قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة والصراع بين الوفاء والخيانة”
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع/مشاكس/ناقدة)
المبدع:حمد حاجي(تونس)
القصيدة:” هاتفي شبه صندوق باندورا”
المشاكس:عمر دغرير(تونس)
القصيدة:”رسائل السمراء من كتاب مُنزل”
الناقدة :جليلة المازني(تونس)
القراءة النقدية المزدوجة:
“القصيدة والصراع بين الوفاء والخيانة”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
*على مستوى الشكل:
– لقد احتوى كل من الابداع والمشاكسة على العديد من المقاطع (12 المبدع/13 المشاكس) وتعدُد المقاطع التي وصلت الى هذا العدد له دلالته في انها مُتنفَّس وهامش لهما في اقناع القارئ بوجهة نظر كل منهما.
– الاستهلال بنفس العبارة:فبالله قل لي أيا…
– لقد ذكر كل منهما شخصية “سمراء”
– الوسيط للتدخل والاقناع(الصاحب/الصديق) .
*على مستوى المضمون:
– قضية الصراع بين الوفاء و الخيانة
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي والصراع بين الوفاء والخيانة:
لقد اختار الشاعر عنوانا لقصيدته “هاتفي شبه صندوق باندورا” وصدّر القصيدة
بقولة لنيتشة “الأمل هو الأسوأ بين كل الشرور لانه يطيل من عذاب الانسان” نيتشة حين سئل عن أسطورة صندوق باندورا .
ماذا تقول أسطورة صندوق باندورا؟
“صندوق باندورا في الميثولوجيا الاغريقية هو صندوق حمل بواسطة باندورا يتضمن كل شررور البشرية من جشع وغرور وافتراء وكذب وحسد ووهن ووقاحة ورجاء”(1)
ترى لماذا شبه الشاعر هاتفه بصندوق باندورا؟
وتتناص القصيدة في مرجعيتها الاسطورية مع رواية صندوق باندورا للروائي برنار فيرييراستلهاما تاريخيا للاسطورة اليونانية التي تحكي عن الصراع بين اليأس والامل او التشاؤم والتفاؤل او التعاسة والسعادة وفي احد اركان ذلك الصندوق بقي حجر صغير لامع نقشت عليه حروف كلمة “الأمل”(2)
حسب التعريف لصندوق باندورا فان هذا الصندوق محكوم بثنائية اليأس والأمل او الخير والشرّ.
فهل أن هاتف الشاعر مشحون بهكذا ثنائية؟
استند المبدع في اختيار عنوان القصيدة (هاتفي شبه صندوق باندورا) الى سند اسطوري يوناني في تشبيه هاتفه بصندوق باندورا لان هذا الصندوق يجسد الصراع الذي يعيشه المبدع مع سمرائه بسبب هاتفه.
استهل المبدع قصيدته التي تجمع اثنيْ عشر مقطعا متوجها نحو صاحبه لمساعدته على كيفية اقناعه لسمرائه بما يفعل فيقول:
فبالله قل لي أيا صاحبي
كيف أقنع سمرائيا؟..
ماذا أنا فاعل..؟ غير قل لي..
ان الشاعر يعيش صراعا بين الياس والامل في اقناع سمرائه .
انه الياس من اقناعهالانها تعاتبه عن سبب اغلاقه الهاتف معتبرة ذلك سفها واذلالا لها وتقليلا لشانها .
الخوف من الجارة التي تتجسس عليه.
