🍃رؤيتي في قصيدة(في حديقة البلفدير)
للشاعر الدكتورHamed Hadji
———
نص القصيدة
بحديقة البلفدير*
وواعدتُها عند بوابة (البلفِديرِ )فمعزومةٌ ويكون لِيَ الشرَفُ
هناك حديقةُ وردٍ.. وبالجنب مقهى يُزَيّنُ حيطانَه الخَزَفُ..
هناك بحيرةُ ماءٍ وحوضُ إوزّ.. وطيرٌ يجيء وآخَرُ يخْتَلفُ ..
——-
وجاءت… كأنّ خطايَ بأطرافِ حَبْلٍ ويَجْذِبُنِي صوبها طَرَفُ
أُخَبّـئُ حبي إذا اعْتَرَضَتْنِي،
كأنّه عُرْيٌ
وأسترُهُ وهْوَ ينكشِفُ…
——-
وتَـــنْــدَهُ لي من بعيد… كأنّ جميع الخلائق في صوتها هَتَفوا..
نداها تراتيلُ شيخ بصومعةٍ..
نغمةٌ تتكلم بالسرّ في باطني
لكأنّ تناهيدها الوحيُ والصحفُ…-
————
وأهوى تكلّمني فتفيق الزهور ويسرح طيرٌ وكل المدائن تأتلفُ
كأنّيَ طير
مهيض الجناح
ويوشك يسقط بين المغاور والكُهُفِ
———-
وتعرق كفي،
وتمسكني روحها
من شغاف فؤادي وأنخطفُ..
تريد تطهّرُ روحي على مهلٍ… ويفارقني الوهمُ والخَرَفُ
——-
تقشّرُ من جسدي
شهوتي واضطرابي..
كأنّ بجسمي الخطايا وكل جوارحه جِيٓفُ
وتصعد بي،
قطعا في مخالبها،
تتطاير من بين أظفارها نُتَفُ..
———
أُعِدُّ لها مقعدا تحت ظل صنوبرة…
وآخذ معطفها وأسويه ..
ما ألطف الحب ساعةَ يعترفُ…!
تظل تبوحُ
بأسرار قلبي الملامحُ،
أنكرُها وهي تعترفُ…
————
ويشهد سقمي عليّ
وإطراقتي
ولبوسُ الكآبة والكلَفُ…
ونشرب قهوتنا
فشفاهي الفناجينُ والبُنُّ ريقتها
ونعود… وما عاد حزن ولا أسفُ…!
———
أيا صاحبي كنْ غنيّا..
عليك بحب تلازمه
إنما الفَقرُ فقر الهوى والصبا وَالغِنى منهما شَرَفٌ
——————-
أقول:
القلب لمن زرع القلب وسقاه
والحب لمن أخلص الحبّ ووفاه
والقصيدة تقول في الحب أشياء
من بينها :إذا احببت أحدا أحبّه بألف إحساس
ولكن في رؤيتي هذه سأتماهى مع المكان والمقطع الاول من القصيدة بالذات
———
فهل أ ختار الشاعر الحديقة رمزا لعلاقة الإنسان مع الطبيعة، أم لعلاقة الإنسان مع الإنسان من حيث هو المحب والمحبوب ؟
مما لا شك فيه أن الحديقة
لعبت دورا فعالا في عقيدة البشر وتمثل ذلك في أدبهم وفنهم فبوذا تلقى الوحي وهو يجلس تحت الشجرة، والمسيح ولد تحت جذع النخلة، والنبي محمد(صلعم) أخذ البيعة من أنصاره تحت الشجرة، لذا دخلت الحديقة حياة الناس فهي ترمز لما يتوقون إليه من متع وآمال وجمال
ولا عجب إذا وجدنا شاعرا وفي موعد غرام خاص به يصطحبنا إلى حديقة(البلفدير)
التي في رحابها الخصيب تأتينا الطبيعة
بسحرها تنعش الأذهان وتطرب الأسماع فنراها فردوس الأرض
حيث يقول
هناك حديقةُ وردٍ.. وبالجنب مقهى يُزَيّنُ حيطانَه الخَزَفُ..
