د.علي أحمد جديد
الشغف ..
الشغف هو المَيْلٌ القويٌ نحو شخصٍ أو شيء ما بذاته ، وتسخير الإنسان عواطفه و وقته وجهده إيماناً منه بأهمية ما يحبه حبّاً خالصاً . وتأتي أهمية الشغف بنشاطاتٍ تُشكِّل الملامح الأساسية لهوية الإنسان . إذ أن الشغف لا يتوقف عند حدود الانخراط فيه بل يتجاوزه ليصبح جزءاً أساسياً و متأصلاً في هوية الإنسان وفي تفكيره وفي ذاته .
وقد درس علماء النفس الشغف وقسّموه إلى نوعين أساسيين :
1) * الشغفٌ المتناغمُ والمنسجم (Harmonious Passion) .
2) * الشغفٌ الاستحواذي (Obsessive Passion) .
وتوصلوا في دراساتهم إلى أن (الشغف المتناغم) يتشكّل عندما يختار الإنسان القيام بما يحب . أما (الشغف الاستحواذي) فيتشكّل عندما يعجز الإنسان عن القيام بما يحبه . وأكدوا أن (الشغف المتناغم) هو الأكثر إيجابيّةً وبناء بتأثيره في شخصية الإنسان وفي استقراره النفسي مما هو (الشغف الاستحواذي) .
ويمكن للإنسان الوصول إلى اكتشاف شغفه عن طريق خطوات متسلسلة تتابع كالتالي :
* بحث الإنسان الجدّي في داخله عما يحبه ويحب أن يعمله ، وليس عما يجيد عمله ، لأنه في ذلك يؤسس تكوين قدرته على جلب السعادة والطاقة الإيجابية في ممارسته .
** تحديد نقاط القوة للقيمة المضافة في أي عمل كان مع القيام بإيجاد فرص حقيقية تختلف عن سابقاتها .
*** تطوير المهارات والقدرات من خلال الدراسة والعمل التطبيقي لكل ما اكتسبه من المعارف النظرية .
**** تسجيل نقاط مايؤكده حقيقة الشعور بالشخص أو الشيء الذي يشغف به .
***** توضيح مجال الشغف بعيداً عن أي ضغوطات كانت .
ويتحلى الشخص الشغوف بعدد من الصفات التي تميزه عن غيره من الآخرين ، فهُو يواصل البحث عن شغفه ، وعلى محمل الجد يتمسك به ويسعى لتحقيق ذاته ، وصياغة قيمه الخاصة ورؤاه ، وذلك يمنحه الشجاعة على مواجهة الصعاب ، ومتابعة الطريق مهما بدا طويلاً ، لأن الصبر ومقاومة المخاوف سمة رئيسية في بناء شخصية الإنسان الشغوف . وفي هذا يكون الحب أرقى مشاعر الشغف الإنساني وأجملها ، كما أنه الحافز الرئيس والأساسي للسعادة . والشغف في الحب هو الاشتياق للمحبوب والرغبة في قضاء كل الأوقات معه أو أغلبها حتى أن المحب لا يستطيع فراق ما يحبه أو مَن يحب أبداً ، لأن الشغف في الحب حالة خاصة حللها علماء النفس ووجدوا أن الشغف في الحب مصدره الرئيسي هو العقل وليس القلب ، وأن الدماغ يرسل الإشارات الحسية إلى القلب لتسري بعد ذلك مع الدم في باقي أعضاء الجسم كله .
وقد قَسَّم العالِم (سيغموند فرويد) الشغفَ في الحب إلى عدة أنواع ، وهي :
* – الشغف النرجسي :
وهو حب الإنسان لنفسه ، عندما يقوم بالبحث عن شخص يشترك معه بنفس صفاته (المشتركات) ويقوم بتحقيق رغباته من خلاله .
* – الشغف الموضوعي :
وهو الحب الذي ينشأ خارج حدود حبِّ شخصٍ ما أو شيءٍ معيّن يتوق إليه ، ولا يوجد تشابه مطابق بينهما وإنما يوجد تكامل كبير بين الاثنين لأن كلّاً منهما يكمل الآخر .
