في مثل هذا اليوم29 يونيو1964م..
شقيقة الرئيس الكوبي فيدل كاسترو تفر من كوبا وتطلق تصريحات مناهضة له.
كشفت خوانيتا كاسترو الشقيقة الصغرى للشقيقين فيدال وراؤول كاسترو الكثير من الأسرار الشخصية والسياسية في مذكراتها الصادرة باللغة الإسبانية عن دار نشر بالبرازيل، وإن لم يكن سرا كبيرا اعترافها بأنّها عملت جاسوسة لفائدة وكالة المخابرات الأميركية “سي آيه إيه” CIA على امتداد ثلاث سنوات، ولكن الجديد هو كشفها تفاصيل الكيفية التي تمت بها عملية تجنيدها ورفعها الستار عن بعض العمليات الدقيقة التي ساهمت في تنفيذها لصالح الأميركيين قبل مغادرتها كوبا عام 1964.
تضم عائلة كاسترو سبعة إخوة (أربع بنات وثلاثة ذكور)، وكلهم أحياء، أكبرهم هي “انجليتا”، وهي اليوم في السابعة والثمانين من عمرها، ثمّ رامون (85 عاما) وفيدال (83 عاما) وراؤول (78 عاما) ثمّ خوانيتا (مؤلفة الكتاب) (77 عاما)، ثم “إنما” و”أوغستينا”(71 عاما) وكلهم اليوم يعيشون ويقيمون في كوبا باستثناء “إنما” التي استقرت في “مكسيكو” بعد زواجها من مكسيكي منذ عام 1950، وهي تعيش في الظلّ، ولا تتحدث إطلاقا للصحافة، وهي الوحيدة التي بقيت لها صلة بخوانيتا المقيمة في الولايات المتحدة الاميركية، وهما تتهاتفان يوميا وتتراسلان الكترونيا عبر الإيمالات. وخانيتا صاحبة المذكرات لم تدل بأي حديث صحفي منذ 1964 بعد أن فرت إلى المكسيك وأعلنت على الملأ خلافها مع شقيقها فيدال كاسترو، وكان ذلك أقسى ضربة تلقاها النظام الثوري الكوبي. وجاء في المذكرات أن المؤلفة ولدت في يوم 6 مايو 1933 وتوفي والدها أنجل كاسترو عام 1956، وهو فلاح إسباني هاجر إلى كوبا عام 1899. وفي سنة 1963 ماتت لينا أمّهم، وفي عام 1964 هاجرت خوانيتا إلى المكسيك لمدّة قصيرة ثمّ استقرت كمهاجرة ولاجئة سياسية بميايمي بفلوريدا حيث فتحت صيدلية، ثم باعتها منذ مدة قصيرة، وهي تؤكد أنها منذ مغادرتها كوبا عام 1964، فإنها لم تتصل اطلاقا بشقيقها الرئيس الكوبي فيدال كاسترو، ولم يحصل بينهما ولو اتصال هاتفي واحد، وأنها لم تلتق به منذ حضورها جنازة والدتهما عام 1963، وكذلك الأمر مع شقيقها الثاني راؤول، وهي تجزم بأنهما فسخاها من ذاكرتهما وتعمدا محوها حتى من صور ألبوم العائلة. وهي تعلل في كتابها عدم سعيها للاتصال بشقيقها الرئيس اطلاقا بقولها: “إن محاولة النقاش مع فيدال هي محاولة فاشلة، فشخصيته لا تقبل الرأي المخالف، ومن يعارضه أو يحاول مناقشة آرائه أو مخططاته أو مشاريعه يصبح عدوا بالنسبة إليه حتى لو كان من أقربائه، وقد أطلق عام 1961 شعارا أصبح شهيرا مفاده: “الجميع مع الثورة ولا أحد ضدها” ولكن الحقيقة ـ حسب تفسير المؤلفة ـ إن الشعار هو: “مع فيدال كاسترو: كلّ شيء، وضده :لا شيء”. وعن شخصيّة كلّ من الشّقيقين فيدال وراؤول، فإن المؤلفة تؤكد بأنهما ومنذ طفولتهما شخصيتان مختلفتان تماما، فراؤول مرح وعطوف ويميل إلى المزاح، وكان قريبا من أمّه “لينا” الّتي كانت تعتبره ابنها المفضّل، وله عدد كبير من الأصدقاء والخلاّن، في حين كان فيدال يميل إلى الوحدة، ومنكمش ومنغلق عن نفسه، وهو لا يتمتع بروح الفذلكة والمزاح، وقليل الضحك والابتسام مضيفة: “إنّه أيضا لا يقبل الخسارة، فعندما كان يشارك في لعبة الكرة مع مجموعة العمال الذين كانوا يشتغلون في ضيعتنا، فإنّه ـ إن أحس أنه سيخسر ـ يتعمد قطع اللعبة وانهائها ثم ينسحب، وهو كما تصفه شقيقته أنانيّ، واستدلت