العهود الآلهية في الكتب السماوية؟!
د. عبد العزيز يوسف آغا
///////////////////////////////////////////
مما لاشك فيه : أن طريق نجاة الإنسان وفلاحه كما ورد في جميع الكتب السماوية، هو الالتزام بأحكام العهد الإلهيّ، والتسليم أمام التكاليف الإلهيّة. لذلك اعتقد أن دراسة «العهود» في الكتب السماوية هي ضرورة من أجل الوقوف على مضمون العهد الإلهي ، وبيان أوجه التشابه بينها.
العهد الإلهيّ الأوّل المذكور في التوراة هو العهد الذي قطعه الله مع آدم.
هذا العهد كان عهد تسليم الإنسان لله وطاعته في تحريم الأكل من الشجرة المحرَّمة: «وَأَوْصَى الربّ الإلهُ آدَمَ قَائِلاً: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنةِ تَأكلُُ أكلاً، وَأما شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشر فَلاَ تَأكُلْ مِنْهَا». ولأن آدم عصى هذا الأمر استوجب العقاب .
وقد اتّضح أن مفاد هذا العهد كان تسليم آدم لأمر الله.
وبعد ذلك يأتي العهد الثاني الذي قطعه الله مع نوحٍ قبل الطوفان، فقال: «فَهَا أنَا آتٍ بِطُوفَانِ الْمَاءِ عَلَى الأرْضِ لأُهْلِكَ كلّ جَسَدٍ فِيهِ رُوحُ حَيَاةٍ مِنْ تَحْتِ السّمَاءِ. كلّ مَا فِي الأرْضِ يَمُوتُ. وَلكِنْ أقِيمُ عَهْدِي مَعَكَ، فَتَدْخُلُ الْفُلْكَ أنْتَ وَبَنُوكَ وَامْرَأتُكَ وَنِسَاءُ بَنِيكَ مَعَكَ».
وقد بارك الله نوحاً وأبناءه بعد الطوفان، وأعطاهم تعليمات حول طريقة استخدام اللحوم، وأحكام القصاص. ويبدو من خلال تعليل انعقاد العهد باستقامة نوحٍ أن مضمون هذا العهد هو الالتزام بالإيمان بالله وعبادته والتسليم لأمره.
وكان عهد الله مع ابراهيم هو العهد الثالث المذكور في التوراة، والذي يبدأ مع تاريخ الشعب اليهوديّ بإبراهيم، فقد دعاه الله، كجزءٍ من العهد، للسفر إلى أرض كنعان (فلسطين) ،
ووعده أن يكون أبناؤه أمّة عظيمة.
أما العهد الرابع فقد كان هو عهد الله مع موسى، وظهور الشريعة الإلهية (الوصايا العشر) بمعناها الخاصّ، من خلال بعثة موسى واستلام الألواح في طور سيناء من أجل إقامة عهد الله فقد كتب موسى جميع وصايا الله في سفر العهد،ويعكس استخدام كلمة «عهد» في التوراة حقيقة أن عهد الله مع موسى وبني إسرائيل هو عهدُ شريعة ، كما جاء في بعض المقاطع من التوراة: «فَأَحْبِبِ الربّ إلَهَكَ وَاحْفَظْ حُقُوقَهُ وَفَرَائِضَهُ وَأحْكاَمَهُ وَوَصَايَاهُ كلّ الأيّامِ…؛ لِكَيْ تَكْثُرَ أيامُكَ وَأيامُ أوْلادِكَ…….
وتُظهر مجموعة الموادّ المتقدّمة في العهد القديم أن عهد الله كان دائماً بين طرفين: الله؛ والإنسان.
لكنّ العهد مع موسى هو عهدٌ بين الله وبني اسرائيل.
وعلى أيّة حالٍ يمكن رؤية المفهوم الثنائي للعهد الإلهيّ، والذي يتضمّن عنصرَيْ: الطاعة من قِبَل الناس؛ والعطاء المقابل من قِبَل الله.
بينما في القرآن الكريم ، نلاحظ أن
العهد يتحقَّق بالفَيْض الإلهي في ذات الإنسان.
«فالعهد» هو مقام الإمامة. وتُعَدّ الإمامة جَعْلاً إلهيّاً، بناءً على قوله: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً﴾. والإمام هو النموذج الكامل لجميع الكمالات العقلية والنفسية ، ومن ثمّ فالعهد أمرٌ يحصل في النفس، ويوجد في الذات، ويتحقَّق من خلاله الاصطفاء والخلوص والعصمة، وحقيقة العبودية، وكمال الارتباط، وتمام العلم، والمعرفة، ونزول الوَحْي، والرحمة، وشمول الفيوضات الربّانية، والأنوار الإلهية.
ويتوضح أن عهد الله مع الإنسان هو الأمر بعدم الشِّرْك والعبادة الخالصة. وقد تمّ بيان ذلك المعنى بصراحةٍ في قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ *وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾
ويمكن التعبير ـ بشكلٍ عامّ ـ عن أوجه الشبه بين مفهوم العهد في القرآن والعهد القديم في شرح وتحديد طريقة التقرُّب من الله؛ حيث يُعتَبَر الالتزام بالشرع الإلهيّ، ومحوريّة التكليف، العنصر الأساس في عهد الله مع الإنسان وعهد الإنسان مع الله، وذلك في القرآن الكريم والعهد القديم والعهد الجديد والذي يتضمَّن الإفاضة والعطاء من قِبَل الله والطاعة من قِبَل الإنسان.
بينما نلاحظ في العهد الجديد أن عناصره الأساسية تتجلّى في التزام الإنسان بالإيمان بالأسفار الخمسة وبعصر الناموس الذي جاء على أيام موسى وشريعته بالإضافة إلى ماجاء به السيد المسيح من تعاليم وتوصيات اوالعمل بها خاصة إنه عصر النعمة الذي تميز بالفداء وتخليص الإنسان من الخطيئة الأزلية .
ويمكننا ملاحظة أن العهود كانت تأتي عن طريق الوحي في التوراة والقرآن، بينما لايوجد وحي لدى المسيحين إذ إنهم يعتقدون أن المسيح هو والرب ينبعثان من جوهر واحد ، فهو الله الذي حل بالجسد.
ومن الملاحظ في العهد الجديد أنه قد تغير مفهوم العهد من التعهد بالطاعة والتسليم إلى التعهد
بالإيمان والمحبة. فالله محبة.
ومن هنا، وبغضّ النظر عن الاختلاف في التفاصيل والمتطلّبات، فإن الكتب السماوية متشابهة في تقوية علاقة الإنسان بالله من خلال الاهتمام بالتكاليف الإلهية المقرّرة والالتزام بالشريعة الإلهيّة التي تجعل الإنسان يتقرب إلى الله لنَيْل مقام القُرْب والفَيْض الإلهيّ الذي برحمته يشرق الكون وبنوره تنبعث الحياة.
وعلى المحبة نلتقي،،