المنهج الإنساني الحل الأمثل لإنهاء الصراع البشري
بقلم: فرقد الأغا
لقد أنعدمت الإنسانية ولم يتبق منها سوى شعارات كاذبة وسادت الوحشية هذا العالم، وباتت سياسة الأستعباد ومنهج الهيمنة السلطوية لغة العصر، وللمساهمة في إنقاذ البشرية من جنون السلطة وشيطان الحرب الذي يخطف الأرواح وهوس التمدد الأمبراطوري وصراع العقائد والأيدولوجيات والاضطراب السايكوباثي لدى أغلب حكام الأرض وجلاوزتهم، ومن أجل تحقيق الغاية أرجو في بحثي المتواضع أن أكون قد أوفيت بالغرض الذي أصبو إليه وسيكون الحديث ضمن مراحل.
المرحلة الأولى: شاءت الإرادة الإلهية أن تجعل الاختلاف سنة كونية والأختلاف الفكري أحد ألوان الاختلاف ولكونها سنة إلهية وجب أحترام تلك الإرادة العليا وأن تكفير المختلف الآخر منهج لا يمثل الإرادة المقدسة التي شاءت أن تُزين الأرض بفسيفساء الأختلاف البشري ( العرقي والقومي والفكري ) لتكون كل قطعة منها مكملة لجمال الآخر ولا يمكن لأي قطعة بمفردها أن تعطي ذات الرونق والجمال ومن يقف في وجه حكمة صانع الكون لا يعدو كونه مُعاقاً ذهنياً! وقد أكدت نصوص القرآن على وجود الأختلاف كـ سنة ربانية تجسد مشيئة الخالق في خلقه، والأختلاف الإنساني هو الأختلاف المحمود إذ يصب في مصلحة مسيرة الوجود البشري ودائرة تكامله، بينما الاختلاف المصلحي الذي تحكمه الأنا الممسوخة يهدم استقرار نظام هذا الوجود .
قال تعالى ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين )
قال تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم )
قال تعالى ( لِكُلٍّۢ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَٰحِدَةً )
قوله تعالى: ( وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ )
هذه الآية وما سبقها تؤكد أن سنة الاختلاف ستبقى قائمة في البشرية وهي كاشفة عن حكمته تعالى حيث شاء الاختلاف ( ولذلك خلقهم ) فلماذا يريد المعاقون ذهنياً أن يحكموا العالم بإسم الإله تحت مفهوم ( كل البشرية فكر واحد ) وهو جل جلاله قد جرت مشيئته في الاختلاف ليزين الأرض به .
المرحلة الثانية: ومن أجل إحترام وتقديس المشيئة الربانية علينا أن ندرك بأن لا سلطة لإنسان على آخر ولا يمتلك الصلاحيات لممارسة دور الوصاية وأن شأن الأختلاف متروك لله يفصل به في اليوم الآخر ولا سلطان يعلو سلطانه تعالى .
قال تعالى ( اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) ٦٩ الحج
قال تعالى ( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ٩٣ يونس
قال تعالى ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) ٥٥ آل عمران
ويقول تعالى :{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَ النَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) الحج 17
وقال تعالى : {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) الشورى 15
يقول تعالى: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } الحج 68- 69
قال تعالى ( وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ} الأنعام 35
قال تعالى ( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ٩٣ يونس
قال تعالى ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ۗ كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ۚ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) ١١٣ البقرة
هذه الآية تؤكد أن اليهود والنصارى كان كل واحد منهما يقدح بالآخر من خلال القول بعدم صحة دين الطرف الآخر والحكم بكفره وقد سار على منهجهما الذين آمنوا بمثل قولهم حيث اعتقاده بأن دينه الأصح والاكمل والآخر على ضلال ودينه باطل ولكن النص يؤكد على أن الله سيفصل في اختلافهم ولا يوجد حق لأحدهم بالطعن بالآخر وتكفيره .
قال تعالى ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) الأنبياء 47
المرحلة الثالثة : مهما بلغ الإنسان من مقام لا يحق له ممارسة الإكراه على الآخرين لإجبارهم في اعتناق فكرة أو دين وشريعة وهذا ما أكدت عليه نصوص القرآن.
قال تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ) إبراهيم 9 – 14
هذه الآية أشارت وبوضوح كون الإكراه منهج بشري لا أخلاقي بخلاف الدين الإلهي الأصيل لا إكراه فيه، ولا يمكن للخالق أن يتناقض في خطاباته والأحكام التي يطلقها .
قال تعالى ( لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) البقرة 256
اذا كان القرآن يدعو الى منهج عدم اكراه الآخرين على أعتناق دين معين، فعلى على أي أساس ومبدأ تُكرِهون الناس وتُبيحون دماءهم؟!
