في مثل هذا اليوم26 مايو1312م..
السلطان المغولي محمد خدابنده أولجايتو يقوم بحملة عسكرية للاستيلاء على بلاد الشام.
محمد خودابندا أولجايتو (و. 1280 – 703هـ/1304) ثامن سلطان لإلخانية.
السلطان محمد أولجايتو
وهو ابن حفيد هولاكو، وابن أرغون، وشقيق وخليفة محمود غازان على عرش إلخانية. عـمـّدته أمه لدى ولادته مسيحياً باسم نيقولا، وفي شبابه تحول إلى البوذية، ثم إلى الإسلام السني. ثم تأثر أولجايتو بتعاليم الحلي، وتحول للمذهب الشيعي. بل وكان ينوي نقل رفات سيدنا علي -كرم الله وجهه- إلى مسجد جديد يبنيه في عاصمته الجديدة، السلطانية. لقد كان يظن بتحوله إلى المذهب الشيعي أن ذلك سيوطد حكمه، إلا أن العكس حدث باندلاع الإضطرابات في العراق.
اعتلى أولجايتو العرش الإيلخاني خلفًا لأخيه السلطان محمود غازان، وذلك في (15 ذي الحجة 703هـ = 21 يوليو 1304)، ولم يكن عمره قد تجاوز الرابعة والعشرين، وتسلم قيادة الدولة وهي في أوج بهائها وعظمتها؛ فإصلاحات غازان قد أصابت كل أنحاء الدولة، ودفعت بها خطوات واسعة نحو الحضارة والمدنية والإنسانية.
وبعد ثلاثة أيام من الحكم أصدر (أولجايتو) مرسومًا بإقامة شعائر الإسلام، واحترام القوانين الشرعية التي أصدرها أخوه محمود غازان، وإلزام المغول كافة باعتناق الإسلام، وأبقى “رشيد الدين فضل الله الهمداني” في منصب الوزارة كما كان في عهد أخيه، وكان عالمًا كبيرًا ومؤرخًا عظيمًا، صاحب الكتاب المعروف (جامع التواريخ)، وهو يعد أهم كتاب تناول تاريخ المغول في هذه الفترة.
سار أولجايتو على نهج أخيه غازان خان في حسن معاملة رعاياه، وإقامة العدل بينهم، ونصرة المظلومين منهم، ومنع تعدي المغول على الناس، واستمر في تشييد المؤسسات الاجتماعية التي تنهض بالناس من بناء المدارس والمستشفيات والحمامات والملاجئ، وأعاد بناء مرصد مراغة الذي بناه هولاكو. وأما عن سياسته الخارجية، فقد نجح في فتح إقليم جيلان وبسط سيطرته عليه، ولم يكن المغول قد تمكنوا من السيطرة عليه من قبل، وحافظ على علاقات ودية مع دول أوروبا المسيحية.
أولجايتو ودولة المماليك
تأثرت العلاقات بين الدولتين نتيجة لاعتناق الإلخان المذهب الشيعي، وهو يُعد أول حاكم مغولي يعتنق المذهب الشيعي، وأمر به الجند وألزمه أهل مملكته، وذلك في سنة (709هـ= 1301) بعد أن كان سنياً يلتزم المذهب الحنفي ثم الشافعي.
وحاول أولجايتو أن يوثق عرى الصداقة بين دولته والمماليك، وتودد إلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون سلطان دولة المماليك، ثم لم تلبث أن ساءت العلاقة بين الدولتين؛ فقام أولجايتو بتجهيز حملة على بلاد الشام في (18 صفر 712 هـ = 26 يوليو 1312م) مستعينًا باثنين من كبار قادة السلطان الناصر، كانا قد فرا إليه، وزيَّنَا له الاستيلاء على بلاد الشام التي كانت خاضعة لسلطة دولة المماليك، غير أن تلك الحملة التي خرج على رأسها السلطان أولجايتو اصطدمت بأول قلعة مملوكية على الحدود الشامية، وهي قلعة الرحبة الواقعة على نهر الفرات، وفشل في اقتحامها وإخضاعها؛ فقرر العودة إلى بلاده في (26 رمضان 712هـ = 1 فبراير 1313)، ولم يحاول بعد ذلك أن يغزو الشام، وأقلع تمامًا عن هذه الفكرة.
كان من أماني السلطان غازان أن يبني مدينة بموضع بستان سلطانية الواقعة شمال شرقي العراق في البلاد الواقعة بين نهري زبخان وأبهر، وشرع في تنفيذ ذلك لولا أن وافاه الأجل المحتوم، فحال بينه وبين إتمام المدينة.
وكان المغول يطلقون على موضع سلطانية الحالي اسم (قنغور ألانك)، وكانت مرعى لأغنامهم ينزلون به في طريقهم من العراق إلى أذربيجان، وجاء السلطان محمود غازان واتخذ من هذا المكان أساسًا لمدينته.
ثم بدأ أولجايتو في استكمال ما بدأه أخوه؛ فأتم بناء المدينة في عشر سنوات، وأطلق عليها اسم سلطانية واتخذها عاصمة لدولته، واستغرق بناؤها الفترة ما بين سنتي (704هـ=1304م وسنة 714هـ = 1314م)، وتحول الموضع الذي كان مرعى خاليًا من العمران إلى مدينة عظيمة تضم العمائر الفخمة، والمدارس الكبيرة، والمساجد الرائعة، والحمامات والأسواق، وامتلأت بالناس من كل الطبقات.
وأنشأ أولجايتو حولها حصنًا مربع الشكل، بلغ طوله نحو ثلاثين ألف قدم، ويسمح عرض جداره بأن يتحرك عليه أربعة فرسان جنبًا إلى جنب، وجعل في منتصف السور قلعة كبيرة تشبه المدينة في ضخامتها، وبنى فيه ضريحًا لنفسه بالغ الارتفاع تعلوه ثماني مآذن ليدفن فيه، ويُعد هذا الضريح من أهم نماذج العمارة في العصر المغولي.
نهاية أولجايتو
يعد السلطان أولجايتو من ملوك المغول الإلخانيين الذين نهضوا بإيران نهضة عظيمة؛ نظرًا لملكاتهم الممتازة في الحكم والإدارة وعنايتهم بالعلم والثقافة، وحبهم للبناء والتعمير، وعزز من ذلك النجاح حسن إدارة الوزير العالم “رشيد الدين فضل الله الهمداني”.
وفي (28 رمضان 716هـ= 16 ديسمبر 1316) تُوفي أولجايتو، وهو في السادسة والثلاثين من عمره، ودفن في ضريحه الذي بناه لنفسه، بعد أن ترك ذكرى طيبة في تاريخ إيران، عبر عنها المؤرخ الكبير ابن الفوطي بقوله: “لم يَلِ من ملوكهم –أي المغول- أعدل منه ولا أكرم، ولا أجمع لصفات الخير وأسباب الصلاح”.!!