قراءة نقدية مزدوجة:
” الرباعية بين الحبّ والحرب”:
فقرة جمع بصيغة المفرد(مبدع /مشاكس/ ناقدة)
المبدع حمد حاجي(تونس)
الرباعية: “وترجع من جبهة الحرب”
المشاكس عمر دغرير(تونس)
الرباعية:” أراك في جبهة حرب”
القراءة النقدية :”الرباعية بين الحب والحرب”
أ- المشترك بين الابداع والمشاكسة:
1- على مستوى الشكل:
– المعجمية اللغوية:جبهة الحرب/ سلاحي /أسلحة /تفزعني/تفزعك)
2- على مستوى المضمون
اسقاط مشهد الحرب على مشهد الحب.
ب- المختلف بين الابداع والمشاكسة:
1- المبدع حمد حاجي بين الحب والحرب
أسقط الشاعر حمد حاجي مشهد حرب على مشهد حب ليجعل الحبيبة ترجع اليه
مثخنة بالصبابة والبوح والأرق .
” والاسقاط في علم النفس هو عملية لوم على ما فشل هو فيه بسبب ما يوضع أمامه من عقبات وما يوقع فيه من زلات أوأخطاء وهوآلية نفسية شائعة يعزو الشخص بواسطتها للآخر أحاسيس وعواطف و مشاعر يكون قد كبتها بداخله” (1)
والاسقاط حيلة دفاعية وعميلة هجومية في نفس الوقت يحمي بها الفرد نفسه.
والمبدع التجأ الى هذه الحيلة الدفاعية كي يحمي نفسه من هجوم طارئ لهذه الحبيبة فكان مشهد الحرب اسقاطا و تبريرا لمعاناته مع هذه الحبيبة.
وجبهة الحرب هي حدود تشهد نزاعا مسلحا بين قوتين متصارعتين.
والقوّتان المتصارعتان هنا هما الحبيب والحبيبة.
والحرب تقتضي ربحا وخسارة فمن الرابح ومن الخاسر من الحبيبين؟
هذه الحرب وهذا الخصام وهذا النزاع بين الحبيبين قد جعل الحبيبة تعود من تلقاء نفسها لتبوح لحبيبها بصبابتها وحبّها له الذي أرّقها فيقول المبدع:
وترجع من جبهة الحرب مثخنة
بالصبابة والبوح والأرق.
وهنا يوهمنا الشاعر أن الحبيبة عادت لحبيبها من تلقاء نفسها صبابة و شوقا اليه ولكن سرعان ما يُدهشنا بعودتها الى الخصام من جديد وتدير الكلاشن صوبه ويفزعه كاتم الصوت في عنقه.
والكلاشن هو سلاح هجومي ابتكره مصمم الأسلحة الروسي الشهير ميخائيل كلاشنكوف.
هل الحبيبة عادت الى حبيبها بهذا السلاح الهجومي لاعادة شن الحرب عليه
من جديد حتى أن كاتم الصوت قد أفزعه في عنقه فيقول:
تدير الكلاشن صوبي
ويفزعني ,كاتم الصوت في
عنقي.
رغم رجوعها من تلقاء نفسها وصبابتها وبوْحها له بحبها وأرقها من فرط معاناتها فرجُوعها كان هجوميا له سواء بالعتاب او بالخصام بالحرب المسلحة فان الشاعر يُدهشنا مرة أخرى حين يجعل الحبيب لا يردّ بنفس البضاعة بل يستسلم وأكثر من ذلك يتغزّل بها فيقول:
وأرفع أعلى… يدي…كأني
ألامس ضوء الكواكب بالأفق
وهل أكثر من أنه يستجيب لحراس قلعتها ليسلّم لهم سلاحه كالأسير مستسلما بل مقتنعا بذلك فيقول:
وأسلم أمري..أعيد لحراس
قلعتها كالأسير سلاحي على طبق.