قال تعالى : ( أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين )
قال تعالى ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ )
آيتان صريحتان في أن الانسان حر باختيار منظومته العقدية ولا إكراه في اعتناق عقيدة ما، ولا يحق للأنبياء ومن هو دونهم أن يُكره الناس للإيمان بدينهم .
المرحلة الرابعة: ومن الجدير بالذكر أن بعض نصوص القرآن التي أكدت بأن عنوان المسلم لا يقتصر على أتباع النبي الخاتم بل يشمل كل من رفع لواء التوحيد وقد أشار لضوابط من شأنها توسعة دائرة مفهوم ( دين الإسلام ) وعدم اقتصاره على أنه خاص بملة معينة وقد وصف القران اتباع النبي ” بالذين أمنوا ”
قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة: 62
قال تعالى ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) ١٢٨ البقرة
قال تعالى ( وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا ۚ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ) ١٢٦ الأعراف
قال تعالى ( وَقَالَ مُوسَىٰ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ) ٨٤ يونس
قال تعالى ( قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ) ٣٨ النمل
قال تعالى ( فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَـٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ) ٤٢ النمل
قال تعالى ( وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ) ٥٣ القصص
قال تعالى ( وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) ١٣٢ البقرة
قال تعالى ( أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ١٣٣ البقرة
قال تعالى ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) ١٣٦ البقرة
قال تعالى ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) ٥٢ آل عمران
قال تعالى ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) ٦٤ آل عمران
قال تعالى ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) ٦٧ آل عمران
قال تعالى ( وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ٨٠ آل عمران
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ١٠٢ آل عمران
قال تعالى ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ) ١١١ المائدة
قال تعالى ( لَا شَرِيكَ لَهُ ۖ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) ١٦٣ الأنعام
قال تعالى ( فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ٧٢ يونس
قال تعالى ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ٩٠ يونس
قال تعالى ( فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ١٤ هود
قال تعالى ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ) ١٠١ يوسف
قال تعالى ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلَاءِ ۚ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ) ٨٩ النحل
قال تعالى ( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ * فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ) يونس: 71 – 73
المرحلة الخامسة : ولتسليط الضوء على الحقيقة ولبيان الحجة على من يعتقد بحجية القرآن نُشير إلى أن الله لم يذكر في الكتب السماوية جميع الرسل كما لم يُخبر النبي محمد عليه السلام بأسماء جميع الأنبياء عليهم السلام الذين بعثهم لعباده، فما يدرينا لعل زرادشت وسقراط كانا أحد أولئك الانبياء وغيرهما الكثير، فمن نحن لنتلاعب بالمفاهيم والحقائق ونهمش الآخر ونُقصيه بل نحكم بكفره ونبيح دمه دون أن نعرف عنه ابجديات عقيدته ومنظومته الفكرية ونسمح لسموم الكهنة أن تستشري في عقولنا ونصدق اكاذيبهم .
قال تعالى ( ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون ) غافر: 78
المرحلة السادسة: وكإشارة سريعة ولمحة بسيطة عن بعض الطوائف الدينية التي تحمل لواء التوحيد والتي ستُفاجئ البعض وتصدم البعض الآخر، نذكر على سبيل المثال لا الحصر .
– الأيزيدية
الايزيدية هي ديانة عريقة قائمة بذاتها على الإيمان بعبادة الخالق الواحد الاحد -خودى – اي طاووس الملائكة . وبقدسية الملائكة السبعة النورانيين وباحترام جميع الأديان والمعتقدات .
تشير الأبحاث الحديثة أن اسم الإيزيديين مأخوذ من اللفظ الفارسي «إيزيد» الذي يعني الملاك أو المعبود، وأن كلمة الإيزيديين تعني حسب لغتهم القديمة «عبدة الله» أو هكذا يصف أتباع هذه الديانة أنفسهم .
الإيزيديون (بالكردية: ئێزیدی، Êzîdî) هم مجموعة اثنو دينية، تتركز في منطقة كُردِستَان ، ناطقة باللهجة الكرمانجية من اللغة الكرديّة، يعيش غالبية الايزيديين الباقين في سوريا، تركيا، أرمينيا، جورجيا، لبنان و إقليم كردستان العراق والمناطق المتنازع عليها ، {وأساسًا في محافظة نينوى. ومجموعة تعيش في محافظة دهوك بضمنها وجود معبد لالش النوراني} تأثرت بعض جماعاتهم بمحيطهم الفسيفسائي {المتكون من بيئة ناطقة بالثقافة العربية، حيث لا زالوا يرتدون الزي المشابه لتلك المناطق تماشيا مع رغبة العيش لكن للإيزيدية تراثهم وزيهم الخاص الذي يعود للحضارات القديمة كالسومريين والبابلين والميتانية والكاشاخين.
