فقرة :جمع بصيغة المفرد(مبدع/مشاكس/ناقدة)
قراءة نقدية: “القصيدة والعلاج بالتحليل النفسي”
المبدع:حمد حاجي(قصيدة:”العلاج بالرسم””فارس وثلاثة فرسان”)(تونس)
المشاكس:عمر دغرير(مشاكسة:”بالحكايات يكون الشفاء”)(تونس)
الناقدة: جليلة المازني(تونس)
يمكن الحديث من خلال قصيدتي المبدع والمشاكس على المشترك شكلا والمختلف مضمونا:
أ- المشترك على مستوى الشكل:
1- ان القصيدتين تندرجان ضمن “أدب الحلم”:
– يقول المبدع حمد حاجي:يقول طبيبي الفرنسي
هيا تذكر جميع الأغاني وأمرا جلل
وحلمك والذكريات كفاك كسل
– يقول المشاكس عمر دغرير: ويقول طبيبك الفرنسي أيضا
لا تحلم كثيرا
فهناك من نام
وفي حلمه قتل الكثيرين
ولا يعرف من قتل…
2- ان القصيدتين تتحدّثان عن العلاج بالتحليل النفسي:
“ويقوم منهج العلاج بالتحليل النفسي على ثلاثة أمور هي:
اولا:تداعي الافكار الحرةالذي يسمح للمريض باسترجاع الذكريات المنسية.
ثانيا:تحليل الاحلام بتفسير صورها ورموزها في ضوء شخصية المريض وحياته.
ثالثا:التحويل:أي العلاقة العاطفية التي تنشأ بين المريض والمحلل(1).
لئن اعتبر المبدع ان العلاج يكون بالرسم حيث انه رسم مشاهد والطبيب الفرنسي والممرضة يتأملانها(مشهد الصبْية بالاباريق/مشهد تعليم الفروسية/مشهد الركض على صهوة الحصان..)
فان المشاكس قد اعتبر ان” بالحكايات يكون الشفاء” (حكاية عقدة أوديب/حكايات شهرزاد/ حكاية موسى/لعلّ بالحكايات تكون بداية الشفاء في زمن كثر فيه الخبل)
3- الهذيان بسعدى:
يقول المبدع حمد حاجي:كنت تهذي هنا يا رجل
وكنت تصرخ: يا حب خذني
لأيام سعدى وحضن أمل
يقول المشاكس عمر دغرير: وها انت تهذي وتصرخ في الخلاء
ولن تسمعك سعدى
4- استخدام فعل زعم الذي يحتمل الصدق والكذب :
– استخدم المبدع فعل زعم أربع مرات في القصيدة طيلة الحلم هذا الحلم الذي لم يعشه المبدع وانما صنعه ابداعيا وبالتالي فان فعل زعم هنا يحتمل الكذب أكثروكما يقا ل بان” أجمل الشعر أكذبه” فان الشاعر المبدع استطاع ان يرسم لنا مشاهد من متخيّله للحلم لذلك هو صدّر قصيدته ب”العلاج بالرسم”.
ان العلاج بالرسم او بالفن الذي أسسه الفنان البريطاني”أدريان هيل”في عام1942.اكتشف هيل الفوائد العلاجية للرسم والتلوين في فترة نقاهته
عندما كان يتعافى من مرض السل في المصحّة”(2).
ويستخدم الرسم في علاج حالات معينة مثل مرضى الاكتئاب او التوتر.
ولعل مبدعنا يعالج بتلك المشاهد التي رسمها حالة من التوتر مع سعدى جعلته يبحث عن مُسكّن له مع الممرضة وهو في نفس الوقت يهذي بحبّ سعدى.
أما اقتراح المشاكس أن “بالحكايات يكون الشفاء” فهو يستجيب للعلاج النفسي بالحكاية:
“فالحكاية ليست مجرد خرافة بل هي شكل من أشكال العلاج النفسي الذي يهدف الى مساعدة الناس(أطفال/كبار)لتحديد قيمهم والمهارات والمعارف التي يحتاجون اليها لعيش هذه القيم حتى يتمكنوا من مواجهة أي مشاكل يتعرضون لها بعقلانية”(3).
لقد استخدم المشاكس فعل زعم ثلاث مرات ولم تكن له نفس دلالة المبدع فلا يكفي ان فعل زعم يحتمل الصدق والكذب بل وظّفه المشاكس مشحونا بالتهكّم من مزاعم المبدع في حلمه المصطنع.
5- نفس الشخصيات وردت بالقصيدتين(المبدع/الطبيب/الممرضة/سعدى)
6- التغزّل بالممرضة :
– يقول المبدع وعيني بها لم تمتع بالنظر
تعشّقت واحدة بالوجود
ولا عيب
لو أنها ثالث الشمس والقمر..
