القصيدة بين زهرة الهندباء وسعدى

قراءة نقدية مزدوجة:
“القصيدة بين زهرة الهندباء وسعدى”
فقرة جمع بصيغة المفرد (مبدع / مشاكس /ناقدة )
المبدع حمد حاجي (تونس)
القصيدة :”رقصة مع زهرة الهندباء”
المشاكس عمر دغرير(تونس)
المشاكسة:” واختلطت الكوابيس بالحلم”
الناقدة:جليلة المازني(تونس)
القراء النقدية المزدوجة: “القصيدة بين زهرة الهندباء وسعدى”
أ المشترك بين القصيدتين:
*على مستوى الشكل:
-عدد المقاطع: كل قصيدة تضمّنت ثلاثة مقاطع
– كل من القصيدتين يندرج ضمن أدب الحلم:
يقول المبدع: لكن.. كما الحلم..
البارح اشتقت لك..
أتى الطيف معتمرا
يقول المشاكس: وتحلم
تاتي سعاد على فرس من نور
– التناصّ المعجمي مع الابداع: الحلم/ النهم/ من غيّرك/ التهم/..
* على مستوى المضمون:
كل من الابداع والمشاكسة تضمّن عتاب الحبيبة:

يقول المبدع: وتشبك كفّي
قائلة:هيت يا حبّ ما غيّرك؟
يقول المشاكس: تقول لك:
ماذا جرى يا حمد؟
من غيّرك؟
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي وزهرة الهندباء:
أسند الشاعر حمد حاجي عنوانا لقصيدته عنوان “رقصة مع زهرة الهندباء”
والرقصة وما تجسده من معاني الفرح والسعادة انها سعادة مع “زهرة الهندباء”
و”زهرة الهندباء وتعرف في بعض الاحيان بالهندباء الحمراء الايطالية وهي نبات معمّر وينمو مثل أوراق الخضروات التي تحتوي على اوراق حمراء ذات عروق بيضاء.تحتوي على مرارة وذات طعم حارّ يلين عند شيّه اوتحميصه”(1)
“ولطالما كانت الهندباء رمزا للاشياء الجيدة .انها ترمز للامنيات والحرية والامل والحظ السعيد والفرح والحب”
استهل الشاعر قصيدته باعتراف لمحاولة نسيان الحبيبة ولكن كيف ينساها باستخدام اسلوب الكناية بالعنوان فقد كنّى عنها بزهرة الهندباء ووجه الشبه ان حب الحبيبة الجميلة معمّر بقلبه وطويل العمر كطول عمر زهرة الهندباء.
ان تعمير حب حبيبته الجميلة بقلبه جعله لن ينساها رغم اعترافه بمحاولة نسيانها فانه يعود ليشتاق اليها فيقول: وحاولت أنساك …
لكن.. كما الحلم…
البارح اشتقت لك…
من خلال هذه الفجوات النصية قد يعتبر القارئ ان الحبيب مسكون بحب الحبيبة وقد تبقى حلما له يعيش عليه .
ويعود الشاعر باسم الحبيب ليعترف مرة ثانية بان قلبه خانه لانها تسكنه واذا بطيفها يـأتي معتمراوقد شبه طيفها بالمعتمر والمعتمر يبدأ عمرته بالتلبية .
وكأن طيف الحبيبة الذي أتاه بالحلم يقول له: “لبيك أيها الحبيب” وهذا دليل على ان الحبيبة متسامحة معه مهما حاول أن ينساها.
يقول الشاعر: وقلبي الذي أمنت غوائله
الآن يغدر
ينصب شبكا وشرك…
أتى الطيف معتمرا…
وي كأنه أنت
فسبحان الذي صوّرك
انها تدعوه الى الرقص معها وهي الساكنة فؤاده كما زهرة الهندباء فيستجيب لها وأثناء الرقص تعاتبه وتلومه عن سبب تغيّره نحوها فيقول:
فبيضاء راقصة
في حرير فؤادي كما زهرة الهندباء
على قدم ..