يرى الإيزيديون أن شعبهم ودينهم قد وُجدا منذ وجود البشرية { ويعتقدون بانهم من نسل آدم لوحده دون حواء ومن نسل شيت } ويرى باحثوهم أن ديانتهم امتداد عن الديانة البابلية القديمة في بلاد ما بين النهرين. ويرى بعض الباحثين الإسلاميين وغيرهم أن الديانة الإيزيدية هي ديانة منشقة ومنحرفة عن الإسلام، ويرى آخرون أن الديانة هي خليط من عدة ديانات قديمة مثل الزرادشتية والمانوية أو امتداد للديانة الميثرائية (وهذا رأي له اجندته الخاصة ولا يعبر عن حقيقتهم) .
وهم من القوميات المسالمة والتي تحب الحياة ويلتزمون بما أمر الله به ( حرمة الزنا والسرقة والقتل والاغتصاب، ولا يكفرون بالدين أو بالله عز وجل ) يصومون { 3 ايام في السنة للعامة منهم و40 يوم صيفا وشتاءا لرجال الدين حصرا } و يدعون بالخير للكون وما فيه من مخلوقات.
قِبلتهم ومركزهم الديني الأساسي هي معبد لالش النوراني، حيث مقام الشيخ الجليل عدي بن مسافر الهكاري و باقي الأولياء الإيزيديين الصالحين ، بشمال العراق. يُقسّم المجتمع الإيزيدي إلى ثلاث طبقاتٍ دينية هي: الشيخ، والبير، والمريد، ويحرّم الزواج بين الطبقات و كذلك من باقي الأديان !
الإيزيديون هم موحدون يواجهون الشمس في صلواتهم { كشيء مقدس وليس لعبادته } و يؤمنون بتناسخ الأرواح { وبالملائكة السبع ورئيسهم طاؤوس الملائكة الذي هو أسم من أسماء الله الحسنى عندهم ، وتعتبر { عين البيضاء – كاني سبي } قبلتهم على الأرض من ماؤها يتم تعميد الايزيديين ، وقد وردت في القول بانها قبلتهم على الأرض و الشمس في السماء أو عند عدم تحديد الموقع.
يصوم الإيزيديون ثلاث أيام في السنة كفرض ديني على كل الإيزيديين كما يوجد صيام خدر إلياس وخدر نبي وخودانات وشيشمس وغيرها لكنها ليست فرض ديني إنما خير. أما رجال الدين يصومون أربعين يوماً في الصيف وأربعين في الشتاء.
الديانة الإيزيدية غير تبشيرية حيث لا يستطيع الأشخاص من الديانات الأخرى الانتماء إليها، تعرض الإيزيديون عبر التاريخ إلى أكثر 74 حملة إبادة جماعية شُنت ضدهم بسبب ديانتهم واعتقادهم، حيث تسببت هذه الحروب والمذابح بآثار ترسخت في النسيج الاجتماعي والعقلية الإيزيدية فصار الانزواء عن العالم والتقوقع الاجتماعي والخوف من الغرباء سمةً أساسيةً لهم. لكن كل هذا لم يمنع المثقفين الإيزيديين من إنشاء مراكز ثقافيةٍ واجتماعيةٍ لتعريف العالم بديانتهم وجعل الإيزيديين ينفتحون أكثر على العالم الخارجي. تعرض الإيزيديون لهجمات متكررة من تنظيم داعش تمثلت بتفجيرات وسبي نسائهم وعمليات اغتيالٍ في العراق وحتى سوريا .
أدى سقوط الموصل وسيطرة تنظيم داعش على مناطق شاسعةٍ من{ محافظة نينوى } شمال العراق وسقوط مدينة سنجار {في 3-8-2014 } بيد المسلحين إلى قتل الآلاف وسبي أكثر من سبعة آلاف من النساء والأطفال وكذلك هجرة عشرات الآلاف منهم من مدنهم وقراهم فراراً من بطش تنظيم داعش الإرهابي، مما جعلهم يغادرون موطنهم الاصلي اسوة بتهجير اليهود والصابئة والمسيحيين الذي فرغ البلد منهم وبقاء الايزيدية لوحدهم يعتبر معضلة وفرمان اخر قادم لهم ولو يعيش البعض منهم بامان في اقليم كوردستان العراق لكن اسباب الفرمانات والابادة لاتنقطع عنهم لوجود عوامل عدم احترام الاخر في هذا الكون المتوحش.