على ذلك بمثال: فقد أهداه والده عندما كان طالبا سيارة جديدة، وعوض أن يشرك بقية إخوته في التمتع بالركوب عليها، فإنه منع عليهم حتى مجرد الاقتراب منها أو استعمالها وشمل المنع حتّى شقيقه راؤول الذي يعود له الفضل في تعليمه السياقة. ومن الأسرار التي كشف عنها الكتاب أن فيدال كاسترو أخبر زوجته الأولى ميرتا دياز بالار Mirta Diaz balar التي اقترن بها عام 1948 (وانفصل عنها عام 1956) بنيته السفر إلى فرنسا للدراسة في جامعة “السّوربون”، وقد سعدت زوجته سعادة عظمى بسفرها معه إلى فرنسا والإقامة في باريس، ولكن فيدال عدل في الأخير عن مشروع السفر مما جعل زوجته تبكي ونشب بينهما خصام، ولمّا ناقشته غضب منها غضبا شديدا. وتعود المؤلفة في كتابها إلى عام 1959 عندما دخل فيدال كاسترو إلى “هافانا” دخول الأبطال منتصرا، وتذكر أنّها ساندت الثورة، ولكن وبعد مرور فترة ليست بالطويلة أصيبت بخيبة أمل، فالثوار الذين جاؤوا بنظام جديد استغلوا نفوذهم لمصالح شخصيّة، فقد افتكّوا ـ وفق روايتها ـ مصانع صغيرة من أصحابها وأمموا متاجر صغيرة كانت على أملاك مواطنين محترمين، واستولوا على بيوت ومنازل تحت غطاء الثورة الشعبية التي قاموا بها، وشمل الانتزاع والتأميم أراضي لفلاحين صغار ومتاجر وبيوت لمواطنين عاديين كسبوا ممتلكاتهم بعرق جبينهم، فلم يكونوا من الذين أثروا بغير وجه حق أو الذين استغلوا نفوذهم في العهد السابق لجمع الثروات، ثم تتالت بعد ذلك الإيقافات والإعدامات بدون روية أو محاكمات عادلة. تشي جيفارا: تؤكد المؤلفة أن عددا كبيرا من المواطنين كانوا يتصلون بها بصفتها شقيقة الرئيس لتشفع لهم لدى أخيها ليطلق سراح سجين مظلوم صدر عليه حكم بالإعدام، أو لتتوسط لديه ليعفو عن أخ أو ابن مهددين بالإعدام، وقد حاولت وسعت إلى رفع مظالم سلطت على أبرياء مؤكدة أنها ساعدت بحكم قرابتها للرئيس المئات من الكوبيين على الفرار خارج وطنهم، بتمكينهم من الوثائق التي تخول لهم ذلك. تعرفت المؤلفة في تلك الفترة على الثائر الشهير “تشي جيفارا” الذي تم تعيينه وقتها مديرا لسجن “كابانا” في “هافانا”، وأرسل ـ حسب رواية المؤلفة ـ العشرات من الأبرياء إلى المشنقة، مضيفة: “نقلت لأخي فيدال ما كان يتداول وقتها بين الناس عن مظالم مرتكبة من المسؤولين الجدد ووعدني بأنه سيعالج الأمر ولكن شيئا من ذلك لم يحصل، وذهبت للقاء تشي جيفارا على أمل أن أتدخل لديه لفائدة بعض المعتقلين ظلما في السجن الذي كان يديره ويشرف عليه، وقد هزني الفضول أيضا للتعرف عن قرب على الثائر الأرجنتيني الذي كان وقتها ينعم بهالة من المجد. لقد جاء إلى “هافانا” كأنه يملك نفوذ إمبراطور روماني، وقد استقبلني بعنجهية لا توصف، ولم يرحب بي ولم يحييني بل بادر بالقول: “آمل أن لا يكون قدومك إلى هنا للدفاع عن من نعتهم بـ:”القيزانوس” (دود الأرض)”. الجاسوسة وفي مذكراتها كشفت المؤلفة عن الكيفية التي تم بها انتدابها من وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آيه إيه) CIA، وأشارت إلى أن أول من جس نبضها هي زوجة سفير البرازيل في كوبا، وهي التي ربطت الصلة بينها وبين الأميركيين، وعام 1961 تذرعت برحلة استجمام إلى “مكسيكو” حيث ربطت الصلة بضابط مخابرات أميركي الذي كلفها بمهمة تتمثل في المساعدة على توفير وثائق لهويات ومقر للسكن لأعوان سيأتون إلى كوبا تحت غطاء أعضاء في جمعيات إنسانية وأصبح لها اسم حركي للتخاطب والتخابر مع