قراءة نقدية مزدوجة:”القصيدة بين أدب الالهام وأدب الخمر”
فقرةجمع بصيغة المفرد(مبدع /مشاكس/ناقدة)
رباعية المبدع حمد حاجي :”وأجمل من ثغرها ما رأى عاشق” (تونس)
رباعية المشاكس عمر دغرير”غريب شعورك” (تونس)
الناقدة:جليلة المازني (تونس)
لئن كانت قصيدة المبدع حمد حاجي تندرج ضمن “أدب الالهام” فان قصيدة المشاكس عمر دغرير تنضوي ضمن أدب الخمر.
1-المبدع حمد حاجي وأدب الالهام:
يقول عبد الحفيظ أدينييي احمد اديدميج(ابو القيم)(مسؤول كلية الانسانيات الاداري.جامعة الحكمة,الوزن نيجيريا)” عرّف اللغويون المحدثون بان الالهام شيء في القلب يطمئن له الصدر..انه ما يلقى في القلب من معان وافكار”.
وجزم آخرون ان الالهام هو “أساس لا بدّ أن يوجد لدى الاديب أوّلاً والا ضاعت محاولاته سدى وذهب ما يقوله عبثا ولم يكن لقوله هذا الصدى الذي يرجعه الزمان وتردده جنبات الارض في كل مكان …وأيّا ما كان الأمر فان الالهام عُدّةُ الأديب ومنبع عمله الأساسي خاصة عند الشاعر”(1)
كيف ألْهمَ المبدع افكار ومعاني قصيدته؟
يقول المبدع حمد حاجي في البيت الرابع والاخير:
وأبقى أداعب شامتها
مغمض العين
أسكب سحْر القصيد على ورق..
من خلال هذه الفجوة النصية(الثلاث نقاط) يتدخل القارئ ليمارس حق التاويل فيعتبر ان القصيدة وُلدتْ الهَامًا من مُداعبة المبدع لشامة الحبيبة فالشامة هي التي ألهَمَتْهُ القصيدة .
ومن ثمّ سيتغزل المبدع بموضع الشامة:
وفي هذا الاطار استهل المبدع رباعيته باستخدام صيغة اسم التفضيل (أجمل) ليصف جمال ثغرهاالذي لم ير مثله عاشق وبذلك يكون ثغرها “الاجمل” وهي صيغة اسم التفضيل المطلق.فيقول:
وأجمل من ثغرها
ما رأى عاشق…
عسلتان في طبق
اضافة لجمال الثغر فالمبدع يزيد في اغراء القارئ بجمال الشفتين العسليتين طعما وحلاوة ونعومة ورائحة ومنظرا باستخدام التشبيه البليغ(الشفتان عسلتان) موظفا بذلك أربع حواس(الذوق/اللمس/ الشم/البصر).
وفي هذا الاطارقد تغزّل الشعراء بالشفاه:
يقول مصطفى صادق الرافعي في الشفاه:
في الشفاه اللمس ما يشفي الألم// وَدَوَا القلب فمٌ من فوق فمْ
عَقدَ الحُبّ شروطا بيننا// وفمي أمْضى عليها وخَتمْ
يقول الشابي:ويُفْتنُني سحرُ تلك الشفاه// ترفرفُ من حولهن القبلْ
وجمال ثغرها يتجلى في جمال شفتيها العسلية وهي مصدر جمال ثغر المرأة والشفاه العسلية عند خبراء التجميل هو الاتجاه الميثالي الجديد لتبدو الشفتان حريريتين وناعمتين تماما مثل العسل.
لقد تغزّل الشعراء بالشفاه العسلية وقد عُرفتْ باللّمَى التي هي سمرة في باطن الشفة مُسْتحسنة:
يقول الشاعر محسن ابو الحب:
يا مليح اللّمَى وحُلو التثني// ومليكا جماله قد فتنّي
يقول لسان الدين بن الخطيب:
حين لَذّ الأنسُ مع حُلو اللمَى//هجم الصبح هجوم الحرس
من الثغر الى الشفتين يعانق المبدع المبسم الذي تعلوه شامة وقد استخدم المبدع
طباقا بين سواد الشامة وبياض المبسم مستخدما تشبيها يتضمن هو الآخر طباقا ثانيا متمثلا في ظلام الليل ونور الشفق ليدعم شدة السواد للشامة مع شدة البياض للمبسم.
والشامة من علامات الجمال عند المرأة سواء على الخد أو فوق الشفة.