– الزرادشتية
الزرادشتية وتعرف بالمجوسية الزرادشتية وهي إحدى أديان المجوسية ولم يبقَ غيرها، وهي ديانة مثنوية إيرانية قديمة وفلسفة دينية آسيوية. كانت الدين الرسمي للإمبراطوريات الأخمينية والبارثية والساسانية. وتعد واحدة من أقدم الديانات في العالم، إذ ظهرت في بلاد فارس قبل 3500 سنة.
بناءً على تعاليم زرادشت، لديها علم الكون مزدوج للخير والشر في إطار علم الوجود التوحيدي وعلم الأمور الأخيرة الذي يتنبأ بالانتصار النهائي للخير علي الشر. تمجد الزرادشتية إله الحكمة غير المخلوق والخير المعروف باسم ( أهورامزدا ) بمعنى “سيد الحكمة” باعتباره الكائن الأسمى وهو في صراع أزلي مع إله الشر ( أهريمان ) ربما أثرت السمات الفريدة للزرادشتية، مثل التوحيد، والإيمان بالإرادة الحرة والجزاء بعد الموت، و تصور الجنة، والجحيم، والملائكة، والشياطين، من بين مفاهيم أخرى ميتافيزيقية، على النظم الدينية والفلسفية الأخري، بما في ذلك الأديان الإبراهيمية والغنوصية، البوذية الشمالية، والفلسفة اليونانية.
يقول قادرؤك “لدينا 5 صلوات في اليوم، ولكنها تختلف عن صلاة المسلمين، وقبلتنا النار والنور والشمس، ولكننا لا نعبد النار كما يظن البعض، وإنما هو تقديس، ولدينا صيام 4 أيام كل شهر نمتنع خلالها عن أكل اللحوم فقط، ومجموع أيام الصيام 48 يوما في السنة” .
أنهم لا يعتبرون أنفسهم بديلا لأي ديانة أخرى، “لأنهم يعترفون بكل الأديان، ويحترمونها، ولديهم علاقة قوية مع الجميع، ويريدون التعايش السلمي، لأن رسالة الزرادشتية ضد العنف” .
الزرادشتية هي الإيمان التوحيدي الذي أسس له زرادشت – بين 1000 – 1500 ق.م. وتنص على وجود إله واحد أسمى هو أهورامزدا -إله الحكمة- خالق ومسير كل شيء، يشجع معتنقيه على التعبير عن إيمانهم بواسطة مبدأ الأفكار الطيبة والكلمات الطيبة والأفعال الطيبة.
تأسس معتقد زرادشت الجديد على الرؤيا التي تلقاها بجانب النهر، والأجوبة على صلواته المتواصلة. وارتكز هذا المعتقد على خمسة مبادئ: الإله الأعظم أهورامزدا وهو الخير المطلق. يظهر الخير من خلال الأفكار الطيبة والكلمات الطيبة والأفعال الطيبة. لكل فرد الحرية للاختيار بين الخير والشر.
كان أهورامزدا الإله الوحيد الأبدي غير المخلوق، بينما الآلهة الأخرى مجرد أرواح أو انبثاقات عن الإله. آلهة محبوبة مثل ميثرا أو أناهيتا لم تعد تُعبَد بوصفها آلهة خالدة قادرة، لكنها ظلت مقدسة بوصفها تجسيدًا لأهورامزدا.
فعلى المرء التعبير عن إيمانه من خلال المبدأ الرابع، إذ يظهر الخير من خلال الأفكار الطيبة والكلمات الطيبة والأفعال الطيبة، ويمارس ذلك من خلال ما يلي: قول الحقيقة في كل حين، خاصةً الوفاء بالوعود. فعل الخير مع الجميع، خاصة الأقل حظًا. إظهار الحب للآخرين، وإن لم يردوا بالمثل. الاعتدال في كل شيء، خاصة في الطعام.
رغم وجود أدلة على محاولات الزرادشتيين نشر الدين بعد بعثة زرادشت، يُقال أن المعتقد انتشر عبر السلوك الفاضل للمؤمنين الذين اتبعوا ثلاث قيم جوهرية للسلوك: ( جعل الأعداء أصدقاء. جعل الخبثاء صالحين. جعل الجاهلين يتعلمون ) .
إذا عاش المرء بهذه القيم، فلن يحيا حياة طيبة ومنتجة فقط بل سيكافأ في الآخرة. تُعد الزرادشتية في الحقيقة أول دين توحيدي قدّم مفاهيم المسؤولية الفردية عن الخلاص، والحساب بعد الموت، والمسيح، وآخر الزمان والجنة والنار.
