطير مؤتلفاً)
—في الليلة الخامسة والعشرين قبل الثلاثين
عودة الزوج الضال لعش الزوجية ومسقط القلب الأول
طوعا وحبا
هذا الرجل الذي أعياه الركض وراء كل
امرأة تطارحه معسول الكلام على(الشات) وتعطيه من طرف اللسان حلاوة وتراوده على قلبه ومن ورائه جيبه أدرك قبل فوات الآوان ان كل اللاتي عدون في حلبة الحب ما هن إلى دمى من قش ومن فخار وكل ما فيهن مستعار بداية من زرقة العيون إلى أظافر اليد المركبة
ادرك انه ركض خلف نساء حرابي متعددات الألوان وما هن إلّا أوراق لعب خاسرة…
عاد تائبا
وأدرك أن الله رزقه الحلال الطيب
وها هو يدفع كفارة ما من ذنب ارتكب
ويسعى طوعا بين يدي سعدى
ليرضيها ويعيد المياه لمجاريها
(ما أروع المرءَ يقضي مع الروح سَهريةً دون (شاتٍ) ولا أسفَ
وما ألطفَ البوح في حجر حبي وما أرأفَ الحضن حين دَفَا)
وكأنه يؤكد قول أبي تمام
(نَقِّل فُؤادَكَ حَيثُ شِئتَ مِنَ الهَوى
ما الحُبُّ إِلّا لِلحَبيبِ الأَوَّلِ)
علما انني لا أشاطر أبا تمام رأيه إذ قد يكون ما ظنناه لوقت طويل حبا أول ما هو إلّا وهم ،وقد يتأخر الحب الأول الحقيقي والسليم إلى أمة….
—الليلة السادسة والعشرين قبل الثلاثين
والتي تصادف ليلة القدر في عرفنا على الأقل
وفي هذه اللوحة او الفصل من المسرحية
الشاعر يدخلنا خلوته فهذه الحبيبة تتغنج ونعيش معه الدهشة
حيث يصف جمال ودلال الحبيبة
وعطورها المتضوعة وعلى فراش واحد ووسادة واحدة تستمر السكينة والود وسلام هي حتى موعد السحور
لتنهض تعد الطعام
هذا وهو يفكر أي هدية يقدمها تتويجا
للصلح وكفارة عما صدر منه من أذية
ونراه في أفضل ساعات الصفاء والتوازن العاطفي والرضى
لنقول (انك لا تهدي من احببت لكن الله يهدي من يشاء)ونراه يرفع كفيه مبتهلا وحامدا الله ان هداه وما كان ليهتدي لولا صدق الحب بينه وبين سعداه
وحسب تصرف سعدى اللين يبدو انها أمسكت بخيوط لعبة وبلغت النضج
حيث ادركت ان في قلب كل رجل طفلا
يرفض مغادرة طفولته وان على المرأة أن تتعامل مع هذا الطفل برحابة صدر
واحتواء وحب كبير وعليها ان تحسن ملاعبته وتكييفه حسب ما تنتظره هي منه وهنا المقصود هو (التعامل في الحب )وتحقق الاكتفاء والامتلاء والمرأة القوية هي التي تجعل الرجل يخضع لأرادتها دون ان تأمره بذلك
وربما أدركت أن الرجال عموما يحبون قليلا وغالبا ،بينما النساء فهن العكس تماما يحببن كثيرا ونادرا..
العنوان سيرة دلال ذاتية
وكأن العنوان يخبرنا ان لكل واحد منا سيرة دلال خاصة به فهي عبارة عن بصمة حب على صفحة القلب وهي غير قابلة للتقليد وعلى كل واحد استنباط سيرة دلال تخصه وتلزمه
فهل الشاعر
يكتب يومياته
او مذكراته
أم سيرة ذاتية ؟
والسيرة الذاتية تعتمد عموما على مجموعة متنوعة من المستندات ووجهات النظر وذاكرة الكاتب
فهل هذا العنوان(سيرة دلال ذاتية)
هو مجرد عنوان للثلاثية التي بين أيدينا
أم نحن أمام سيرة ذاتية تخيلية أي نوع من الخيال الادبي الذي يمزج الذاتي مع الخيال مع اعادة ابتكار او إسناد لشخصيات خيالية
وهذه الرمضانيات مواضيعها نابضة بالحياة
في كل الاحوال وبقطع النظر عن جنس هذه الرمضانيات نحن وقعنا في غرامها رغم امتلائها بالشطحات الخيالية التي توهم بانها سيرة ذاتية
لذا شكرا للشاعر الذي فتح لنا ثقبا في جدار نتلصًص منه على حياة أخرى
أتاحت لنا ارتداء جلباب ذات أخرى
ومسايرة تجاربها
كما أثارت فضول البعض وتطلعه لما سيحدث غدا وبعد غد وبعد بعد غد
شكرا على الوهم الجميل الذي عيّشت فيه البعض
ومع انتهاء الرمضانيات يرتطم البعض
بأرضية الواقع الصلبه
مع احترامي للشهرزاديات
اللاتي راقت لهن حكايا شهريار على امتداد ثلاثين ليلةً وليلة…
فائزه بنمسعود
شكرا دكتور حمد الشاعر المجدد والمتجدد