العدالة و القضاء ..
د.علي أحمد جديد
( عدلتَ ، فأمِنتَ .. فنِمتْ)
يُعتبَرُ القضاء هويةً لأي دولة في الدلالة على نظامها ، وهو الترجمة العملية لمقولة :
” العدل أساس المُلك ”
كما أن القضاء مؤسسة الشعب الأولى التي يلوذ بها لحفظ إنسانيته ورعاية حقوقه وصون كرامته . لأن المؤسسة القضائية هي التي تُشعرِه بهيبة الدولة التي يعيش على أرضها وتحت مظلة نظامها الإجتماعي والسياسي وهي التي تدفعه للتمسك بمواطنته وبوطنيته وانتمائه .
والدولة المستقلة استقلالاً كاملاً وحقيقياً ، تؤسس نظامها القضائي المستقل والنزيه الذي يحفظ استقلالها ويزرع الطمأنينة في نفوس ووجدان شعبها من خلال إرساء موازين العدل وحفظ الحقوق ، ومحاربة الظلم ومواجهته ومجابهته ، لأن دوام الدولة واستقرارها يرتبط باستقرار العدل والمساواة فيها . وفي قوة العدل ونشر العدالة تشهد الدولة ازداهارها وتطورها في كل مناحي الحياة ، لأن نشر العدالة يحقق الحياة الآمنة ويفجّر الطاقات والمواهب ويستنفر الجمع في التنافس للبناء والعطاء . لأن نزاهة القضاء أساس استقرار المجتمع ، وبالمقابل فإن فساده يحمل الخراب . والقضاء في الدولة هو قلعة الوطن ، وركنه الشديد الذي يحفظ كل كيانات المجتمع سواء الدولة في كيانها ، والنظام ، والمواطن .. وجميعهم على حَدٍّ سواء .
وإن اختلال موازين القضاء ، يعني اختلال موازين استقرار الوطن ومؤسساته ، وافتقاد سكينة المواطن في أمنه وأمانه ، وهو ما يؤدي في النهاية إلى اختلال موازين ثبات أي نظام ، لأن النظام يفقد شرعيته بالوجود إذا كان الفساد ينهش في جسم القضاء .
وفي حال أي اهتزاز قد ينال من صورة القضاء ، أو فساد بعضه ، فإن ذلك سيؤدي تلقائياً إلى اختلال صورة النظام نفسه ، وذهاب هيبته ، وربما يدعو أيضاً إلى الخروج عليه ، بسبب غياب العدل وضياع الحقوق ، وانتشار صور الظلم والمحسوبيات . لأن الأنظمة في هذه الحالة ، تلجأ إلى محاولات تثبيت سلطانها ولا تجد أمامها سوى قهر الناس لإجبارهم على التراجع عن مطالبهم ، وبالتالي التحوّل إلى الاستبداد بالحكم بدلاً من العمل على إصلاح الجهاز القضائي الذي يعمل على انتشار العدالة المُشوَّهة ، والظلم المُقنَّع . وفي هذا يزيد من سوء الحال ، ويفاقم من نسبة الشكوى والتذمر ، ويرفع منسوب الخوف والقهر المصحوبين بفقدان عنصر الأمن والأمان .. وتكون العلاقة بين الشعب وبين الحكومة متوترة وقائمة على التوجس والخوف ، وعلى سوء الظن بأي إجراء من الإجراءات الحكومية مهما كان مقصدها نبيلاً ، وتكون الأجواء المعيشية خانقة وقاتلة لكل أنواع الحياة بصورها المثالية والصحيحة .
إن فساد القضاء يعني بالضرورة بما يعنيه غياب العدالة وانعدامها وانتشار الظلم ، وكلا الصورتين فيهما هلاك الدول الحتمي ، وفساد الأنظمة ، وسوء الأحوال . وقد ذكر ذلك العلّامة ( ابن خلدون ) في مقدمته الشهيرة بقوله :
“فساد القضاء يُفضي إلى نهاية الدول” .
“الظلم مُؤْذِن بخراب العمران” .
ذلك لأن فساد القضاء يعني فساد الحكم وفساد السياسة ، وفساد الاقتصاد في الاستثمار والتجارة ، ومعهم فساد المؤسسات التربوية ومحاضنها والمربين ، وبالتالي فساد المجتمع ككل وضياع الأخلاق . وكل ذلك تحت عنوان واحد :
” فساد القضاء منبع الشر”
لأن القضاء وحده هو الجهة المفوضة بصون الحقوق ، وبحماية الناس ، وحفظ أملاكهم و ممتلكاتهم وأعراضهم ، وبإقامة ميزان العدل والحق . فإِنْ فَسدَ القضاء فقدَ مكانته وهيبته ، وغدا مرتعاً للظلم والباطل ، وللمحسوبيات والرِشى ، لأن فساد المؤسسة القضائية مدعاةٌ لفساد مؤسسات الدولة وأجهزتها ، ومَنْ أَمِنَ عواقب المساءلة والحساب أساء القيام بوظيفته واستغلها أبشع استغلال ما دام ثمن القاضي بات معروفاً . ومهما علا ثمن القاضي يبقى بخساً ورخيصاً (بدراهم معدودات) . وأي ثمن يُدفَع بدل القِيَم والشرف والمبادئ ، هو ثمن بخس مهما عظم . والقضاء الفاسد يعني أن كل نظامٍ سياسي فاسدٍ يبحث عن قضاءٍ فاسدٍ ليحميه و ليغطي على فساده وليبرئ ساحته من أي جريمة . ومن خلال الواقع المعاش ، فإن القضاء في كثير من الدول والأنظمة في العالم بات شاهدَ زورٍ وبصورة وقحة ، الأمر الذي يحبط الناس ، ويوصلهم إلى القناعة باستحالة تحصيل حقوقهم في اللجوء للقضاء ، وذلك مايدفع للسعي إلى تحصيل الحقوق بأساليب وطرائق بعيدة عن النزاهة والعدالة ، ومنها اللجوء إلى الخطف والسرقة والقتل وبالتالي تفشي الفساد وانتشار الجريمة .
وغالباً ما يتم تزوير الانتخابات برعاية المؤسسات القضائية ، فتُباع مُقدَّرات الوطن في خصخصة مؤسساته باعتماد صفقات فاسدة ترعاها المؤسسة القضائية الفاسدة والتي لا تحاكم الفاسد في مؤسسته القضائية لانعدام النزاهة والعدالة فيها !!.