– الصابئة
المندائية أو الديانة الصابئية أو ديانة الصابئة المندائيين، هي أحد الأديان الإبراهيمية التوحيدية، يؤمن أتباعها بأن يحيى بن زكريا هو صاحب رسالتهم، ويؤكدون بأنهم أول وأقدم الديانات والشرائع التوحيدية. وأتباعها من الصابئة يتبعون أنبياء الله آدم وشيث وإدريس ونوح وسام بن نوح ويحيى بن زكريا، وقد كانوا منتشرين في بلاد الرافدين وفلسطين، ولا يزال السواد الأعظم من أتباعها في العراق، كما أنهم متواجدون في الأحواز بإيران، إلا إن عددًا كبيرًا منهم هاجر بسبب الحروب وسوء الأوضاع الأمنية في العراق.
تدعو الديانة الصابئية للإيمان بالله ووحدانيته المطلقة، وله من الأسماء والصفات عندهم مطلقة، ومن جملة أسمائه الحسنى عندهم (الحي العظيم، الحي الأزلي، المزكي، المهيمن، الرحيم، الغفور)، تقول المندائية أن الله الحي العظيم انبعث من ذاته وبأمره وكلمته تكونت جميع المخلوقات والملائكة التي تمجده وتسبحه في عالمها النوراني، كذلك بأمره تم خلق آدم وحواء من الصلصال عارفين بتعاليم الدين الصابئي وقد أمر الله آدم بتعليم هذا الدين لذريته لينشروه من بعده.
يؤمن الصابئة بأن شريعتهم الصابئة الموحدة تتميز بعنصري العمومية والشمول، فيما يختص ويتعلق بأحكامها الشرعية المتنوعة، والتي يرون أنها عالجت جميع جوانب وجود الإنسان على أرض الزوال (تيبل)، ودخلت مفاهيمها في كل تفاصيل حياة الإنسان، ورسمت لهذا الإنسان نهجه ومنهجيته فيها، وعندهم أن الإنسان الصابئي المؤمن التقي يدرك تمامًا، أن (القوة الغيبيّة) هي التي تحدد سلوكه وتصرفاته .
وكلمة الصابئة إنما مشتقة من الجذر (صبا) والذي يعني باللغة المندائية اصطبغ، غط أو غطس في الماء وهي من أهم شعائرهم الدينية وبذلك يكون معنى الصابئة أي المصطبغين بنور الحق والتوحيد والإيمان.
كلمة الصابئة ترجع إلى جذر الفعل العربي (صبأ) المهموز، وتعني خرج وغير حالته، والصبأ أي الذي خرج من دين الضلالة واتحد بدين الحق، فمن الممكن جدا أن هذه الكلمة كانت تعبر عن فترة من التاريخ عندما كان الناس يتركون (يصبأون) ديانتهم الوثنية، ويدخلون الدين المندائي. وبما أن المندائيين ولغتهم ليسوا عربا فقد أخذ العرب هذه التسمية لتكون صفة مميزة لهم وخاصة قبل الإسلام، أضف إلى ذلك ان هذه التسمية قديمة ولها أصولها في اللغة العربية. كما أن النبي محمد وأتباعه دعوا بالصابئة، عندما جهروا بدعوتهم أول مرة في مكة ودعوا إلى الإله الواحد الأحد، فدعاهم مشركي مكة بالصابئة.
وكلمة صابئة إنما جاءت من جذر الكلمة الآرامي المندائي (صبا) أي بمعنى (تعمد، اصطبغ، غط، غطس) وهي تطابق أهم شعيرة دينية لديهم وهو طقس (المصبتا – الصباغة – التعميد) فلذلك نرى أن كلمة صابئي تعني (المصطبغ أو المتعمد).. أما كلمة مندائي فهي آتية من جذر الكلمة الآرامي المندائي (مندا) بمعنى المعرفة أو العلم، وبالتالي تعني المندائي (العارف أو العالم بوجود الخالق الأوحد ) .
ترتكز الديانة الصابئية على خمسة أركان أساسية هي التوحيد بالحي الأزلي واحد أحد (سهدوثا ادهيي)، والصباغة والتطهر (مصبتا وطماشا)، الوضوء والصلاة (ارشاما وابراخا)، الصوم (صوما)، الصدقة والزكاة (زدقا)
” التوحيد بالحي الأزلي” الشهادة والتوحيد (سهدوثا اد هيي) وهي الاعتراف بخالق الكون، واحد أحد، لاشريك لأحد بسلطانه. كما حارَبَ الدين الصابئي الشِرك وأيضًا ليس له أب يكبره سنا ً وما من أحد قبله كان قد أصبح الأول في ولادته وليس له أخ… لا شريك له بملكه ولا منازع له في عرشه وسلطانه. والتوحيد في الدين الصابئي، يعني أن الله مسبح اسمه مَحَل عبادتنا، ومَحل طاعتنا وولاءنا له، هو [ ذات واحدة ] لا شريك لها في قدرتها وقرارها وقضاءها، وهو الذي يصرّف أمورنا كيف ما يشاء، لذلك يجب أن يكون انتسابنا لديننا الصابئي الحنيف، متأتيًا من خلال قناعتنا وإيماننا بقدسيته، والتصديق بخالقه الحّي القيوم الواحد الأحد: ولاتكون عقيدة عند الإنسان الصابئي، إلاّ إذا آمن بتوحيد الله الحّي القيوّم في كل شيء، وهذا ما ذكرته الكتب الصابئية في مجمل نصوصها.