يعيّرني الحاقدون بحبي ارملة
أتميزُ الرياح اللواقح بين
البراعم والنسغ في الشجر؟
– يقول المشاكس: وتأتي الممرضة
وبسمتها في الفم كالعسل
7- الحقنة:
– يقول المبدع:”وتدنو ممرضتي/ بالمخدّرتحقنني”
– يقول المشاكس:”وفي يدها حقنة/ ترعب كل من هزمته العلل
8- القفلة مطبوعة بالتفاؤل عند المبدع (خذني لأيام سعدى وحضن أمل) وعند المشاكس (لعلّ بالحكايات تكون بداية الشفاء)
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة على مستوى المضمون:
ان الجوانب التي اتفق عليها المبدع والمشاكس هي نقاط اتفاق شكلا ولكن مضمونا هما يختلفان فيها :
1/ أدب الحلم:
– ورد الحديث عن الحلم باستخدام الاثبات عند المبدع (يقول طبيبي الفرنسي:هيا تذكر وحلمك والذكريات/وتأتي ممرضتي:هل حلمت؟)
وهذا الاثبات يقنع القارئ بان القصيدة تندرج فعلا في أدب الحلم
– ورد الحديث عن الحلم باستخدام النفي لدى المشاكس(يقول لك طبيبك الفرنسي لا تحلم كثيرا) .ولعل هذا يخرج المشاكسة شيئا ما عن أدب الحلم
2/ العلاج بالتحليل النفسي:
– ذهب المبدع الى العلاج بالرسم (“العلاج بالرسم” الوارد بالعنوان ودعمه بالمشهدية التي رسمها في صلب القصيدة )
– ذهب المشاكس الى العلاج بالحكايات(بالحكايات يكون الشفاءوهو عنوان مشاكسته/ وختم بقوله:لعل بالحكايات تكون بداية الشفاء)
ان العلاج بالتحليل النفسي يعتمد العلاج بالرسم وبالحكايات على حدّ السواء.
3/ الهذيان :
يهذي المبدع حبّا في سعدى والمشاكس ينفي علاقة سعدى به.
4/ استخدم المبدع فعل زعم اربع مرات ليُوهم بالحلم والمشاكس استخدم فعل زعم ثلاث مرات وكان مشحونا بالتهكم من المبدع.
5/ التغزل بالممرضة:
– لقد تغزل المبدع بالممرضة حين وازاها بالشمس والقمر وعرّض بالحاقدين الذين عيّروه بحب أرملة وضرب في ذلك مثل الرياح اللواقح التي لا تميّز بين البرعم والنسغ في الشجر.
اما المشاكس فقد مرّ على التغزل بها مرورا عابرا
6/ القفلة:
لئن كان هاجس المبدع سعدى حبه الاول وحضن الأمل فان هاجس المشاكس العلاج بالحكايات.لقد كان كل منهما متفائلا بطريقته .
7/عنوان القصيدة :لقد اختلف المبدع والمشاكس في اختيار عنوان للقصيدة:
– لقد اختار المبدع عنوانا لقصيدته”فارس وثلاثة فرسان” وصدّر العنوان بعنوان أخر”العلاج بالرسم”.
ان تضمين العنوان ثلاثة فرسان يتناصّ مع عنوان رواية الفرسان الثلاثة من تأليف أليكساندر دوماس.
لعل المبدع لم يشأ أن يقحم نفسه ليكون رابع الفرسان فرمز لنفسه بفارس في علاقة بثلاثة فرسان(الطبيب/الممرضة/سعدى) فاعلين فيه وهو مفعول به فالطبيب فاعل بتعليماته والممرضة فاعلة فيه بتعليماتها وبحبه لها المسكّن لاوجاعه من سعدى والممرضة فاعلة أيضا لانها وفرت له أرضية العلاج بالرسم الذي صدّر به القصيدة من خلال تلك المشهدية التي رسمها زاعما نفسه في حلم أمّا سعدى فهي فاعلة فيه بحبّها الأزلي وهي سبب لقائه بالطبيب والممرضة.
أمّا االمشاكس فقد اختار عنوانا “بالحكايات يكون الشفاء” وهو محتوى مصغر لمحتوى القصيدة الكامل وله من الوجاهة ما يكفي.
وأختم قولي بأن تناصّ المشاكسة مع الابداع لا يتنافى والابداع فالشاعرالمشاكس عمر دغرير انخرط شكلا مع المبدع واختلف مضمونا معه وهذا الاختلاف محتوى أكسب المشاكسة نفَسًا ورُوحًا جديدين ارتقت بهما المشاكسة الى الابداع.
اما الشاعر المبدع حمد حاجي فيبقى الجوهرحكرا له وفضله في الهام الشاعر المشاكس لتحريك قريحته.
شكرا للقلمين ابداعا ومشاكسة.