و”ما اكثر الشعراء الذين تغزلوا بها فالجمال العربي يحتم وجود الشامة التي تزين الوجه وتحديدا فوق الشفاه والشامة الموجودة فوق الشفة العليا تدل على الذكاء والحنكة والرومنسية .وتعتبر المرأة التي تتسم بهذه الشامة الأكثر حظا بما انها اجتماعية ومرحة”(1)
يقول أحدهم: لها شامة في خدّها// لو أرادت لأغْوَتْ الانس والجنّ
يقول حافظ ابراهيم:
سَألته ما لهذا الخال منفردا// واختار غرتك الغرّا له سكنا
أجابني:خاف من سهم الجفون ومن// نار الخدود لهذا هاجر الوطنا
يقول السيد رضا السندي:
أمُفَلّج ثغرك أم جوهر// ورحيق رُضابك أم سكّرْ
أم ذاك الخال بذاك الخدّ// فَتيتُ الندّعلى مجمرْ
يقول الشيخ ناصيف اليازجي:
مليحٌ شهدنا أن نارا بخدّه لأنّا وجدنا بينها فحمُ
قال ابن الوردي:
شامية في خدها شامة//يَرقّ لي في حبّها الشامتُ
أخشى اذا قبلتها حليها// مخافة ان ينطق الصامت
يقول العباس ابن الاحنف:
لا تحسبوا شامة في خده طبعت// وقد تُفتنوا في تشبيه الخال بالمسْك
أما مبدعنا حمد حاجي فيتغزّل بالشامة التي تموضعت فوق شفتها العليا
ومن ثمّ كانت زاوية النظر في غزله في هذه الرباعية الثغر والشفتان(حيث الشامة) والمبسم فيقول:
لها شامة
طبعت فوق مبسمها
مثل عتمة ليل على شفق
والمبدع يستخدم طباقين لفظيين وتشبيها شامة (سوداء)ومبسم(ابيض) وليل (عتمة) وشفق(نور)للخروج بمقابلة معنوبية بين جمال شدة السواد مع شدّة البياض.
ان هذا الجمال الذي استمتعت به جلّ حواسه جعل شذى شفتيها يحاصره ويلازمه ملازمة أبيض العين بالحدق فيقول:
يظلّ شذى شفتيها يحاصرني
مثلما ابيض العين في الحدق..
ان المبدع حمد حاجي اختار رويّا وهو صوت القاف الذي نجده في فعل تذوّق وتمطّق والتَمطّق معناه صوت بلسانه وشفتيه عند استطابة الشيء .
والمبدع يتمطّق حلاوة الشفتين ويتلذّذ طعمهما ونعومتهما.
ترى هل المشاكس سيتناغم مع المبدع في ان رباعيته كانت وحْي الهام ليكون ما كان من غزله؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس وأدب الخمر:
سأنطلق من البيت الرابع والاخير لرباعية المشاكس تماما كما انطلقت مع المبدع
يقول المشاكس :
وأنت بالفعل ما عدت ترى أو تشم
بعد أن فاض رأسك بالنبيذ والعرق
ان المشاكس لعب على المكان حيث جعل المبدع في خمارة يُدمن على الخمرممّا أفقده حاستي البصر والشمّ وهما من الحواس التي استمتع بهما المبدع وهو يتغزل
بالحبيبة وهذه السكرة جعلته غير واع بما يكتب في رأي المشاكس.
في هذا الاطار اعتبرالمشاكس مادوّنه المبدع زيْفا وكذبا من غزل بالثغر والشفتين والمبسم والشامة .
ومن ثمّ فهو يستغرب ما دوّنه على الورق من غزل بثغرها العسلي وهو في الحقيقة مشغول بالنادل كي يسقيه خمرا ويعتبر أن غزله بالشامة والمبسم والشفتين هو ادعاء وبالتالي كلام باطل.
ولعل القارئ قد يدْعم رأي المشاكس ويستحضرالآيات( 224/225/226) من سورة الشعراء”والشعراء يتبعهم الغاوون /ألم تر انهم في كل واد يهيمون / وانهم يقولون ما لا يفعلون”
وقد يستدرك القارئ للتوفيق بين أدب الالهام عند المبدع و أدب الخمر عند المشاكس فقد يعتبر ان القاسم المشترك بين أدب الالهام وأدب الخمرأنهما يشتركان في الشعور بالمتعة والانتشاء ففي حالة الخمر متعة ونشوة وفي حالة الالهام بالغزل متعة وانتشاء.ولعل القارئ يستحضر بيت الشعر لابن الفارض الصوفي حين يتماهى الحبّ مع الخمر فيقول:
شربنا على ذكر الحبيب مدامة//سكرْنا بها من قبل أن يخلق الكرم.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة.
بتاريخ:12/06/2024
=== قصيدة المبدع حمد حاجي===
وأجمل من ثغرها
ما رأى عاشق..!
عسلتان بكوزين في طَبقِ ..
.
لها شامةٌ،
طُبِعَتْ فوقَ مبسمها،
مثل عتمة ليل على شفَقِ..
يظل
شذا شفتيها يحاصرني
مثلما أبيضُ العين بالحَدَقِ…
.وأبقى أداعب شامتها
مغمض العين
أسكب سحر القصيد على ورق..
===قصيدة المشاكس عمر دغرير===
غريبٌ شعوركَ, وأغرب منه ما دوّنتهُ منْ زيف الكلام على الورقِ
كتبتَ عنْ ثغر عسليّ وأنتَ بالكاد ترى ما يحمله النادل في الطبق
وتتدعي أنّ فوق مبسمها شامة, وفي شفتيها ريقٌ بالطيب وبالعبقِ
وأنت بالفعل ما عدتَ ترى أو تشمّ, بعد أنْ فاض رأسك بالنبيذ والعرقِ
المراجع:
https://abdulhafeezadedimaji.wordpress.com>…(1)
قضية الالهام حقيقة ام طيف من الخيال؟
https://slaati.com>> 30 mai 2016(2)
الشامة ومعناها حسب موقعها في الوجه –صحيفة صدى الالكترونية!-






