الحياة .. والحب
️ د.علي أحمد جديد
لاشك بأن الرغبة في معرفة الذات هي أول خطوة في الطريق لكشف أسرار الكون . وإذا ألقينا نظرة على السماء المرصعة بالنجوم ، وقرأنا العلامات والرموز الموجودة فيها والتي تُعلِّمنا الرحمة ، والاتحاد مع الهدايا اللامتناهية التي كان يتعذر على العين الوصول إليها سابقاً ، سندرك بأن أسرار السماء تنكشف عندما يتحرر العقل من الحدود الضيقة للشخصية . وأن كل ما هو موجود متشابك ومترابط على أعمق مستوى من الوجود .
وإذا أردنا اتباع طريق المعرفة ، علينا أولاً أن نتذكّر بأن الاستنارة الحقيقية لا يتم الوصول إليها في البحث عن المعجزات ، وإنما فقط في إيقاظ الحب لكل ما هو موجود حولنا ولكل من هو موجود معنا .
لأن الإنسان نفسه مخلوق بفطرة الحب ، وهكذا تنكشف حكمة الكون وسرّ هدف العيش والتعايش المجتمعي على الحب .
والتفاني الحقيقي هو ما يتطلبه الفرد المُصَمِّم حقاً على تغيير اتجاه حياته ، ويعتمد الكثير من ذلك على أولئك الذين سيرشدون ويُعلِّمون من يقفون وراء تساؤلاتهم هم ومن سيأتون من بعدهم ، وكيف سيكون الأمر عندما يتطلب التزامنا بما نؤمن به ، ومثلما يقوم الآباء بتعليم أبنائهم وبناتهم الطريقة الصحيحة للعيش ، فإن الأمر ، لا يتعلق فقط بما نؤمن به ، لأن النكسات والكوارث تكون دِينَاً نجتمع عليه جميعاً في محراب الإنسانية للبحث عن أفضل الطرق التي تجعل حياة البشرية أفضل بالنسبة لنا ولأولئك الذين يعيشون فيها معنا ، وكذلك بالنسبة للذين سيعيشون فيها بعد أن لا نكون . هذه هي البصمة التي ينبغي أن نعيشها في رمال الوقت .
ولنتذكر أنه من الأسهل بكثير رؤية لهب الشمعة عندما يكون محاطاً بالظلام ، لأن الظلام يخدمنا لرؤية وضوح النور . وحتى عندما تَخلِق الأضواء ظلالاً فإنها تجعلنا نتقبّل فكرة ضرورة وجود الظلام ، لأننا بدون الظلام لن نعرف الألق الذي تكتنفه الأنوار ، لذا فإن الظلام يمنحنا الفرصة لرؤية ما نفضله بالفعل ، وعلينا أن نثبت صحة وجوده على أنه سبب لوجود النور حولنا وفي داخل كل واحد منا ، وليس الحكم التعسفي بأنه لا مكان للظلام في الواقع . كل نفس تحتوي على الظلام كما تحتوي على النور ، وتحتوي على الإيجابي والسلبي في كل شيء ، كما تحتوي على القطبية ، وستظل هذه الحقيقة ماثلة في وجداننا دائماً .
وعندما تمنحنا مواقف الحياة فرصة الاختيار ، فإنه يتوجب علينا ، مهما حدث ، أن نختار الحب ، لأن اختيار الحب يساهم في تطور الحياة وفي نظرتنا إلى كل الأمور . ويساعدنا على العودة إلى المصدر أو المَعين الذي يتلخص في القول :
“أحبَّ نفسك أولاً ، حتى تستطيع أن تحب الآخرين” ..
وهكذا سيبقى الحب نهجاً مسؤولاً في حياتنا . كما يجب أن نفهم بأن محاولات فهمنا ستواجه دائماً قوةً قطبية تحاول إحباطنا وانتهاك إيماننا وإبعادنا عن طريقنا الذي سلكناه نحو المعرفة . وكل ذلك يمنحنا فرصة الاختيار .
وحين يجتاحنا الغضب من العالم ، فليكن غضبنا من أجل جميع الناس . أو لنبحث عن السبب داخل أنفسنا حتى نفهم بأننا عندما لا نحب أنفسنا كثيراً ، فإننا لا نستطيع الدفاع أنفسنا ، ونقلّل من قيمة أنفسنا ، حتى لوتعرّضنا دائماً للخيانة والاستغلال .