” الصباغة والتطهير ” الصباغة (مصبتا) يعتبر من أهم أركان الديانة الصابئية واسمهم مرتبط بهذا الطقس وهو فرض عين واجب على الصابئي ويرمز للارتباط الروحي بين العالم المادي والروحي والتقرب من الله. والمصبتا: الصباغَة، كما هو ثابت في الصابئية هي طقس الدخول من العالم السفلي إلى العالم العلوي (عالم النور) ولا نميل، بل ننفي قول من ذهب إلى القول، كونها، أو من أنها تعني غسل الذنوب، حيث أن نبي الله ورسوله يوهانا موصبانا قَد صُبِغ َ أو اصطبغ وقد انقضى من عمره (ثلاثون يومًا)، وقد أقيمت أو جرت مثل هذه الصباغة للكثير من الأطفال الصابئة. اصبغوا نفوسكم بالصبغة الحية التي أنزلها عليكم ربكم من أكوان النور، والتي اصطبغ بها كل الكاملين المؤمنين.
” الصلاة والوضوء ” الصلاة (ابراخا) وهي فرض واجب على كل فرد مؤمن، يؤدى ثلاث مرات يوميا (صباحا وظهرا وعصرا) وغايته التقرب من الله. حيث ورد في كتابهم المقدس { وأمرناكم أن اسمعوا صوت الرب في قيامكم وقعودكم وذهابكم ومجيئكم وفي ضجعتكم وراحتكم وفي جميع الأعمال التي تعملون} ويختلف الصابئة عن غيرهم من الأديان بعدم وجود صلاة جماعية كما في الدين الإسلامي عندما يؤم الإمام بالمسلمين يوم الجمعة أو عند المسيحيين عندما يرتل القس الصلاة ويرددها بعدة الحضور يوم الأحد. وقبل تأدية الصلاة على الصابئي أن يقوم بالرشاما (الوضوء) والتي تتكون من 13 فرضا حَسب ترتيبها أي بالتَسَلْسُل.
” الصدقة ” (زدقا) ويشترط فيها السر وعدم الإعلان عنها لأن في ذلك إفساد لثوابها حيث جاء في كتابهم {أعطوا الصدقات للفقراء واشبعوا الجائعين واسقوا الظمآن واكسوا العراة لان من يعطي يستلم ومن يقرض يرجع له القرض} كما جاء أيضًا {إن وهبتم صدقة أيها المؤمنون، فلا تجاهروا إن وهبتم بيمينكم فلا تخبروا شمالكم، وإن وهبتم بشمالكم فلا تخبروا يمينكم كل من وهبة صدقة وتحدث عنها كافر لا ثواب له}. والصدقة في الدين الموحّد تشمل الكثير من أوجه القيام بها، على أن تأخذ مفهوم العلن عليها لتجاوز الغرور والتباهي والتفاخر للمتصدق: باسم الحي العظيم .
” الصيام ” في الدين الصابئي عِبادة، وهي الركن الخامس في الدين الصابئي، لقد شَرّع الله الصيام، ليهذّب (النفس: النشماثا) عند الإنسان الصابئي، فعلى الصابئي أن يحذر من الأعمال التي تخدش هذا الصوم من قبل نفسه، حتى يتحقق الغرض والهدف من الصيام. بسم الحي العظيم أيها المؤمنون بي صوموا الصوم الكبير، صوم القلب والعقل والضمير * لِتَصُم عيونكم، وأفواهكم، وأيديكم.. لا تغمز ولا تَلمز * لا تنظروا إلى الشّر ولا تَفعلوه * والباطل لا تسمعوه * ولا تنصتوا خلف الأبواب * ونزهوا أفواهكم عن الكذب * والزيف لا تقربوه * أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة * أمسكوا أيديكم عن القتل والسرقة * أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم، فتلك هي النار المحرقة * أمسكوا ركبكم عن السجود للشيطان وللأصنام الزيف * أمسكوا أرجلكم عن السير إلى ما ليس لكم * إنه الصوم الكبير فلا تكسروه حتى * تفارقوا هذه الدنيا.