هنا ومن خلال الفجوات النصية(…) المنتشرة على أرجاء الرباعية ومن خلال المعجمية اللغوية الحربية التي استخدمها المبدع(جبهة الحر ب/ مثخنة/ الكلاشن/ يفزعني /كاتم الصوت أرفع أعلى يدي/ حراس قلعتها/ كالأسير /سلاحي) وكثرة الافعال التي تثير الحركة والجلبة (ترجع/ تدير/ يفزعني/أرفع /أسلم /أعيد ) كل هذه المؤشرات قد تثير فضول القارئ متسائلا مستغربا:
– اي علاقة بين الحب والحرب؟
– ما الفرق بين الحب والحرب ؟
قد يستحضر القارئ ما قيل بين الحب والحرب :” في الحب يحاول الانسان ان يتمسك أمام طوفان الحبّ وجبروته ولكنه قد يفشل من الصمود كثيرا ثم ما يلبث ان ينهار ويعلن الاستسلام وفي الحرب أيضا يعيش الانسان تلك الصورة بعد ان يحاول أحدهم ان يصمد ولكنه قد يفشل فيحاول كل صناع الحرب ان يستخدموا
كل أنواع الأسلحة لكسب المعركة”(2)
والحب وحده يحوّل خراب الحرب الى جنة.
ولعل اسقاط مشهد الحرب الذي استخدمه الشاعر يستمد شرعيته من قصص الحب في الروايات التي دارت زمن الحرب ولعل أشهر روايات الحب رواية “حب وحرب” رائعة الروائي الفرنسي الكبير “رومان رولان” والفائز بجائزة نوبل للآداب .
– قد يستغرب القارئ(وهو يتابع خطوات هذا الحبيب في أشعار المبدع)من هكذا أسر واستسلام الحبيب لحبيبة تشن عليه حربا وتجعله يعيش معاناة الصراع معها وهو الذي ضاق ذرعا بعتاب”زهرة الهندباء”( الجميلة المعمرة في قلبه) المتواصل .
فكيف يضيق ذرعا بعتاب “زهرة الهندباء”ويستسلم ويستكين للحرب “المسلحة” التي تشنها عليه هذه الحبيبة ليكون أسيرا لحبها؟؟؟
هل أنه خسر معركة الحب معها وانتصرت عليه بحبّها الذي سكن كل كيانه ولم يستطع العيش بدونه؟
انه هو الآخر قد لا يعتبره القارئ قد خسر معركة الحب بل هو منتصر أيضا لأنه منذ رجوعها من جبهة الحرب يدرك تماما أنها رجعت وهي “مثخنة بالصبابة و البوح والأرق” وبالتالي فاستسلامه لجبروتها لم يكن ضعفا منه بل كان ايمانا منه بقوّة شخصيتها المرنه التي جمعت بين مشاعر الحب ومسؤولية الحرب .
اذ ليس من السهل أن يجد الحبيب حبيبة تلبي رغبة قلبه وعقله .لذلك لم يكن استسلامه ضعفا بل هو قوّة وربح لانه ظفر بالحبيبة ذات القوّتين :قوة القلب وقوّة العقل.
وفي هذا الاطار ما رأي المشاكس عمر دغرير؟
=== يتبع ===
=== يتبع===
2- المشاكس عمر دغرير بين الحب والحرب:
لئن جعل المبدع الحبيبة تعود من جبهة الحرب فان المشاكس جعل الحبيب في جبهة الحرب يواجه هذه الحبيبة لكن مواجهته لها دون سلاح لان سهام عينيها هو الذي أصابه في الحدق فيقول:
أراك في جبهة الحرب ليس بها أسلحة غير سهام النور
في الحدق.
لقد جعل المشاكس سعدى الوفية الى الحبيب هي من تشنّ عليه حربا عند غضبها عنه لانه يلتفت لغيرها فترغي وتزبد في وجهه مما يثير فزعه.
ولئن أثار فزع الحبيب لدى المبدع كاتم الصوت له في العنق فان الحبيبة تفزع الحبيب معنويا وماديا بصولة لسانها وسطوة أظافرها.