الـ(سي آيه إيه) وهو Donna “دونّا”، وخلال ثلاث سنوات كانت تتلقى التعليمات من خلال الموجات القصيرة لمذياع أمدتها به المخابرات الأميركية، وقد أعلمتهم منذ البداية أنه لا يمكن أن تقوم أو تساعدهم في عمليات اغتيال ضد إخوتها، أو في أي عملية اغتيال أخرى ـ حسب زعمها ـ وهي تقول إن أخطر مهمة أوكلوها لها تمثلت في نقل أسلحة من موقع إلى آخر في كوبا في خفية من النظام الثوري القائم. الكارثة والأمل تقول: “وذات يوم عام 1964 جاءني أخي راؤول، وكان وزيرا للدفاع، ورمى أمامي على طاولة بالمطبخ بملف ضخم وأعلمني أنها مجموعة التقارير التي تعدد نشاطاتي المعادية للثورة، وتظاهر بأنه لا يصدق كل ما حررته أجهزة المخابرات الكوبية ضدي ـ دون أن تتفطن طبعا لعلاقتي بـ (سي آيه إيه) ـ وبعد سماعه اقترحت عليه أن أسافر إلى “مكسيكو” عند شقيقتي “أنما “المقيمة مع زوجها في المكسيك لأنال نصيبا من الراحة فوافق، وعند وصولي بادرت بعقد ندوة صحفية وفجرت “قنبلة” بكشفي الوجه القبيح للثورة وتحدثت عن تجاوزات الكثيرين ممن يزعمون الدفاع عن الثورة، وكررت اللقاءات مع الصحف ومختلف وسائل الإعلام، وعزمت على فضح ما كان مستورا، ووجدت أقوالي صدى باعتباري شقيقة الرئيس ومطلعة على خفايا كثيرة، وأخذت في الانتقال والسفر من بلد إلى آخر عبر أميركا اللاتينية منددة بالتجاوزات والخروقات في نظام كوبا الجديد، ثم استقر بي المقام في “ميامي” بالولايات المتحدة الأميركية، وواصلت فضح الوجه القبيح للثورة إلى أن جاء يوم عام 1969 حل فيه دون سابق إعلام بمنزلي أعوان من وكالة الاستخبارات الأميركية وطلبوا مني الكف عن كل تصريح أو أي نشاط إعلامي أو سياسي معاد لكوبا، وأدركت أن دوافع سياسية أملت عليهم هذا الموقف علما وأن انفراجا بدأت تبدو ملامحه وقتها بين الرئيس الأميركي نيكسن والرئيس السوفييتي بريجنيف”، وتذكر المؤلفة أن تعاونها مع أجهزة المخابرات الأميركية توقف منذ ذلك التاريخ، وكانت في الاثناء تحصلت على الجنسية الأميركية، وهي تعترف بأنها عاشت حياة مرفهة بـ”ميامي” فصيدليتها ـ حسب زعمها ـ كانت تدر عليها أرباحا هامة، ولكنها تعترف بأن الغربة كانت رغم ذلك “صعبة” عليها. وعن رأيها في حصيلة الثورة الكوبية بعد مرور 50 عاما على حدوثها فانها تقول بأن النتيجة “كارثيّة”، مضيفة: “إن فيدال وراؤول لم يحلا أي مشكل، بل إن الوضع العام اليوم في كوبا هو أتعس مما كان عليه عام 1959 إبان الثورة، والنظام يتعلل دائما للدّفاع عن نفسه بالحصار الأميركي المضروب على كوبا، وأملي أن يهتم راؤول الذي خلف شقيقه فيدال بضعفاء الحال عله يحسن أوضاعهم المعيشية ولو قليلا، ولكن الحقيقة أنه إلى الآن لم يفعل شيئا بخصوص السجناء السياسيين مثلا”. وقد وجهت المؤلفة في كتابها نداء إلى أخيها راؤول جاء فيه: “إن الانتقال إلى عصر تنعم فيه كوبا بالديمقراطية هو اليوم مسؤوليتك وبين يديك، إنها فرصتك الذهبية للدخول إلى التاريخ بشكل مشرف”، وتؤكد المؤلفة أنها ساندت الثورة في بدايتها ولكنها أخذت مسافة من أخيها فيدال كاسترو عندما حادت الثورة عن مسارها، وهي لا تتردد في القول إلى اليوم بأن شقيقيها فيدال وراؤول خانا قيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية التي ناضل الكوبيون من أجلها، مضيفة: “إني اخترت طريقي ولم أندم ولم أبع نفسي من أجل حفنة من الدولارات ولذلك فاني أنام اليوم ملئ جفوني لان لا أحد يمكن له أن يشتريني”…!!