🔴#الطوارق_يخطفون_جمهور_مسرح_الحمامات_من_البحر_إلى_الصحراء
كتبت بواسطة : محمد رحال
لم يخدعوا جمهور مهرجان الحمامات الدولي بتونس حين قالوا له انهم سيصطحبونه الى الصحراء فوافقهم على الفور فيما يشبه الاختطاف الطوعي إذ وقع على الفور تحت تأثير سحر موسيقاهم الغامضة كوجوههم الملثمة يتساوى في ذلك من كان يعرفهم من قبل مع من عرفهم لأول مرة .. إنهم مجموعة “تيناريوين” من مالي كما يذكر الكتالوچ الرسمي للمهرجان .. لكن حقيقة المجموعة كانت أوسع من الحدود الضيقة لدولة واحدة تحمل فسيفساء تراث عرق أو قومية ذات تاريخ طويل وعريق إنتشرت بين عدة دول من جنوب ليبيا والجزائر إلى شمال مالي ، ومناطق من النيجر وبوركينا فاسو .. إنهم “الطوارق” وموسيقاهم ورقصاتهم الشجية الحماسية الرصينة التي تحتوى في باطنها إيقاعات سير الأبل بطيئة أو متوسطة أو مسرعة وصول إلى الإيقاعات الحربية المقاتلة كأنها تختزل في باطنها تمرد وثورات هذا العرق أو تلك القومية التي شهدتها مالي والنيجر في حقبة ما .. لكن هذا ليس موضوعنا .. ولا موضوع تلك المجموعة الموسيقية التي تجنبت الحديث في هذا الجانب مع سؤال متكلف يسيس الفن على لسان أحدهم حاول الركوب على الأحداث الجارية في العالم بسؤال حول حركات التحرر و المقاومة في موسيقى مجموعة “تيناريوين” .. مجترا ذات السؤال الذي حاولت إحدى وسائل الإعلام الفرنسية توريطهم فيه من قبل ..
نوعية الموسيقى الثرية التي قدمتها مجموعة “تيناريوين” الموسيقية وإن تماست بشدة مع موسيقى ” البلوز ” إلا أن إيقاعاتها المتنوعة ومتفاوتة الإيحائات تكاد تتطابق مع إيقاعات أمريكية وغربية ربما إنتقلت مع الأفارقة الذين إختطفوا في حقبة ما للعمل في مزارع أمريكا الشمالية واللاتينية وأوروبا ، ولن يغيب عن المستمع الجيد من هواة الموسيقى ملامح الإيقاعات اللاتينية المميزة ، وإيقاعات “الريجي” و”الماكومبي” .. التي تجعلك تسرح بالخيال مع معتقدات أولئك الرجال ” الزرق الملثمين ” طبقا للون الغالب على ملابسهم في بعض الحقب ، وهي معتقدات تحمل أحيانا تفسيرات غيبية توغل في عالم الأرواح والأشباح ، أو في قصص المعارك التي خاضوها قديما وتقاليدهم التي تحمل الكثير من الغموض .. والتي تبدو ذكورية مع الإنطباع الأول لكن الحقيقة غير ذلك في مجتمع المرأة فيه سافرة تعزف الموسيقى على الآت معينة والرجال فيه ملثمون .. يسكنون دار أهل الزوجة طبقا لأعرافهم ، ومن ثم يبدو التطرق إلى دور المرأة في تلك المجتمعات مخلا إذ يفترض الإلمام بأبجديات ثقافة الآخر الأولية قبل التطرق لها ..
وفي سؤال ل محمد رحال حول نوعية الموسيقى والإيقاعات لدى “الطوارق” وإفريقيا بشكل عام .. ومجموعة “تيناريوين” بشكل خاص وهل يمكن القول بأن الغرب الإستعماري سرقها ضمن ما سرقه من كنوز إفريقيا وضمن تلك الكنوز تراثها ؟ .. ، كانت إجابة قائد المجموعة متسامحة ومتواضعة .. إذا قال أن هذا الطرح إحتمال ضمن مجموعة إحتمالات منها الهجرات الأفريقية لأوروبا والأمريكتين ، ومنها أيضا توراد الخواطر والتشابه في التراث الإنساني .
الأمر المؤكد أن الكثير من الكنوز التراثية الإفريقية بما فيها عوالم الخرافة والشعوذة وما تحويه من روافد فنية خاصة في الموسيقى والإيقاعات قد إنتقل إلى كافة أصقاع العالم وها نحن نرى بالقرب منا طقوس و موسيقى وإيقاعات “الزار” في مصر والسودان ، وفنون من يطلق عليهم “عبيد غبنتن” و”عبيد حمارنة” في تونس ، و”القناوة” في المغرب .. وغيرها ، وكذلك “الماكومبي” و”الفودو” في الأمريكتين خاصة اللاتينية ..
وبغض النظر عن أصول “الطوارق” وهل هم فرع من فروع “البربر” ولا نقول “الأمازيغ” ذلك المصطلح المستحدث والمثير للجدل والريبة.. ، وهل ذلك الإسم ” طوارق – أو توارك ” يعني إنتمائهم للقائد العظيم ” طارق إبن زياد ” أم لا .. فالمؤكد أنهم ينتمون بأصلهم وفنونهم وتراثهم للقارة السمراء إفريقيا .. وتراثهم تراث منفصل متصل بالأعراق والمجموعات البشرية التي تحيا فيها خاصة في الرقعة الجغرافية التي يعيشون فيها والتي تعتبر حلقة الوصل بين إفريقيا السمراء وشمال إفريقيا أو مغربها الأقل سمارا .. حتى وإن كانوا أكثر إستقلالية وخصوصية في تراثهم عن بقية الروافد القبلية “البربرية” .. ، وبالمناسبة الرقعة الجغرافية التي يعيشون فيها لا تشمل “واحة سيوة ” المصرية كما زعم أحد المتحذلقين إدعاء للمعرفة أو لمآرب أخرى .. حيث تعيش هناك أقلية من روافد بربرية مختلفة تماما ..
الأمسية الرائعة التي قدمتها مجموعة “تيناريوين” الموسيقية في مهرجان الحمامات الدولي بتونس حيث إمتلأ مسرح المهرجان بجمهور غفير .. ربما نكتشف في نهاية مهرجان الحمامات الدولي أنها كانت أفضل أمسيات المهرجان حيث كان الأداء والحضور والتفاعل مذهلا ، وكان ملحوظا قدوم جمهور من خارج تونس معظمهم ” طوارق ” من دول أخرى .. ،
ويلاحظ في المهرجانات التونسية هذا العام قدوم جمهور من دول وجنسيات أخرى من خارج تونس لحضور فعاليات لفرق ومجموعات موسيقية بعينها .. الأمر الذي يجعل الإهتمام بجودة برمجة المهرجانات مسألة ملحة وحتمية ..
وستبقى في ذاكرة المهرجانات التونسية لموسم 2024 .. السهرات الرائعة والحضور الغفير والتفاعل المذهل في سهرتي .. “كايروكي” في مهرجان “دڨة” الدولي ، و”تيناريوين” بمهرجان الحمامات الدولي (حتى كتابة تلك السطور ) ..
وفي سياق متصل وعلى الرغم من أن مجموعة “تيناريوين” شاركت بإعتبارها من دولة مالي إلا أنه حرص على مشاركتها قادما من دولة “النيجر” بزيه المميز ” سفير الثقافة الطارقية ” السيد ” الحسين ” مجيبا على أسئلة الحضور بكل أريحية ورحاربة صدر بعد أمسية بديعة ستظل عالقة بالأذهان والقلوب .