تشير بانملها
نحو باحة مرقصنا
لأشاركها دبكة الحب والنغم..
وتأخذني من يدي
وتشبك كفّي
قائلة: “هيت ياحب ما غيّرك..؟
وفي هذا الاطار يعيش الحبيب ازدواجية المشاعر فهو يشعر بالغنم والغبن معا:
– انه يشعر بالغنم لانه غنم بطيفها ليشاركه الرقص.
ان الشاعر باسم الحبيب قد جعل الحبيبة متسامحة ومبادرة بل معاتبة له حبّا وعشقا له.
– انه يشعر بالغبن لان الحبيبة تعاتبه تلومه عن سبب تغيّره في حبّها بل وتتهمه بالنظر الى أخرى قد استبدلها بها .
بيد ان الشاعر قد أوجد حجة للحبيبة لتقنع نفسها بالاستسلام للامر الواقع حين اعتبرته الخصم والحكم وكأن الشاعر جعل قولها يتناصّ مع قول المتنبي الحكيم:
“يا أعدل الناس الا في معاملتي// فيك الخصام وأنت الخصْمُ والحكمُ
يقول الشاعر:
تقول: رأيتك تشبح أخرى…
فمن ذا الذي يقنع الخصْمَ بالحَكَم ؟
قد يتدخل القارئ هنا ليسلط الضوء على غيرة الحبيبة وهي عاجزة عن اقناعه فالحبيب هو الخصم والحكم .وبالتالي هل سيُنصفها على حسابه أم ينصف نفسه لصالحه؟؟؟
يبدو ان الحبيب لم ينصفها لانه يضيق ذرعا بتهمها لانها حتى بحلمه لا تنفكّ عن اتهامها له. فيقول:
فحتى بغمضة العين
يا ناس ما نلت منها بوقت الرقاد
سوى التهم…
وفي هذا الاطار ما رأي المشاكس في حلم المبدع؟
=== يتبع ===

=== يتبع ===
2- المشاكس عمر دغرير وسعدى:
أسند المشاكس عنوانا لمشاكسته “واختلطت الكوابيس بالحلم”والعنوان تعريض بحلم المبدع مع زهرة الهندباء الجميلة والمعمرة بقلبه باعتبار حلمه كابوسا بسبب سكره المفرط ليلتها وقد مهّد المشاكس للقارئ بامتياز حالة المبدع السكران الذي أفقده الافراط في الشرب عقله وجعله يرى كوابيس متخيلا انه يراقص “زهرة الهندباء”
لقد سخّر المشاكس المقطع الاول كاملا من القصيد لوصف حالة المبدع المزرية بسبب افراطه في الشرب. فيقول المشاكس:
أراك أكثرت من الشرب
كان جارك النادل
هو الوحيد
كان يشدك من يديك ويرفعك…
وهو الذي فتح الباب
وساعدك في الوصول الى الفراش
قبل ان يغادرك البيت ويتركك…
هنا قد يتدخل القارئ وقد يعتبر ان المشاكس يسعى الى تفنيد حلم المبدع ورقصته مع زهرة الهندباء الجميلة والتي سكنت قلبه معمرة فيه .
وقد يعتبر أن المشاكسَ المهووس بسعدى غيرة عليها ان سعدى هي وحدها أيقونة حبّ المبدع.
فعلا فان المشاكس الوفي لسعدى يجعلها تأتي اليه في الحلم بدلا عن طيف زهرة الهندباء فيقول:
وتحلم
تأتي سعاد على فرس من نور
وفي يدها (أباجور)
أضاءت كل زوايا بيتك المظلم..
يرتقي المشاكس بسعدى ليجعلها قادمة على فرس من نور لتضيء للمبدع بيته المظلم وذلك باستخدام مقابلة معنوية بين النور والظلام لتحريك شهامة المبدع
للاعتراف لها بالفضل في انارة حياته .بيد أن الكلمات تخذله دون ندم فيقول المشاكس:
تحاول أن تقول شيئا يسرّها
ويخذلك لسانك
ولن تشعر أبدا بالندم..