أما الصوم أو الصيام (صوم ربّا) عن (تناول الأطعمة والأشربة) في الصابئية، فهو مقصورا على عدم تناول اللحوم، والامتناع عن تناولها مقيّدا بأيام محددة ومسماة، ومذكورة، وعددها ( لا تنصتوا خلف الأبواب ، نزهوا أفواهكم عن الكذب ، الزيف لا تقربوه ، أمسكوا قلوبكم عن الضغينة والحسد والتفرقة أمسكوا أيديكم عن القتل والسرقة، أمسكوا أجسادكم عن معاشرة أزواج غيركم، فتلك هي النار المحرقة ، أمسكوا ركبكم عن السجود للشيطان وللأصنام الزيف، أمسكوا أرجلكم عن السير إلى ما ليس لكم )
يتجه الصابئة المندائيون في صلاتهم ولدى ممارستهم لشعائرهم الدينية نحو جهة الشمال لاعتقادهم بأن عالم الأنوار (الجنة) يقع في ذلك المكان المقدس من الكون الذي تعرج إليه النفوس في النهاية لتنعم بالخلود إلى جوار ربها، ويستدل على اتجاه الشمال بواسطة النجم القطبي. والشمال قبلة الصابئة، حيث يعتقدون بعرش الخالق هناك، والجنة موطن الملائكة والمؤمنين، ودلائلهم في ذلك، أن منبع الأنهار، ومنها دجلة والفرات من الشمال إلى الجنوب، والشمال أصل للجهات الأربع الجنوب والشرق والغرب، كذلك الريح الهاب أو القادم من جهة، أو صوب الشمال، أنقى وأزكى وأعذب للنفس، تشرح الصدر، وتفرح النفس، عكس الريح التي تقدم من الشرق، والبوصلة يتجه عقربها دائمًا نحو الشمال، وجاءت الشريعة الصابئية لتلزم الصابئي .
– الدرزية
الدروز ويسمون أنفسهم الموحدون هم طائفة تُدين بمذهب التوحيد ذو التعاليم الباطنية؛ الذي تعود أصوله إلى مذهب الإسماعيلية إحدى المذاهب الإسلامية، وإلى الدولة الفاطمية بالقرن العاشر، كما ترجع جذور الدروز إلى غرب آسيا. ويطلقون على أنفسهم اسم أهل التوحيد أو الموحدون. يقدّس الدروز النبي شعيب أحد أنبياء العرب، الذي يعدونه المؤسس الروحي والنبي الرئيسي في مذهب التوحيد.
رسائل الحكمة هي النص الأساسي لإيمان ومعتقدات الموحدين الدروز. ويستند مذهب التوحيد أو الدرزية على عناصر من الإسماعيلية وهي فرع من الإسلام الشيعي، والغنوصية، والأفلاطونية المحدثة، والفيثاغورية، والمسيحية، والزرادشتية، والبوذية، والهندوسية، فضلاً عن فلسفات ومعتقدات أخرى، مما أدّى إلى ابتكار لاهوت عُرف بالسريَّة والتفسير الباطني للكتب الدينية وتسليط الضوء على دور العقل والصدق. يؤمن الدروز بالتناسخ أو التقمص وهو مبدأ أساسي عندهم، والذي يتلخص مفهومه في رجوع الروح إلى الحياة بجسد آخر فوراً عند وفاة المرء نظراً لوجود ازدواجية أبدية في الجسد والروح ومن المستحيل أن توجد الروح بدون الجسد، وهي فكرة فلسفية ودينية مرتبطة بالجسد والروح والذات حسب المعتقدات الدرزية.
يؤمن الموحدون الدروز بظهور سبعة أنبياء في فترات مختلفة من التاريخ وهم: آدم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، ويسوع (عيسى بن مريم)، ومحمد، ومحمد بن إسماعيل.
وعُرف الدروز بالانغلاق على أنفسهم وتماسكهم الاجتماعي والثقافي والسياسي، حيث عاشوا داخل نظام اجتماعي مغلق على الطائفة.
لأن الدروز خرجوا من رحم الإسلام ويُشاركون الإسلام في معتقدات معينة، فإن الموقف من كون المذهب الدرزي دينًا منفصلاً أو طائفة إسلامية هو موضوع مُثير للجدل؛ يُعدّ البعض مذهب التوحيد أحد المذاهب الإسلامية والمُتفرّعة من الإسماعيلية، والثابت أن الدروز يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون والقضاء والقدر واليوم الآخر.
وفي الآونة الأخيرة قام كل من تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يُعرف بداعش وتنظيم القاعدة بحملات إبادة في سوريا والدول المجاورة . ومن المعروف أنها شكلَّت مجتمعات متماسكة مغلقة لا تسمح بانضمام لغير الدروز، رغم أنهم مُندمجون بشكل كامل في أوطانهم المعتمدة.
