قراءة نقدية مزدوجة:”الثلاثية بين الحب والمعجزة”
المبدع حمد حاجي(الثلاثية:الشباحة)(تونس)
المشاكس عمر دغرير(الثلاثية:لك النورعاد بمعجزة)(تونس)
الناقدة:جليلة المازني(تونس)
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/مشاكس/ناقدة)
القراءة النقدية المزدوجة:”الثلاثية بين الحبّ والمعجزة”
أ- المشترك بين المبدع والمشاكس:
يشترك المبدع والمشاكس شكلا في اعتماد الثلاثية الشعرية وفي اسناد عنوان
مشترك للثلاثية كمحتوى مصغّر لمجموعة الرباعيات الثلاث دون اسناد عنوان
فرعي خاصّ بكل رباعية.
ب- المختلف بين المبدع والمشاكس:
يختلف المبدع مع المشاكس على مستوى المضمون:
1- المبدع حمد حاجي وثلاثية الحبّ:
يطالعنا المبدع حمد حاجي بثلاثية “الشباحة” وهو فنان الثلاثيات كما دأب على ذلك .
لقد اتخذ للثلاثية عنوان “الشباحة” وهي التي تقرأ الكفّ وفرّعها الى ثلاث رباعيات دون اسناد عناوين فرعية ولعل ذلك يعود الى كون العنوان الكبير
هو الخيط الرابط للثلاثية التي يمكن تبويبها كما يلي:
1- اغواء الشباحة.
2- الاستجابة واللقاء.
3-الرحيل.
استهل المبدع الثلاثية الاولى بفعل تنادي وهوبصيغة المضارع المرفوع الدال على الاستمرارية والمداومة.
ترك المبدع فجوة نصية للقارئ الذي قد يذهب الى ان مناداتها مستمرّة لطلب النجدة ولكن لاي نجدة؟
بيد ان المبدع يكسر أفق انتظار القارئ وينتهك حرمة دلالة المناداة التي تشي بطلب النجدة ليجعلها تناديه لتشبحه فينتشي بأناملها وهي تشبح كفّه وينتشي بصوتها وهي تردّد اسمه .لقد حرّكت فيه حواس اللمس والسمع والبصر.
فيقول: تنادي..يداها بجبهتها وتمدّ الأكفّ لتشبحني والانامل كاللؤلؤ النسق
فما أروع الصوت…كالوحي دار بمبسمها اسمي…تكاد تخرّله
أنجم الافق.
لعل القارئ هنا من خلال تلك الفجوات النصية يستحضر قول ابن خلدون بان “السمع ابو الملكات” واكثر من ذلك فان المبدع ينتشي حين تذكرالشباحة اسمه وتردّده على مسمعه.
ان حاسة السمع تثير حاستي اللمس البصر فتتحول متعته بصرية فيتغزل بأناملها وبهامتها وبمشيتها وببشرتها المنمّشة والتي دعمها بتلك اللوحة التي تجسد وجه امرأة منمّشة والمبدع له تاريخ في الغزل بالنمش عند المرأة.
ان استخدام المبدع اسلوب التشبيه(كالوحي/مثل مشمشة/ كأنّ ثمارا) جعل الصورة الشعرية قد ينتشي بها القارئ الذي بفضوله سينتظر مدى استجابة المبدع لمناداة الشباحة واغوائها له.
من المسلمات في علوم التربية ووفق المدرسة السلوكية ان كل مثير يقتضي استجابة.فهل مبدعنا حمد حاجي كان مستجيبا لهذه الاثارة وهذا الاغواء؟
فعلا ان المبدع قد استجاب لهذه الاثارة(مناداتها وجمالها)خاصة وان الشباحة عادة ما تكون من الغجر والغجرية مشهود لها بالجمال الطبيعي الجذّاب.
لقد استهوته و كانت الملاقاة بينهما.
فيقول المبدع:
ولاقيتها, ومددت لها قطعة الشكلاطة…ما أعذب الشكلاطة بالقلق..
والشكلاطة “تحفّز انتاج المواد الأفيونية الطبيعية في الدماغ التي تمنحنا شعورا بالنشوة”(1)
هنا قد يتدخل القارئ لملء تلك الفجوة بتأويله فقد يعتبر ان المبدع تعمّد مدّ الشباحة بقطعة شكلاطة وهويضمر تخديرها لتنتشي معه وتعيش متعة اللقاء.