فحبيب المبدع مهدّد بعنف الحبيبة في حين ان الحبيبة لدى المشاكس تمارس العنف المعنوي والمادي على الحبيب وفرق بين التهديد والممارسة.
يقول المشاكس:
وكم يُفزعك لسان سعدى؟ فصوتها اذا غضبت يقرقع
كالرعد في الأفق…
وكم حاولت ان تفرّ من لهب العيون, غير أن
أظافر اليدين تشدك من العنق..
قد يتدخل القارئ هنا مستغربا من المشاكس الذي طالما رسم لنا صورة جميلة عن سعدى المسالمة الوفية في حبها للحبيب والتي هي من ” الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس” فكيف تكون بهذا العنف اللفظي والعنف الجسدي فهل أن غيظها الذي تجاوز الحدّ قد أخرجها عن دائرة العقل ليجعلها تنتقم لنفسها ولو مرّة لتشفي غليلها من حبيب لا يقدرها “حق قدرها”
لئن كان حبيب المبدع قد استسلم ايمانا منه بقوة شخصية الحبيبة فان حبيبة المشاكس سعدى قد ردّت الصاع صاعين للحبيب فشنت عليه حربا معنوية ومادية(جسدية) ولم تترك جانبا للمصالحة بينهما.
وهنا هل يمكن الحديث عن ربح وخسارة ؟ومن الرابح ومن الخاسر؟
لئن ربح الحبيبان المعركة لدى المبدع بان جعل الحبيبة تجمع بين حب الحبيب والحرب التي تشنّها عليه ايمانا منهما بان الحب هو حياة وان الحرب هي موت
فلا بدّ ان تنتصر الحياة على الموت ولعل رباعية المبدع تحمل تورية فالمبدع قد لا يحصر بذلك الحب بين الحبيبين بل قد يقصد الحب للحياة في المطلق.
اما الحبيبان لدى المشاكس فقد خسر الاثنان معركة الحب فلا الحبيبة استطاعت ان تكتم غيظها كعادتها وتكون من العافين عنه ولا الحبيب استطاع ان يطفئ حربها بالتعبير عن حبه لها رغم انه لا يستطيع ان “يفرّ من لهب العيون” .
وكأني بالمشاكس تعمّد الجام لسان الحبيب حتى لا يتصنّع تبرير أي شيء أغضب الحبيبة وأغاظها منه.
وهل أكثر من أن المشاكس قدحسم أمر هذه المعركة بأن جعلها خسارة أبدية للحبيب حين قال: فتبقى في الظلام منتحبا حتى ترضى عنك ولكن
أبدا لن تخرج من النفق…
هنا قد يعتبر القارئ ان المشاكس ألقى لنا بصيصا من الأمل في انهاء الحرب بينهما والمصالحة التي جعلها بيد سعدى أيقونته الجميلة والمتسامحة بقوله “حتى ترضى عنك”.
وكأني بالمشاكس يستدرك قليلا ليعيد للقارئ ثقته بسعدى المتسامحة والكاتمة لغيظها ليتعاطف معها .
ولكن كيف يتوقع القارئ مصالحة أوانهاء الحرب بينهما لانتشالهما من كذا مصير في العلاقة بينهما وقد ألجم المشاكس لسان الحبيب وجعله يستسلم بكل سلبية والحسم باستخدام “لن الزمخشرية التي تنفي المستقبل ” بقدره المظلم معها.
وخلاصة القول لئن استخدم كل من المبدع والمشاكس مشهد الحرب فالمبدع انتصر للحب على حساب الحرب بتجاوب بين الحبيب وحبيبته.
أما المشاكس فقد جعل انتصار الحب على الحرب مرتبطا برضاء سعدى فقط.
سلم القلمان ابداعا ومشاكسة حبّا وحربا.
بتاريخ09/08/20224
المراجع:
W https://ar.wikipedia>org>..(1)
اسقاط نفسي- ويكيبيديا
N https://thelevantnews.com>article(2)
بين الحرب والحب- ليفانت نيوز