اليأس من اقناعها ببراءته من خيانته لها مع النساء
يقول المبدع: تعاتبني كيف أغلق عند المسا هاتفي؟
ذاك فعل السفيه المذلّ المقلّ
وذي جارتي بالسقيفة
ان عدت للبيت
ترقبني مع من انا اقضي بقية ليلي…؟
هذا اليأس من اقناعه جعله يلتجئ لصاحبه والصاحب قد يكون شخصية خيالية اوجدها مبدعنا لتصوّر طريقة لا قناع سمرائه ببراءته من كل شكوكها وهواجسها
هذاالصاحب سيقوم بدور المصلح بينهما.”فحسبي ايا صاحبي”
انها مرجعية المبدع الدينية في السعي في اصلاح ذات البيْن الذي يتمثل في ازالة أسباب الخصام والنزاع بالتسامح والعفواو بالتراضي.كما ورد بسورة الانفال الآية (1) “فاتقوا الله وأصلحوا ذات بيْنكم”
وما هذه الشكوك والهواجس الا بمثابة الشرور التي يتضمنها صندوق باندورا ويبقى البصيص من الامل الذي يحتويه الصندوق
لعل هذا البصيص من الامل هو مجرد خيط لا يحتمل ثقل درجة الاقناع وكما أورد ذلك في قولة نيتشة “الأمل هو الأسوأ بين كل الشرور لانه يطيل من عذاب الانسان”
هل فعلا ان الأمل يطيل من عذاب الانسان؟
ايمانا منه بما قاله نيتشه بان حبل الأمل طويل لتحقيقه فان المبدع سعى بكل ما أمكنه لتقديم حجج لاقناع صاحبه ليساعده على اقناع سمرائه.
ان المبدع ليقنع صاحبه ببراءته وصف نفسه بالعصافير التي تنام باكرا دون اكتراث بالرسائل الهاتفية ووصف نفسه بالمتيّم لها دون كل الشعراء وهو يغضّ الطرف و ويصمّ السمع عن كل حسن خوفا من ان تفضحه عينه اوان تسمع سره وقوله وفعله .وهو يفضلها على كل الحُور.
وهل أكثر من أن وقته مقسوم بين الشغل والنوم؟ فلا وقت لدي لقراءة رسائل اوكتابتها.
ان المبدع نصّب صاحبه قاضيا ليعْدل بينهما فيقول:
فحسبي تخيرت نوما وشغلا
ايا صاحبي اقض…
ارجوك احكم بعدل..
يبدو ان المبدع واثق من براءته حين حكّم شخصية ثالثة محايدة لتقضي بالعدل بينه وبين سمرائه وقد تكون هذه الشخصية الثالثة هي الضمير .
ان الضمير وحده اذا كان يقظا وواعيا ان يكون محايدا في الحكم وعادلا.
والضمير وحده القادر على تغليب أمل الاقناع على يأس الشرور التي يحملها
هاتفه الشبيه بصندوق باندورا.
ان الضمير وحده الذي يستطيع انصاف سمرائه واقناعها بان شكوكها باطلة
والدليل على ذلك ان المبدع لن يرضى من صاحبه مجرد اي حلّ لاقناعها كحلّ
تقبيلها مرتين فيقول: فبالله قل لي أياصاحبي
كيف أقنعها؟…لا تقل لي..
أنا لو مكانك قبلتها مرتين من الكف والارجل…
=== يتبع ===
=== يتبع ===
ان القارئ قد يتدخل هنا ليتعاطف مع سمراء المبدع ويدعو المبدع باقناع نفسه اولا بالوفاء لها وعدم خيانتها لان الاقناع يقتضي الاقتناع الداخلي والذاتي لما نريد ان نقنع به .
ان هذا الاقتناع الذاتي والداخلي لاقناعها بوفائه لها وبراءته من كل خيانة لا يمكن ان يكون نابعا الا من الضمير اليقظ .وبالتالي كأني بالمبدع يدعو الى صحوة الضمير في هكذا وضعيات حتى لا نجعل وسائل الاتصال الحديثة تدمّرُ علاقاتنا العائلية الانسانية عملا بقوله تعالى” ولا تنسوا الفضل بينكم”.(البقرة-237)
وكاني بالمبدع يرفض ان يكون هاتفه شبيها بصندوق باندورا.
وفي هذا الاطار ماذا يمكن ان يكون ردّ المشاكس؟
2- المشاكس عمر دغرير والصراع بين الوفاء والخيانة :
لقد أسند المشاكس عنوانا لقصيدته ” رسائل السمراء من كتاب منزّل” والكتاب المنزل هو القرآن الذي لا نقاش فيه .انها مرجعية دينية.
ان المشاكس لا يخفي سخريته من المبدع الذي يتوهم ان رسائل سمرائه صادقة كالقرآن.
يستهل المشاكس قصيدته بنفس المطلع لقصيدة المبدع (فبالله قل لي …).انه يتوسل اليه باسم الله وباعتباره صديقا له مستغربا من خيانته لسعدى.