بتاريخ21/05/2024
=== قصيدة الشاعرالمبدع حمد حاجي ===
“العلاج بالرسم”
“فارس وثلاثة فرسان”
يقول طبيبي الفرنسي
هيا تذكر جميع الأغاني وأمراً جلَلْ
وحلمَك والذكريات كفاك كسلْ
وتأتي ممرضتي: هل حَلُمتَ؟
وأزعم حلّقْتُ بالحلم.. أضنى فؤادي المللْ
تقول اشرَحِ الانَ ما قد حصلْ:
زَعَمتُ بأنِّيَ عطشانُ للحب
قد هدّنـي ظمــأ
وفؤادِيٓ تاق إلى السَفَرِ..
وجئت إلى الدار
أطلب ماءً على قدرٍ
مثلما جاء موسى على قدر..
وأقبل صبيانها بأباريق
حتى رويتُ
وعيني بها لَم تُمَتَّعْ مِنَ النَّظَرِ..
تعشقتُ واحدة بالوجود
ولا عَيْبَ
لو أنها ثالِث الشَّمسِ وَالقَمَرِ..
يعيرني الحاقدون بحبِّيَ أرملة
أتميزُ الرياح اللواقح بين
البراعم والنسغ في الشجَرِ!؟
زعمتُ أعلمها صهوة الخيل..
والحر
لا يخلف العهد إن وعدا..
وناديتها: اركبيه..
وقد كنت أدنيتُه
مَا أحَيلاَهُ مهرا لمّا بدا..
وعنّت إلى السرج
تمسكُ عرف الحصان
ومدت إليّ يدا..
كأن الحرارة من كفها
أجّجت في اللجام الهروب..
فأمسكتُ ريح الشكيمة كي تصعدا
وكنتُ إذا ما رأيتُ العيون تراقبها
أتمنى
يصيب العمى أعيننا حُسّدا.
وأوشك أعمى..
إذا سلّم العابرون
تَمنيتُ لو لَم أَكُن بالوجود هنا أَبَدا..
وأزعمُ تركض… تركض.. حتى وصلنا الربوع
لَوَ أنّك حَدّقْتَ من شرفات البيوت لرأسِ الجبلْ
تَجِدْنَا نثرنا الربيع على كل سهل وتلّْ
ولو أنْ تَتَبَّعْتَ أجْبِحَةَ النحل أو ذُقتٓ شهد العسلْ
لأدركتٓ
كيف زرعنا الحبور وكيف غرسنا على شفتينا القبلْ
يقول طبيبي الفرنسي
قد كدتَ تموتُ
خشينا يجيء الأجلْ
وتدنو ممرٌضتي
بالمخدٌر تحقنني :
كنْت تهذي هنا يا رجلْ
وكنت تصرخ: يا حب،
خذني
لأيام سعدى وحضن أمَلْ!
(ا حمد حاجي)
“””””””””””””””””””””””””””””””””””
“=== قصيدة الشاعر المشاكس عمر دغرير===
“بالحكايات يكون الشفاء”
وها أنتَ تهذي وتصرخ في الخلاءْ
ولنْ تسمعكَ سعدى ,
وليلى ,
ولا حتى أملْ …
يقول الطبيب الفرنسي
كفاكَ تملقا ,
كفاك تزلفا إلى كل أنثى
وكفاك هبلْ …
وتناولْ دواءكَ في وقته
فما زال هناكَ في الشفاء أملْ …
ويقول طبيبك الفرنسي أيضا
لا تحلم كثيرا
فهناك من نام
وفي حلمه قتل الكثيرين
ولايعرف منْ قتلْ …
وتأتي الممرضة
وبسمتها في الفم كالعسلْ…
وفي يدها حقنة
ترعب كلّ منْ هزمته العللْ …
وتدعوكَ للنوم والراحة
فبعد المخدّر قدْ يجيئ الفشلْ…
وتزعم أنكَ حلمت كثيرا
وأنك حلقت بالحلم
بعيدا بعيدا كما يفعل الطير…
وعدت في الزمن
إلى عهد موسى
حيث الجواري
يروين عطش الملوك
بالمدام وبالقبلْ …
وعدت إلى عهد أوديب
الذي تعشّق أمّه
التي كانت تشبه القمرْ,
ثم قتلها وزعم أنه الأجلْ …
وكم زعمت أنك مثل ملك أوأميرْ
تعشقتَ الجواري والنساءْ,
وقتلتهنّ قبل طلوع الفجرْ …
ويسألك طبيبك الفرنسي
كمْ منْ شهرزاد زارتك في الليل ؟
وبالحكايات منعتكَ من القتلْ …
فتقول : واحدة فقط هي أمي
التي قالت : لازلت طفلا ولم تكبر
أيها الرجلْ …
ومن بعيد يأتيك صوت الممرضة
بعد أن ضحك الطبيب
وغاب على عجلْ ,
لعلّ بالحكايات
تكون بداية الشفاء
في زمن كثر فيه الخبل
المراجع
https://altibbi.com>…>(1)
ما هو التحليل النفسي -الطبّي
https://ar.wikipedia.org> wiki>…(2)
علاج بالفنّ- ويكيبيديا
Face book.Hikayat shahrazade(3)