هناك بحيرةُ ماءٍ وحوضُ إوزّ.. وطيرٌ يجيء وآخَرُ يخْتَلفُ ..
الشاعر أخذنا في رحلة إلى حديقة لها مكانة في المخيال التونسي
ومن منا وهو طفل لم يحلم بزيارتها والتنعم بجمال الحياة فيها وبأشجارها وحيواناتها وبركة الماء المشهورة والنافورة…
والقصيد ذكرني بشعراء الأندلس الذين تغنوا بالحدائق كابن الزقاق وابن مطرف وخاصة ابن خفاجة
الذي قال عنه وعن الحديقة المستعرب الاسباني أميلو غواية غومت:لقد ازداد شعر الحدائق رسوخا في إسبانيا الإسلامية وتطورا مما أعطى الحدائق طابعا إنسانيا وبلغ مداه على يد ابن خفاجة)
وها نحن ندخل رياض شعر الحدائق مع قصيدة( بحديقة البلفدير) ونتنشّق أريجه ونعيش لحظاته
حيث في المقطع الاول -الشاعر الطليق ينقل ما حرّك الوجدان وألهمه الكلمات(ورد//بحيرة ماء//حوض إوزّ//طير)وفي غفلة من الزمن نرى أنفسنا في حدائق سميراميس في بابل أي الحدائق المعلقة أو في حديقة الإله(شماس)الذي استقبل فيها الأبطال (حسب ملحمة جلجامش)
وفي لفتة قدسية وهالة من سحر
يحدثنا الشاعر عن حبيبته فنتمثل قدومها في الموعد وتمر امامنا لوحات مراسم الاستقبال وبروتوكول الشوق والبث والبوح
(وتعرق كفي،
وتمسكني روحها
من شغاف فؤادي وأنخطفُ..
تريد تطهّرُ روحي على مهلٍ… ويفارقني الوهمُ والخَرَفُ)
ونصل إلى إدهاش القفلة
فاذا الشاعر بعد موكب الغزل واستعراض الاحاسيس بكل ألوانها وعطورها يرتدي جلباب الواعظ
(أيا صاحبي كنْ غنيّا..
عليك بحب تلازمه
إنما الفَقرُ فقر الهوى والصبا وَالغِنى منهما شَرَفٌ )
حيث يذكر الوفاء في الحب بكل خير(عليك بحب تلازمه)ويرى الغنى
في الحب الصادق وصدق المشاعر
وكأن هذه الابيات تقول
إذا كان هناك من يحبك فأنت إنسان محظوظ، وإذا كان وفياً وصادقاً في حبه فأنت أكثر الناس حظا
قصيد(في حديقة البلفدير) من يقرأه يرى نفسه في حديقة تموج بأطاييب الحب وأنداها
فهو القصيد الخاشع للحب حيث
نسمع صدى كلماته يردد
متى يا قلب للحب تخشع
وتنسى في الحب هم الحياة
أيعقل تحب كل حين
وتغرق في بحار الامنيات
أحبَّ من أحببتَ بنقاء
فالحب وحده يجمع الشتات
كما نلمس ان الشاعر يبوّئ المكان
مقاما جليلا
ففي قصائد سابقة ذكر (المسرح البلدي)
فنعيش فاعلية المكان في الصور الشعرية التي تضمنتها القصيدة
حيث تواشج المكان الواقعي مع المكان المتخيل أو المكان الشعري
والشاعر هنا طوّع قابلية(التأمكن)(ان صحّ التعبير)
مما جعل نصه فضاء لتعدد الأماكن
حيث تحول عنده المكان الواحد إلى أمكنة وكأن لكل مقطع من مقاطع القصيدة مكانا خاصا به(أعدّ لها مكانا تحت ظل صنوبرة)(فضاء//مغاور//كهوف..)
فالمكان عنده متخيل إبداعي منغمس
في ذات الشاعر حيث يتعامل معه
و يستخلص منه رؤاه ويبث فيه وجدانه…
دام ابداعك دكتور حمد الشاعر
فائزه بنمسعود
7/5/2024