ازاء صمت المبدع جعل المشاكس سعدى أكثر جرأة لتتكلم وتعاتبه لانها تسرّ
الغيظ منه فيقول:
تقول لك :
ماذا جرى يا حمد؟
من غيّرك؟
هنا قد يتبادر الى الذهن أن عتاب سعدى هو نفس عتاب زهرة الهندباء للمبدع وتتمثل في خيانته لها لكن المشاكس يدهش القارئ ويكسر أفق انتظاره بان جعل غيْرتها من نوع آخرفيقول:
حتى متى تلهمك الصهباء
وتترك سعدى للالم..
ما أبشعك…
ان سعدى تتهمه بمعاقرة الصهباء والصهباء هي” اسم من أسماء الخمر المعصورة من العنب الابيض(معجم اللغة العربية المعاصرة/المعجم الوسيط)
هنا قد يتدخل القارئ وقد يعتبر ان المشاكس يثير قضية أقضّتْ مضجع المرأة كزوجة وهي معاقرة الزوج الخمر التي تدمّر العلاقات الانسانية وتشتت العائلة.
وهنا لايفوتنا أن نقف على قدرة المشاكس على الجمع بين أدب الحلم وأدب الخمرويبدو انه استخدم أدب الخمر ليهدم به أدب الحلم واذا الحلم ينقلب الى كوابيس وهذيان ينسيه أجمل الحلم فيقول:
ويمُرّ الوقت
وانت تتلوى فوق سريرك
تزعجك الكوابيس
وتنسيك أجمل الحلم
تردد اكثر من اسم وتهذي
دون ان تذكر اسم سعدى
ما أتعسك…
ان المشاكس يذكّر المبدع بان الخمر جعله يهذي بكل الاسماء دون ذكر اسم سعدى فيحزّ في نقسه غيْرة على أيقونة حب المبدع الوفية فيصفه بأنه أتعس انسان في غياب سعدى.
وأكثر من ذلك فان المشاكس يسعى الى تحريك مشاعر المبدع فيذكره بحبه لسعدى الوفية لحبّه لعله يوقظ فيه حبه القديم وقد يحنّ الى الحب الاول فيقول:
تنسيك الخمرة من يهواها قلبك
وتظل تعاقرها
وتنسى انها تهواك
ولم تحبّ سواك
وما نلت منها أبسط التهم
ما أحقرك…
لعل من خلال تلك الفجوات النصية( ما أبشعك/ماأتعسك…/ ما أحقرك…) قد يتحرك القارئ فقد يعتبرنبرة المشاكس مشحونة بالتهكم والسخرية الى حد الذاتية في الحكم على المبدع الذي يستبدل سعدى بالخمر والمشاكس في ذلك يغار عليها وقد يعتبران سعدى “في الورى خير أنثى”.
وقد يواصل القارئ تدخله ليُحوْصل ما ورد في القصيدتين معتبرا ان المبدع يضيق ذرعا بالعتاب ففي ابداعه يرفض عتاب زهرة الهندباء على خيانته
لها وفي المشاكسة يرفض من سعدى باسم المشاكس ان تتهمه بمعاقرة الخمر بدلا عنها وبالتالي فالمبدع لا ترضيه لا زهرة الهندباء الجميلة المعمرة بقلبه ولا سعدى الوفية وهي حبّه الأول والقديم “المُعتق”كما الخمرة المعتقة الصرفة التي لم يخالطها ماء.
لعل كلاّ من الابداع والمشاكسة يعكس عقلية الرجل العربي الذي تحرّكه نعرة العربي المتوهّم أنه” المعصوم عن الخطأ” حدّ التحدّي للمراة ولو كانت حبيبته. وبذلك قد تحدّى زهرة الهندباء( التي عاتبته على الخيانة) وتحدّى سعدى (التي عاتبته على معاقرة الخمر).
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة تحدّيا ودفاعا حبّا مُعمّرا وحبّ معتّقا.
بتاريخ25 /07/ 2024
المراجع:
https://ar.wikipedia.org>wiki>..(1)
الهندباء – ويكيبيديا