وإن فرصة الاختيار لاتعني أن نختار إلقاء اللوم على العالم الخارجي . لأنه اختيار خاطئ يجعل الأشواك تنمو حولنا وفي داخلنا وتصبح باردة . ولأننا حين نغلق قلوبنا ، أو إذا كانت قلوبنا منغلقة أصلاً ، فسوف نجذب إلينا أشخاصاً منغلقين بنفس القدر . وسيضيع الحب في حياتنا ، ولن يأتينا إلا البرود . وحين تكون الأفعال نابعة من قلوبنا المفتوحة والمشرعة فإن أي شرّ أو سوء يمرُّ بنا ، سيجعل الحبَّ يحملنا فوق كل المشاكل حتى نقول بأن معجزة قد حدثت . نعم ، لأن المعجزات لا تحدث إلا عندما نختار الحب . كما أنه لا يوجد طريق نسلكه أفضل أو أسوأ من الآخر ، وهو مجرد طريق واحد والاختيار وحده يجعل هذا الشخص غيرَ سعيدٍ ، كما يجعل من الآخر سعيداً وهو ما صوَّرَه سبحانه تعالى في كتابه العزيز :
( إمّا كافراً أو شَكورا)
ومن خلال الانغماس في السلبية ، يمكن للشخص أن لا يتوصل إلى فهم ما في الواقع . وحتى (الأنا العليا) تدفع الإنسان أحياناً إلى تجربة سلبية كي يكتشف بأن طريقة الحياة هذه بالتأكيد لا تستجيب لروحه ، وعليه البدء في الاستماع أكثر إلى قلبه وإلى شعوره الفطري . لأن الروح ذات خبرة واسعة ، وقد جئنا نحن إلى هذا العالم ، في المقام الأول ، ليس لتأكيد الذات ، ولكن لمعرفة أنفسنا كجزء من خَلْقِ الله سبحانه وتعالى الخالق الواحد الأحد . ومن أجل التطور المنهجي لذواتنا وفِكرنا وأنفسنا …
️ لقد تغيرت قوانين العالم ، والآن فإن القوة الرئيسية هي الطاقة ، والنقطة المرجعية الرئيسية ، هي الاستجابة في القلب ، والوقت الرئيسي هو الحاضر ، والشعور الرئيسي هو الحب ، والحالة الرئيسية للامتنان ، وإن الموقف الرئيسي من أجل الخالق ، وليست الضحية التي تهزّ كياننا وتفجّر طاقتنا . ولهذا يتوجب أن نشكر كل من هو معنا ويدعم عملنا ، وربما تكون معرفتنا مفيدة لأي شخص كان ، لأن المعرفة تساعدنا في العثور على طريقنا الدائم إلى النور ، ولأن ذلك سيكون بالنسبة لنا فرحاً دائماً وغير محدود .
وكلنا جميعاً ، لدينا عمل روحي ، كما لدينا مهام كارمية ، أي تحقيق (الكارما) مع أنفسنا ، يجب أن نعمل من خلالها . لأننا بحاجة ماسّة إلى العمل على هذا الأمر في صمت ودون التشتت بالعديد من المهام . كلنا نحتاج إلى العمل على كل السلبية الموجودة بداخلنا ، ولدينا الكثير منها ، ونحتاج الانفتاح على رموز ضوئية جديدة ، بشكل عام ، وفي كل لحظة يجب أن يكون الوقت قد حان لإجراء ترقية كاملة في تفكيرنا وأجسادنا وفي حياتنا ، وهذا ، بالطبع ، سيستغرق وقتاً ، لكننا ️بعد ذلك سنعود إلى العالم بعِلمٍ جديدٍ وأكثر استنارة . لأن أصعب التحديات تنشأ عندما نكون مستعدين للانتقال إلى المستوى التالي وتغيير حياتنا . تماماً ️مثل ولادة طائر الفينيق من الرماد ، في اللحظة التي نتمسك فيها بجذورنا ونلتقي بأنفسنا الجديدة أو المتجددة بعد كل نكسة تمرُّ بنا . ️هذا هو الوقت الذي يؤدي فيه التغلب على الصعوبات إلى بناء قوة الشخصية والقدرة على التحمل والتحدي في فتح الأبواب أمام فرص جديدة للنمو ، وإدراك أن القوة الداخلية والتصميم يمكن أن يحوّل التحديات إلى خطوات ثابتة نحو تحقيق الهدف الأكثر جموحاً . والمهم أ️لّا نخاف من أي شيء ، لأن كل شيء يمكن التعامل معه بالحب .
وحين يكون لدينا هذا الظهور الكبير سندرك أن المفهوم الكامل لمحاولة التوافق مع المساحات التي من الواضح أنها لم تكن مخصصة لنا كان بلا معنى على الإطلاق . لذا ، يجب أن نأخذ الأمور على عاتقنا وأن نحدّد مكان تواجدنا الحصري بدقة . بُعد مبهر حيث لا يتعين علينا أن نتوسل من أجل القبول ، أو نتسول من أجل البقاء ، وأن نتحمل الحكم علينا دون معرفة حقيقتنا من أجل التقدير والإشادة ، بسعينا إلى التحقق من حقيقنا التي يحاولون إخفاءها من وجداننا كي لا نسعى لأن (نكون) . إنها منطقة الاسترخاء الخاصة بنا حيث يمكننا – بإيماننا – أن (نكون) دون أي موانع أو التزامات أو أي توقعات . لأن الحياة أوسع بكثير مما نراه أو مما نعتقد بأن حدودها لاتتجاوز مانراه منها ، وذلك بمجرد أن نجرب العمل لنكتشف حقيقة واحدة وبسيطة ، أي حقيقة تاريخنا وحضارتنا ، الماثلة دائماً أمامنا ولا نبصرها ، لأن كل ماحولنا من هذه الحياة قد اخترعته وعتّمت عليه أشخاص – في الواقع – لم يكونوا في حقيقتهم يمتلكون من الوعي أكثر مما نمتلك ولا ننتبه إليه ، وأن أي شيء يحيط بنا بمقدورنا العمل على تغييره ، أو على الأقل ، يمكننا التأثير فيه بمجرد أن نَعيَ ذواتنا وأن نثق بقدراتنا .
وبعدها لن نعود نفس الأشخاص الذين كنا من قبل أبداً .