ويتعمد المبدع مسح شفتيها بمنديلته من بقايا الشكلاطة عليها هذا المنديل الذي لو بقي دقائق لاحترق من الصبابة والشبق .يقول المبدع:
مسحت لها شفتيها …ولوان منديلتي بقيت لدقائق لاحترقت
بالصبابة والشبق.
و”الشبق هو شدّة شهوة الجماع قال ابن منظور في لسان العرب:الشبق شدة الغلمة وطلب النكاح’يقال رجل شبق وامراة شبقة”(2)
ومن الاطعمة التي تزيد في قوة الرغبة الجنسية(الشبق) هي الشكلاطة لذلك تعمّد المبدع مدّ الشباحة بالشكلاطة وهو تقليد دأب عليه المبدع في بعض اشعاره ولعل هذا ما جعل الشكلاطة أفضل هدية في عيد الحب.
ان هذا الانتشاء بالشكلاطة جعلهما يبتعدان عن البكاء والحزن والكآبة ليلتحما فيندغمان جسما واحدا مستمتعيْن حتى مطلع الضوء بالأفق:
نضوت بكائي وحزني وألقت كآبتها والتحمناالى مطلع الضوء بالأفق
ويختم المبدع رباعيته الثانية بحكمة نابعة من تجربته فيعتبر الهوى والصبابة
حلو ومرّ..انها حلاوة اللقاء ومرارة الفراق فيقول:
فهذا الهوى والصبابة حلوومرّ فان لم تذق طعمه مرّة فذق.
وهنا كأني بالمبدع يمهّد لنا الربط بالرباعية الثالثة التي تحدّثنا عن مرارة الرحيل والفراق فيقول:
حين عزمنا الرحيل,ومهما تُردْ أن تشبهنا…كالعصافير في حالك النفق…
استخدم المبدع فعل “عزمنا” المسند لضمير المتكلم الجمع والدال على أن عزم الرحيل مشترك بينهما.
وعزم الرحيل هو ناتج عن “مطلع الضوء بالأفق”(المذكوربالرباعية الثانية السابقة).
وعزم الرحيل لا يمكن تشبيهه باي شيء فهما كالعصافير في حالك النفق حيث الظلام والضلال..انه طريق الظلام والضلال …انه التيه والضياع..انها مرارة الفراق.. انها مرارة الحرمان بعد حلاوة المتعة والنشوة.
لقد كان المتنفس لهما البكاء وكان حبّه المنقذ لهما من الضلال هذا الحب الذي
أرّقه وحرمه النوم كسائر العشاق.
هذه التجربة التي عاشها المبدع بمراحلها الثلاث بحلوها ومرّها :
– هل سيعتبر بها المشاكس؟
– هل سيتناغم معها ام سيفنّدها؟
=== يتبع ===
=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير وثلاثية المعجزة:
لقد استجاب المشاكس للمبدع شكلا واختلف عنه مضمونا
أ-على مستوى الشكل:
لقد ردّ المشاكس على ثلاثية المبدع بثلاثية أسند لها عنوانا رئيسيا كبيرا”لك النور عاد بمعجزة” وهو محتوى مصغر لمحتوى الثلاثية دون ان يسند عنوانا فرعيا لكل رباعية تماما كما فعل المبدع.
ب- على مستوى المضمون:
يستهل المشاكس رباعيته الاولى باستنكار ينفي وينكرعلى المبدع رؤيته الكاملة للحبيبةلان له مشكلة بالبصرفيقول:
أتنكر انك بالكاد شبحتها وسمعت صوتها والكل يعلم ان لك علة بالحدق…
هذه الفجوة النصية التي تركها المشاكس قدتجعل القارئ يمارس حقه في تأويل ما ذهب اليه المشاكس في تحفظه عند قوله”بالكاد شبحتها” فالمشاكس نفى البصربالعين ولعل تحفظه في ترك هامش للبصيرة التي هي بالقلب
ويدعم المشاكس مشكلة البصر بقوله:
وأنك زرت كم طبيبا لتسترجع النور لعينيك ولكن لا أمل لديك في الأفق.
ويقحم المشاكس سعدى انتصارا لها كعادته ليجعلها راضية بقدَرها معه
في حرمانها من متعة الانتشاء بها بحاسة البصر.
واكثر من ذلك فهي ترجو له الشفاء حتى يزول عنه مالحقه من أكدار ومن أرق
يقول:وسعدى لم ترفض أبدا علتك وهي خائفة على ما قد يحدث للأهل من قلق..