والمشاكس يتوجه الى مخاطبه كصديق له والصديق واقعي وليس كالصاحب الذي توجه اليه المبدع.
لئن توجه المبدع لصاحبه كي يساعده لاقناع سمرائه بوفائه لها فان المشاكس يتوجّه الى صديقه المبدع للكف عن خيانة سعدى فيقول:
فبالله قل لي وانت صديقي
كيف تخون سعدى التي أحبّتك
ألا تشعر بالخجل؟..
في هذا الاطار سيسعى المشاكس جاهدا لتقديم الحجج الدامغة لاقناعه بعدم خيانة سعدى انتصارا لها ولوفائها اللامحدود للمبدع .
ان المشاكس عمد الى اقناع المبدع بثلاث طرق:
أ- الطريقة الاولى يريد اقناعه بتحريك نعرة كرامته بتوعيته ان السمراء والذي يعمل المستحيل لاقناعها بوفائه لها هي تاجرة في الحب وتربطها مصالح مادية
به ويذكّره بمغامراته المتعددة بالشواطئ ومع الرجراجة وبانتظاره الطويل لفارعة الطول وان أتت فلتسخر منه ويتهمه بانه زير نساء فيقول:
غريب امرك والله
أتترك ابنة العزّ والكرم
وتلهث خلف مجهولة النسب والأصل؟
اراك بالفعل مجنونا
والكل يعرف انك زير نساء
ب- الطريقة الثانية بتفنيد ادعائه بانه لا يعرف الا الشغل والنوم واذا بالمشاكس يفضح سهره على تلاوة رسائل السمراء معتبرااياها سُور من القرآن لمدى تقديسه لها واهمال رسائل سعدى في المقابل.يقول:
وتأتيك رسائل من سعدى
في كل يوم
ولكنك لن تقرأ كل ما يصلك من رسل..
فقط ما تكتبه السمراء كدت تحفظه
وكم تلوْت في الليل ما جاء منها من جمل..
رسائل السمراءالقصيرة جدا
صرت تطبق ما جاء فيها
وكانها سور من كتاب مُنزّل…
في هذا الاطار ومن خلال الفجوة النصية قد يتدخل القارئ تعاطفا مع سعدى
وسخرية من المبدع الذي يصدق هكذا رسائل تصله على شبكة التواصل الاجتماعي تتلاعب بعقله وتلعب على نفسيته البسيطة حدّ تقديسها مستبدلا حلال سعدى بحرام السمراء المتاجرة بدينها وباخلاقها وبكرامتها.
ج- الطريقة الثالثة: اللعب على أخلاقيات سعدى السمحة فهي الحبيبة الوفية
والمتسامحة والتي تدعو الله ان يغفر ذنوبه والكاظمة غيظها .يقول المشاكس:
وتبقى سعدى وفية
ترجومن الله ان يغفر ذنوبك
وتنتظر عودتك الى المنزل…
ولعل القارئ هنا يتدخل ليذكّر المبدع بالآية الكريمة (134) من سورة آل عمران “والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين”
لعل القارئ يدعم محاولة المشاكس لاقناع المبدع بسماحة أخلاق سعدى وبذلك عدم استبدالها بأخرى وعدم التفريط فيها والوفاء لها.
انه بصيص من الأمل ونور يسعى المشاكس أن يُلقيه في صدر المبدع لعله يثوب الى رشده فيرمي كل رسائل سمرائه وراءه ويلتفت لسعداه.
وخلاصة القول لئن كان المبدع ذا مرجعية أسطورية ودينية داعيا الصاحب ان يلعب دور المساعد لديه لاقناع سمرائه بوفائه لها فقد كان المشاكس ذا مرجعية دينية وأخلاقية فلعب دور الصديق المقنع للمبدع بوفاء سعداه الكاظمة لغيظها والعافية عنه والمتسامحة معه على الدوام.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة دفاعا عن الوفاء ورفضا للخيانة.
بتاريخ :12/07/2024
المراجع
https : //ar.wikipedia.org> wiki(1)
صندوق باندورا
https://www.tiryaq.com>(2)ادب
صندوق باندور