وكان من وجهة نظر علم النفس ، أن للشغف في الحب عدة أنواع تم تقسيمها حسب أفكار ومشاعر المحبين ، وحسب طريقة تصرفاتهم العفوية ، إذ يمكن للشخص الواحد أن يختبر بعفوية كل أنواع الشغف في الحب دون أن يشعر ودون سابق تصميم . لأن الشغف في الحب نبيل ومليء بالعواطف والمشاعر ، وبالحنان والاحتواء ، وبالصداقة الصادقة ، وفي هذا النوع من الشغف يعتبر المحب وعوده لمن يحب وعوداً مقدسة وعليه الالتزام بها التزاماً كاملاً .
* – شغف “الحب الرومانسي” (الإيروسي) فهو أكثر أنواع الحب المليء بالمشاعر ، وفيه تتأجج العواطف ، فتجمع الجسد والعاطفة معاً ، لأن حجم العاطفة فيه يكون كبيراً جداً ، ومَن يقع في هذا النوع من شغف الحب هم الأشخاص الذين يقعون في الحب بمجرد النظرة الأولى ويعتبرون الحبيب شخصاً كاملَ المثالية .
* – شغف “الحب اللئيم” ، ويعتبر هذا النوع من الشغف نوعٌ من أنواع التسلية ، لأن العاطفة فيه لاتكون صادقة ، كما لا يوجد فيه التزام أو إخلاص ولا مشاعر .
* – وكذلك هو شغف “الحب الوضيع” ، حيث يفتقد المحب فيه تقدير الذات ، ويبحث عن الحب بشكل مستمر طلباً للأمان الذي يبقى يفتقده ، وفيه يقوم المحب بتقدير المحبوب إلى درجة مَرَضِيةٍ و مبالغ فيها .
* – أما شغف “الحب العقلاني” فهو الشغف الذي لا يستند إلى القلب أو العاطفة ، ويكون مبنياً على العقل والواقع والمنطق في اختيار المحب لحبيبه على أسس معينة وعلى دراسة القدرة في التوافق والانسجام وفي الصفات المشتركة والراحة وحتى في درجة الانجذاب .
* – وهناك أيضاً شغف “الحب الواهب” الذي يتصف بالعطاء الكلّي والدائم ، وبالتضحية التي لا تعرف لها حدوداً ، وفيه يَعتبر المحب أن حبيبه نعمةً إلهية يجب الحفاظ عليها .
ولهذا كانت مراحل الشغف في الحب حسب علم النفس :
= المرحلة الأولى للشغف في الحب هي الاستحسان أو الاستلطاف أو الانجذاب ، حيث يميل فيه طرف إلى طرف آخر ويَستحسن صفاته منجذباً إليها ، ويدفعه ذلك إلى مراقبته ومعرفة أدق تفاصيله والتقرّب منه لاستكشاف حقيقة شخصيته .
= المرحلة الثانية في شغف الحب هي الإعجاب ، ويمكن اعتبارها طرف الخيط الذي تبدأ من عنده مشاعر الشغف ، فيُظهِرُ المحب شغفه بشخص ما دون غيره حتى وإن كان تواصلهما دون لقاء ، ويفضّله عن الآخرين مهما كانوا يتميزون عنه بالشكل أوبالصفات .
= المرحلة الثالثة لشغف الحب هي الألفة ، وتعتبر من أجمل مراحل الشغف لأنها تكون مليئةً بالراحة النفسية وبالسكون إلى الحبيب ، ويشعر المحب بأنه يأنس لوجود حبيبه إلى جواره أو للتواصل معه ، كما يشعر بالاشتياق إليه في غيابه مهما كانت فترة الغياب قصيرة ، ويبدأ التفكير في الحبيب الغائب وينشغل باله عليه إلى درجة أنه يعجز عن التفكير في غيره مهما كانت محاولاته .
= المرحلة الرابعة والأخيرة للشغف في الحب وهي أعلى مراكز الشغف وأقوى مراحله ، وفيها يبدأ المحب بفقدان السيطرة على مشاعره ، حتى يجد نفسه ممتنعاً عن التفكير العقلاني بكل مايتعلق بشخص محبوبه ، وتقوده مشاعره دون أن يهتم بالنتائج أو بالعواقب ودون النظر لأيّة قواعد أو حسابات تتطلب ذلك .