في المعتقد الدرزي الله هو واحدًا من وحدة صارمة لا هوادة فيها. وتنص عقيدة الدروز الرئيسية على أن الله متسامح وغير جوهري، حيث إنه فوق كل الصفات، لكنه في الوقت نفسه، موجود. وفي رغبتهم في الحفاظ على اعتراف جامد بالوحدة الإلهية، جردوا من الله كل الصفات (المتنزه). في الله، لا توجد سمات مميزة عن جوهره. إنه حكيم، وعظيم، وعادل، ليس من خلال الحكمة والقوة والعدالة، ولكن من خلال جوهره الخاص. الله هو «كل الوجود»، وليس «فوق الوجود» أو على عرشه، مما يجعله «محدودًا». لا يوجد «كيف»، أو «متى»، ولا «أين» عنه؛ لأنه غير مفهوم. تتشابه هذه العقيدة مع بعض المفاهيم التي ازدهرت تحت حكم المأمون والتي عرفت باسم المعتزلة وجماعة إخوان الصفا. لكن على عكس المعتزلة، وعلى غرار بعض فروع الصوفية.
يؤمن الدروز بمفهوم التجلي أو الظهور الإلهي. وغالبًا ما يُساء فهم «التجلي» من قبل العلماء والكتاب مع مفهوم التجسد [التجسد] هي المعتقدات الروحية الأساسية في مذهب الدروز وبعض التقاليد الفكرية والروحية الأخرى بمعنى باطني، تشير إلى نور الله الذي يختبره بعض الصوفيين الذين وصلوا إلى درجة عالية من النقاء في رحلتهم الروحية .
ونستنتج مما سبق أن الطوائف التي أشرنا إليها وغيرها يرى غالب المسلمين من أتباع النبي محمد عليه السلام أنهم كفرة لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون، وعلى إثرها تُباح دماءهم ولكن وفق المفهوم القرآني عن الإسلام هم أُناس موحدين وهذا هو لُب الدين وجوهر الدعوة التي جاء بها كل الرسل؛ وانطلاقاً من هذه الحقيقة المُغيبة أرى أن المنهج الانساني هو الحل الأمثل لمشاكل العالم، لأننا عندما نتقصى أسباب الصراع سواء كان السبب غاية أو وسيلة عند الفرد أو الجماعة نجد أن ( الدين ) و ( العرق والقومية ) منشئ الصراع البشري ويكمن الحل الحقيقي بالإنسانية التي تُعد منهجاً كفيلاً لإنهاء الصراع القائم بين البشرية، ولا يأتي أحدهم ويقول أن أصل الدين هو دعوة لوحدة البشرية تحت عنوان الإنسانية! لأنها دعوى فارغة ولا وجود لها في التراث الديني المتداول بل على العكس تماما نجده يحث على أن يقاتل المؤمنين به أولئك الذين كفروا به! بينما يُفترض أن الدين الحقيقي ذو منهج إنساني بعيد عن التصنيف وإطلاق الأحكام التعسفية مع المختلف الآخر، إلا أن الأتباع في النهاية بعد أن قاموا بتحريف معالمه وتزييف أحكامه لصالح غاياتهم شرعنوا أبادة المختلف معهم، بالتالي كـ واقع حال أصبح الدين أحد اكثر أسباب الصراع الدائر بين بني البشر! لهذا يكفينا ترقيع وتبرير وعلينا أن نعترف بالحقيقة المُغيبة التي لا يجرأ الكثير ممن أدركها على البوح بها بشكل علني .
وعليه بما أن عهد النبوة قد انتهى في عقيدة معظم بني البشر بكل ارجاء المعمورة ولكوننا نعيش عصر جديد تقدمت فيه البشرية علميا وتكنولوجيا وجب أن يكون المحور هو الإيمان بأن [ الانسانية الركن الاساس لسعادة البشرية ] وانتفاء زمن الوصاية على العقول وتحريرها من القيود الاسطورية، وأن القيم الإنسانية والأخلاقية ميزان رضا الخالق ونبذ لغة التكفير والدعوة للتعايش السلمي والعمل الصالح وأن اعتناق الإنسان أي شريعة لا يُكسبه حق الدخول الى الجنة ما دام ظالماً لأخيه الإنسان، وعلى الجميع أن يُدركوا لا إكراه للآخرين ولا سلطة لأي إنسان على آخر ولا يجوز تقمص السلطة الإلهية في محاسبة عباده ولا يحق لفرد ما فرض عقيدة وفكرة معينة، وعدم تكفير المختلف الآخر والقدح بمنظومته العقدية والفكرية وإباحة دمه وإقصاءه .