وترجو من الله ان يشفيك ويزيل عنك كل ما لحقك من أكدار ومن أرق..
ان هذه الفجوة النصية قد تجعل القارئ يقارن بين سبب الأرق عند المبدع وهو الحبّ وسبب الأرق عند المشاكس وهو”علةالحدق”
وبالتالي فالقارئ قد يتساءل:
أيهما أشدّ على نفس المبدع أرق بسبب الحبّ أم أرق بسبب علة الحدق؟؟؟
ان المشاكس قد حوّل انتشاء المبدع بحاسة البصرالى حرمان من هذه المتعة بسبب”علة الحدق”.
ان المشاكس قد تناغم جزئيا مع المبدع حين جعل الرباعية الثانية موضوع لقاء بين المبدع والحبيبة(الشباحة) بعيدا عن سعدى وفي نبرته شيء من الحزن حين جعل لقاءه بالحبيبة المزعومة في خلسة المختلس في طريق تظلّله الاشجاربعيدا عن الانظار فيقول: ومرّت السنوات تباعا وكنت تلاقيها بين الحين
والحين في واحد من أكبر الطرق…
يشق المدينة والاشجار تظلّله وتمتزج فيه
سقسقات الطيور مع حفيف الورق…
لقد جعل المشاكسُ المبدعَ يتقاسم مع الحبيبة القبلات في مقهى الزهور والمقهى ليس مكانا رومنسيا يتيح تبادل القبلات ومن ثمّ تهكمه من هذا اللقاء المشبوه الذي يجعله يحلم معها بالابناء وبالبيت والنورالذي قد يعيد اليه البصر ويخرجه من النفق فيقول:
هناك في مقهى الزهور كنت تقاسمها قبلات وقهوة
معطرة بالعطرشاء والحبق..
وتحلمان بالعيش السعيد وبالأبناء وبالبيت الذي ترى
النور فيه ويخرجك من النفق..
وهنا قد يتساءل القارئ:
أيهما أفضل للمبدع الظلام والضلال في النفق مع حبيبته(الشباحة) أم الخروج من ظلام نفق “علة الحدق”؟
ان المشاكس يختم ثلاثيته في بداية الرباعية الثالثة بحكمة يتناصّ فيها مع صدربيت شعري للمتنبي يقول فيه:ما كل ما يتمنّى المرء يدركه//
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن//
وكأني بالمشاكس وبنبرة فيها التهكم يستنكر على المبدع باستخدام استفهام استنكاري تحقيق أحلامه فيقول:
فهل بالفعل,ليس كل ما نتمناه ندركه في
الحياة وما كل شيء يهدى الينا في طبق؟
ان المشاكس استنكر تحقيق حلم المبدع انتصارا لسعدى المسْتقوية بأهلها الذين يجبرونه على الحسْم في أمره وفي وضعه في خيانة سعدى واستبدالها بأخرى.
واكثر من ذلك فالمشاكس يجزم بان سعدى وحدها من سيعيد اليه نعمة البصر
بمعجزة بفضل دعائها بين ظلمة الليل والشفق ومعجزة سعدى في استجابة الله لدعائها فيقول:
وأهل سعدى وان طال انتظارهم فلا بدّ من الحسم
في وضعك,طقت أنت أو لم تطق
سعاد فقط آمنت حقا بمعجزة والله استجاب
لدعواتها ما بين ظلمة الليل والشفق.
وصرت ترى وجهها ولون عينيها وتقرأ رسائلها التي
كتبتها بدمعها على الورق…
وكأني بالمشاكس يجعل استعادة نور بصرالمبدع مقترنا بوفائه لحبّه الاول حبّ سعدى التي نزّلها منزلة أصحاب المعجزات وهم الانبياء.
وبالتالي فلئن صوّر لنا المبدع في ثلاثيته تجربة حبّ عاشها مع الشباحة بكل مراحلها من اثارة وانتشاء ورحيل فان المشاكس انتصر لتجربة المبدع مع سعدى ومعجزتها في اعادة النور لبصره.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة.
بتاريخ:21/06/2024
المراجع:
https://www.aljazeera.net>lifestyle(1)
7أسباب للشعور بالسعادة بعد تناول الشوكولاطة؟
https://www.islamweb.net>fatwa(2)
الشبق في الانسان وغيره.